منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى المفتوح > حوار مفتوح

حوار مفتوح إذا كان لديك موضوع ترى أهمية طرحه في منتدانا ولا يدخل ضمن الأقسام الأخرى فلا تردد بإرساله إلينا ولنناقشه بكل موضوعية وشفافية.

إضافة رد
المشاهدات 2070 التعليقات 0
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-04-2009, 09:04 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المحامي ناصر الماغوط
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي الرأي والرأي الآخر في الإسلام

خلق الله تعالى آدم أبا البشر، ثم أمر ملائكته أن يسجدوا له "فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين" (الأعراف 11) هذه القصة وردت بذات المعنى في عدة آيات من عدة سور من القرآن الكريم (البقرة 34و الإسراء 61و الكهف 50و طه 116و الحجر30 و 31) وكلها تبين أن إبليس قد عصى ربه ولم يسجد، بل أكثر من ذلك راح يتوعد للإيقاع بالإنسان وليضله عن صراطه المستقيم (الأعراف 16) وقد أخذ ذلك الحوار صيغة التحدي بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس. وتمضي القصة القرآنية العظيمة على النحو التالي: يطلب إبليس من ربه مهلة ليضل بها الإنسان، فقال له: "أنظرني إلى يوم يبعثون (14 الأعراف) فرد عليه تعالى "إنك من المنظرين (الأعراف15) وبذلك يكون الله تعالى قد أمهله واستجاب إلى طلبه لكنه قال له متوعدا وبثقة من قوته وعظمته "لأملأن جهنم منكم أجمعين (الأعراف 18)
يخطر على البال سؤال بسيط هو لماذا لم يمحق الله إبليس محقا وهو الذي "إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (آل عمران 47) فكان بذلك قد خلص البشرية من البداية من أحابيله ومكائده إلى أبد الآبدين؟ وكيف تحملت عظمته وقدرته هذا التمرد والعصيان من أحد مخلوقاته وعبيده أصلا وهو إبليس؟ الجواب من وجهة نظرنا المتواضعة، والله أعلم، أن الله تعالى قد شاء وجود الشيء وضده. وهو انطلاقا من كونه "علام الغيوب" (التوبة 78) يعرف سلفا بأن رد فعل إبليس سيكون كما حدث على أرض الواقع تماما، ومع ذلك رضي بهذه النتيجة ليقدم للإنسانية درسا في لزوم الرأي والرأي الآخر والشيء وضده للاقتداء به والاستفادة منه على مر العصور والدهور ضمانا لاستمرار الحياة بالطريقة الإنسانية الراقية. أيضا قدم الله برهانا قاطعا أزليا على لزوم وجود الشيء وضده عندما خلق رمزا للشر مقابلا للخير المطلق الذي يمثله هو وكل من يهتدي بهديه ونوره، وفي ذلك ثنائية تعتبر أساسا للحياة لا تخفى على أحد. ومنها تم اشتقاق كل الثنائيات في الطبيعة: الظلام والنور، الوجود والعدم، الحياة والموت، العدل والظلم، الجمال والقبح، الحرية والإرهاب الخ.. ومعروف أنه لا سب يل لمعرفة الشيء وحسنه إلا من خلال وجود ضده، وقديما قال الشاعر: الضد يظهر حسنه الضد.
هذه القصة – العبرة التي جاء بها القرآن الكريم متقدمة فكريا على الوعي السائد، ليس لدى المتدينين المتعصبين فحسب بل وحتى على فهم قادة وعناصر الأحزاب العلمانية – خصوصا في بلادنا – هذه الأيام. لقد رضي الله أن يحاور إبليس وأبقى عليه رغم أنه عصى أمره بينما أمراء الجماعات الدينية وأصحاب الأحزاب السياسية في هذه الأيام يلغون سواهم بكل ما أوتوا من قوة ونفوذ: يكفرون ويقتلون ويطلقون الناس من زوجاتهم، يقضون ويفتون على هواهم في أمور الدين والدنيا. لهؤلاء تمثل هذه القصة القرآنية عبرة ودرسا ومثلا يحتذى عما يمكن أن نسميه بـ "ديموقراطية الخالق" عز وجل الذي لم يفن إبليس الذي اختلف عنه بالرأي بل استوعبه وتركه وشأنه. إن الله تعالى هو "خالق كل شئ" (غافر62) فهو الذي خلق الإنسان مخيرا وليس مسيرا وأسبغ عليه نعمة العقل وبه ميزه على من عداه من باقي المخلوقات الأخرى الموجودة على سطح هذا الكوكب، وبدون هذا العقل كان الإنسان مثله مثل أي كائن حي آخر غير عاقل، ولو أنه لم يشأ هذا التنوع والاختلاف لما حدث ذلك أصلا وهو القائل: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" (هود 118) بينما قرر الحق الإلهي "فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" (الكهف29)
لاشك في أن الله تعالى هو أعظم من أن يهدد مركزه أحد من خلال قول أو حتى فعل، وهو أرفع مستوى من أن يخشى من رأي أو من مقال، ولو كان كذلك لما خلق الإنسان من البداية بهذا العقل الذي يميل نحو التشكيك والمزيد من التفكير، وبقدر ما يكون العقل لامعا بقدر ما يميل نحو المناقشة وتقليب الموضوع من جميع جوانبه قبل أن يقبل بأي فكرة أو نظرية أو مبدأ، وهذه سمة يمتاز بها الإنسان على غيره من المخلوقات الموجودة على ظهر هذا الكوكب، ولو شاء الله غير ذلك لكان اكتفى بهذه الحيوانات الموجودة في الطبيعة.
لو فهم الآخرون هذه القصة القرآنية العظيمة لتعايشوا فيما بينهم ولما أعطى أحد منهم لنفسه الحق في مراقبة الآخرين وتكفيرهم وإغلاق باب الاجتهاد في وجههم. من حقنا وواجبنا أن نلفت انتباه هؤلاء المحتسبين، إلى أن طريقتهم في فهم الدين والدفاع عنه لها أثر عكسي وفيها إساءة كبيرة للدين الذي يظهر ضعيفا هشا غير قادر على الصمود في وجه المنطق والمناقشة، وهو مناف لقصد الخالق الذي شاء التنوع والاختلاف والرأي بدليل أنه خلق الإنسان كائنا عاقلا. وقد قال الرسول (ص) بأن" اختلاف أمتي رحمة " لأن مثل هذا الاختلاف والتنوع هو مصدر تطور وسر استمرار الدين والفكر، إذ أن الموت في الاستقرار الذي يؤدي إلى الجمود. وقد أدرك الرسول الكريم ذلك فحض على استخدام العقل والاجتهاد حينما قال: "من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد " إذن الاجتهاد دائما مثاب عليه لأن فيه استخدام للعقل. ولولا أن ذلك من صلب الدين لما عرفنا التنوع والغنى في المذاهب الإسلامية من حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية وجعفرية وزيدية. وحتى ضمن كل مذهب هناك مدارس واتجاهات ومشارب، فماذا نريد أكثر من هذه الأدلة لنثبت أن مبدأ الرأي والرأي الآخر هو مبدأ أوجده الخالق مع وجود الإنسان ضمانا لاستمرار الحياة وتميزها عن حياة باقي المخلوقات في الطبيعة. وإذا كان ثمة من يظن بأن على عاتقه وحده تقع مسؤولية حماية الدين فليطمئن لأن الله تعالى قد قال : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " (9 الحجر).

منقول عن مقالة للمحامي ناصر الماغوط
نقله للمنتدى عمر الفاروق







آخر تعديل المحامي ناهل المصري يوم 08-02-2011 في 12:08 AM.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
منهج الإسلام في مكافحة الجريمة00 المحامية علياء النجار أبحاث في الفقه الإسلامي 1 06-01-2008 02:30 PM
عندما تنقلب العولمة على نفسها فيصل القاسم حوار مفتوح 4 06-12-2006 03:44 PM
هذا هو الإسلام .. دين ودنيا المحامية علياء النجار قضايا للمناقشة 0 07-08-2006 10:12 PM
حرية الرأي في الفقه السياسي الاسلامي المحامي ناهل المصري أبحاث في الفقه الإسلامي 0 25-04-2006 04:32 AM


الساعة الآن 06:01 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع