يرمونه في صندوق السيارة بعد أن رفضه مأوى العجزة
لا يعرفون ما الذي يفعلونه مع الشاب علي ( 25 عاما) وهو لا يعرف أين يذهب بنفسه. فوجئ به بعض أصحاب المحال التجارية على كرسيه المتحرك بجانب ساحة "السبع بحرات"، لم يكن يضع قطعة قماش ليرمي عليها المارة فتات نقودهم، ولم يُظهر أجزاء من جسد مشوه تستجدي الشفقة. علي ليس متسولا.
حاول الكثيرون إقناعه بأخذ بعض النقود، ومن ثم الرحيل بعيدا، لكن إلى أين..؟.
الأرجح أنهم ليسوا حاقدين عليه، منظره لا يعكر مزاجهم إلى هذه الدرجة. لكن نفسه عزيزة كما يقول أحد أصحاب المحال القريبة "لم يقبل النقود، وأجبرناه على تناول الطعام". منذ ثلاثة أيام وهو على حاله يحتمي بالجدران. علي مواطن لديه هوية سورية ، ليس مجهولا، وهو من قرية تقع شرقي تدمر، أليست سوريا و تلك المنطقة مهد الحضارة!. يريد لنفسه أن ترتاح في مكان ما، لذلك توجه إلى مأوى العجزة، كاحتمال أخير لكرامة كائن بشري بعد أن ضاقت به بيوت الأهل والأقارب، والشارع ليس بيتا لإنسان صحيح الجسد، فكيف به لمقعد؟! ذهب كما نصحوه إلى المأوى مباشرة، لكن المسؤولين هناك "رفضوا استقباله لأن الأمر يستلزم طلبا من المحافظة، وموافقة منها و أوراق مختلفة تثبت عجزه و علته..". وليكن إذا، لا أحد، أو قانون، يلزم موظفي المأوى على إسداء خدمة لمقعد واستكمال أوراق دخوله (جنتهم)!.
وعلي بدوره حسب ما أخبرنا من عرفوه عن قرب اعتاد على التعتير. يقصد المحافظة ويحصل على الأوراق المطلوبة ثم يعود آملا بانتهاء هذه المعمعة.. "مزقوا الأوراق و معها آخر أمل ولم يسمحوا لي بدخول المأوى".
يعود إلى الاحتماء بالجدران الباردة . التجار الذين يرونه يوميا ضاقوا ذرعا بوضعه "هذه تعاسة لا يستطيع أي إنسان تجاهلها" حسب أحدهم . اتصلوا بشرطة النجدة التي حولت الأمر إلى قسم شرطة "عرنوس".
من الصعب على إنسان متأكد من أنه (إنسان) عدم الإحساس بالمرارة أمام قسوة المشهد. عناصر من الشرطة يحملون علي من كرسيه النقال، لا يضعونه في المقعد الخلفي للسيارة، يركنونه في صندوقها الخلفي ، الذي بالكاد يتسع لسحارتي (بطاطا)، و عندما حاولنا الاستفسار عن فيض إنسانية عناصر الشرطة في التعامل مع شاب مقعد أجابنا أحدهم متسائلا" هل تعتقد أن هذا المنظر لائق في الشارع...." ثم يطوون الكرسي ويضعونه بجانب الكائن المتكور في الخلف، والمرتجف بردا.. وذعرا. تمضي السيارة، ويمضي علي إلى المجهول.. يمكن رؤية وجهه من الزجاج الخلفي "ربي لماذا تخليت عني" ربما يردد هذه العبارة في سره. هل وقعت عيناه على اللافتات التي ترفض الضغوط؟.. والكثير منها يقول "سوريا الله حاميها". يحق له التساؤل.. "هل عجز عن حمايتي أنا..". هذا السؤال يجيب عنه من يعتبرون أنفسهم (وكلاء الله على الأرض)، إذا كان لهم وجود طبعا.