الإدراة الجماعية لحقوق الملكية الفكرية

المحامي : ربيع خشانة  الخبير الاستشاري القانوني المشرف على مديرية حماية حقوق المؤلف
سنة النشر :2003
 

المبدع في شتى مجالات الإبداع العلمية والأدبية والفنية هو الحلقة الأهم في بناء المجتمعات والحضارات دائماً الحضارات تبنى بجهود المبدعين من أبناء الأمم وهم الشمعة التي تحترق لتضيء الدرب للمجتمعات .
كلكم يعلم مدى تأثير أمثال ابن سينا والرازي والفارابي وابن زهر والزمخشري وابن عبد ربه في اغناء الحضارة العربية الإسلامية بالمؤلفات والإبداعات المهمة في شتى الميادين .
لقد كان للحضارة الإسلامية إشعاعها الذي استفادت منه الحضارة الغربية اليوم ، وقد علم أرباب الحضارة الغربية سر نجاح الحضارة العربية الإسلامية وهو احترام وتأمين المبدعين من كافة النواحي المادية والاجتماعية وقد فهموا أنه يمكن أن ينشأ مبدع في بيئة فقيرة لكنهم آمنوا أن استمرار فقره سيؤدي إلى وفاة إبداعه .
درسوا بشكل عميق كيف كانت تتعامل الدولة العربية الإسلامية سواء من عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والعصر الأموي ثم العصر العباسي مع مبدعي الأمة الإسلامية .
وكيف كانت عطاءات الخلفاء لعلماء الأمة ومبدعيها ودعمهم اللا محدود لهم . ولذلك فإن الغرب استفاد من الدرس وأجمعوا أن لا يضيع حق لمبدع مهما كان صغيراً سواء كان هذا الإبداع في مجال العلم أو الأدب أو الفن بشتى أنواعه .
لذلك فبدل أن تقوم الدولة بإعطاء المبدعين حقوقهم المادية والمعنوية وما في ذلك من محاباة أحد المبدعين على الآخرين .
تنادى أصحاب الرأي لتأسيس ما يدعى بالإدراة الجماعية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة:
"COLLECTIVE ADMINISTRATION OF COPYRIGHT AND NEIGHBORING RIGHTS"
أول إدارة لحقوق المؤلفين حاربت من أجل الاعتراف بحقوق المؤلفين على أعمالهم أسست في فرنسا وقد ارتبط اسم هذه الادارة بالسيد ( بيمرشه ) .
وقد قاد هذا الشخص قضية مطالبة المسارح في باريس لاحترام والاعتراف بحقوق المؤلف المادية والمعنوية على النص الذي يؤدى مسرحياً .
وقد قاد انتصاره في هذه القضية إلى تأسيس أول إدارة جماعية لحقوق المؤلفات الدرامية في العام 1777 م والذي عرف فيما بعد اختصاراً بـ (SACD) (Socete de auteeurs et compositeurs dramatiques)
وقد انضم إلى هذه الجمعية أعلام الأدب الفرنسي من أمثال فيكتور هيوغو بعد ذلك بنصف قرن .وقد دعيت فيما بعد ((socite des gens de lettery)) SGDEL .
وقد اجتمعت الهيئة العامة أول اجتماع في العام 1837 .
وحصل أول تطور فيما بعد عندما رفع اثنان من المؤلفين الموسيقيين هما (بون هينريون) و(فيكتور باراتسون) وكاتب اسمه (ارنست بورغيت) وبدعم وتأييد من أحد الناشرين لأعمالهم دعوى على مطعم الـ (امبيسورد)) و(الكافي كونسيرت) في شارع (شامبي ايلسي) في باريس .
وقد أوضحا في الدعوى أن من غير المعقول أن عليهم أن يدفعوا لمقاعدهم وثمن وجباتهم لمطعم الامبسيدور ولا أحد يدفع لهم عن الأعمال العائدة لهم والتي تؤدي من قبل الاوركيسترا وقرروا أن لا يدفعوا طالما لا يدفع لهم حقوقهم المترتبة عن أعمالهم .
وقد تم إلزام صاحب ((الامبسيدور)) بموجب قرار محكمة أن يدفع للملحن وكاتب النص تعويضات البث الثانوي لاعمالهم وكان من الواضح صعوبة أن تتم المطالبة بهذه الحقوق بشكل إفرادي وهذا ما أدى إلى تأسيس وكالة التحصيل عام 1950 والتي دعيت فيما بعد بالـ ((SACEM)) societe de auteurs , compositers et editeurs de musique)) وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تم تأسيس إدارات مؤلفين مشابهة في معظم الدول الأوربية ودول أخرى في العالم وتعاظم التعاون بين هذه الإدارات مما استدعى وجود إدارة دولية للتنسيق بين فعاليات هذه الإدارات والتعاون من أجل حماية أفضل لحقوق المؤلفين عبر العالم .
وفي حزيران عام 1926 اجتمع ممثلوا /18/ ثمانية عشر إدارة لتأسيس الكونفدرالية الدولية لمجتمعات المؤلفين والملحنين التي يعبر عنها باللغة الإنكليزية :International confederation of societies of Authores and composers (CISAC) وقد اتسع عدد الإدارات المنضمة إلى CISAC حتى شملت الإدارات التي تعمل في أنماط أخرى من المصنفات مثل مصنفات الفنون الجميلة ، المصنفات السمعية المرئية من أمثال هذه المجتمعات (ASCAP) في الولايات المتحدة الأمريكية و (PRS) في المملكة المتحدة و(GEMA) في جمهورية ألمانيا الفيدرالية و(SIAE) في إيطاليا .
وقد تأسست عدة جمعيات في دول العالم الثالث وأوروبا الشرقية من أمثال (VAAP) في روسيا و(ARTISJUS( في هنغاريا وجمعية (BSDA) في السنغال وفي الدول العربية (ONDA) في الجزائر جمعية حماية حقوق المؤلفين الجزائرين و(BMDA) في المغرب أيضاُ في لبنان SASAML وفي مصر SACRO إذاً ان الإدارات الجماعية لحقوق المؤلفين تأسست في معظم الدول لأهميتها في دعم الإبداع والمبدعين وغالبية هذه الإدارات تهتم بالموسيقا والآداب والفنون .
وعمل هذه الإدارات يتلخص على الشكل التالي :
يتقدم صاحب الحق الأدبي أو الفني أو العلمي إلى الإدارة الجماعية بتنازل عن حقوقه في البث الثانوي مقابل أن تقوم هذه الإدارة بجباية بدلات استخدام الحقوق من مستخدمي هذه الحقوق كمحطات البث والفنادق والمطاعم وتقوم بإعادة توزيعها بعد أن تحسم نسبة من الإيرادات لتغطية نفقاتها الإدارية في الدول المتقدمة لا تتجاوز نسبة الحسم من 8- 11 % أما في الدول المتخلفة فإنها قد تتجاوز70 % في بعض الحالات .مما يجعل أدائها فاشلاً لأن ما يجنى من حقوق لا يعود إلى أصحاب الحقوق بل يوزع على الإدارة الضخمة المترهلة .
حتى لا نقع في أخطاء الآخرين فإننا قد وضعنا مجموعة من الأسس للجمعية السورية للملكية الفكرية أهمها أن لا تتجاوز نسبة الحسم 15 % من مجموع إيرادات الجمعية حتى لا تصبح الجمعية ذاتها عبئاً على الابداع والمبدعين بدلا أن تكون عوناً لهم .
بحثنا تاريخياً ماهي الإدارة الجماعية لحقوق المؤلف وماهو واقعها في الدول المتقدمة والنامية.

والآن لنقف على مشاكل المبدعين السوريين :

أولاً : الانخفاض العام في دخول المبدعين الناجمة عن الابداع في شتى المجالات الأدبية والفنية
والعلمية لعدة أسباب أهمها عدم وجود جهة عامة أو خاصة تتبنى ابداعاتهم .
ثانياً : عدم حصولهم على تعويضات البث الثانوي على ابداعاتهم من مستخدمي حقوق
الملكية الفكرية .
ثالثاً : عدم احترام مستخدمي حقوق الملكية الفكرية لأحكام الملكية الفكرية بالمجمل .
رابعاً :تعود ريعية أعمال المبدعين إلى قلة من الأفراد الذين لا يهمهم سوى الربح مشروعاً كان
أو غير مشروع .
خامساً: عدم قناعة المبدعين بالنقابات التي ينضمون إليها وبالتالي احجامهم عن التعاون
البناء مع هذه النقابات .
سادساً: افتقار النقابات التي تضم الكثير من المبدعين إلى الأموال والتي تصبح عبئاً على
المبدعين بدلاً من أن تساعدهم .
سابعاً: يعتبر أغلب المبدعين بأن هروبهم بإبداعاتهم خارج حدود الوطن خير لهم من البقاء
بسبب التقدير الكبير لإبداعاتهم خارج الوطن .
ثامناً : اعتمادهم على أعمال روتينية وترك عملية الإبداع لأوقات الفراغ عملاً بمقولة :
(( يجب أن نعيش قبل نتفلسف))رغم أنهم يريدون عكس ذلك . لكنها الضرورة .
السؤال الأهم :
هل يشكل تأسيس الجمعية السورية للملكية الفكرية حلاً لبعض مشكل المبدعين في المجالات الأدبية والفنية والعلمية ؟
نعم ، خاصة المشاكل المادية .
لقد شبع المؤلفون والمبدعون من التأييد المعنوي لإعمالهم وإبداعاتهم وهم الآن بأحوج ما يكونوا إلى الدعم المادي لارتقاء الإبداع ونهضة حقيقية في الإبداع السوري في مجالاته العلمية والأدبية والفنية .
ما هي مصادر تمويل الجمعية السورية للملكية الفكرية ؟
هي جمعية غير ربحية علمية تهدف إلى الارتقاء بالإبداع في المجالات الأدبية والفنية والعلمية تحصل الجمعية على التمويل اللازم لأداء أعمالها من خلال تقاضي نسبة من التحصيل على التعويضات التي يدفعها مستخدموا الحقوق .
ما هي الجهات المستخدمة لحقوق الملكية الفكرية (حقوق المؤلفين و الحقوق المجاورة ) كل شخص اعتباري مهما كان شركة – هيئة – مؤسسة- (( مثال هيئات البث الإذاعي والتلفزيوني ، الفنادق ، المطاعم ... الخ))
تطلب هذه الجهات أذونات استخدام الحقوق من الجمعية مقابل تعويض عن هذا الاستخدام وتحسم الجمعية نسبة لا تتجاوز 15% من الإيرادات لتغطية نفقاتها .
هذه لمحة بسيطة بين الإدارات الجماعية وعن تقدمنا في تأسيس الجمعية السورية للملكية الفكرية . نرجو أن تلاقي هذه المقترحات سبيلها للتحقيق لما فيه خير الإبداع الوطني والمبدعين .
شكراً لإصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




التاريخ : الاثنين 11/8/2003
المحاضر المحامي ربيع خشانة