مقالات

حديثة

انعدام الأحكام لاعتلال الخصومة في ضـوء اجتهاد محكمة النقض السورية

المحامية : وجدان السايغ

 

سنة النشر :2008

انعدام الأحكام لاعتلال الخصومة

في ضـوء

اجتهاد محكمة النقض السورية

 للمحامية الأستاذة وجدان السـايغ / مـن فـرع دمشــق

 1-        مقـدمـــة :

حتى تتوافر في الحكم أركانه الأساسية يجب أن يكون صادراً عن جهة قضائية مختصة ومن محكمة مشكلة تشكيلاً صحيحاً في خصومة صحيحة وأن يكون الحكم مكتوباً ،

ولكي تنعقد الخصومة في الدعوى يتعين أن تعلن صحيفتها إلى المدعى عليه ، وأن يكون كل من طرفيها أهلاً للتقاضي ، وإلا فإنها تعد معدومة هي وجميع الأحكام التي تصدر فيها ([1]) .

والحكم بمعناه الخاص هو القرار الذي يصدر عن محكمة مشكلة تشكيلاً صحيحاً في خصومة رفعت إليها وفق قواعد المرافعات سواء كان صادراً في موضوع الخصومة بشق منه أم في مسألة متفرعة عنه ، وعلى أن يصدر هذا الحكم بمحرر مكتوب ، فإن لم يصدر الحكم عن هيئة صحيحة أو بدون محرر مكتوب أو على شخص سبق أن توفي قبل رفع الدعوى أو أصيب بالجنون بما يعدم أهليته ولم يختصم ممثله القانوني ، أو على شخص لم يعلن بصحيفة الدعوى أو أعلن بطريقة ملتوية توصلاً إلى إدخال الغش على المحكمة واستصدار حكم بطريق الغش في غفلة من الخصم فإن الحكم الذي يصدر في مثل هذه الحالات يعتبر معدوماً ويجوز التمسك بهذا الانعدام إما بطريق الدفع أو بإقامة دعوى مبتدئة ، أما إذا كان العيب الذي شاب الخصومة من شأنه أن يشوبها بالبطلان دون أن يعدمها كيانها فإن الحكم يكون باطلاً لا معدوماً ([2]) .

فإذا فُقد ركن من هذه الأركان اعتبر القرار معدوماً ، وعلى ذلك فإن الخصومة هي أحد الأركان الأساسية للحكم ، وإن (( حالة صدور الحكم دون خصومة أي انعدام أحد أركانه الأساسية تجعله والعدم سواء .. )) ([3].

وسنخصص الحديث عن الخصومة وأثرها في انعدام الحكم .

2-        إقامة الدعوى ابتداءً على ميت :

إن الدعوى التي تقام على ميت تعتبر والعدم سواء ، وقد بيّنت محكمة النقض أنه :

(( إذا أقيمت الدعوى على ميت فإن المطالبة بهذه الصورة تكون مطالبة معدومة باعتبار أن انقطاع الخصومة يشترط أن يتحقق سببه بعد بدء الخصومة أي بعد المطالبة القضائية ، وإن حدوث السبب قبل ذلك أي قبل إيداع الصحيفة قلم الكتّاب ، يؤدي إلى اعتبار المطالبة القضائية معدومة ولا ينطبق عليها أحكام سير الدعوى ، وإن الأحكـام التي تصدر تكون معدومة ولا يلحقها التصحيح باعتبار أن المعدوم هو والعدم سواء ولا يترتب عليه أي أثر قانوني ولا يلزم الطعن به للتمسك بانعدامه بحسبان أن الرد على حالة الانعدام لا تجعله صحيحاً ولا يجدي النزول عن التمسك بالانعدام لأن هذا النزول لا يمنح الحكم الركن الأساسي الذي يفقده )) ([4]) .

إلا أن محكمة النقض وبقرار لاحق لها سارت على غير هذا النهج فذهبت إلى أن :

(( إقامة الدعوى على شخص يظهر أنه ميت يعتبر نوعاً من القوة القاهرة التي تعطي الحق للمحكمة ولأي من الطرفين إدخال جميع الورثة والسير في الدعوى بمواجهتهم دون أن تطالها حالة الانعدام لأنه طالما أن المدعي لا يعلم بواقعة الوفاة وطالما أن الوفاة ثابتة قبل إقامة الدعوى وطالما أنه لا يوجد أي دليل على واقعة العلم بالوفاة فإن تصحيح الخصومة ومخاصمة الورثة في محله القانوني ولا تنال منه حالات الانعدام التي أشار إليها العلامة أحمد أبو الوفا في كتابه "نظرية الأحكام" لأنه لا يجوز مساءلة الإنسان على واقعة لم يعلم بها ولا يجوز إعدام هذا التصرف طالما أن الجهل والغموض يحيطانها عند إقامة الدعوى ، وبالتالي فإن تصحيح الخصومة والسير بإجراءات المحاكمة بمواجهة الورثة من الإجراءات السليمة ، وهذه الحالة تختلف عن حالة صدور القرار على إنسان أقيمت الدعوى عليه وهو ميت باعتبار أن الخصومة في هذه الحالة لم تنعقد أصلاً )) ([5]) .

كما ذهبت محكمة النقض إلى أن :

(( الدعوى ولئن أقيمت ابتداءً على ميت فإن تصحيح الخصومة قبل انعقادها جائز قانوناً بمواجهة الورثة بحسبان أن الانعدام يلحق الحكم في حال صدوره على ميت ، أما وأن الدعوى في مراحلها الأولى ولم يصدر أي قرار بمواجهة الميت ، كما أنه لم تنعقد الخصومة حين طلب دعوة الورثة ، فإن تصحيح الخصومة جائز )) ([6]) .

غير أن محكمة النقض ما لبثت أن عادت وأكدت أنه :

(( إذا صدر الحكم على شخص متوفى قبل رفع الدعوى عليه ، فإن القرار يكون قد صدر بدون خصومة وبالتالي فإن الحكم يعتبر معدوماً ، وإن هذا الانعدام لا تلحقه الإجازة ولا يسقط بالتقادم فالحكم المعدوم غير موجود وهو والعدم سواء )) ([7]) .

وأن :

(( الدعوى التي تقام على ميت تعتبر معدومة ولا يمكن إجراء أي تصحيح بشأنها ومن الموجب رد الدعوى لأنها أقيمت على ميت ، والدعوى المعدومة هي والعدم سواء وتعتبر كأنها غير موجودة )) ([8]) .

كما أكدت محكمة النقض أن :

(( إقامة الدعوى على ميت غير جائز بحكم القانون لأن الخصومة تكون غير قائمة وكل حكم يصدر بالاستناد إليها يكون معدوماً ، وإن هذا الانعدام لا يمكن تصحيحه خلال سير الدعوى )) ([9]) .

وقد حسمت الهيئة العامة لمحكمة النقض هذه المسألة ووضعت المبدأ الذي يحكم هذه الحالة بأنه :

(( أ - إذا كان عيب الخصومة قائماً قبل رفع الدعوى كالوفاة أو فقدان الأهلية أو نقصها فالحكم الصادر تبعاً لذلك يكون معدوماً .       ب- أما إذا كان هذا العيب قد حصل خلال سير الدعوى وسكت عنه الأطراف ولم يظهر للمحكمة كان الحكم باطلاً )) ([10]) .

كما أكدت الهيئة العامة لمحكمة النقض المبدأ المذكور بقولها :

(( حيث أن أحد المدعى عليهم كان متوفياً بتاريخ إقامة الدعوى واستمرت الدعوى وصدرت ضد المتوفى ، وحيث أن صدور القرار ضد ميت كانت الدعوى قد أقيمت بمواجهته يجعل هذا القرار معدوماً ولا تنطبق عليه أحكام المادة /165/ أصول محاكمات التي تنص على أنه يجوز الحكم بالدعوى على أحد أطرافها الذي يتوفى أثناء سير الدعوى وتكون الدعوى جاهزة للحكم بتاريخ وفاته وذلك على اعتبار أن المدعى عليه لم يكن على قيد الحياة عند إقامة الدعوى عليه وتوفي أثناء سير الدعوى وإنما أقيمت عليه ابتداءً وهو ميت ، وحيث أن القرار الصادر بالدعوى يعتبر معدوماً والمعدوم لا أثر له ابتداءً ولا يظهر إلى الحياة أي لا شيء يجعله موجوداً سواء تم الدفع بالوفاة قبل صدور القرار المعدوم أو لم يتم )) ([11]) .

3-        حالة عدم تسجيل واقعة وفاة المدعى عليه على صحيفة القيد المدني قبل إقامة الدعوى :

ويبدو من متابعة اجتهاد محكمة النقض أن تاريخ تسجيل واقعة وفاة المدعى عليه على صحيفة السجل المدني للمتوفى وفيما إذا كان قبل تاريخ إقامة الدعوى أو بعده هو الحد الفاصل لانعدام صحيفة الدعوى أو جواز تصحيح الخصومة واستكمالها بإدخال ورثة المدعى عليه في الدعوى .

فإقامة الدعوى على ميت لم يتم تسجيل واقعة وفاته في صحيفة قيده المدني قبل إقامة الدعوى يتيح للمدعي تصحيح الخصومة واستكمالها بطلب إدخال ورثة هذا المتوفى المدعى عليه في الدعوى حسبما اتجهت إليه محكمة النقض مؤخراً .

فقد ذهبت محكمة النقض – غرفة المخاصمة إلى القول :

(( إن الذي يشهر وفاة الشخص هو تدوين واقعة الوفاة في صحيفة قيده المدني ، وحيث أن واقعة الوفاة لم تكن مسجلة على صحيفة قيد المدعى عليها بتاريخ إقامة الدعوى وكان القيد هو الذي يشهر الوفاة بالنسبة للغير ومنهم المدعي بالمخاصمة ، وحيث أن إقامة الدعوى على المتوفاة دون أن تكون الوفاة مسجلة على صحيفة القيد المدني للمتوفى يتيح في مثل هذه الحالة للمدعي تصحيح الخصومة واستكمالها بإدخال ورثتها في الدعوى وتبليغها إياها ... )) ([12]) .

ولكن ماذا لو كان المدعي يعلم بواقعة الوفاة غير المسجلة في قيود السجل المدني وتقدم بدعواه ضد هذا الشخص المتوفى ؟

وبعبارة أخرى ، هل العبرة في حالة إقامة الدعوى على ميت هي لواقعة وفاة المدعى عليه أم لقيود هذه الواقعة في السجل المدني أم لعلم المدعي بها ؟

وما مدى انسجام ما ذهبت إليه محكمة النقض غرفة المخاصمة في اجتهادها آنف الذكر والذي أتاح تصحيح الخصومة في الدعوى المقامة على ميت ، في حالة عدم تسجيل واقعة وفاته في القيود بتاريخ إقامة الدعوى ، مع المبدأ الذي قررته الهيئة العامة لمحكمة النقض والذي يقضي بأنه إذا كان عيب الخصومة قائماً قبل رفع الدعوى كالوفاة .. فالحكم الصادر تبعاً لذلك يكون معدوماً ؟

جميعها أسئلة يثيرها اجتهاد محكمة النقض – غرفة المخاصمة وهي جديرة بالبحث والنقاش .

 

4-        إقامة الدعوى على شخص فاقد الأهلية :

استقر الرأي على أن الخصومة غير الصحيحة من شأنها أن تجعل الحكم الصادر في الدعوى معدوماً فإذا كانت الخصومة معدومة فهي والحكم الصادر في حكم العدم .

وقد بيّنت محكمة النقض أن :

(( الحكم يعتبر معدوماً على من فقد أهليته قبل رفع الدعوى عليه أو على من لم يكن ممثلاً فيها على وجه الإطلاق ، فإذا كانت المدعى عليها المحكوم عليها محجورة لذاتها لإصابتها بالعته الشيخي ، وكان هذا يعود إلى عام 1987 وقد تم الحجر عليها من قبل القضاء الشرعي بتاريخ 21/6/1990 فإن قرار تثبيت البيع الصادر بتاريخ 12/5/1990 عن قضاء البداية وما حواه يعتبر معدوماً لأنه صادر على شخص كان فاقد الأهلية )) ([13]) .

كما أكدت غرفة المخاصمة في محكمة النقض أنه :

(( إذا كانت الخصومة معدومة فتغدو هي والحكم الصادر في حكم المعدوم )) ([14]) .

 

5-        عدم إعلان صحيفة الدعوى إلى المدعى عليه أو إعلانها إليه بإجراء معدوم :

إن الانعدام هو أعلى درجات البطلان المطلق وهو يترتب في حال عدم تبليغ المدعى عليه صحيفة الدعوى أصلاً ، أما في حال وجود تبليغ معيب فإن هذا العيب لا ينحدر بالقرار إلى درجة الانعدام وإن القاعدة المطبقة هي أن الانبرام يغطي البطلان ([15]) .

ويعتبر الحكم معدوماً إذا صدر على من لم يعلن إطلاقاً بصحيفة الدعوى أو على من تم إعلانه بإجراء معدوم كما إذا ثبت بحكم من القضاء تزوير محضر الإعلان ففقد الإعلان كيانه ووجوده ، إلا أنه لا يعتبر الحكم معدوماً في خصومة صحيفتها باطلة لعيب في الإعلان أو لنقص في بياناتها .

وقد كرست محكمة النقض مبدءاً عاماً بهذا الصدد بقولها :

(( 1- إن الحكم على من لم يعلن إطلاقاً بصحيفة الدعوى يعتبر معدوماً وكذا الحكم الصادر على من تم إعلانه بإجراء معدوم .

  2- إن المبني على المعدوم يعد معدوماً كما إذا كانت صحيفة الدعوى معدومة كأن لم تعلن إطلاقاً إلى المدعى عليه أو أعلنت في مكان لا ينتمي إليه بأي صلة فإن الحكم الصادر فيها يعد هو الآخر معدوماً )) ([16]) .

وأنه :

(( إذا كان لا يوجد في أوراق الدعوى ما يدل على تبلغ الطاعن للقرار البدائي ، كما لا يوجد فيها ما يدل على تبلغ الطاعن مذكرات الدعوة والإخطار أمام محكمة الدرجة الثانية ، مما يجعل القرار قد صدر على شخص لم تبلغ مذكرات دعوته وإخطاره وبالتالي فهو والعدم سواء لأنه صدر ضده بدون خصومة )) ([17]) .

كما بيّنت محكمة النقض أنه :

(( لما كان القرار الطعين قد صدر قبل اكتمال خصومة المستأنف عليهم يجعل القرار معدوماً لفقدان أحد أركانه بوجوب صدوره في خصومة وهي مسألة من النظام العام تثار في أي مرحلة وعلى محكمة النقض أن تأخذ بها من تلقاء نفسها وفق المادة 252/6 أصول محاكمات )) ([18]) .

وقد أكد الاجتهاد القضائي أن (( السير بالدعوى لدى المحكمة .. دون تبليغ صحيح يجعل الحكم معدوماً )) ([19]) .

كما أنه إذا قررت المحكمة إخراج شخص من الدعوى ثم صدر الحكم ضده فيكون الحكم صادراً دون خصومة مما يجعله معدوماً ([20]) .

كذلك فإن جميع الإجراءات المتخذة قبل انعقاد الخصومة لا أثر لها ولو حضر المدعى عليه وقَبِل بها ، فقد أكدت محكمة النقض أنه :

(( - لا أثر للإجراءات المتخذة قبل انعقاد الخصومة ولا يصححها حضور المدعى عليه فيما بعد وقبوله بها لأنها بالأصل غير موجودة .

- الحكم الذي يصدر بدعوى لم يبلغ استدعاؤها إلى المدعى عليه يعتبر معدوماً لأن الخصومة لا بدّ منها في الدعوى )) ([21]) .

والانعدام كما أنه يلحق الأحكام فهو يلحق أيضاً الإجراءات التي تبنى عليها الأحكام فإذا كان الإجراء معدوماً كان الحكم الذي بني عليه معدوماً أيضاً فإذا قبلت المحكمة حضور الولي وكان ولده راشداً فإن الجلسات التي حضر فيها الولي تكون معدومة والحكم الذي بني عليها يكون معدوماً أيضاً ([22]) .

 

6-        المحكمة المختصة بالبت في دعوى الانعدام :

إذا أصبح الحكم قطعياً عدّ في نظر المشرع عنواناً للحقيقة والصحة وأُغلق كل سبيل لإعادة النظر فيه ، فطرق الطعن هي الوسائل التي حددها القانون على سبيل الحصر والتي بمقتضاها يتمكن الخصوم من التظلم من الأحكام الصادرة عليهم بقصد إعادة النظر فيما قضت به بسبب يتعلق بالشكل أو الموضوع ، بشرط أن يرفع الطعن في الميعاد المعين ، ولا يجوز التظلم من الأحكام أو التمسك ببطلانها بغير الطعن بها أي أنه لا يجوز أن ترفع دعوى مبتدأة بطلب بطلان الأحكام ، وإن القواعد المقررة للطعن في الأحكام لا تسري في أحوال الانعدام ، ومن ثم يجوز أن ترفع دعوى مبتدأة بطلب انعدام الحكم كما يجوز التمسك به على صورة دفع في أية خصومة تستند إلى الحكم المعدوم ([23]) .

وإن المحكمة المختصة بالفصل في انعدام الأحكام هي المحكمة التي أصدرته .

فقد أكدت محكمة النقض أن :

(( المحكمة مصدرة القرار المعدوم هي المختصة للنظر في دعوى إعلان انعدام الحكم إذا أغلقت أبواب الطعن الأخرى ، وللخصوم الخيار إما أن يطعنوا بالحكم إذا كان قابلاً للطعن أو أن يتقدموا ، إذا لم يكن قابلاً للطعن ، إلى المحكمة التي أصدرته لتقرير انعدامه ، لأن الانعدام لا يغير من طرق الطعن ولا من قواعد الاختصاص وإنما يفيد أن الحكم لا وجود له )) ([24]) .

كما ذهبت محكمة النقض إلى أن دعوى مخاصمة القضاة لا تصلح إذا كان الحكم المخاصم معدوماً ، فقد أكدت المحكمة أنه :

(( إذا كان في قرار المحكمة ثمة انعدام فإن دعوى المخاصمة لا تصلح له بأي حال من الأحوال ، لأن دعوى المخاصمة قاصرة على حالة وجود خطأ مهني جسيم ، ولأن آثار الانعدام أشد من ذلك ، ولأنه في حال وجود الانعدام ينتهي وجود الحكم منذ البداية ولا يصححه أي إجراء وبالتالي يحتاج إلى طريق دعوى مبتدأة أو بطريق الطعن ولا يصلح في دعوى المخاصمة )) ([25]) .

كما أكدت محكمة النقض أن :

(( المحكمة بإصدار قرار معدوم لا تستنفد ولايتها بالنسبة للنزاع ، وبعبارة أخرى لا تنتهي مهمة المحكمة إلا بإصدار الحكم في الدعوى سواء أكان الحكم صحيحاً أم قابلاً للبطلان ، إنما لا تنتهي مهمتها بأمر معدوم ، وإذا كانت الخصومة معدومة فهي والحكم الصادر في حكم العدم ومن ثم فالدعوى بطلب انعدام حكم ترفع إلى ذات المحكمة التي أصدرته بطلب سحبه وإعادة النظر في الموضوع ، وإن سلامة التنظيم القضائي تتطلب أن تفصل في الدعوى بانعدام الحكم ذات المحكمة التي أصدرته ، فإذا كان الانعدام قد جرى أمام محكمة الاستئناف فإنها هي المختصة وإذا صدر الحكم من الدرجة الأولى وطعن فيه بالاستئناف وبحثت محكمة الاستئناف وأصدرت قراراها بالقبول شكلاً ورفضه موضوعاً فإنها هي المحكمة المختصة في النظر بالانعدام ولو جرى هذا الانعدام بمحكمة الدرجة الأولى طالما أن محكمة الاستئناف تتصدى للموضوع وحتى لا تسلط محكمة أدنى على محكمة أعلى ، أما في حال الرفض شكلاً دون الدخول في تفاصيل الموضوع فإن المحكمة هي المحكمة التي أصدرت الحكم بالموضوع لا المحكمة التي رفضت الطعن شكلاً )) ([26]) .

(( وإذا كانت محكمة النقض بقرارها المطلوب انعدامه قد قضت برفض الطعن موضوعاً ، وبما أنها لم تحكم بالدعوى كمحكمة موضوع ، فإن طلب الانعدام ينبغي أن يقدم إلى محكمة الاستئناف التي أصدرت القرار الذي أبرمته محكمة النقض )) ([27]) .

ويكون القرار الصادر في دعوى الانعدام قابلاً للطعن بنفس الطرق التي يخضع لها القرار المطلوب إعلان انعدامه ، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض بقولها :

(( ولما كانت قرارات محكمة الاستئناف تصدر مبرمة في القضايا الصلحية ولا تقبل الطعن بالنقض فإن تقرير الانعدام أو عدمه يصدر مبرماً أيضاً وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي )) ([28]) .

 

الخلاصــة :

نخلص من ذلك إلى القول أنه إذا فقد الحكم ركناً من أركانه الأساسية فإنه يفقد صفة الحكم ، وعلى هذا فإذا كانت الخصومة معدومة فإنها تكون هي والحكم الصادر في حكم العدم ، وإن الانعدام لا يصحح بالحضور ولا يصحح مهما طال عليه الأجل ولا تلحقه الإجازة .

فالحكم المعدوم كالعدم سواء ولا يترتب عليه أي أثر قانوني ولا تزول حالة انعدامه بالرد عليه بما يمكن اعتباره صحيحاً أو بالقيام بعمل أو بإجراء باعتباره كذلك .

وقد أكدت الهيئة العامة لمحكمة النقض أنه :

(( يجوز التمسك بانعدام الحكم بدعوى مبتدأة ذلك أن الانعدام لا يصحح بالحضور أو بالتكلم في الموضوع أو بحجية الشيء المحكوم به ولا يصحح مهما طال عليه الأجل ويثبت متى فقد الإجراء ركناً أساسياً من أركان انعقاده .. وبغير حاجة إلى نص يقرره وبغير حاجة إلى إثبات ضرر أصاب المتمسك به )) ([29]) .

وإن القواعد الاستثنائية المقررة للطعن بالأحكام لا تسري في أحوال الانعدام ، ومن ثم يجوز رفع دعوى مبتدأة بطلب انعدام الحكم أو التمسك به على صورة دفع .

 

 

[1] - نظرية الأحكام في قانون المرافعات للدكتور أحمد أبو الوفا – طبعة 1957 – ص /271/ .

[2] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /1610/ أساس /2291/ تاريخ 6/11/2000 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" للمحامي محمد أديب الحسيني" الجزء الأول – القاعدة 2525/3 ص /897/ .

[3] - نقض – غرفة مدنية ثانية – قرار /733/ أساس /58/ تاريخ 26/5/1996 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق – الجزء الأول – قاعدة 2514/2 ص /893/ .

[4] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /1323/ أساس /1525/ تاريخ 19/11/1995– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق – الجزء الأول – القاعدة / 883/ ص /309/ .

[5] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /1803/ أساس /2149/ تاريخ 29/12/1996– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /801/ ص /282/ .

[6] - نقض – غرفة مدنية ثانية – قرار /1987/ أساس /2262/ تاريخ 13/12/1998 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة  /796/ ج1 ص /280/ .

[7] - نقض – غرفة مدنية ثانية – قرار /10/ أساس /222/ تاريخ 31/1/1999– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /2531/ ص /900/ .

[8] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /1972/ أساس /1298/ تاريخ 30/12/1999– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /2523/ ص /897/ .

[9] - نقض – غرفة مدنية ثانية – قرار /1776/ أساس /308/ تاريخ 18/12/2000 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة  /881/ ص /308/ .

[10] - نقض – هيئة عامة – قرار /280/ أساس /797/ هيئة عامة تاريخ 22/10/2001 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق – الجزء الثالث – هامش القاعدة /5493/ ص /2750/ .

[11] - نقض – الهيئة العامة – قرار /42/ أساس /1401/ هيئة عامة تاريخ 25/2/2008 – سجلات محكمة النقض .

[12] - نقض – غرفة المخاصمة – قرار متفرقة /184/ أساس /1187/ تاريخ 17/12/2007 – سجلات محكمة النقض .

[13] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /911/ أساس /1092/ تاريخ 18/6/2000– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /1233/ ص /433/ .

[14] - نقض – غرفة المخاصمة – قرار /359/ أساس /368/ مخاصمة تاريخ 18/6/2002 – منشور في موقع نقابة المحامين فرع دمشق .

[15] - نقض - غرفة مدنية ثانية - قرار /1235/ أساس /2555/ تاريخ 21/8/2000– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /2537/ ص /903/ .

[16] - نقض – غرفة مدنية أولى - قرار /605/ - أساس /685/ - تاريخ 12/11/1998– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة 2506/1و2 ص /889/ .

[17] - نقض – غرفة مدنية ثانية – قرار /24/ - أساس /60/ - تاريخ 26/3/2000 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /1357/ ص /476/ .

[18] - نقض – غرفة مدنية أولى – قرار /1158/ أساس /1263/ تاريخ 29/11/2004 – منشور في موقع نقابة المحامين فرع دمشق .

[19] - نقض – غرفة جمركية – قرار /2278/ أساس /1085/ تاريخ 8/11/2005 – منشور في موقع نقابة المحامين فرع دمشق .

[20] - كتاب "انعدام الأحكام" للمحامي الأستاذ محمد فهر شقفة – ص /148/ .

[21] - نقض – غرفة مدنية أولى - قرار /422/ أساس /405/ تاريخ 21/11/2000– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة 2509/2و3 ص /890/ .

[22] - كتاب "انعدام الأحكام" للمحامي الأستاذ محمد فهر شقفة – ص /121/ .

[23] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /855/ أساس /1249/ تاريخ 4/6/2000– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة 2521/1و2 ص /895/ .

[24] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /1938/ - أساس /3662/ - تاريخ 23/7/1991 – منشور في "المحامون" لعام 1991 الأعداد 10و11و12 ص /783/ .

[25] - نقض – هيئة عامة – قرار /226/ أساس /285/ تاريخ 6/5/2000 – منشور في موقع فرع نقابة المحامين بدمشق .

[26] - نقض – غرفة مدنية  ثانية - قرار /1139/ أساس /1324/ تاريخ 25/8/1996– منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة /2526/ ص /898/ .

[27] - نقض – غرفة مدنية ثانية - قرار /1040/ أساس /2496/ تاريخ 30/7/2000 – منشور في "موسوعة القضاء المدني" المرجع السابق –  الجزء الأول – القاعدة 2518/2 ص /894/ .

[28] - نقض – غرفة مدنية ثالثة – قرار /788/ أساس /890/ تاريخ 5/3/1998 – منشور في موقع فرع نقابة المحامين فرع دمشق .

[29] - نقض – هيئة عامة – قرار /34/ أساس /3/ هيئة عامة – تاريخ 10/7/1992 – منشور في موقع نقابة المحامين فرع دمشق .

المحامية...
 وجدان السـايغ 
دمشق ـ سوريا