مقالات

حديثة

إجراءات محاكمة الحدث الجانح

المستشار :  رشيد موعد

سنة النشر :2005

من هو الحدث؟
تُجمع القوانين، على أن الحدث، هو صغير السن, وأن ما يثير الصعوبة في طبيعة هذا التعبير هو اختلاف وجهة نظر القانون مع وجهة نظر علماء النفس و الاجتماع.
فالحدث في القانون ليس هو الصغير على إطلاقه، وإنما يعتبر المرء حدثاً أمام القانون في فترة زمنية محددة، وتبدأ في سن التمييز التي تنعدم فيه المسؤولية الجزائية، وهي سن السابعة من العمر فما دون، وتنتهي ببلوغ السن التي حددها القانون للتمييز وهي الثامنة عشر.
وعرفتة المادة الأولى من قانون الأحداث رقم 18 الصادر بتاريخ 30/3/1974م الحدث بأنه ((كل ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشر من عمره.)) في حين جاءت المادة الثانية من هذا القانون لتقول.. ((لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم السابعة من عمره حين ارتكاب الفعل.))
تعتبر مشكلة الأحداث المنحرفين مشكلة كبرى من مشكلات العصر، وتكاد تكون أعصى ما يواجه حضارة هذا القرن الصاخب، وقد احتلت مكاناً بارزاً في العالم، وأدركت الدول المتحضرة أهميتها، فوضعتها على رأس المشاكل الاجتماعية. لأن مشكلة إجرام الأحداث، هي من أهم وأعقد المشكلات الاجتماعية. وتعتبر ظاهرة انحراف الأحداث ذات خطورة مزدوجة على كيان المجتمع حيث يصبحوا طاقات معطلة لا تفيد المجتمع بشيء من جهه، ويصبحون طاقات معطلة أيضاً من جراء ما ينتج عن ارتكابهم مختلف أنواع الجرائم التي تقع على الأموال والأشخاص.
وإن أسباب وعوامل هذا الجنوح لدى الأحداث تتلخص بما يلي:
1- الأسباب الخاصة بشخص الحدث.
2- الأسباب الخارجية و الإجماعية و الاقتصادية.
3- الوضع الاقتصادي.
4- التفكك الأسري.
5- رفاق السوء.
6- وسائل التسلية والإعلام.
7- الفراغ والبطالة، والعمل غير المناسب.
قبل البدء بمحاكمة الحدث بعد ارتكابه الجريمة، لابد من النظر إلى سنه، والأصل، أن يرجع القاضي المختص في تعيين السن_ لمعرفة فيما إذا كان حدثاً أم بالغاً_ إلى الأوراق الرسمية الخاصة بذلك والرجوع إلى قيود الأحوال المدنية إذا كان مسجلاً فور ولادته.
وعلى المحكمة التأكد من سن المتهم بتاريخ الواقعة لتحديد الاختصاص فيما إذا كان حدثاً أم لا، ويقتضي أيضاً تحديد هذا السن بشكل دقيق وفيما إذا كان مسجلاً في القيود المدنية ضمن المدة القانونية أو خارجها. وهي مدة خمسة عشر يوماً إذا جرى التسجيل في مركز المدينة وثلاثون يوماً خارجها. ويتوجب على محكمة الأحداث التحقق من سن الحدث بتاريخ الفعل لتحديد اختصاصها، وذلك بالاعتماد على قيده المدني إذا كان مسجلاً ضمن المدة القانونية، وإلا فأن القاضي يحيل هذا الحدث إلى الطبيب الشرعي لتقدير سنه. بعدها يمثل الحدث أمام الجهة القضائية المختصة لمحاكمته بحسب الجرم المنسوب إليه جناية أم جنحة.
إن محاكم الأحداث، ليست كسائر المحاكم الجزائية تنحصر مهمتها في إدانة المجرمين وتبرئة الأبرياء.. بل هي مؤسسة اجتماعية غايتها الرئيسية حماية الأحداث الجانحين وتقويم اعوجاجهم وتأمين ائتلافهم مع المجتمع، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية خص المشرع إجراءات التحقيق النهائي أمام قضاء الأحداث بقواعد خاصة تختلف اختلافاً جوهرياً عن الإجراءات المتبعة في محاكمة المتهمين من غير الأحداث وتتجلى فيما يلي:

أولاً – سرية المحاكمة:
القاعدة العامة المقررة وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية.. أن المحاكمة أمام المحاكم الجزائية المختلفة تجري بصورة علنية، وإلا تعتبر باطلة، ما لم تقرر المحكمة إجراءها سراً بداعي المحافظة على النظام العام أو الأخلاق العامة وفق ما جاء في أحكام المادة 190 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والعلة في ذلك اعتبار هذه العلنية من الضمانات المقررة لحسن سير العدالة الجزائية ولحرية المتهم في الدفاع عن نفسه.
فقد نصت المادة 49 من قانون الأحداث على ما يلي:
"تجري محاكمة الأحداث سراً بحضور الحدث ووليه، أو وصية أو الشخص المسلم إليه، والمدعي الشخصي، ووكلائهم، ومندوب مكتب الخدمة الاجتماعية، أو مركز الملاحظة، ومراقب السلوك.
وللمحكمة أن تأمر بإخراج الحدث من الجلسة بعد استجوابه إذا وجدت ضرورة لذلك، ولها عند الاقتضاء أن تجري المحاكمة بمعزل عن ولي الحدث، أو وصيه، أو الشخص المسلم إليه أما صدور الحكم من قبل المحكمة فيتم بصورة علنية".
في حين نصت المادة 48 من ذات القانون.. أن المحكمة يجوز لها أن تعفى الحدث من حضور جلسة المحاكمة بنفسه إذا رأت أن مصلحته تقضي بذلك، وتكتفي بحضور وليه أو وصيه، أو محاميه.. وتعتبر المحاكمة وجاهية بحق الحدث.
وهذه السرية تشمل جميع مراحل التحقيق.. وتعتبر قاعدة سرية المحاكمة في قضايا الأحداث من النظام العام.. وعليه فإن الجلسة التي يحضرها أحد غير الأشخاص الذين سمح لهم القانون حصراً تعد جلسة علنية وتستوجب نقض الحكم.

ثانياً- حظر نشر وقائع المحاكمة.
وهي الحالة الثانية من حالات إجراءات محاكمة الأحداث الجانحين بعد حالة سرية المحاكمة.
لم يقتصر قانون الأحداث على سرية المحاكمة.. بل حظر أيضاً نشر صور المدعى عليه حدث، وكذلك حظر نشر وقائع المحاكمة أو ملخصها، أو خلاصة الحكم في الصحف أو الكتب، أو غيرها وبأي طريقة كانت، ما لم تسمح المحكمة بذلك، ومخالفة هذه الإجراءات تؤدي إلى مساءلة المخالف جزائياً وفق ما نصت عليه المادة 54 من قانون الأحداث وكذلك ما نصت عليه المادة 410 من قانون العقوبات.

الأشخاص الواجب دعوتهم في محاكمة الأحداث.
نصت المادة 44 من قانون الأحداث الجانحين رقم 18 لعام 1974 أن المحكمة تدعو في جميع أدوار الدعوى الأشخاص التالية:
أولاً- ولي الحدث: وهو الأب، أو الجد العصبي، أو غيرهما من الأقارب وفق ما جاء في أحكام المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953 المعدل والمعطوفة على المادة 21 من ذات القانون.
ثانياً- أو الوصي- في حال عدم وجود الولي – والوصي هو من أوْكَل َإليه آخر أمر النظر في شؤون تركته وأمور أولاده الصغار بعد وفاته.
ثالثاً – أو الشخص المسلم إليه الحدث أو وُضع في عهدته بموجب حكم من محكمة الأحداث على إثر اقترافه جريمة. ويكفي قانوناً أن يدعو القاضي للمحكمة واحداً من هؤلاء الذين ذكرناهم لينضم إلى الحدث في إجراءات المحاكمة.
رابعاً- مندوب مكتب الخدمة الاجتماعية المؤازر لمحكمة الأحداث إن وجد، والا فمراقب السلوك.
والعلة في دعوة هؤلاء الأشخاص لحضور محاكمة الحدث تتمثل في أن المشرع، قد أوجب على القاضي سماع أقوالهم وهي قد تفيد من جهة في كشف الأسباب الحقيقة لجنوح الحدث.
ومن جهة أخرى للدفاع عنه.. يُستنتج من ذلك أن دعوة هؤلاء الأشخاص لا تعني إدخالهم كطرف، أو مدعي عليهم في الدعوى. بل إن هذه الدعوى شرعت لمصلحة الحدث وفائدته. وإمعاناً في حماية الحدث، والحرص على مصلحته فقد أجازت المحكمة في بعض الأحيان إعفاء الحدث الجانح من حضور جلسة المحاكمة بنفسه، إذا رأت مصلحته تقتضي ذلك، وهذا أمر متروك لحكمتها.. إذ أن من شأن حضور الجلسة إيذاء شعوره وجرح كرامته، وخاصة في الجرائم الأخلاقية. وفي هذا الحال يكتفي بحضور وليه، أو وصيه، أو محاميه، ومع ذلك، فإن المحاكمة تعتبر وجاهية بحق الحدث، لأنه لم يتخلف عن الحضور، بل المحكمة هي التي فضلت عدم حضوره. وهذا ما نصت الفقرة ب من المادة 49 من قانون الأحداث.


المستشار : رشيد موعد