مقالات

حديثة

القانون الدولي الإنساني العرفي

المحامية : أسيمة النابلسي

 

سنة النشر :2005


أجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دراسة في 5000 صفحة تم التعرف فيها إلى 161 قاعدة من القانون الدولي الإنساني العرفي تمنح الحماية القانونية للأشخاص المتضررين من الحرب. وتستند هذه القواعد إلى ممارسة الدول "الواسعة النطاق والنموذجية والمنتظمة فعلاً" وقد تبين أنها، على هذا الأساس، قواعد ملزمة عالمياً. كما توضح هذه الدراسة الأسس المشتركة بينه وبين القانون الدولي الإنساني الملزم لكافة الأطراف في النزاعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية.
   إن قانون المعاهدات والقانون الدولي العرفي هما مصدران للقانون الدولي. فالمعاهدات مثل اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 هي اتفاقيات مكتوبة تحدد فيها الأطراف رسمياً قواعد معينة، أما قواعد القانون الدولي العرفي فهي غير مكتوبة وإنما تنبثق من ممارسات الدول، كما يعبر عنها في الكتيبات العسكرية، والتشريعات الوطنية، وقانون السوابق القضائية، والبيانات الرسمية، لهذا طلب المؤتمر الدولي السادس والعشرون للصليب الأحمر إجراء دراسة تهدف إلى التعرف إلى قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي القائمة ومن ثم إلى تسهيل تطبيقها. وقد تبين من الدراسة أن عدداً كبيراً من القواعد والمبادئ المدرجة في هذه المعاهدات هي قواعد عرفية مثل الكثير من القواعد التي تحكم سير العمليات العدائية ومعاملة الأشخاص الذين لا يشاركون أو كفوا عن المشاركة المباشرة في العمليات العدائية، وتطبق هذه القواعد والمبادئ باعتبارها جزءاً من القانون الدولي العرفي على كل الدول بغض النظر عن انضمامها إلى المعاهدات ذات الصلة.
   وتظهر الدراسة أن ثمة عدداً كبيراً من القواعد العرفية في القانون الدولي الإنساني تعرف التزامات الأطراف في نزاع مسلح غير دولي تعريفاً أكثر تفصيلاً من قانون المعاهدات وعلى سبيل المثال فإن قانون المعاهدات لا يحظر صراحة الهجوم على الممتلكات المدنية، فيما نص القانون الدولي العرفي على هذا الحظر. كما تبين أنه لا يتطلب تطبيق هذه القواعد التمييز بين النزاع الدولي وغير الدولي.
    كما يمكن أن يكون القانون الدولي الإنساني العرفي مفيداً في الحروب التي يقودها تحالف، فالنزاعات المسلحة المعاصرة تشرك غالباً مجموعة من الدول المتحالفة، فإذا لم تصدّق إحدى هذه الدول المتحالفة على الالتزامات التعاهدية، فإن قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي تكون مشتركة وملزمة لجميع أعضاء التحالف. وهذا ما يميز القانون العرفي حيث أنه من غير الضروري أن تقبل الدولة رسمياً بقاعدة معينة لكي تكون ملزمة لها طالما أن ممارسة الدولة التي تستند إليها القاعدة هي في العموم "واسعة النطاق ونموذجية ومنتظمة فعلاً" ومقبولة باعتبارها قانوناً. وإن التزام الدول بقواعد القانون العرفي يأتي من كونه هو والمعاهدات مصدران للقانون الدولي، ومن ثم يصبحان ملزمين على هذا الأساس، وهذا ما يحدده النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. كما يشكل تطبيق القانون الدولي العرفي في المحاكم الوطنية والدولية مثالاً هاماً لصفته الملزمة.
    وتأتي أهمية القانون الدولي الإنساني العرفي أنه ملزم لكل الأطراف في النزاعات المسلحة سواء أكان دولة أم مجموعة مسلحة معارضة.
قد تتعرض قاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي إلى الانتهاك، وهذا وارد في جميع القوانين سواء كانت دولية أم وطنية، إلا أن هذا الانتهاك الذي تدينه الدول الأخرى ومن ثم تنكره الدولة المتهمة يعزز من القاعدة، مثال ذلك نجد أنه بالرغم من حصول عمليات هجوم على المدنيين في النزاعات المسلحة، فإن هذه العمليات تتعرض إلى الانتقادات ويسعى الطرف المتهم بها إما إلى إنكارها أو الادعاء بأنها غير مقصودة، وتشكل مثل هذه الإدانة وهذا التبرير اعترافاً ضمنياً بتحريم الهجوم على المدنيين.
   وفي حال حصول انتهاك فإن المسؤولية تقع على عاتق القادة العسكريين، لأن عليهم ضمان احترام قواتهم للقانون، ويمكن أن ينفذ القانون بالطرق الدبلوماسية، بواسطة المنظمات الدولية، عبر تدابير يتخذها مجلس الأمن في الأمم المتحدة. أو بتطبيقها في المحاكم الوطنية أو الدولية مثل محاكمة الأفراد المسؤولين عن انتهاك القانون.
   هذه الدراسة الشاملة التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تنوي استخدامها إلى أبعد حد ممكن في عملها لحماية ضحايا النزاعات المسلحة في العالم ومساعدتهم. وستسعى إلى تعزيز الوعي بالقانون الدولي الإنساني العرفي وتعريف الدول والقوات المسلحة والجماعات المسلحة المعارضة والمجتمع المدني بالقانون الدولي الإنساني.
وسوف تنظم اللجنة الدولية مع شركائها من المؤسسات سلسلة من الاحتفالات بنشر الدراسة في أنحاء مختلفة من العالم متوجهة إلى الخبراء القانونيين والممثلين الرسميين.
 

المحامية
أسيمة النابلسي
دمشق ـ سوريا