مقالات

حديثة

ما بين سوق البورص.. وبورصة دمشق.. سبعة عقود..!!  (1 من 3)   ازدهار سوق المال السوري مابين الثلاثينيّات والستينيّات

المحامية :  منيرة مسعود
سنة النشر :2011

 

ما يقارب سبعة عقود من الزّمان، أفلَت، وعقد من ألفيتنا الثالثة، طوت صفحات من الأحداث، نقشت على وجه اقتصاد عايش تجارب تلك السنين، فترات من النهوض والازدهار الاقتصادي رغم عدم الاستقرار السياسي , قلة من يعرفون أنه في أربعينيات القرن الماضي كان في سورية أسواق مالية غير منظمة في المدن السورية الكبرى؛ ونخص سوق البورص في دمشق القديمة والتي كانت تقوم بكل عمليات التداول من بيع وشراء للأسهم والمعادن الثمينة والعملات وبالرغم من عدم توفر وسائل الاتصال الحديثة، إلا أنها كانت نشطة يمارس العمل فيها بحرفية فكانت من جهة سوقاً للصيرافة لبيع العملات العربية والأجنبية بحرية، ولحسم السندات وفتح اعتمادات مستندية للتجار، ومن جهة أخرى لتداول المعادن الثمينة كالذهب والفضة غير المصاغ (الأونصات والليرات الذهبية والمخمسات والمجيدي إذ كان سعر الليرة الذهبية الواحدة فقط ب25 ل.س.!!؟؟ وتساوي اليوم حوالي 14600 ل.س !!) كما كان يتم تداول أسهم الشركات بيعاً وشراءً وتسجيل هذه العمليات في سجل الشركات أصولاً, وساهمت السوق في الفترة مابين الثلاثينيات والستينيات بتأسيس عدد من الشركات المساهمة الكبرى بلغ عددها في العام 1956 (177 شركة) وعدد أسهمها نحو ثلاثة ملايين سهم, كل تلك النشاطات كما يحدث اليوم في الأسواق المالية المتحضرة، تدار من خلال سوق البورص... كما يطلق عليها في سورية ومقرها سوق الحميدية بالقرب من العصرونية (المناخلية) إذ بدأت عملها في عام 1941.

فترة شهدت تباشير نشوء أسواق المال في معظم البلدان العربية مثل السوقين التونسي والمغربي واللبناني والكويتي، وسوق عمان المالي وسوق رأس المال المصري، وجميعها نُظمت فيما بعد, ولم تكن السوق السورية متخلفة عن مثيلاتها من الأسواق المجاورة وما تجاوزها الركب كما الآن، وبالمقارنة بين السوقين السورية والمصرية في تلك الفترة، نجد أن الأخيرة كانت نشطة فهي الأقدم في المنطقة فبداية أسواق رأس المال عام 1883 في الإسكندرية و1890 في القاهرة, وتم إنشاء البورصة التي بدأت نشاطها في القاهرة 1907 وفي الإسكندرية 1903, وجاء إصلاح البورصات المصرية في نهاية عام 1909 وصدر القانون 23 و24 عام 1909 وتم العمل بهما في أيلول 1910 بفتح البورصة، استمر ذلك حتى قيام ثورة 23 تموز1952إذ شهدت مصر تحولات سريعة تمثلت في تمصير الاقتصاد المصري وضرب المصالح الأجنبية, وبدأ تأثير التحولات الاشتراكية على نشاط السوق منذ صدور القوانين الاشتراكية عام 1961 حتى بداية مرحلة الانفتاح الاقتصادي عام 1974.. وقد أصيب سوق رأس المال في مصر نتيجة لذلك بالشلل خاصة بصدور القانون رقم 116 لسنة 1961 لتعطيل العمل ببورصتي القاهرة والإسكندرية لمدة شهرين من 19/7 إلى 19/9/1961).

والقوانين الاشتراكية المصرية التي صدرت عام 1961 أممت جميع المؤسسات المالية: 18 مصرفاً 12 شركة تأمين، والشركات التي لها اتصال وثيق بمصالح الشعب في القطاعات الصناعية والتجارية أو وسائل النقل واستصلاح الأراضي وعددها 52 شركة وعدة مجالات ولم تكن سوق البورص السورية بمنأى عن رياح التغيير آنذاك وفكرة إنشاء وتنظيم السوق المالية السورية كانت حاضرة في أذهان الاقتصاديين وأصحاب القرار السوريين حينها وخاصة بعد أن نشط العمل بسوق البورص غير المنظم ووضعت النقاط الرئيسية للمشروع أثناء قيام الوحدة بين سورية ومصر نتيجة إصرار رجال المال والاقتصاد على تنظيم البورصة السورية أسوة بتنظيم بورصتي القاهرة والإسكندرية, ووضع التشريع اللازم عام 1960 لكن وكما كل الفرح الذي لا يكتمل لم يكتب لهذا المشروع الولادة إنما بقي حبيس الأدراج بسبب رياح التغيير التي أفرزت ثوباً مختلفاً لكسوة الاقتصاد السوري.. ولأن التأميم الذي جاء من مصر اكتسح العديد من المشاريع الاقتصادية والصناعية والتجارية، وطبق قانون الإصلاح الزراعي المعمول به في مصر أيضاً، وأصدر قانون العلاقات الزراعية، كل تلك الأحداث كانت كفيلة بأن تقضي على أغلب الشركات المساهمة حيث بلغ عدد الشركات التي تم تأميمها 91 شركة مساهمة عدا المنشآت التي زاد عددها على 70 منشأة والتي شملها قرار التأميم، كما تمت تصفية العديد من الشركات التي لم يقربها شبح التأميم والبالغ عددها 108 شركات، هذه المعطيات تترجم إضعاف دور القطاع الخاص في عملية التنمية مما دفع رجال المال والأعمال لإخراج ما تبقى من رؤوس أموالهم خارج البلاد إلى لبنان والأردن وغيرها من دول العالم، والامتناع عن القيام بمشاريع جديدة داخل الوطن.. وفي عام 1961 حدث الانفصال بين سورية ومصر ليكون لكل بلد مساره ونهجه المختلف.

تلك كانت سوق البورص السورية كغيرها من الأسواق المنفتحة الطبيعية آنذاك لقرابة ثلاثة عقود ذهبية، إلا أنها غابت لعقود ثلاثة أخرى، بينما أصحاب القرار في المنطقة العربية كان همهم إعادة هيكلية الأسواق المالية لبلدانهم وتطوير تشريعاتها لتحجز مكاناً لها في خارطة الأسواق المالية العالمية وساعدها بذلك المتغيرات الجذرية التي اجتاحت العالم من أقصاه إلى أدناه لتغيّر وجه التاريخ ولتزيح الحواجز بكافة أشكالها ولتوحّد صيغة الأسواق المالية في العالم، المفهوم الذي يعكس درجة النمو الاقتصادي للدول ومرآة لكل التفاصيل في أي دولة.


يتبع ...2...

---------------------------------

عن الأزمنة http://www.alazmenah.com
2011-01-02

المحامية :  منيرة مسعود
باحثة في الشؤون المالية و المصرفية