مقالات

حديثة

جرائم التزييف والتقليد والتزوير في العملات النقدية الذهبية والفضية والمعدنية والورقية والسندات والأوراق المالية الأخرى

المحامي :  مازن الحنبلي

e-mail: mazen@damascusbar.org

سنة النشر :2005

 

الفصل الأول: مدخل إلى جرائم تزييف وتزوير وتقليد العملات الذهبية والفضية والمعدنية والورقية والسندات والأوراق المالية الأخرى .

الفصل الثاني: محل الجريمة .

الفصل الثالث: الأركان العامة لجرائم تزييف وتزوير وتقليد العملات المعدنية والورقية : الركن المادي.

الفصل الرابع: الركن المعنوي: القصد الجرمي وأقسامه.

الفصل الخامس: القصد الجرمي العام .

الفصل السادس: القصد الجرمي الخاص.

الفصل السابع: الشروع في مختلف صور التزييف والتقليد والتزوير والترويج للعملات.

الفصل الثامن: صناعة أو اقتناء آلات وأدوات معدة للتزييف.

الفصل التاسع: العقوبات الشاملة لجرائم العملات بمختلف صورها.

الفصل العاشر: تقليد أو تزوير أوراق التمغة والطوابع الأميرية بقصد استعمالها أو ترويجها أو استعمال الطوابع المزوّرة أو طابعاً سبق استعماله.

الفصل الحادي عشر: الإعفاء من العقاب وتخفيض العقوبة لكافة الأوجه والصور للجنايات السابق ذكرها موضوع نصوص المواد من /430 حتى 441/ من قانون العقوبات.

 


--------------------------------------------------------------------

 

الفصل الأول

 

مدخل إلى جرائم تزييف وتزوير وتقليد العملات الذهبية والفضية

والمعدنية والورقية والسندات والأوراق المالية الأخرى

*مقدمة :

 نتيجة تطور وسائل الحضارة وتطور وسائل الإجرام في العصر الحديث حيث أصبحت هذه الوسائل تعتمد على تفكير وعقل المجرمين أكثر من قواهم الجسدية , وهذا ما يبدو في جرائم التزييف التي تعتبر نتاجاً لتقدم وسائل الحضارة .

يتطلب هذا الأمر الاعتماد على الفكر والتفكير والتخطيط, وهو ما يجعل لهذه الجريمة أشخاصاً معينين, فلا هم مجرمون بالصدفة أو مندفعون فيرتكبون هذه الجرائم بالخطأ, وغالباً ما يكن مرتكبوها جماعات منظمة يكون لكل فئة منهم تقاسم أدوارها بدءاً من عمليات إنشاء أو تصنيع الأدوات المستعملة بالتزييف إلى المواد الداخلة ومروراً بترويجها وطرحها في الأسواق.

هذا وإن الفقه الفرنسي كان يعتبر جرائم تزييف العملة اعتداء على الملكية الخاصة, لكنه ما لبث أن اعتبرها تنال من الثقة العامة لأنها تمتد إلى أفراد لا حصر لهم وإلى أن تعم كافة أفراد المجتمع, ومن أجل ذلك كان من حق الدولة وحدها إصدار العملات المتعلقة بها.

والمشرع السوري كغيره اعتبر جرائم التزييف من قبيل الجرائم المخلة بالثقة العامة . ومفهوم هذه الثقة التي يستودعها ويطمئن إليها الأفراد بالعلامات والمظاهر والأشكال المعينة التي تلجأ إليها السلطات لضمان سلامة العلاقات العامة, ومن هنا اعتبر التزوير بشكل عام بأنه تعريض الثقة العامة للخطر عن طريق إيجاد مزوّر ينخدع به الناس.

ويرى بعض الفقهاء إدخال التزييف في عداد الجرائم السياسية, ويقررون بالعودة إلى ضابط الجريمة للتفريق فيما بين هذه الجرائم, وهذا الضابط يحكمه مذهبان هما:

المذهب الشخصي الذي يأخذ بالاعتبار الباعث على ارتكاب الجريمة , فإذا ما كان سياسياً كانت الجريمة سياسية , وبذلك إذا كان باعث المجرم على التزييف سياسياً, اعتبرت هذه الجريمة سياسية , كما حصل في الحرب العالمية الثانية حينما نشر الألمان في أسواق البلاد المعادية لهم الجنيهات الإسترلينية والدولارات الأمريكية المزيفة بهدف تحطيم اقتصاديات وسياسات هذه الدول.

والمذهب الموضوعي: وهو ما يأخذ بطبيعة المصلحة المعتدى عليها, فالجريمة السياسية تنال النظام السياسي للدولة في الداخل والخارج, وهي تعتبر بطبيعتها جريمة سياسية بحته, ويخرج من نطاقها جرائم التزييف.  

 

*   *   *   *

الفصل الثاني

 

محل الجريمة

تمهيد: محل الجريمة هنا هو العملات المعدنية سواء منها الذهبية أو الفضية المتعامل بها في سورية أو في الخارج وفق نص المادة /430/ من قانون العقوبات, وكذلك العملات المعدنية غير الذهبية أو الفضية مما نصت عليه المادة /430/, عقوبات.

وكذلك أوراق النقد وأوراق المصارف السورية أو الأجنبية الواردة بنص المادة /433/ من قانون العقوبات.

هذا وإن المشرع السوري قام أيضاً بحماية وسائل الدفع الأخرى التي يأخذ حكمها حكم النقود, لأنها تحقق وظائف العملة نفسها , وهو ما يستفاد بنص المادة /434/ من قانون العقوبات .

والذي يبدو لنا أن هناك بعض الإختلاف ما بين نصوص هذه المواد التي تحمي أوراق المصارف السورية أو الأجنبية الواردة في فصل تزوير العملات والأسناد العامة . وما بين ما ورد بنص المادة /449/ من قانون العقوبات الواردة تحت عنوان التزوير الجنائي في الأوراق حيث اعتبر المشرع من قبيل الأوراق الرسمية السندات للحامل أو السندات الإسمية , وبشكل عام كل السندات المالية سواء أكانت للحامل أم تحول بواسطة التظهير, وأخذ لها حكماً بمعاملتها كالأوراق الرسمية ,حيث أخرجها نصاً من باب جرائم التزييف التي تقع على العملات .

فالعنصر المادي الذي هو محل الجريمة , أي المحل الذي تقع عليه إحدى صور تزوير أو تزييف أو تقليد العملة هو ما ذكر بنصوص المواد السابقة سواء منها المتداولة في سورية أو الخارج.

*تعريف العملة:  للعملة مفهومين, هما المفهوم الاقتصادي والمفهوم المتعلق بالفقه الجزائي. هذا وإن الإتفاقية الدولية لمكافحة التزييف أخذت مفهوماً عاماً للعملة يشير إلى أنها تتضمن العملة المعدنية والعملة الورقية وأوراق البنكنوت.

1-العملة من الناحية الإقتصادية: يتوجب التفريق ما بين مفهومي النقد والعملة , فالنقد يشمل كافة المبادلات التي تتمتع بقبول عام في الوفاء بالإلتزامات, وهو غالباً ما يكون ناشئاً عن الإتفاق أو العادة أو العرف أو ثقة الأفراد. أما العملة فهي نوع من أنواع النقود الحكومية وهو ما يكون لها قوة إبراء الديون وتقتصر على المسكوكات المعدنية والعملة الورقية الحكومية . والنقد يشمل إضافة لذلك على الأوراق المصرفية المتداولة تحت مدلول ثقة المتعاملين في قدرة وملاءة البنك الذي أصدرها ,بدفع قيمتها بعملة الدولة .

أما العملة الورقية فهي التي تصدرها الحكومة بدون ما يقابلها من ضمان معدني, وهي بالتالي تستمد قوتها من إرادة الدولة وثقة المتعاملين بها .

2- العملة من الناحية الجزائية :  تأخذ العملة عدة مفاهيم وإن كانت مشتركة ومتشابهة , فهي تلك النقود التي تحتكرها الدولة كوسيلة للدفع وتفرض القبول بإلزامها مصدرة إياها بناء على قانون رسمي صادر عنها, فهي وسيلة للدفع وتحمل قيمة محددة وتخصصها الدولة للتداول في المعاملات العامة .

ولكي تتم هذه الفكرة فقد نص المشرع على ناحية هي الإلزام بتداول هذه العملة إما قانونا ًأو عرفاً في سورية أو الخارج, وهذا يقتضي تعريف هذين المفهومين.

التداول القانوني للعملة :  عرفت محكمة النقض الفرنسية مفهوم التداول القانوني بأنه الالتزام المفروض بمقتضى القانون على جميع مواطني الدولة بقبول عملتها الوطنية أو تلك التي شبهت بها قانوناً.

وهذا التعريف يعني أن للعملة قوة إبراء معترف بها بموجب قوانين الدولة , كما يعني أنها وسيلة دفع تجبر الدائن من قبل مدينه على قبول هذه العملة في سداد ما يتوجب عليه , وهذا المفهوم يعطي للعملة صفة التداول القانوني.

 

ويستنتج مما ذكر أن من شروط تكوين صفة التداول القانوني للعملة توفر ما يلي:

*شروط اعتبار العملة متداولة قانوناً:

1- صدور قانون عن السلطة المخولة بإصداره: يقضي بإصدار هذه العملات مع تحديد صفاتها وأنواعها .

2- اعتماد المواصفات في العملة وتحديدها والنص عليها بشكل واضح: لبيان مظهرها وصفاتها ومكوناتها ومع ضرورة إبراز العلامات أو النقوش الدالة على الحكومة أو الدولة مصدرتها.

3- قبول القيمة الإسمية التي تحملها القطعة النقدية من العملة: سواء من قبل المواطنين أو من قبل الدولة , أو تجاه بعضهم البعض.

4- ضرورة النص على عقاب من يمتنع عن التعامل بالعملة أو رفضها أو تداولها بأقل أو بأكثر مما تحمله من قيمة إسمية .

5- أن تؤدي العملة وظيفتها نتيجة التعامل بها في إبراء الذمة إبراء معترفاً به قانوناً.

*التداول العرفي للعملة: يقصد به ما اعتاد الناس على التعامل بنوع معين من النقود, مع عدم التزامهم بقبولها في معاملاتهم بشكل دائم, ومن مثل ذلك العملة الوطنية التي فقدت صفة التداول لإستبدال غيرها بها, مع بقاء التعامل بها من قبل الأفراد لاعتيادهم عليها.

* العملات الوطنية والعملات الأجنبية : العملة الوطنية هي العملة المتداولة قانوناً في داخل الدولة,وهي ذات نوعين هما العملة المعدنية والعملة الورقية :

فالعملة المعدنية : قد تكون ذهباً أو فضة وقد تكون غير ذلك من المعادن وهو ما ورد بنصي المادتين /430 و 431/ من قانون العقوبات .

وهناك نوع آخر من العملات المعدنية تصدرها الدولة في مناسبات خاصة بها وبكميات محدودة ولمدة مؤقتة تعرف بما يسمى بالعملات التذكارية .

أما العملة الورقية : فهي أوراق النقد الصادر عن الحكومة وتشمل فئات معينة ومختلفة وكل فئة تحمل قيمة اسمية, ومن العملات الورقية ما يسمى أوراق البنكنوت, وربما أشار إليها المشرع السوري بتسمية (أوراق مصارف سورية) الواردة بنص المادة /433/ من قانون العقوبات وهي أوراق مأذون بإصدارها وتتضمن تعهدات مصرفية بدفع مبالغ معينة حين الطلب لحامل هذه الأوراق, وهي تصدر عن المصارف دون الحكومة وهذا ما يميزها عن بقية الأوراق النقدية الأخرى.

والعملة الأجنبية : هي العملة المتداولة قانوناً في دولة أخرى غير سورية أي في الخارج, وهي العملة التي تتداولها إحدى الدول التي أصدرتها طبقًا لقوانينها.

وبالتالي يعود إلى الدولة الجاري فيها التداول للعملة لمعرفة نظامها القانوني ومدى خضوعها للتداول القانوني وفق أحكام وقوانين هذه الدولة دون سواها.

والمشرع السوري وفق ما هو ملاحظ من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بالعملات يساوي ما بين النقد السوري والنقد الأجنبي من حيث التجريم, والأفعال الجارية عليها.

*العملة الذهبية أو المعدنية من حيث التداول: اختلفت التشريعات بما يتعلق بالعملات المصنوعة من الذهب أو الفضة, وهل هي خاضعة للتداول القانوني وفيما إذا كانت تأخذ حكم العملات الأخرى الورقية أو المعدنية المصنعة من غير الذهب أو الفضة .

لكن المشرع السوري اعتبر لهذه المسكوكات نفس الحكم في التداول القانوني مورداً حكمها بنص المادة /430/ حيث اعتبرها( عملة ذهبية أو فضية متداولة قانوناً أو عرفاً في سورية ) ولكن وإن كان النص عليها وارداً, إلا أن هذا النوع من النقود الذهبية أو الفضية عملياً- وفي الوقت الحاضر- غير موجود في التداول , لتعلق هذا الأمر بعوامل إقتصادية منها ما هو يتأثر بتقلبات سعر الذهب وتأرجحه في الصعود والنزول وقلة وجوده في الأسواق, وكذلك ظهور أنواع أخرى وجديدة من العملات يستغنى بها عن العملات الذهبية .

 

*  *   *   *

 

الفصل الثالث

الأركان العامة لجرائم تزييف وتزوير وتقليد

العملات المعدنية والورقية

-          الركن المادي-

تحقق الركن المادي:  يتحقق هذا الركن بعدة عمليات أو أفعال غير قانونية, يمكن إجمالها ونسبتها إلى فئتين هما :

-         الأفعال والإجراءات والعمليات التي تتصل بعملية صناعة العملة المزيفة بشكل غير مشروع, وبأية وسيلة كانت مما نص عليه القانون. وبالتالي يتصور بهذه المرحلة وقوع هذه الأفعال بعدة أصاف تندرج تحت عدة مسميات هي التقليد والتزوير والتزييف.  

-         الإجراءات أو الأفعال التي تحقق الغاية من العمليات الجرمية وقصد الجاني وهي تتجلى بتداول واستعمال هذه العملة بدون مشروعية. ويمكن تصور هذه العمليات تحت مسميات مختلفة هي الترويج والحيازة والعرض والتخزين والإدخال والإخراج.

هذا وإن كل فعل أو صورة من هذه الصور يعتبر جرماً قائماً بحدّ ذاته ومستقلاً بكافة أركانه.

*الأفعال التي تتصل بصناعة العملة بشكل غير مشروع:

أولاً- التقليد: يتحقق وجود التقليد بوجود الأمور التالية:

1-     الصنع: هو خلق شيء لم يكن موجوداً بالأصل, والتقليد يتحقق عن طريق الصنع وذلك بتوفيرحد معين في التشابه بين ما هو مصطنع وبين الأصل, وبمسألة  تقليد العملة الحقيقية يكون هذا الفعل قائماً بصناعة عملة مشابهة للأصلية بما يحمل على خداع الناس واعتقادهم أن السلطات العامة هي المصدرة لهذه العملة غير الصحيحة .

ومسألة التقليد تقوم على فكرتين هما اصطناع كامل أو خلق عملة مشابهة للعملة الصحيحة , والثانية التحريف الواقع في العملة التي بطل التعامل بها , بما يبعث في نفوس المتعاملين أن هذه العملة ما زالت متداولة أو صحيحة , وهذا يتم بمحو أو إزالة علامات معينة في العملة التي تدل على إلغائها.

والتقليد يتم بصنع عملة مستخدماً الجاني فيها أدوات معينة. ولقطع صحيحة أو يتم الصنع بعيار أو وزن أو مواصفات مختلفة عن العملة الأصلية, وهو ما يسمى التقليد الكلي.

ويكون التقليد جزئياً عندما يقع عل عملة بطل التعامل بها عن طريق إلغاء ما يدل على البطلان من ذات العملة, كمحو الأختام أو النقوش الدالة على البطلان في التعامل.

هذا ويلاحظ أنه لا يعتبر التقليد الواقع جزئياً في العملة إذا ما كان منصباً على سمة أو كلمة أو نقش ليست من أصل العملة, كمن يزيل أثر كلمة (ملغاة ) الموضوعة على العملة الجاري البطلان بالتعامل فيها بأمر من السلطة , لتنبيه الأفراد إلى عدم التعامل بها . إذ يعتبر أن التغيير الحاصل ما هو إلا فعل وقع على عنصر أجنبي يميز العملة في صفاتها وبياناتها الأصلية.

ويتفق الفقهاء على حالة أخرى من التقليد الجزئي للعملة الملغاة والتي يجري إتلافها من قبل الدولة بتمزيقها إلى قطع مثلاً,ويقوم الجاني  بإعادة إلصاق الأجزاء الممزقة لورقة البنكنوت مكوناً منها عملة ورقية يمكن أن تخدع المتعامل بها .

هذا وإذا ما كانت الورقة النقدية صحيحة وصادرة عن الدولة ولكن هناك نقص في أحد بياناتها لم يستكمل كتوقيع مثلاً, واستولى الجاني على هذه العملة خلسة وبشكل غير مشروع وقام باستكمال البيان الناقص فيها قبل أن يتم إصدارها بشكل قانوني, ففعله يعتبر تقليداً لأنه يعتبر إنشاء جديداً لورقة مقلدة من ورقة نقدية ليست ذات قيمة طالما لم تستكمل بياناتها ولم يصدر أمراً بإصدارها وتداولها قانوناً.

ولم يعتبر المشرع للوسيلة ,أو الأداة المستعملة في التقليد, لعدم النص عليها , إذ العبرة هي لما تحدثه هذه الوسيلة أو الأداة أخيراً من نتيجة جرمية .

ويتحقق التقليد ولو قام الجاني بتقليد قطعة من العملة ولو واحدة .

2-     أن يتم التصنيع بدون ترخيص صادر عن السلطة المختصة :  قد تلجأ السلطات أحياناً إلى الترخيص لبعض البنوك أو لجهات أخرى في إصدار عملة وفقاً لشروط معينة , ولا خلاف أن إتباع الجهة المرخص لها بالإصدار وتقيدها بكافة الشروط الممنوحة في الإذن لا يعتبر تقليداً لهذه العملة,  لكن مخالفة بعض الشروط والإخلال بإحداها يعتبر جرم تقليد لعملة بدون إذن قانوني , كحالة الجهة التي تصدر كميات أكثر من العملة عن الكميات المتفق عليها , فتعتبر الكميات الزائدة عن مضمون الترخيص عملة مقلدة معاقب على إصدارها بشكل غير قانوني, وبالتالي يمكن القول كقاعدة عام بأن الإنتاج والتصنيع للعملة غير المأذون به يعتبر تقليداً معاقباً عليه.

3-     وجود التشابه بين العملة المقلدة والعملة الصحيحة: يثور الجدل حول معيار هذا التشابه المطلوب لأن معظم التشريعات لم تنص على معايير أو درجات لهذا التشابه, لتعتبر العملة مقلدة يستحق عليها عقاب.

لكن هناك بعض الضوابط يمكن إستخلاصها بما يلي:

-         لا يشترط أن يكون التقليد متطابقاً وتاماً ما بين العملة الصحيحة والأخرى المقلدة, بل يكفي أن يكون من شأن هذا التشابه أن ينخدع المتعامل بها إلى درجة أن يعتبرها صحيحة ويطمئن إلى التعامل بها .

ولكن هل يشترط في المتعامل مع هذه العملة أن يكون أكثرانتباهاً أم أقله, أم من متوسطي الانتباه؟

لم يبين القانون هذا الأمر والرأي لدينا هو العودة إلى القاعدة العامة التي تأخذ بالرجل المعتاد( العادي ) فلا هو بحاد الذكاء والانتباه ولا هو من الغباء.

بكل حال فإن وجود الدقة وتفاوتها في التقليد لا يغير من طبيعة الجرم ووصفه, ولكن قد يكون الإتقان في التقليد ظرفاً مشدداً للعقاب, لأنه ينم عن خطورة جرمية متأصلة لدى الفاعل.

وبالمقابل فإن رداءة التقليد والإتقان لا يغير من وجود أو عدم وجود الجرم, وإن كان يتوجب توفر القناعة في التقليد بحمل العملة المزيفة على أنها صحيحة قانوناً. وهذا يؤكد أن قبول المتعامل بالعملة في المعاملات بين الناس هو المستخلص لقيام فعل التقليد.

هذا وإن العبرة في المقارنة بين العملتين الصحيحة والمقلدة هو بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف.

ويقوم أيضاً التقليد في العملة إذا كان مقبولاً في التعامل لدى الأفراد, ولو كان قبولهم يعود إلى جهلهم بخصائص العملة الأجنبية مثلاً.

ثانياً- تغيير الحقيقة : يتم هذا التغيير بصورتين هما التزييف أو التزوير.

أ‌-       التزييف: ورد ذكر كيفية وقوع التزييف في العملة بنص المادة /432/ من قانون العقوبات وفق  ما يلي: ((... على تزييفها, إما بإنقاص وزنها أو بطلائها بطلاء يتوهم معه أنها أكثر قيمة ....)) وهذا الفعل يختلف عن التقليد بأنه لا يقع إلا على عملة موجودة أصلاً, بينما التقليد ينصبّ على خلق عملة لم تكن موجودة .

         والتزييف بشكله العام يتحقق بأسلوبين هما إنقاص وزن العملة الجاري عليها التزييف, وتمويه حقيقة العملة عن طريق طلائها بما يوهم الغير بأنها أكثر قيمة مما هي عليه فعلاً.

* طرق التزييف:

1- الانتقاص من القيمة الحقيقية للعملة: تنحصر هذه الصورة من التزييف بالعملات المعدنية وخاصة المصنوعة من الذهب والفضة والمعادن الثمينة, فلا يمكن وقوعها على عملات ورقية , لأن الجاني يهدف من الإنتقاص المادي لقيمة هذه العملة إلى استقطاع الجزء المنتقص منها ليستفيد منه هو بإحدى وسائل الإستفادة كالبيع أو إعادة التصنيع والصك ومما إلى غير ذلك.

ولا تعتبر الوسيلة التي يستعملها الفاعل في سبيل الإنتقاص من قيمة العملة الحقيقية , طالما أن المهم هو وقوع الإنتقاص فعلاً بها بما يحدث في تغيير وزنها المادي, ومن هذه الوسائل القطع والبرد والكشط والحفر, و...., فضلاً عن القيام بالعمليات الكيميائية كاستعمال المذيبات بغمس العملة المعدنية فيها لإنقاصها.ويمكن استعمال الوسائل الميكانيكية بتغيير جوهر العملة باقتطاع جزء منه ووضع ما يقابله في الوزن بدلاً عنه أقل قيمة مادية .

لكن يجب ألا تؤدي إحدى هذه العمليات إلى إعدام أو إلغاء أو إتلاف العملة بحيث لم يعد مظهرها ملائماً للإستعمال كعملة, ويشترط لحصول هذا الجرم أن تكون العملة الجاري عليها الفعل متداولة قانوناً أو عرفاً.

2- رفع قيمة العملة الظاهرية: ويتم هذا الفعل بكافة أشكال السلوك المتمثلة في التعديلات التي يقوم بها الفاعل على العملة الحقيقية, بما يوهم ويوحي للغير بأنها أكبر من قيمتها الحقيقية. وقد نصت المادة /432/ من قانون العقوبات بحالة رفع القيمة للعملة عن طريق طلائها بطلاء يوهم أنها أكثر قيمة, والذي يبدو لنا أن رفع القيمة بهذه الحالة لا ينحصر فقط بهذه العملية, وإنما من الممكن  الحصول على هذه الصورة من الفعل بأسباب عمليات أخرى, فقد يكون التغيير بطرق العملة بما يؤدي على تغير حجمها وإيهام الغير بارتفاع قيمتها, الا أن علمية التمويه التي يحدثها الجاني بالعملة عن طريق طلاء العملة النحاسية مثلاً بطلاء حقيقي من الفضة أو الذهب لتوهم الغير بارتفاع قيمتها عن طريق انخداعه وتوهمه أنها مكونة كلها من مادة الطلاء المطلية به كالذهب,كما يحصل هذا الأمر باستعمال الوسائل الكيميائية على العملة لتبدو بلون ذهبي مثلاً يوهم الغير ويوحي له بأنها مكونة من معدن الذهب وبالتالي يكون وقع في خطأ وغلط القيمة الوهمية الظاهرية للعملة .

ب- التزوير: يقع على العملات المعدنية والورقية , ولكن على الأغلب على العملات الورقية, وهو لا يتصور وجوده ووقوعه إلا على عملة صحيحة, فيقوم الجاني بإدخال تعديلات على بيانات هذه العملة بقصد جعل قيمتها أكبر من حقيقتها ويعدّل مثلاً الرقم الموجود على سطح العملة أو النقش أو بيان آخر موجود بأصل ومن مكونات هذه العملة, لأن هذه البيانات أو النقوش أو الأحرف أو الرموز أو الأرقام تعتبر جزءاً رسمياً من العملة الحقيقية, وبتعمد تغيير إحداها من قبل الجاني يتحقق فعل التزوير بها بقصد رفع قيمتها وهمياً ويهدف الجاني من وراء ذلك تحقيق أرباح غير مشروعة بصرف هذه العملة المزورة بأكثر من قيمتها الحقيقية.

*التفريق بين نصّي المادتين /432 و433/ من قانون العقوبات في مجال صورتي التزييف والتزوير:

أولاً- نص المادة /432/ عقوبات : تنص هذه المادة على مايلي:

(يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة من أقدم بقصد ترويج عملة متداولة قانوناً أو عرفاً في سورية أو في دولة أجنبية على تزييفها , إما بإنقاص وزنها أو بطلائهابطلاء يتوهم معه أنها أكثر قيمة أو اشترك وهو على بينة من الامر باصدار عملة مزيفة على هذه الصورة أو بترويجها أو بإدخالها إلى البلاد السورية أو بلاد دولة أجنبية).

ثانياً- نص المادة /433/ عقوبات ورد فيها مايلي:

(من قلد أوراق نقد أو أوراق مصارف سورية كانت أو أجنبية أو زوّر أو حرف في قيمة هذه الأوراق النقدية بقصد ترويجها أو اشترك بإصدارها أو بترويجها, عوقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة /230/).

ومقارنة نصّي هاتين المادتين يلاحظ أن المادة /432/ تتعلق بفعل إجرامي هو التزييف بإنقاص الوزن أو الطلاء, وهذا لا يقع حكماً إلا على عملة معدنية .

أما نص المادة /433/ عقوبات فورد فيه أيضاً أحد الأفعال الجرمية الواقع بتقليد أو تزوير أو تحريف الأوراق النقدية , فإذن فعل التزوير لا يقع إلى على أوراق نقدية أو أوراق بنكنوت.

 

*الأفعال التي تحقق الغاية من العمليات الجرمية :  هناك صور مختلفة لتحقيق هذا الفعل ومنها الترويج والحيازة والعرض والنقل والإدخال إلى البلاد السورية أو دولة أجنبية , والإعادة إلى التعامل.

وهذه الأفعال بطبيعتها مستقلة عما سبق بيانه  من أفعال التزييف والتزوير والتقليد الواقع على العملات, وهي أيضاً تتميز عن بعضها استقلالاً بأركانها.

ويمكن تقسيم هذه الأفعال إلى ما يلي:

أولاً- الترويج:  يكون هذا الوصف الجرمي متحققاً بوضع العملة المزيفة في التداول بين أيدي الناس.

والترويج هو الهدف الذي يسعى إليه غالباً الجاني من وراء فعل التزييف , لذلك كان لا بد في بعض التشريعات الجزائية من محاولة الربط ما بين فعلي الترويج والتزييف.

العلاقة ما بين فعلي الترويج والتزييف: هناك من التشريعات ما يتطلب في عملية التزييف توافر قصد الترويج لدى الفاعل, ذلك أنه من المنطقي أن الخداع والغش الناتج عن التزييف لا يعطي آثاره ما لم يحصل ترويجا للعملة المزيفة, وبالترويج يقع الضرر الناشئ عن جرم التزييف.

لكن وبالمقابل فإن لكل من هذين الجرمين أركانه المستقلة عن الآخر.

هذا وإذا ما عدنا إلى المواد المتعلقة بتزوير وتزييف وتقليد العملة لوجدنا نص المادة /430/ عقوبات يبين صراحة هذه العلاقة, فابتداء النص بعبارة: من قلد... ثم أتبعها ( بقصد الترويج...).

كما ورد النص على هذه العلاقة بالمادة /432/ عقوبات , في القيام بأعمال التزييف بقصد الترويج. وتأيد هذا الموضوع بنص المادة /433/ عقوبات عام.

وإذا كان ثابتاً استقلال جرمي الترويج والتزييف عن بعضهما فذلك يؤدي إلى النتائج التالية:

-         ترويج العملة فقط دون التزييف يعتبر من قام بها فاعلاً أصلياً لجرم الترويج, ولكن إذا استبعدنا استقلال الجرمين عن بعضهما, واعتبرنا أن الترويج ما هو إلا امتداد لفعل التزييف لكان كل من ساهم في جريمة الترويج يعتبر شريكاً في جرم التزييف.

-         وإذا اعتبرنا أن الترويج هو الذي يبرر تجريم التزييف, فإن فعل التزييف سيعتبر عندئذ عملاً من أعمال التحضير لجرم الترويج.

-         ليس من الضروري أن يكون هناك إتفاق ما بين فاعلي التزييف والترويج, لأن العقاب واجب بكلا الحالين.

هذا ويكفي بنظر القانون ترويج قطعة عملة واحدة حتى يتحقق هذا الفعل والنشاط الإجرامي. ولا يشترط أن يحصل المروّج على هذه القطعة مباشرة من المزيف, فقد تصل إليه بشكل غير مباشر وعن غير طريق المزيف, نتيجة تداولها عدة مرات . فإذا ما أخذنا بضرورة حصول المروج على العملة المزيفة من يد المزيف حصراً, لأفلت من العقاب جملة من الأشخاص الذين تداولوا هذه العملة بصفتهم مروجين بل اعتبروا شركاء بذلك.

-         بعض الوسائل التي يتم فيها الترويج:  أن المشرع لم يأت على ذكر هذه الوسائل بشكل محدد, لأن صورها كثيرة ومتنوعة. ويتحقق الترويج باستعمال العملة المزيفة كوسيلة للدفع أو الصرف. ولا بد من أن تخرج من حيازة من يقوم بترويجها كحائز لها وتنتقل إلى يد وحيازة شخص آخر. ومن هذه الصورة, دفعها باعتبارها نوعاً من الضمان أو على سبيل القرض. أو تركها في مكان عام, أو وضعها على سبيل الوديعة أو الأمانة .

 وقد يكون الترويج بقصد سداد دين سواء أكان مشروعاً أم لا أو مخالفاً للآداب كما لو خسر المروج بعضاً من المال المزيف في القمار , وكل التزام حتى ولو كان غير مشروعاً يخرج العملة المزيفة من حيازة ويد شخص ما إلى شخص آخر يحقق صور الترويج.

والصرف يعني إعطاء العملة المزيفة لشخص ما بمقابل. مع الأخذ بعين الإعتبار أن مجرد دفعها ليد وحيازة شخص آخر حتى بدون مقابل يكفي لتحقق الترويج.

من جهة أخرى قد يكون الشخص الآخر المدفوع إليه المال المزيف على سبيل التداول عالماً أو غير عالم بأمر العملة وسيان في التجريم بين الحالتين.

*الشروع في فعل الترويج: المبدأ المقرر أن الترويج  يتم بمجرد دفع قطعة واحدة من العملة المزيفة في التعامل لأن لهذه الجريمة ميزة هي عدم أهمية العدد فيها . وكما يتم بمجرد قبول العملة ممن حصل عليها ومن اكتشف أمرها.

والشروع في هذا الجرم يكون بأن يضبط الفاعل وقت تقديم العملة وقبل قبولها وانتقال حيازتها لشخص آخر,  أو يكون الشروع برفض من قدمت له حيازتها لاكتشاف تزييفها أو تزويرها من قبله.

هذا ويعتبر شروعاً وضع الجاني العملة المزيفة في آلة للصرف أو البيع أوتوماتيكية إذا لم يتمكن من الحصول على الأموال المقابلة الموجودة بهذه الآلة .

ثانياً- التخلص من العملة المزيفة:

وهو الأسلوب الثاني من أساليب تداول العملة , ولهذا الأسلوب أيضاً وجوهاً معينة نذكرها وفق ما يلي:

1-     تداول العملة بحسن نية : وهي تكون بمن يقبض أو يأخذ عملة مزيفة بنية حسنة ولا يتمكن من الشك فيها أو اكتشاف تزييفها ثم يعيد التداول فيها بحسن نية , وهذا الموضوع لا خلاف فيه على عدم تحقق هذا الجرم لانعدام أحد أركانه وهو القصد الجرمي بالعلم بحقيقة هذه العملة.

2-     أخذ عملة مزيفة بحسن نية ثم اكتشاف من أخذها بتزييفها , فيتخلص منها بتداولها مرة أخرى بسوء نية : وهذه الحالة معتبرة من حالات الترويج, ولكن معظم التشريعات خفضت العقاب لها, لافتراض أن الفاعل قبض العملة المزيفة بحسن نية دون علمه بها.

وهذه الحالة نصّ عليها المشرع السوري بالمادة /436/ من قانون العقوبات ونصّها هو التالي: ( من قبض عن نية حسنة قطعاً من العملة أو أوراقاً نقدية أو أوراق مصارف مقلدة أو مزيفة أو مزوّرة وروجها بعد أن تحقق عيوبها , عوقب بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة).

ويبدو أن المشرع السوري خفف العقوبة هنا إلى أبعد تقدير بجعلها غرامة مالية لا تتجاوز المائة ليرة سورية , لكنه لم يفصح في هذه المادة عن نية الفاعل حينما يروجها بعد تحققه عيوبها.

فنحن نرى أنه كان يتوجب التفريق ما بين حالتين:

أولهما: أن يقبض العملة بحسن نية ويتخلص منها بنية حسنة ولو كان عالماً بتزييفها, وبالتالي يوصف مقصده بهذه الحال أنه لمجرد إبعاد الشكوك عن نفسه بعدم تعرضه للعقوبة حينما يتوقع أن يضبط وبحوزته العملة المزيفة لذلك يسعى إلى التخلص منها فقط ولما قبض منها بنفسه, وكلمة التخلص منها قد تفيد المعنى المرتبط ما بين خوف الفاعل من العقاب وما بين ضبطه وبحوزته هذه العملة , ويمكن القول أنه طالما وقع في شرك من أعطاه عملة مزيفة, فمن حق الفاعل هنا اللجوء إلى الأساليب التي تعطيه الحق من التخلص من هذا الغش والخطأ الذي وقع فيه.

ولكن لا يمكن لنا أيضاً أن نأخذ هذا الموضوع على إطلاقه لأنه يمنح الفرص عندها لكثير من المجرمين من الإفلات من العقاب كما يسمح بتفشي ظاهرة الترويج وبتشجيع المروّج على القيام بأفعاله, إلا إذا أخذنا بحلّ وسط هو وجود عادة التكرار بضبط الفاعل في الترويج من خلال سجله العدلي.

والحالة الثانية :  هي وجود سوء النية لدى الفاعل الذي يقبض عن حسن نية عملة مزيفة ثم يروجها بسوء نية, وبهذه الحال يكون لقصده الجرمي ونيته معنى أوضح من الحالة الأولى لأنه ربما يكشف عن استعداد الجاني هنا للقيام بجرمه بدون خوف أو رادع.

ويبدو من خلال العقوبة البسيطة التي فرضها المشرع في المادة /436/ من قانون العقوبات أنه اعتبر الشخص هنا شخصاً سيئ الحظ أكثر منه مجرماً وهو غالباً ما وقع ضحية المروج الأصلي, وبفعله ترويج العملة ما هو إلا للتخلص من ضرر حلّ به بإلقاء هذا الضرر على المجموع أو بإحلال ضحية أخرى مكانه.

3-     قبض وأخذ عملة مزيفة بسوء نية مع العلم بتزييفها ثم دفعها للتداول بسوء نية: وهي أخطر حالات دفع العملة في التداول وجرى البحث فيها سابقاً.

ثالثاً- حيازة العملة المزيفة: يعتبر الحيازة للعملة المزيفة عملية تحضيرية لأفعال أخرى قد يقوم بها الحائز كالتمهيد لترويجها أو لنقلها أو لإدخالها وإخراجها من وإلى البلاد.

لكن وعلى الرغم من ذلك فالحيازة تعتبر فعلاً جرمياً تاماً قائماً بذاته, بغض النظر عن المرحلة اللاحقة التي يتوخاها الجاني من وراء الحيازة. وما التجريم بهذه الحال إلا عبارة عن احتراز أو تدبير يقوم به المشرع ابتغاء الحد أو المنع من أمر قد يتعدى فعل الحيازة على الترويج أو حتى التقليد والتزييف.

إلا أن المشرع السوري لم يورد في المواد المتعلقة بتزوير العملة وتزييفها موضوع الحيازة لا صراحة ولا تلميحاً, وإذا ما كانت بعض التشريعات تأخذ بالعقاب لمن يحوز العملة المزيفة فإن الرأي القائل بالتجريم إذا كان غرض الفاعل فقط مجرد الحيازة كالتخزين مثلاً, أي إيداع المال على سبيل الأمانة أو الوديعة, لكن إذا كانت الحيازة مرتبطة بما يليها من أفعال عندئذ تكون تمهيداً لأفعال جرمية أخرى كالترويج أو التزييف فإن العقاب هنا مستوجب ليس لمجرد الحيازة بل على الفعل الآخر المرتبط بها وبالتالي فإن قصد الجاني من الحيازة كالتزوير أو الترويج, يجبّ فعل الحيازة لعدم جواز استقلاله والتجريم عليه مجرداً من ارتباطه بأوصاف أخرى.

*العودة إلى القواعد العامة بخصوص حيازة العملة المزيفة: أشرنا إلى أن الشرع السوري لم ينص على أفعال الحيازة مستقلة عما عداها من أفعال تسبقها أو تليها.والرأي لدينا أنه يتوجب بهذه الحالة تطبيق المبادئ العامة في القانون المتعلقة بالمسؤولية وفق الشرح التالي:

ورد نص المادة /218/ من قانون العقوبات تحت عنوان- في المتدخلين والمخبئين بأنه: (يعد متدخلاً في جناية:

‌أ-       من أعطى إرشادات لاقترافها وإن لم تساعد هذه الإرشادات على الفعل.

‌ب-   من شدد عزيمة الفاعل بوسيلة من الوسائل.

‌ج-     من قبل ابتغاء لمصلحة مادية أو معنوية, عرض الفاعل أن يرتكب جريمة.

‌د-      من ساعد الفاعل أو عاونه على الأفعال التي هيأت الجريمة أو سهلتها, أو على الأفعال التي أتمت ارتكابها.

‌ه-     من كان متفقاً مع الفاعل أو أحد المتدخلين قبل ارتكاب الجريمة, وساهم في إخفاء معالمها أو تخبئة أو تصريف الأشياء الناجمة عنها, أو إخفاء شخص أو أكثر من الذين اشتركوا فيها عن وجه العدالة .

‌و-      من كان عالماً بسيرة الأشرار الجنائية الذين دأبهم قطع الطرق أو ارتكاب أعمال ضد أمن الدولة أو السلامة العامة , أو ضد الأشخاص أو الممتلكات وقدم لهم طعاماً أو مأوى أو مخبأ أو مكاناً للاجتماع.

يجوز مثلاً أن يلجأ الحائز الى معاونة الفاعل بحيازته للعملة المزيفة تمهيداً ليروجها الفاعل بما يحقق نص الفقرة/ و /.

كما يمن أن يعتبر الحائز مخبأ للعملة المزيفة, أو يحاول إخفاء معالمها عن أعين الشرطة وفق ما يتفق من خلاله مع الفاعل,وبما ينطبق على نص الفقرة /هـ /.

وقد يكون متدخلاً يساعد المروج مثلاً على تسهيل عملية الترويج بأن يجد له مكاناً في منزله مثلاً ويحوز به العملة ويكون هذا البيت مكاناً ملائماً وقريباً مثلاً من السوق التي يتم بها الترويج أو قريباً من السماسرة والوسطاء في الترويج أو التزوير وبما يسهل عملية نقل المال المزيف.

4-     إدخال العملة المزيفة داخل البلاد السورية: يتم هذا الفعل الجرمي بنقل العملة المزيفة وتخطي بها الحدود السياسية والجغرافية لبلد بأية وسيلة كانت بالبحر أو الجو أو الأرض ولا فرق في الإدخال الذي يتم عبر المنافذ الحدودية المعتبرة أو غيرها ,وكما لا فرق في عملية النقل سواء أكانت بواسطة الشخص أو بمركبة أو وسيلة ميكانيكية أو آلية أو بواسطة حيوان ما . وقد تكون مرسلة عبر البريد بخطاب بريدي مثلاً وقد تكون ظاهرة أو مخبأة. والذي يبدو أن هذه الجريمة تكون بإتمام فعل التزييف والتزوير خارج البلاد ثم إدخالها إلى سورية, ولكن قد يكون الأمر خلاف ذلك لأنه من الممكن تزييف هذه العملة داخل البلاد ثم إخراجها منه لسبب ما , ثم عودة إدخالها إلى البلاد.

وهذا المنع الوارد بنص القانون غايته الحدّ من التداول الدولي للعملة المزيفة والحدّ من النشاط الإجرامي لعصابات تزييف وتهريب الأموال.

والمشرع السوري مثلما يعاقب على إدخال العملة فهو يعاقب أيضاً على إدخالها إلى دولة أجنبية .

والذي يبدو لنا إغفال المشرع السوري كغيره من التشريعات لمسألة إخراج العملة من البلاد, كموقف سلبي بالنظر إلى عدم وجود مصلحة بذلك, بل إن إخراج العملة من البلاد يتصوره البعض بأنه دفع الضرر عن المجتمع وإخراجه إلى ما وراء حدود البلاد.

إذا كان هذا الكلام فيه شيء من الصحة فهو خاطئ لعدة أسباب:

-         ما تتطلبه قواعد القانون الدولي والمعاملات الدولية من ضرورة التعاون الدولي في مكافحة الإجرام- على الدولة بتجريم أفعال العملة خارج البلاد.

-         التطور الإقتصادي واتفاقيات المبادلات التجارية والإرتباط في الأسواق العالمية الداخلية أو الخارجية, يستدعي العمل على المستوى الدولي لا الفردي.

-         أخيراً قد تكون العملة المزيفة الجاري إخراجها من البلاد, هي عملة نفس البلاد الخارجة منها, وإذا لم تسع الدولة صاحبة العلاقة إلى تجريم إخراج هذه العملة من بلادها, فإن إقتصادها قد يتأثر وكذلك يمكن فقدان الثقة في عملتها ويمتنع إعتبارها مصدر تداول دولي.

وإذا كانت الدولة تأخذ منحى سلبياً حيال هذا الأمر معتبرة مثلاً أن الأمر لا يعنيها إذا ما أخرجت عملة مزيفة من إقليمها تابعة لدولة أخرى, فإن هذه الدولة الأخيرة ستسعى إلى معاملة هذه الدولة بالمثل عندما تخرج عملة هذه الدولة من إقليم الدولة الأخرى, مما يؤدي إلى سلبيات كثيرة لا يمكن معالجتها ولا تلافيها .

لكن المنطق الذي أورده المشرع السوري قد يخفف من غلواء هذه الآراء.

فمن استعراض المواد موضوع هذا البحث لوجدنا أن المشرع يمنع إدخال العملة إلى سورية , وكذلك إدخالها إلى البلاد الأجنبية , ولو فرضنا أن الجاني بحوزته أوراقاً من العملة المزيفة موجود في سورية وهذا النص يحرم عليه إدخال هذه العملة إلى دولة أخرى أجنبية فمنطق الحال يعني تجريم إخراج هذه العملة من سورية نفياً بما يحرمه من إدخالها إلى بلاد أجنبية.

ويتحقق الشروع في الإدخال حينما يكتشف أمر الفاعل على الحدود فتصادر منه العملات المزيفة .

هذا وفي سبيل معرفة الحدود المعلقة بالأرض السورية لتطبيق أحكام قانون العقوبات فقد حددت المادتان /17,16/ من قانون العقوبات ما يعتبر أرضاً سورية .

5- العرض:  يعتبر البعض أن العرض صورة ممهدة لوضع العملة المزيفة في التداول , لكن يبدو أن نص المادة /435/ من قانون العقوبات بينت صورة العرض التي ربطتها بقصد الإتجار ,  فنصت على مايلي:

( يعاقب بالحبس وبالغرامة من صنع أو عرض أن نقل بقصد الإتجار ، أو روّج قطعاً معدنية مقلداً بها عملة متداولة قانوناً أو عرفاً في سورية أو بلاد أخرى أو أوراقاً مطبوعة قد يقع التباس بينها وبين الورق النقدي أو أوراق المصارف الوطنية والأجنبية )

كما يفترض بمفهوم المادة سابقة الذكر أن العرض حصره المشرع بقطع العملة المعدنية , التي يقلّد بها الفاعل عملة متداولة قانوناً أو عرفاً, والعرض يهدف منه الفاعل إبتداء إلى إعلانه جودة ما يقوم بتقليده على الغير ترغيباً له بالتداول بإحدى الوسائل المارّ ذكرها. وتحقيقاً لقصد الفاعل في الإتجار بهذه القطع .

والإتجار- بحسب أحكام قانون التجارة – يتطلب غالباً تكرار العملية التجارية لمرات لكي تحقق الهدف من ذلك , وهو تحقيق عامل الربح والكسب.

هذا وقد يلتبس الأمر ما بين العرض وما بين الشروع في الترويج , فمن يقوم بعرض العملة المزيفة على الغير تمهيداً لترويجها ثم يضبط بمجرد العرض وقبل إتمام الفعل بنقل الحيازة لهذه العملة إلى يد شخص آخر, يعتبر شارعاً في هذا الجرم , وبالمقابل يعتبر هذا الجرم من وجهة النظر التي نشرحها من قبيل العرض.

6-النقل: هذه الصورة وردت بنص المادة /435/ من قانون العقوبات. وما ينطبق على موضوع العرض ينطبق على النقل, وهو بطبيعته تغيير مكان العملة إلى مكان آخر أو إيصاله من مكانه إلى يد آخر أو وجهة أخرى سواء بقصد تخزينها أو تمهيداً لترويجها أو حتى لتزييفها أو لإخراجها من البلاد لذلك يمكن اعتبار النقل أيضاً صورة تمهيدية لأحد الأفعال المار ذكرها.

 

*   *   *   *

 

الفصل الرابع

الركن المعنوي

القصد الجرمي وأقسامه

 

تمهيد: القصد الجرمي هو أحد الأركان المطلوب توفرها في الجرائم بشكل عام , وهو يختلف من جريمة إلى أخرى, ولا يعدو أن يكون مستخلصاً من النية التي يعقدها الفاعل أثناء ارتكابه جريمته وهو يقسم بحسب طبيعة توفره في الجرائم إلى قصد عام وآخر خاص.

وبشكل عام فإن جرائم تزييف العملة وتزويرها وتقليدها بكافة أشكالها تتطلب قصداً جرمياً خاصاً إلى جانب القصد العام لأنها تعتبر من الجرائم العمدية .

وبذلك فإن معظم التشريعات المتعلقة بهذا الموضوع نصت صراحة على القصد الخاص, ومنها لم ينص عليه صراحة, معتبراً أن مجرد البدء بأحد أفعال وضع العملة في التداول سبباً مباشراً لتوفر القصد الخاص.

وفيما يلي بيان للقصدين الجرميين بمدلولهما العام والخاص المتعلقان بهذه الجرائم.  

 

*   *   *   *

الفصل الخامس

القصد الجرمي العام

 

*تعريفه وصوره:  القصد العام في جرائم تزييف العملة بكافة صورها يتوجب توفره , مثلها كمثل بقية الجرائم الأخرى التي تعتبر من جرائم العمد.

وهو يتحقق, بالعلم والإرادة لدى الفاعل.

فلا بد أولاً من أن يباشر الجاني أفعاله المعتبرة جرائم ما لم يكن ذو إرادة حرة, ويخرج عن هذا النطاق من يزيّف أو يروّج عملة مزيفة تحت عنصر الإكراه بكافة صوره وأشكاله.

وينفي الإرادة الحرة أحد موانع المسؤولية الجزائية كحالة صبي دون سن التمييز أو مجنون يقومان بترويج عملة مزيفة.

هذا ومن المتوجب أيضاً علم الجاني بأن ما يقوم به يعتبر فعلاً معاقباً عليه, فلو قام بتزييف عملة وطنية معتقداً أنها ليست عملة وإنما ميدالية مثلاً أو رسماً تذكارياً, فليس من عقاب عليه, أو كان يقوم بتزييف عملة بطل تداولها وألغي بشكل قانوني.

* القصد العام في أفعال الإستعمال للعملة المزيفة: ينبغي توفر القصد الجرمي العام لدى الفاعل وهو العلم وقت تسلمه العملة المزيفة بأنها مزيفة ثم يقوم بترويجها أو حيازتها أو إدخالها إلى البلاد مع علمه بذلك, إذن فلا قيام للجرم بحالة تسلّم الفاعل عملة مزيفة واعتقد عند استلامها أنها صحيحة. مع ملاحظة أن العلم من عدمه يجب توفره بزمن معاصر للنشاط الإرادي للفعل.

والقصد العام في جرائم ترويج العملة المزيفة يكون له دوراً رئيسياً في تحديد مقدار العقوبة بالنسبة للفعل, لأن المشرع ميّز بين حالات مختلفة في الترويج وكان سبب اختلافها هو القصد العام لدى الفاعل:

-         فهو لا يعاقب على من يتسلّم عملة مزيفة مع إنتفاء علمه بحقيقتها ثم يدفعها للتداول قبل أن يكشف أمرها.

-         وهو يخفض العقوبة معتبراً إياها جنحوية إذا تسلّم الفاعل عملة مزيفة مع انتفاء علمه بحالتها عند الإستلام , لكنه يكشف أمرها لاحقاً فيقوم رغم ذلك بدفعها للتداول.

-         وهو يغلظ العقاب ليكون جنائياً لمن يتسلّم عملة مزيفة مع علمه بها وقت استلامها ثم دفعها إلى التداول بسوء نية وهذا الفعل أعلى درجات الترويج المعاقب عليه.

* القصد العام والنتيجة الجرمية في أفعال التزييف والتزوير والتقليد:

يلعب القصد العام دوراً عندما يقلّد الفاعل عملة متوخياً تحقيق النتيجة الجرمية وهي الحصول على عملة مشابهة للعملة الحقيقية , وسواء تحققت هذه النتيجة أم لا, فيعاقب بهذه الحال, لكن ينعدم القصد لديه إذا أثبت الفاعل عكس ذلك أي لم يكن يسعى لتحقيق غاية وهو الحصول على عملة مقلدة شبيهة للعملة الصحيحة.

* ثبوت القصد والعلم أو نفيه:

1- هذا ويستنتج علم الفاعل بأفعال التزييف مما يستفاد من ارتكابه الأفعال المادية المؤدية لهذه الجرائم فهي تكشف وتظهر مقصده الجرمي.

2- ولكن في كافة أفعال الإستعمال ومنها الترويج والإخراج والنقل والعرض, فلا يستفاد منها بالضرورة توافر علم الفاعل أن ما يستعمله من عملة هي غير صحيحة , وهذا بالتالي يوجب على النيابة العامة عبء إثباته لثبوت الجرم بحق الفاعل.

 

*   *   *   *

 

الفصل السادس

القصد الجرمي الخاص

 

*تعريفه:  يتفق القصد الجرمي الخاص مع العام بأنه يقوم على العلم والإرادة , ولكن لا يقتصر القصد الخاص على علم الجاني بأركان الجريمة وعناصرها كالقصد العام, وإنما يمتد ليشمل الباعث الموجود لدى الجاني الذي دفعه إلى ارتكاب الفعل لتحقيق نتيجته الجرمية المعينة.

هذا وقد عرّف المشرع السوري الدافع (الباعث) بالمادة /191/ من قانون العقوبات بما يلي:

(1-              الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها.

 2- ولا يكون الدافع عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينّها القانون)

فالدافع أو القصد الخاص يحمل معنيين هما:

الأول: العلة التي تدفع الفاعل لارتكاب جرمه.

والثاني: هو الغاية القصوى والمحددة التي يتوخى الفاعل تحقيقها عيناً.

*القصد الجرمي الخاص في أفعال التزوير والتزييف والتقليد للعملة:

من الثابت أن نصوص المواد/430و431و432و433/ من قانون العقوبات المتعلقة بصور أشكال تزييف وتزوير وتقليد العملة المعدنية أو الورقية أو أوراق المصارف, أوضحت القصد الخاص المطلوب تحقيقه نتيجة هذه الأفعال وهو قصد ترويج العملة المزيّفة , ونية وضعها على أنها صحيحة في التداول.

فيجب أن يثبت علم الجاني أنه تسلّم عملة مزيّفة وأنه قام بذلك تمهيداً للتعامل بها وتداولها على اعتبار أنها عملة صحيحة.

كما لا يرتكب جريمة الترويج إذا كان من يفعل  أحد أفعال التقليد أو التزييف أو التزوير بقصد المزاح أو لإظهار براعته في هذه الأمور للغير.

وبذلك يظهر القصد الخاص بأنه تحقيق خداع الغير بتعامله مع العملة المزيفة على أنها صحيحة ويمكن القول أيضاً بنية الفاعل من استعمال أحد أساليب التزييف إلى تحقيق غاية هي التمكن من الترويج والتداول , عن طريق الإيهام بأن العملة صحيحة وقانونية.

*القصد الجرمي الخاص في أفعال الإستعمال للعملة: يتحدد القصد الخاص في أفعال الاستعمال من ترويج وإدخال بنية الجاني الإضرار بالثقة العامة المفترضة في العملة التي أوجبتها ورعتها الدولة مصدرة العملة . وبذلك يرتبط الضرر المباشر الذي يبغيه الجاني بالقصد الخاص هنا . فلا يتحقق الجرم إذا أدخل الفاعل إلى البلاد عملة مزيّفة قاصداً تسليمها إلى السلطات المختصة.

*القصد الجرمي الخاص المنصوص عليه بالمادة/435/ عقوبات : ورد وصف القصد الجرمي الخاص بهذه المادة وهو قيام الفاعل بالإتجار عن طريق صنع أو عرض أو نقل أو ترويج قطعاً معدنية .

وبرأينا هذا القصد لا يضيف شيئاً لأن نية  الفاعل في كل أنواع القصد بهذه الجرائم تهدف أولاً وأخيراً إلى هدف تحقيق الربح عن طريق الإتجار.

 

*  *   *   *

 

الفصل السابع

الشروع في مختلف صور

التزييف والتقليد والتزوير والترويج للعملات

 

*الشروع بمفهومه العام ونصه القانوني: الشروع في الجرائم يقع بصورتين عامتين أحدهما قيام الفاعل بأفعال ترمي مباشرة إلى إقتراف الجناية غير أن هذه الأفعال لم تتم لظروف خارجة عن إرادة الفاعل, وهو ما يسمى بالشروع الناقص, وورد بيانه بالمادة /199/ من قانون العقوبات التي نصت على مايلي:

(1- كل محاولة لإرتكاب جناية بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى إقترافها , تعتبر كالجناية نفسها إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل.

2- على أنه يمكن أن تخفض العقوبات المعنية في القانون على الوجه الآتي:

يمكن أن تستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو بالأشغال الشاقة المؤقتة من عشر سنوات إلى عشرين سنة .

أن تستبدل الأشغال الشاقة المؤبدة بالأشغال الشاقة المؤقتة لسبع سنوات على الأقل, وأن يستبدل الإعتقال المؤبد بالإعتقال المؤقت لسبع سنوات على الأقل . ويمكن أن يحط من أية عقوبة أخرى من النصف إلى الثلثين.

3-     ومن شرع في فعل ورجع عنه مختاراً, لا يعاقب إلا للأفعال التي اقترفها وكانت تشكل بحدّ ذاتها جرائم).

أما الشروع التام , فهو تمكن الفاعل من القيام بجميع الأفعال والأعمال الرامية إلى حصول النتيجة الجرمية , غير أن ظروفاً خارجة عن إرادته أيضاً حالت دون حصل النتيجة.

     وردت أحكام هذا الشروع بالمادة /200/ من قانون العقوبات ونصها هو التالي:

( إذا كانت جميع الأعمال الرامية إلى اقتراف الجناية قد تمت غير أنها لم تفض ِ إلى مفعول بسبب ظروف لا علاقة لها بإرادة الفاعل أمكن تخفيض العقوبات على الوجه الآتي:

يمكن أن يستبدل الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من اثنتي عشرة سنة إلى عشرين سنة .

وأن تستبدل الأشغال الشاقة المؤبدة بالأشغال المؤقتة من عشر سنوات إلى عشرين سنة .

ويمكن أن يحط من أية عقوبة أخرى حتى نصفها .

ويمكن أن تخفض العقوبات المذكورة في هذه المادة حتى الثلثين إذا حال الفاعل بمحض إرادته دون نتيجة فعله).

هاتان المادتان تتعلقان بالشروع في الجنايات بشكل عام.

أما الشروع في الجنح فهو غير معاقب عليه ما لم يرد نصاً خاصاً بذلك.

*الشروع في تقليد العملة: تقليد العملة جرم جنائي الوصف تبعاً لعقوبته وهي الأشغال الشاقة , لذلك يعتبر الشروع فيه شروعاً في جناية, وبالتالي تطبق عليه القواعد السابق ذكرها بشكل عام.

لكن يصعب التمييز أحياناً مابين الأعمال التحضيرية لهذا الجرم وما بين البدء بالإعمال التنفيذية له أي البدء بتنفيذ الركن المادي. وهذه التفرقة تؤخذ بعين الاعتبار, ويمكن إيجاد الضوابط المميزة للأعمال التحضيرية ثم التنفيذية .

1-     الأعمال التحضيرية , والبدء في التنفيذ: هناك إتجاهات مختلفة تعطي كلاً منها وجهة نظر قانونية ,فالبعض يعتبر أن مجرد وجود أو إعداد الأدوات المستعملة في التزييف  هو أعمال تحضيرية, ويعتبر البعض أيضاً أن بدء الأعمال التنفيذية إذا ما بدأ الجاني فعلاً بتهيئة واستعمال أدوات التزييف , فيمكن القول ببدء تنفيذ الركن المادي بالشروع بقيام الجاني بصنع القالب مثلاً المعد للتزييف. في حين أن من يذهب على أن الإنتهاء من تصميم القالب ,هو البدء بتنفيذ خطوات التزييف بالبدء بتنفيذ أي عمل يحقق هذا الشروع.

والذي يبدو أن المشرع السوري يأخذ مذهباً وسطاً, أي يرجّح المذهب الشخصي لدى الفاعل فهو يعتبر أنه يكفي لأن يكون الفعل الذي يباشره الفاعل معتبراً كخطوة أولى في سبيل ارتكاب جرمه ما دام القصد لديه معلوم وثابت.

وهذا السلوك الذي أخذه المشرع من أنه متى أعدّ الفاعل الأدوات والآلات والمواد التي تستخدم في عملية التزييف وبدأ بالفعل في استعمالها, فإن فعله يكون بدءاً في تنفيذ الركن المادي مباشرة لهذا الجرم, وبفعله هذا يكون قد تجاوز مرحلة الأعمال التحضيرية للفعل.

وبذلك فإن أي فعل لاستخدام أدوات التزييف والتقليد, كصهر السبائك المعدنية , ووضع العملة الصحيحة على القالب, وخلط الألوان بالنسبة للعملة الورقية , وما إلى ما يشابه هذه الأفعال يعتبر إنتهاء من المرحلة التحضيرية وبدءاً في الأفعال التنفيذية .

*الشروع بالجرم ,والجرم التام: هذا الموضوع يأخذ بأفكار متعددة, ويمكن أن نعتبر أن مرحلة الشروع بهذه الجرائم تبدأ بقيام الفاعل بأي فعل من شأنه أن يستخدم فيه الأدوات والآلات والمواد المستعملة في التزييف بقصد ارتكاب فعل وتقليد العملة, وتنتهي مرحلة الشروع حينما تتخذ العملة المزيّفة وصف التشابه مع العملة الأصلية , باحتوائها على البيانات والعلامات والنقوش الجوهرية والأساسية.

ويدخل في باب الشروع قيام الفاعل بكل الأفعال التنفيذية اللازمة لإتمام الجرم, ثم يوقف عمله وأفعاله لأسباب خارجة عن إرادته.

*الشروع في ترويج العملة:  يتم ترويج العملة بدفعها إلى التداول ,وقبولها في التعامل يحقق فعل الترويج التام, لكن هذه الحالة لا تتحقق كاملاً نتيجة ظروف أو عوامل يجهلها الفاعل أو لا دخل لإرادته فيها , كأن يضبط أثناء تقديم العملة وقبل قبولها , أو يرفض من عرضت عليه التعامل معها, فيبقى فعله في حيز الشروع.

أما الأفعال التحضيرية لهذا الجرم فتبدأ منذ لحظة عرض الفاعل العملة المزيفة في سبيل التداول بها وقبولها على أنها عملة صحيحة.

أما الإتفاق على بيع العملة المزيفة , دون عرضها فعلاً, فلا يدخل في باب الشروع في الترويج.

*   *   *   *

 

الفصل الثامن

صناعة أو إقتناء آلات وأدوات معدة للتزييف

 

*النص القانوني: جرى النص على مختلف الصور الجرمية لهذه الحالات بالمادتين /438-439/ من قانون العقوبات .

(المادة 438:  1- من صنع آلات أو أدوات معدة لتقليد أو تزييف أو تزوير العملة أو أوراق النقد أو سندات المصارف, أو حصل عليها بقصد إستعمالها على وجه غير مشروع, عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبالغرامة مائة ليرة على الأقل.

2-     من اقتنى تلك الآلات أو الأوراق على علمه بأمرها, عوقب بالحبس سنة على الأقل).

(المادة 439:  يعاقب بالعقوبات الجنائية المنصوص عليها في المادة السابقة من وجد حائزاً آلات أو أدوات معدة لصنع العملة أو الورق النقدي أو أوراق المصارف واستعملها على وجه غير مشروع).

*تكييف هذه الجرائم:  تقسم الأعمال أو المراحل التي تمر بها الجريمة بمفهومها العام إلى أعمال تحضيرية ثم أعمال تنفيذية , وفي الغالب لا يعاقب المشرع على الأفعال التحضيرية المهيّئة للجريمة ما لم تكن بحدّ ذاتها وقائع تصلح لأن تكون جريمة مستقلة بذاتها .

وقد يستثني المشرع بعض الأفعال  التحضيرية التي يعاقب على حصولها ولو لم تقترن بأفعال تنفيذية .

هذا ويعتبر بعض الفقهاء في صور هذا الموضوع إقتناء أدوات لتزييف العملة هو مجرد مرحلة تمهيدية أو تحضيرية للقيام بجرم تزييف أو تزوير أو تقليد العملات.

لكن وفقاً للإستثناء الذي بيناه فالمشرع جعل عقاباً لمجرد حيازة مثل هذه الأدوات وفق ما ذكر بنص المادتين /438-439/ من قانون العقوبات العام, لأن الفعل بحدّ ذاته ينطوي على أخطار تهدد المصالح المتعلقة بإصدار العملة وبالثقة في تداولها, وبالتالي فالعقاب هنا واجب ولو لم يقع الضرر لعدم الإشتراط عليه بمثل هذه الجرائم باعتبار أن هذه الجرائم تعتبر من جرائم الخطر فقط.

*أركان هذه الجرائم:

1- الصنع:  يدخل في شموله كافة العمليات والإجراءات اللازمة لتكوين أو تركيب أو تجميع الأدوات أو الآلات المعدة للتقليد أو التزييف أو التزوير الواقع على العملات, وهو ما يستفاد من نص المادة /438/ عقوبات التي جرى استهلالها بعبارة (من صنع ...).

والمشرع أعطى وصفاً مطلقاً( لأدوات وآلات ) وبالتالي فإن أية آلة أو أداة مهما كان وضعها وتركيبها تحقق الغاية من صناعتها لتزييف أو تقليد أو تزوير العملات تدخل في نطاق التجريم.

      وهذا الوصف نسبي إذ أنه يتغير ويختلف بحسب التطور التقني والتكنولوجي والإكتشافات في ميادين العلوم الصناعية , فقد تكون الآلة بدائية وقد تكون ميكانيكية أو إلكترونية متطورة لا فرق فيما بينه طالما أنها أعدت فعلاً لتحقيق إحدى الصور السالفة الذكر, وهذا يؤدي إلى مدلول مفاده أن عدم صلاحية هذه الآلة أو الأداة لأن تؤدي مهمتها  في تقليد أو تزييف أو تزوير ا لعملة لا يدخلها في عداد نص المادة /438/ عقوبات , ولا تعتبر من الأدوات المستعملة لتزوير ا لعملات.

     هذا وإذا كان للآلة المصنعة هدفاً آخر غير التزييف, وصنعها الفاعل للقيام بعمليات التزييف, فصنعها تطاله أحكام المادة /438/ عقوبات .

     ولا يشترط بالفاعل أن يصنع أدوات أو آلات كاملة لتزييف العملة , وإنما يمكن صناعة الأدوات التي يمكنها أن تعطي المدلول نفسه.

     وبذلك فإن أدوات التزييف هي التي تعرّف نفسها بنفسها وتعطي الهدف من وجودها بشكل لا يدعو للبس, وتدل بطبيعتها على أنها ستستخدم بصفة مباشرة في تزييف العملة , ويخرج عن هذا  المضمون الأدوات التي لا تدّل على أنها مخصصة لذلك أو تدّل طبيعتها على أنها ستستخدم بصفة مباشرة في إرتكاب إحدى هذه الجرائم.

    ويمكن إعطاء بعض الأمثلة عن الأدوات المستعملة لتزييف العملة المعدنية منها قوالب الحديد أو الجبس, والأختام الحاوية على النقوش والصور والرسوم لوجه إحدى العملات المعدنية المراد تقليدها.

    وهذه المواد أو الأدوات لو وجدت على حده كقوالب الحديد أو الجبس فإنها لا تعطي مدلولاً على أنها مخصصة للتزييف, أما وجودها مجتمعة فهو يعطي المدلول على كونها آلات مخصصة للتزييف.

    أما العملة الورقية , فتخصص لها بعض الأدوات مثل الورق الشفاف الذي يحمل نقوشاً للورقة المراد تزويرها عن طريق نقلها بالرسم أو  الكليشات المحفورة, والأدوات أو ا لألوان التي تحمل نقوشاً وشعارات لصنع العملة , وتعتبر آلة الطباعة والورق ضمن أدوات التزييف إذا اجتمعت معها وسائل وآلات التزييف الأخرى, لكنها إذا وجدت لوحدها , فوجودها لا يعني بالضرورة أنها آلات ممنوع إقتنائها لأنها تستعمل في أمور أخرى مشروعة, ما لم يثبت العكس.

    وعلى هذا كان غرض المشرع السوري بإيراده عبارة (من صنع آلات وأدوات معدّة لتقليد أو تزييف أو تزوير العملة أو أوراق النقد أو سندات المصارف...)

    وهذا الوصف يعني أن المشرع حصر هذا الأمر باعتبار الأدوات بحسب طبيعتها أو بحسب الغرض المستخدمة فيه.

    والذي يبدو لنا أن هذا الأمر يخضع لتقدير قضاء الموضوع الذي يحدد فيما إذا كانت الأوصاف المعتبرة في الآلة ما يجعلها تقوم بمهمتها  في التزييف أو التزوير أو التقليد للعملات أم لا مع الإستعانة بالخبرة الفنية في هذا المجال.

2-     الحيازة : يمكن اللجوء إلى أحكام الحيازة الواردة في القانون المدني لبيان عناصرها وصورها على اعتبار أن قانون العقوبات لم يورد أحكاماً للحيازة , وهي بشكل عام السيطرة أو السلطة التي يباشرها الحائز على المنقول, وتقسم إلى حيازة تامة , وناقصة أو مؤقتة , وأخيراً عرضية , وأي صورة من هذه الصور تحقق الغاية من التجريم.

والحيازة التامة تأتي ممن يعتقد بملكيته لما يحوزه دون غيره وهي أقوى أنواع الحيازة, والمؤقتة أو الناقصة تكون من غير المالك للشيء, أما العرضية فهي حيازة عابرة لا تخول صاحبها أي سلطة على المال موضوع الحيازة .

    هذا ولا تهم المدة أو الفترة التي يحوز فيها الفاعل أدوات وآلات التزييف, ويقوم هذا الجرم حتى بمجرد الحيازة لو لم يتمكن الحائز من استعمال أو محاولة استعمال الأدوات .

*مقارنة بين نصي المادتين/438-439/ من قانون العقوبات:

 قد لا يجد البعض أية تفرقة بين نصي هاتين المادتين , فالأولى تعاقب على أحد الأفعال التالية:

-         صنع أدوات أو آلات

-         الحصول عليها بقصد الإستعمال بوجه غير مشروع

-         اقتناء ( حيازة ) تلك الآلات مع العلم بأمرها

وهذه الأفعال من صنع وحصول واقتناء لا تقع إلا على أدوات أو آلات معدة للتزييف أو التقليد, أي لا تكون على آلات وأدوات معدة لصناعة العملة الصحيحة , حسب حرفية النص.

أما المادة الثانية فهي تعاقب على حيازة آلات أو أدوات معدة لصنع العملة أو الورق النقدي أو أوراق المصارف, (أي لصنع العملة الصحيحة غير المزيفة) إلا أن الفاعل استعملها على وجه غير مشروع.

        وهذا هو الإختلاف الجوهري بين المادتين لناحية ماهية الأدوات , فالأولى هي أدوات للتزييف , أما الثانية فهي لصناعة العملة الصحيحة .

      بتقديرنا أن الجرم الواقع في المادة /439/ بناء على ذلك لا يقع إلا من جهة أوشخص تكون حيازته مرخصاً بها لمثل هذه الأدوات أو يكون ممن يرخص لهم في صناعة وطباعة العملة الصحيحة , إلا أنه يسيء استخدام هذه الأدوات والآلات لغير ما خصصت له .

3-     وهو سعي الجاني بأية وسيلة كانت لإقتناء هذه الأدوات المعدة للتقليد الإستحصال:  كالشراء أو الاستئجار أو المبادلة أو بأي تصرف ينقل حيازة هذه الأدوات ليده, والإستحصال برأينا هو فعل تمهيدي لحيازة هذه الأدوات , إلا أن المشرع نص عليه صراحة معتبراً إياه جرماً مستقلاً عن الأوصاف الجرمية الأخرى في التجريم والعقاب, وإن كان مرتبطاً بها.

*صلاحية الأدوات والآلات سواء المعدة للتزييف أو لصناعة العملة الصحيحة :  هذه الأدوات هي الوسائل المساعدة للفاعل على صناعة العملات فيجب أن تكون صالحة للقيام بالهدف الذي أعدّت له , وإلا فلا يطبق النص عليها لاعتبار هذا الوصف شروعاً في جنحة لم يجر النص عليها.

    ولا يستنتج من هذا الكلام أن تكون هذه الأدوات معدة لأن تصدر عملة على درجة عالية من الدقة باعتبار أن المشرع لا يشترط في هذه الجرائم أن يكون التقليد أو التزييف أو التزوير الواقع متقناً وهو ما سبق أن بيناه , بل العبرة لمدى إنخداع الشخص به ومدى قبوله التعامل بها.

*الركن المعنوي والقصد الجرمي:  يبتدئ القصد الجرمي بعلم الجاني بماهية هذه الأدوات ومن أنها مخصصة لصناعة العملات مع اقتران العلم بالإرادة المتمثلة في صنع أو حيازة أو الاستحصال على هذه الأدوات .

 

الفصل التاسع

العقوبات الشاملة لجرائم العملات

 بمختلف صورها

 

* العقوبات الجنائية السالبة للحرية :  بشكل عام إن جرائم التزييف والتقليد للعملة تعتبر جنايات فرض لها المشرع عقوبات جنائية هي الأشغال الشاقة المؤقتة.

فتقليد عملة ذهبية أو فضية متداولة قانوناً أو عرفاً في سورية أو دولة أخرى أو الاشتراك بهذا الأمر أو بإدخالها إلى سورية أو دولة أخرى ,معاقب عليه بعقوبة لا تنقص عن خمس سنوات أشغال شاقة.

بينما تقليد عملة معدنية غير الذهب أو الفضة, فالعقوبة الأشغال الشاقة ما بين الثلاث والخمس عشر عاماً.

    ويعاقب بنفس العقوبة وهي الأشغال الشاقة ,من أقدم بقصد ترويج العملة المتداولة قانوناً على تزييفها بإحدى الوسائل الوارد ذكرها بنص  المادة/432/ عقوبات , أو بإصدار عملة مزيفة على هذه الصورة.

   هذا ويقضى بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة /430/ وهي الأشغال الشاقة بما لا يقل عن خمس سنوات تقليد أوراق النقد أو أوراق المصارف السورية , أو تزييف أو تحريف هذه الأوراق بقصد ترويجها.

    ويقضى بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من زوّر أسناداً ذكرت بنص المادة /433/ عقوبات أو اشتراك بإصدار أوراق مزيفة أو بترويجها أو بإدخالها إلى البلاد السورية أو الأجنبية .

    كما أن صناعة آلات أو أدوات معدة لتقليد أو تزييف أو تزوير العملة أو أوراق النقد أو سندات المصارف, أو حصل عليها بقصد استعمالها على وجه غير مشروع فعقوبته جنائية الوصف وهي الأشغال الشاقة المؤقتة.

    ويقضى بنفس العقوبة ذات الوصف الجنائي, وهي الأشغال الشاقة المؤقتة لكل من يحوز أدوات وآلات معدة لصنع العملة أو الورق النقدي أو أوراق المصارف, واستعملها على وجه غير مشروع.

*العقوبة الجنحية السالبة للحرية:  الحبس هي عقوبة جنحية الوصف ويعاقب بها من صنع أو عرض أو نقل بقصد الإتجار أو روج قطعاً معدنية, مقلداً بها عملة متداولة قانوناً أو عرفاً في سورية أو في بلاد أخرى أو أوراقاً مطبوعة قد يقع إلتباس بينه وبين الورق النقدي أو أوراق المصارف الوطنية أو الأجنبية.

    ويقضى بعقوبة الغرامة التي لا تتجاوز المائة ليرة سورية من يروّج عملة أو أوراقاً نقدية أو أوراق مصارف مقلدة أو مزيفة أو مزوّرة , كان قبضها عن حسن نية أي دون العلم بأمرها.

    ويستحق أيضاً نفس العقوبة وهي الغرامة مائة ليرة سورية من يعيد إلى التعامل وهو عالم بالأمر عملة أو أوراقاً نقدية أو أوراق مصارف أو أسناداً للأمر بطل التعامل بها .

    هذا ويعاقب بالحبس سنة على الأقل من حاز آلات أو أدوات معدة لتقليد أو تزييف أو تزوير العملة أو أوراق النقد أو سندات المصارف, مع علمه بأمرها .

*العقوبات المالية:

1- الغرامة :  تعاقب المادة /430/ من قانون العقوبات بعقوبة الغرامة للأوصاف الوارد ذكرها بهذه المادة إضافة للعقوبة الأصلية وهي الأشغال الشاقة , ومقدار الغرامة لا يقل عن مائتين وخمسين ليرة سورية.

     أما نص المادة /431/ عقوبات فهو يرفع حد الغرامة إلى ألف ليرة سورية , وأدناه مائة ليرة.

     وتعاقب المادة /432/ عقوبات بنفس العقوبات الواردة بسابقتها , المادة /431/ منه في حين أن المادة /433/ تحيل بمقدار العقوبات وأنواعها لنص المادة /430/ عقوبات وهي الغرامة المالية التي يجب ألا تقل عن مائتين وخمسين ليرة سورية .

     أما تزوير الأسناد الوارد ذكرها بنص المادة /433/ أو الإشتراك بإصدارها أو بترويجها أو بإدخالها إلى سورية أو دولة أخرى فيقضى بما هو وارد بنص المادة /431/ عقوبات أي الغرامة ما بين مائة وألف ليرة سورية .

     وإذا كانت العقوبة الأصلية بنص المادة /435/ هي الحبس أي جنحوية الوصف, فالغرامة غير محددة ويؤخذ  بنص المادة /53/ عقوبات التي تقضي بأن الغرامة في الجنح تتراوح ما بين مائة ليرة وألف ليرة سورية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.  

     ويعاقب بغرامة جنحوية هي مائة ليرة سورية على الأكثر لكل من يقبض عن حسن نية عملة مزيفة ثم يروجها بعد العلم بأمرها.

    ويفرض نفس العقاب وهو الغرامة بما لا يزيد عن مائة ليرة سورية للحالة المنصوص عليها بالمادة /437/ من قانون العقوبات.

     ويعاقب بالغرامة مائة ليرة سورية على الأقل لكل من صنع أدوات أو آلات معدة لتقليد أو تزييف أو تزوير العملة أو أوراق النقد أو سندات المصارف ولكل من حصل على  هذه الأدوات أو الآلات بشكل غير مشروع.

    كما يعاقب بغرامة حدّها الأدنى مائة ليرة سورية لكل من حاز آلات أو أدوات معدة لصنع العملة أو الورق النقدي أو أوراق المصارف , واستعملها بشكل غير مشروع.

*العقوبات الفرعية أو الإضافية :  وفقاً للقواعد العامة ولما ورد بنص المادة /63/ من قانون العقوبات فإن الحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة , يوجب على القاضي الناظر بالدعوى أن يحكم بعقوبة التجريد المدني, وتبدأ منذ اليوم الذي يصبح فيه الحكم مبرماً حتى إنقضاء السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية .

-المصادرة :  يحق للمحكمة الناظرة بإحدى الدعاوى السابق ذكرها مصادرة جميع الأشياء التي نتجت من جناية أو جنحة مقصودة أو التي استعملت أو كانت معدة لإقترافهما, كما يمكن المصادرة لهذه الأشياء في الجنح غير المقصدوة أو المخالفة في حال وجود نص صريح وهذا ما أكدته المادة /69/ من قانون العقوبات العام, وبالتالي من حق المحكمة مصادرة كافة الأدوات والآلات والمواد التي استعملت في ا لتزييف والتزوير أو التي كانت ستستعمل , كما من حقها ضبط ومصادرة كافة العملات الواقع عليها إحدى الأفعال الجرمية , وبالتالي إتلافها.

 

*   *   *   *

الفصل العاشر

تقليد أو تزوير التمغة والطوابع الأميرية

بقصد إستعمالها أو ترويجها

أو استعمال الطوابع المزوّرة أو طابعاً سبق استعماله

 

* النص القانوني: تبين المادتين /440-441/ من قانون العقوبات الأحكام المتعلقة بهذا الخصوص . أما نصهما فهو التالي:

المادة 440:  من قلد أو زوّر أوراق التمغة أو  الطوابع الأميرية وطوابع  الإيصالات أو طوابع البريد بقصد استعمالها على وجه غير مشروع, أو روّجها على علمه بأمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى خمس سنوات وبغرامة أقلها خمسون ليرة.

المادة 441: يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة من استعمل وهو عالم بالأمر أحد الطوابع المقلّدة أو المزوّرة , أو طابعاً سبق استعماله.

* أركان هذه الجرائم:

أ- الجرائم المنصوص عليها بالمادة /440/ عقوبات:

1- الركن المادي: تقليد أو تزوير أوراق التمغة أو الطوابع: أشرنا إلى أن التقليد هو إصطناع محرر بكامله, أي وقوع التزوير بمحرر باختلاقه ولم يكن موجوداً من قبل , أما التزوير فهو التحريف الواقع على أحد بيانات أو رموز المحرر في السند, والفرق واضح .وينطبق في الوسائل هنا ما ينطبق على المحررات الخطية والعملات في التزوير والتقليد.

أما أوراق التمغة فهي لصاقات ذات أشكال معينة تصدر عن الدولة ويعتبر وجودها أو إلصاقها على مادة  معينة استيفاء لرسمها و ضريبتها المقررة قانوناً, فهي أشبه بالطابع لناحية الغاية المقصودة منها, وقد عاقب المشرع على وسيلتين كما أشرنا هي تقليد أو تزوير أوراق التمغة الصادرة عن السلطات العامة .

والطابع هو ورقة ذات قيمة مالية وشكل محدد ترمز أحيانا إلى أمور معينة تضعها الدولة في التداول بقصد إستيفاء الرسم على المعاملات عن طريق إلصاق الطابع الذي يحمل قيمة مالية معينة .

وقد تكون هذه الطوابع تذكارية أي غير مخصصة لإستيفاء الرسم بإلصاقها على المعاملات , وإنما الغاية التذكير بمناسبة وطنية أو اجتماعية أو دينية معينة في الدولة.

2- وقوع التقليد والتزوير لهذه الأوراق بقصد الاستعمال: ربط المشرع عملية التزوير أو التقليد بنية الإستعمال لدى الفاعل, وبالتالي إذا لم يكن هدف الفاعل من هذا التزوير أو التقليد نية استعماله فلا مجال لتطبيق نص المادة عليه , فقد يكون القصد هو إيجاد تحفة فنية يرسمهاأ حد الفنانين لعرضها على الجمهور دون نية الإستعمال.

3- ترويج التمغة أو الطوابع المزورة أو المقلدة مع العلم بالأمر:

يتوجب لكي يتحقق فعل الترويج كغيره من الأفكار والوقائع السابق شرحها في باب العملة أمرين هما:

1-     علم الفاعل أن ما يقوم بترويجه طابعاً أو دمغة مزوّرتين أو مقلدتين..

2-     دفع هذه الدمغة أو الطابع إلى التداول أي خروجها من يد الفاعل إلى يد شخص آخر بعد عرضها عليه وبقبولها منه على أنها صحيحة أو مزوّرة مع العلم بأمرها.

ب- الجرائم المنصوص عليها بالمادة /441/ عقوبات :

1-استعمال طابع مقلد أو مزوّر مع العلم بأمره:  الاستعمال بحسب الغاية التي من أجلها نظمت الدولة أمر الطوابع هو عملية إلصاقه على الورقة أو البيان أو المستند الواجب إلصاقه عليه قانوناً, ويتحقق هذا الأمر بعدة أوصاف منها:

- حالة من يحاول نزع الطابع المستعمل من المحرر أو المستند أو المعاملة الملصق عليها ثم يقوم بعد ذلك بإلصاقه على معاملة أخرى.

- حالة من يأخذ طابعاً سبق استعماله من شخص آخر مع علمه بالأمر ويقوم باستعماله عن طريق إعادة إلصاقه مرة أخرى على معاملة ما .

    ففي الحالة الأولى علم الفاعل واضح لأنه هو الذي نزع الطابع من مكان إلصاقه ثم أعاد استعماله ثانية في معاملة أخرى.

    أما الحالة الثانية فيشترط علم الفاعل أن الطابع الذي يستعمله سبق استعماله , لأنه لم يقم هو بعملية انتزاعه من المستند في المرحة الأولى.

* العقوبة :

1- تقليد أو تزوير أوراق التمغة أو الطوابع الأميرية بقصد استعماليها على وجه غير مشروع أو ترويجها مع العلم بأمرها جرم جنائي الوصف وعقوبته الأشغال الشاقة المؤقتة حتى خمس سنوات مع الغرامة بما لا يقل عن خمسين ليرة سورية .

2- من استعمل طابعاً مقلداً أن مزوّراً, أو طابعاً سبق استعماله مع علمه بالأمر فجرمه جنحوي الوصف وبالتالي عقوبته الحبس من ثلاث أشهر وحتى السنة مع الغرامة مائة ليرة سورية .

 

*   *   *   *

 

الفصل الحادي عشر

الإعفاء من العقاب وتخفيض العقوبة

لكافة الأوجه والصور للجنايات السابق ذكرها

موضوع نصوص المواد من /430 حتى 441/ من قانون العقوبات

 

* النص القانوني : تنص المادة /442/ من قانون العقوبات العام على مايلي:

(1- يعفى من العقوبة من اشتراك بإحدى الجنايات المنصوص عليها في المواد /430 إلى 441/ وأنبأ السلطة بهذه الجناية قبل إتمامها .

2- أما المدعى عليه الذي يتيح القبض ولو بعد بدء الملاحقات على المجرمين أو على الذين يعرف مخبأهم فتخفض عقوبته فقط على نحو  ما نصت عليه المادة /241/.

*التوصيف القانوني للإعفاء:  لا بدّ من التنويه إلى أن الإعفاء من العقاب المنصوص عليه بالمادة /442/ من قانون العقوبات يعتبر عذراً محلاً يعفى المجرم من العقاب حسب نص المادة /240/ من قانون العقوبات العام يعتبر سبباً من أسباب موانع المسؤولية ولا إباحة أو تبريراً لهذه النشاط الإجرامي وبالتالي فلا يستفيد من هذا الإعفاء إلا من توافر فيه سببه فقط.

هذا وإن التبرير بالإعفاء يقوم على عدة أمور منها أنه إذا كان من شأن توقيع العقاب لأجل حماية مصلحة قائمة في الدولة فان الاعفاء من هذا العقاب حماية مصلحة أولى بالإعتبار, على اعتبار أن هذه الجرائم غالباً ما يشترك فيها عدة جناة, والجاني قد لا يطمئن كثيراً لمن يشاركه الفعل الجرمي إذ يرى أنه يستطيع في أي وقت أن يشي به ويوقع به تحت سلطة القضاء. مما يحجم بذلك كثير من الجناة على الإتفاق والمشاركة بمثل هذه الجرائم.

من ناحية أخرى يضحي المشرع بإفلات أحد الجناة مقابل دلالته على الفاعلين بما يسهل إلقاء القبض عليهم والقضاء على الجريمة قبل إرتكابها أو أثناءها.

هذا وقد يعتبر البعض أن الإبلاغ بمثل هذه الجرائم من أحد الجناة عن شركائه الآخرين أمراً مخالفاً للأخلاق, وإذا ما أخذنا بهذا الإعتبار فسيصبح الإشتراك الجرمي واتفاق الفاعلين على تضامنهم الإجرامي أمراً أخلاقياً, وهو أمر لا يمكن تصوّره.

*حالات الإعفاء من العقاب:

1- الإعفاء من العقاب في جرائم تزوير وتقليد وتزييف العملات والطوابع الأميرية والتمغات يشمل فقط الأفعال الأخرى المعتبرة جنحاً, وبالتالي فإن الجنايات التي يشملها الإعفاء هي الواردة بنصوص المواد/430 و 431 و 432 و 433 و 434 و 438 ( باستثناء الفقرة الثانية منها)و 439 و 440/ من قانون العقوبات وما يخرج عن هذه النصوص لا يشمله الإعفاء لأنه يخرج من نطاق أحكام المادة /442/ عقوبات لكونها حصرت مضمون شمولها بإحدى هذه الجنايات فقط دون الجنح .

2- صدور الإخبار ممن ساهم واشترك بإحدى الجنايات : يمكن أن يكون صاحب الإخبار فاعلاً أصلياً أو شريكاً, ولم يحدد القانون موقعه من الجريمة بل أن يكون مشتركاً بها ولكن يعتبر البعض أن المحرض لا يناله هذا الإعفاء ولو قام هو بالإخبار عن الجريمة التي قام بالتحريض عليها , لأنه هو الذي أبرز إبتداء هذه الجريمة وما رافقه من ترغيب وترهيب, فلا يتصور أن يوقع شخص بأشخاص للقيام بمثل هذه الجرائم ثم يقبل منه الإخبار عنهم ليفلت من العقاب.

      ويجب أن يتقدم للإخبار تلقائياً أحد الجناة ولا يشترط القيام بذلك بنفسه, فقد يكون عن طريق وسيط آخر , وليس لهذا الإخبار شكل معين اذ يكون كتابياً أو شفهياً , والإخبار بعكس الإبلاغ لأن الإخبار يصدر عن أحد مرتكبي الجريمة في حين أن الإبلاغ يصدر من غير مرتكبي الجريمة .

3-     يجب تقديم هذا الإخبار للسلطة المختصة : لم يحدد القانون من هي هذه السلطة وهل هي قضائية أو إدارية , والرأي لدينا أن المعني هو السلطة القضائية , لأنها ستضع يدها لاحقاً على كافة التتبعات والإجراءات القانونية  وتباشر سلطة الضبط وإحضار الأشخاص والتحقيق معهم, والقيام بأي إجراء يتطلب إنفاذ مضمون الإخبار بما يفيد القبض على بقية الجناة والتحقيق معهم ومتابعة الإجراءات بحقهم أمام القضاء , وهذه الإجراءات أصلح من يقوم بها سلطات القضاء تسهيلاً لها واختصاراً للوقت.

4-     أن يتناول الإخبار ما يتعلق بموضوع إحدى الجرائم ذات الوصف الجنائي السابق ذكرها : يتوجب على صاحب الإخبار أن يفصح عن عناصر هذه الجريمة وأشخاص الفاعلين وأماكنهم بما يحقق فعلاً للسلطة من تمكنها القبض على بقية الأشخاص وإحباط هذه الجريمة الجاري عنها الإخبار.

ويبدو مبدئياً أن نصّ الفقرة الأولى من المادة /442/غامض لأنه لم يبيّن مقدار المعلومات الواجب ورودها في إخبار الجاني لكي تحقق الغاية من إعفائه من العقاب, لكن ما يبدو لنا أن الإخبار مرتبط  بما يؤدي في مدلوله الى عدم تمكّن الجناة من إتمام هذه الجريمة المتفق عليها . وهذا التوصيف الزمني ذو اعتبارين , فهو شرط متعلق بالجاني يحدد من خلاله وقت تقديم إخباره قبل إتمام الجريمة , وشرط عليه لقبول إسقاط عقوبته وهو توفر معلومات في إخباره بما يؤدي إلى عدم إتمام الجناية .

5- إن الإعفاء يستفيد منه برأينا كل من بادر من الجناة إلى إخبار السلطات عن الجرم , وهذا المبدأ سلاح ذو حديّن:

- فهو من ناحية يؤمن لكل من يريد الرجوع عن جرمه بإبلاغ السلطات حق الإعفاء من العقاب, لأن الجاني يطمئن بأنه سيستفيد من هذا الإعفاء ولو سبقه إلى الإخبار أحد شركائه بالإخبار.

وإذا  لم يكن مطمئناً فإنه سيحجم عن الإخبار خوفاً منه بعدم استفادته من الإعفاء لاعتقاده أن أحد الشركاء الآخرين سبقه في الإخبار , وبهذا المبدأ سيقوم الشك لدى كل شخص من الجناة في الإخبار مما يدفعهم إلى عدم تقديم الإخبار , وبالتالي تفويت الفرصة على السلطات العامة في كشف مثل هذه الجرائم الخطيرة .

-         وهو من ناحية أخرى قد يؤدي إلى إفلات الجناة من العقاب عن طريق إتفاقهم جميعاً على تقديم إخبارات عن الجرائم التي اتفقوا عليها ليعفون من العقاب جميعهم عندما يشكون بأن أمهرهم قد ينكشف قريباً . وبذلك يفوتون على الدولة فرصة العقاب وردع المجرمين.

-         وهو من جهة أخرى قد يعزز لدى الدولة فرصة أكبر في تسهيل مهمتها بإلقاء القبض على الفاعلين وإحباط مخططاتهم الإجرامية عن طريق وجود إخبار آخر يدعم الإخبار الأول ويؤيد معلوماته بل ويتوسع بها أكثر, خاصة إذا كان مقدم الإخبار الأول يؤيد معلوماته بل ويتوسع بها أكثر, خاصة إذا كان مقدم الإخبار الأول ممن ساهموا مساهمة بسيطة في هذه الجريمة ,  بما يحجبه عن المعلومات الهامة التي تفيد الدولة في القبض على بقية المجرمين.

6- أن يتم الإخبار قبل إتمام الجناية , لأن غاية المشرع من التضحية بإفلات أحد الجناة من العقاب هو لمنع وقوع الجرم والضرر الناشئ عنه, لذلك يتوجب ورود الإخبار قبل إتمام إحدى الجنايات المشار إليها التي يشملها إخبار الفاعل عن إحداها .

7- أن يتم الإخبار قبل الشروع في التحقيق: والتعبير الأكثر إنسجاماً بهذا الموضوع هو أن يكون الإخبار حصل قبل وصول علم الجريمة إلى السلطات , لأن الغاية من الإخبار هي تنبيه  الدولة إلى وجود جريمة تستطيع منعها قبل التحقيق فيها فيما لو كان الإخبار صحيحاً ذو فائدة .

فإذا ما تحققت مجمل هذه الشروط في إخبار الجاني سقط عنه العقاب, مع عدم الإخلال بالحقوق المدنية الأخرى التي لا تسقط بسقوط العقاب عنه.

*حالة تخفيض العقاب:

1- الإخبار في هذه الحالة غير مقيد بشرط حصوله ووقوعه قبل بدء الملاحقات , بل يمكن حصوله وقبوله بعد الملاحقات .

2- كما أن الإخبار غير مقيد بإتمام أو عدم إتمام الجرم.

إذا الغاية من التخفيض للعقاب المنصوص عليه بهذه  الفقرة هو التسهيل على السلطات القضائية في الكشف عن بقية المجرمين والإيقاع بهم وعقابهم.

3- حدد المشرع بشكل غير مباشر ماهية الإخبار أو المعلومات المطلوبة منه وهي ما تتيح القبض على سائر المجرمين أو بالدلالة على أماكنهم ومخابئهم وتواجدهم, وبهذه المعلومات حصر المشرع موضوع المعلومات التي وجب على الجاني الإدلاء بها .

       هذا ولا يعني أن التخفيض يشمل كل من يسهل القبض على كل المجرمين أو الدلالة على أماكنهم جميعهم بل يكفي تمكين القضاء من خلال معلومات على القبض عمن يعرفهم.

       هذا وإن مجرد تقديم الجاني هذه المعلومات والتحقق منها يكفي لتطبيق التحقيق بالعقاب لأن الجاني لا يمكن أن يؤخذ بجريرة غيره فيما إذا قصّرت السلطات  عن القبض على بقية المجرمين, أو ارتكبت أخطاء مكنتهم من الهروب والنجاة.

         أخيراً عند تحقق هذه الشروط مجتمعة أمكن تخفيض العقاب على الجاني وفقاً لما ورد بنص المادة /241/ من قانون العقوبات .  

 

*   *   *   *

 

مازن الحنبلي

          محامي بدمشق