مقالات

حديثة

النفــــــــــــاق السياســــــــي

المحامي : معاوية الطباع

 

سنة النشر :2005


إن محاولات التحديث والتطوير في أنظمة الحكم والأحزاب السياسية تمثل اليوم هدفاً مشتركاً لجميع الدول سواء أكانت فقيرة أم غنية ،كما تمثل هدفاً أساسيا ًلجميع الأحزاب السياسية سواء أكانت حاكمة أم معارضة ، لان الإصلاح السياسي وترسيخ مبادئ الديمقراطية والحوار والشفافية والمشاركة غدت ضرورة حتمية من ضرورات العصر لمواجهة الأزمات المتشعبة التي تتعرض لها الدول والحكومات والأحزاب، وخاصة في ظل ما تتعرض له منطقتنا العربية من ضغوط سياسية واقتصادية من القطب الأوحد الاميركي الذي يدعى الديموقراطية ولكن على طريقته في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها ..
وبالتالي فان أي عمل يتناول التحديث أو التطوير لأنظمة الحكم يجب أن يتوافق مع القضاء على أي هيمنة سياسية أو أي تغلغل مرضي في مجتمعنا كالنفاق السياسي .. الذي يعتبر من معوقات التطور الشامل للدول والمجتمعات ،وينعكس سلبياً على التيارات السياسية بأنواعها .
ومن نافلة القول أن للنفاق السياسي الأثر البليغ على حسن أو سوء قيام القيادات السياسية بدورها المنوط بها وتحقيقها أو عدم تحقيقها لأهدافها المحددة لها والتي تكمن أصلا في اتخاذ القرارات الصائبة لخدمة الوطن والمواطن وتحقيق أهداف الوطن سواء الوطنية أو القومية ، لان القيادات السياسية هي فالحقيقة واجهة النظام السياسي أمام المواطنين،ومرآة عاكسة يرى فيها الجمهور طبيعة النظام أو الحزب الذي يؤمن بأفكاره ومبادئه .. فالمواطن أو الجمهور بصفة عامة عندما يهدد بمصالحه الخاصة أو عندما يستشعر التحدي أو الظلم والتجاهل من قبل القيادات السياسية التي يتعامل معها يرى في ذلك انحرافاً للأهداف والمبادئ التي امن بها ،وخطراً يهدد مستقبله، ويؤدي بالضرورة إلى زعزعة الثقة بين المواطن وقيادته.
والنفاق السياسي : مرض خطير تعاني منه الدول والأحزاب والجماعات على اختلاف درجاتها واتجاهاتها.. وهو من اخطر الأمراض التي تصيب أجهزة الدولة فتجعلها كسيحة وغير قادرة على النهوض بمسؤولياتها وأعبائها.. وفحوى هذه الظاهرة أو المرض أن ينبري جماعة من المرؤوسين ضعاف النفوس بالظهور أمام القيادات السياسية الأعلى بمظهر الأمناء المخلصين الغيورين على المصلحة العامة والفكر والمبادئ والأهداف .وهم في الحقيقة خلاف ذلك .. فإذا ما اتخذ القائد السياسي قراراً يمس المصلحة العامة أو قام بعمل معين تطوع هؤلاء المرؤوسين المنافقين بوصف القرار المتخذ بالرشد والكمال.
وان أعماله هي عين الصواب والموضوعية.. وان سياسية هذا القائد السياسي هي الكمال المطلق.. وانه يتبع السياسية المثلى،وانه المنزه عن الأخطاء رغم إيمانهم (المرؤوسين) بأن القرار المتخذ أو المبدأ المطبق ليس فيه المصلحة للوطن أو التنظيم السياسي الذي يمثله .. وإذا ما أصاب العمل العام أو التنظيم تخبط أو أرباك سياسي لعدم صحة القرار أو عدم صوابيته هرول هؤلاء المنافقون لمواساته مبررين ما حدث أن أسباب الفشل أسباب لا تتعلق بخطأ من اتخذ القرار وإنما عدم إخلاص من هم دونهم في العمل السياسي أو عدم حسن التطبيق أو الفهم من العامة، وهكذا تؤدي ظاهرة النفاق السياسي إلى احاطة الرؤساء بهالة من التضليل تعمي بصيرتهم عن المصلحة العامة والعمل العام وخير التنظيم السياسي الذي يمثله.
قد يكون النفاق من جانب المرؤوسين لظروف بيئية أو سلوكية بغية الحصول على مغنم مادي أو موقع قيادي أو الظهور أمام العامة بأنهم من أصحاب القرار أو من المقربين لمواقع السلطة.. وممارسة الفوقية على غيرهم من العاملين في مجال السياسة أو التنظيم، وقد يرجع النفاق- وهذا أسوأ صورة إلى حقد البعض من المنافقين على زملائهم المخلصين أو أصحاب الكفاءة العالية-حين نجد أن هؤلاء هم المستهدفون من قبل المنافقين ، فتكون العاقبة على أصحاب الرأي السديد والخبرة العالية ، فشعور المنافقين بعقدة الدونية تجاه الجميع تجعل من هذه الظاهرة أسلوبا خطيراً في العمل السياسي .. فتكون عقلية المؤامرة هي السائدة في التعامل ، ومن خلال هذه العقلية الفاسدة والمفسدة نطرح هذه الكلمات والأفكار بعيدا عن التخصيص أو التحديد .. لان المساهمة في بناء الوطن ملك للجميع وليست حكرا على احد .. وإذا اعتاد المنافقون الاصطياد في الماء العكر فان التاريخ والتطور والتقدم وبناء الحضارة لن يبقي لهم ماء للشرب أو الاصطياد فيه .. ونطرح هذه الأفكار لإيماننا المطلق بان الوطن لا يبنى إلا بسواعد الأحرار بعيداً عن النفاق السياسي أو الإداري.
إن ظاهرة النفاق السياسي تمثل مرضاً خبيثاً يؤدي بالعمل السياسي إلى الضياع والتخبط وفشل محقق في تحقيق النتائج .. لذا : يجب أن يتمتع القائد السياسي بسعة الأفق ونفاذ البصيرة في معاملته مع المقربين له ..فلا يقبل إلا الصالح من الآراء بعد دراسة وتمحيص واستشارة ، كما يجب أن يكون الإخلاص والوفاء للتنظيم أو المؤسسة السياسية مطلقاً لأنها هي الأبقى دائماً ..
وتزداد ظاهرة النفاق السياسي ظهوراً ووضوحاً في غياب المؤسسات الديموقراطية وحرية الرأي وتبادل الأفكار والحوار لان: هذه الظاهرة بحد ذاتها تعتمد على الفردية في اتخاذ القرار السياسي ، وهنا ينمو عمل المنافقين ويتغلغل في الهرم السياسي والتنظيمي لأي مؤسسة سياسية لأن: الديموقراطية والحوار وتبادل الأفكار تعطي للقائد السياسي آفاقا جديدة من المعرفة قد تكون غائبة عنه لأسباب خاصة أو عامة وهذا ليس عيباً فيه لأن الكمال المطلق غير موجود ولكن عند اتساع دائرة الحوار والنقاش والممارسة الديموقراطية تتسع دائرة الصواب كما تتسع أيضا دائرة المسؤولية والمشاركة لان الغاية المنشودة من حيث النتيجة هي صوابية العمل وموضوعية القرار وحسن التطبيق .. وهنا تتجلى مقدرة القائد السياسي الذي أحسن اختيار من حوله فشاورهم في الأمر وسمع أراء الجميع ليتخذ السليم من القرارات قانعاً أن البشر خطاءون ، وان الإنسان يخطئ ويصيب ولكنه اقرب إلى الصواب دائماً كلما توسع في دائرة المشاركة بعيداً عن النفاق والمنافقين .
 

نشرت في جريدة الشرق اللبنانية يوم الثلاثاء 11/10/2005

المحامي
معاوية الطباع
دمشق ـ سوريا

........................................................................................................................
*
- أمين سر نقابة المحامين في سوريا سابقاً
- رئيس رابطة الحقوقيين بدمشق سابقاً
- عضو المكتب الدائم لإتحاد المحامين العرب سابقاً