المحاماة

المحاماة من المهن الحرة ذات التاريخ العريق وتعد من أشرف المهن الاجتماعية وأنبلها لتعلقها بمصالح العباد ونصرة المظلوم والدفاع عنه والبحث عن الحقيقة.

والمحامون هم حملة مشاعل الحق والعدالة. وهم جناح العدالة الثاني الذي يعاون القضاء في كشف الحقائق وإبراز الوقائع بشكل واضح وإثباتها بالأدلة المعتبرة شرعاً ونظاماً.

وقد وصفها داغاسو: "بأنها قديمة كالقضاء وشريفة كالفضيلة ولازمة كالعدالة ولا توجد مهنة أكثر منها جمالاً ولا أحق منها بالانشغاف. فهي المهنة التي يمكن أن تجعل صاحبها نبيلاً، غنياً دون وفرة المال، كبيراً دون الجاه الفارغ، سعيداً دون الثروة المادية، ففي هذه الصناعة يلتقي النبوغ والتفوق والجاه مع الثروة الادبية".

وجاء في تشريع جوستنيان عن المحامين: "إن المحامين الذين يحلون معضلات القضايا والذين بقوة حجتهم وبلاغة مدافعاتهم سواء في الدعاوى الحقوقية أو الجزائية ينتصرون للحقوق الضائعة ويذودون عن الحقوق المهددة بالضياع، لا يقل نفعهم في المجتمع عن نفع أولئك الذين يناضلون عن حياض بلادهم في ساحات الوغى. وإننا نعتبر أن الذين يحملون الدروع وينتضون الأسنة والسيوف ليسوا هم وحدهم يكافحون في سبيل ملكنا، بل إن المحامين هم كذلك وخم أيضاً يحاربون..".

وقال الملك لويس الثاني عشر: "لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محامياً".

فالمحاماة هي مهنة الفرسان والجبابرة، وهي المهنة الوحيدة التي يعود إليها صاحبها بكل فخر بعد أن يغادر أعلى المناصب في الدولة. وفي تاريخ سوريا وغيرها من البلاد العديد من الوزراء ورؤساء الحكومات والرؤساء عادوا إلى مزاولة مهنة المحاماة بعد تركهم مناصبهم.

آداب المحاماة

لكل عمل من أعمال الناس، ولكل فن من فنون الحياة آداب خاصة: فللكلام آداب وللطعام آداب وللمناظرة آداب وللتجارة آداب، وللطب آداب. والمحاماة لها آدابها الخاصة بها، تعرف في عالم القضاء بآداب المحاماة. ولقد كانت آداب المحاماة عرفاً وتقليداً وأدبا ثم تطور الزمن وتغيرت المفاهيم ودب التحلل من القيم الأخلاقية فلم يجد المشرع بداً من أن يحول تلك الآداب إلى وجائب يتعين على المحامي أن يتقيد بها ويعمل على التخلق بها وهكذا أمست المحاماة أشتاتاً من التقليد والعرف والقانون لا يضمها كتاب ويلم بها بحث.

لذا ولما كانت المحاماة جليلة القدر لجلال رسالتها، كان على من يزاولها أن يكون جديراً بحمل لقب (المحامي) نبيلاً بتصرفه، سليماً في سلوكه، حسناً في مظهره، والتصرف الحسن في العمل والملبس والمأكل والمعاشرة يضفي على المحامي مظهر الوقار والاحترام.

والمحامي بمجرد أن يؤدي يمين الولاء للمحاماة يجب أن يتحلى بصفات خلقية خاصة ومميزة كالأمانة والاستقامة والكرامة. ويجب أن يكون الوفي المؤتمن، القادر على إدراك واجبات المهنة والتزام سلوك يتفق ومنزلتهاالجليلة وقدسية رسالتها السامية.

نبل المحاماة

ليس المحامي بالخصم الحقيقي وليس هو بطرف من أطراف النزاع وإنما هو وكيل عن طرف في النزاع، يتولى مهمة الهجوم حيناً، ومهمة الدفاع حينا آخر، وقد يكون وكيلاً عن شخص في نزاع ثم يصبح ضده في نزاع آخر، وقد يهزم خصم موكله (اليوم) في دعوى يتولى مهمة الدفاع عنه غداً في دعوى أخرى. ولهذا يتعين على المحامي أن لا يتقيد بواجبه تلقاء موكله فقط، وإنما عليه أيضاَ ان يتقيد بواجبات المحاماة الأخرى التي لا محل فيها للخصومات الشخصية. فلا يسيء للخصم بكلام ولا يجعل منه خصم حقيقي ولا يعامله إلا بروح رياضية. وأن لا يسيء لكل من كانت له علاقة بالدعوى سواء أكان شاهداً أم خبيراً أم محامياً أم مدعياً عاماً أم حكماً، وأن لا يسيء على وجه التخصيص لموكله ذاته وذلك برفع معنويات الموكل وأن يفرج كربته ويقوي فيه الأمل والرجاء، والنبل هو حصيلة كل العلوم والآداب والفنون والمميزات والأخلاق التي يجب أن تتوفر في المحامي.

وإذا كان المحامي نبيلاً في مزاولة فنه، نبيلاً في أداء واجبه، فقد أدى رسالة المحاماة كاملة بشرف ونبل.

الشجاعة

الشجاعة هبة عظيمة من هبات الله وصفة جميلة من صفات الرجولة وميزة خاصة من مميزات (الشخصية) وإذا كانت شجاعة القائد عنصراً أساسياً لتفوقه في القيادة وشجاعة الجندي عاملاً من عوامل كسب المعركة وشجاعة التاجر في السوق باعث من بواعث نجاحه في تجارته، فإن شجاعة المحامي حينما يقف وحده إلى جانب موكله وسط معركة الرأي!! يعلن فيها رأيه ضد أي كان، ولا سند له غير إيمانه بصدق دعوته ولا محفز له غير إخلاصه لمبدئه ولا رائد له في هذا الموقف النبيل غير الفداء والتضحية إنما هو ليس بالشجاع فقط!! وإنما هو أشجع الشجعان!! إن شجاعة الرأي ينبوع من ينابيع الخير والبركة وعامل من عوامل التفوق والنجاح وعنصر من عناصر العظمة والخلود.

وعلى المحامي بعد دراسة القضية وتكوين فكرة كاملة عنها أن يواجه صاحب القضية بالحقيقة وأن يكون شجاعاً حتى في مواجهة موكله معتمداً على ذلك بلجوئه لأسلوب الروية والإقناع والكلام الطيب والأسلوب النفساني، بحيث يخرج الزبون من مكتبه قانعاً بوجهة نظره، راضياً مطمئناً أو على الأقل غير ناقم أو يائس.

فليكن رائدنا نحن المحامون التقدير والاحترام لنفسك وللخصوم لأن الخصوم ذاتهم وبحكم تماسهم بالمحامين يعرفون الصالح منهم والطالح ويفرقون في المعاملة بينهما ويدينون بالاحترام للمحامي الشجاع ويحسون بالاحتقار للمحامي الوقح.

استقلال المحاماة

طالما أن المحاماة مهنة حرة مستقلة، تشكل مع القضاء جناحي العدالةن التي هي غاية أي حاكم أو دولة، فإن استقلاليتها من أهم مقومات وجودها وفاعليتها في أداء مهمتها المنوطة بها.

فما دام لا عدل بغير قضاء ولا قضاء بغير محاماة، فاساقلال المحاماة ضرورة يفرضها الواجب المقدس الذي يقوم به المحامي في المجتمع.

ويقصد باستقلال المحاماة قيام المحامين بواجبهم متحررين من كل تأثير أو ضغط أياً كان مصدره وسببه. وأداء المحامي واجباته اخدمة موكله على نحو مستقل ونزيه متحرر من التدخل في شئونه من أي سلطة، ولا حتى سلطة المادة وإغراءها، دون خوف ووفقاً لما يمليه عليه ضميرهأ وأخلاقياته.

وإن استقلال مهنة المحاماة منوط بالمحامين أنفسهم وفي التزامهم الأخلاقي بكل ما يكفل نزاهتهم ويحافظ على شرف وكرامة المهنة وفي التزامهم بالحفاظ على كفاءتهم المهنية وتطوير قدراتهم وعلومهم ومعارفهم وثقافتهم.

الاستشارات والعقود

من عمل المحاماة إبداء الآراء القانونية دون تعقيب أو مرافعة سواء أكان الرأي على شكل فتوى في موضوع معين أم كان جواباً على سؤال محدد أم كان على شكل استشارة قانونية في مطلق الأمور المتصلة بالقانون أم كان على شكل عقد من العقود يقوم المحامي بتنظيمه.

فالاستشارة القانونية من الأمور الدقيقة التي يمارسها المحامي. وبعض الناس يحملهم الشك والتردد في القطع بأحرص الامور إلى أن يستعين برأي المحامي لإزالة الشك والتردد والبعض يعتزم القيام بالتزام يخشى عواقبه القانونية.

إن الاستشارة خطيرة النتائج، فهي قد تكون سبباً في الاقدام على أمر خاطئ أو ضار أو العدول عن رأي كان صاحبه على صواب فيه. ولهذا يتعين على المحامي أن لا يعطي رأيه فيما استفتي فيه فوراً وارتجالاً وإنما عليه أن يدرس القضية كما لو كان يدرس دعوى ثم يرجع للمستندات إن وجدت ويعود بعدها للقانون يستفتيه قبل أن يقدم هو فتواه.

كل فرد له طبيببه الخاص وله محاميه الخاص سواء بسواء. يستفتيه ويسأله الرأي بسلوك حضاري مهذب وأهمية المحامي كالطبيب. فكما أن هناك الطب الدوائي، هناك الطب الوقائي. وإذا كانت مهمة الأول العلاج فمهمة الثاني تجنب المرض وتفاديه وما يصح قوله في الطب يصح في القانون. إذ هناك الدعوى، وهناك الاستشارة. فالدعوى علاج، والاستشارة وقاية.

بعض الزملاء يتطوعون بالإجابة على نحو (مسلوق) ظناً من هذا البعض أن الإجابة السريعة تزيد السائل قناعة بكفائته وتوسع شهرته. بتقديري هذا خطأ. لأن السائل سرعان ما يستفتي سواه (مجاناً أيضاً) ويكشف التناقض في الاجابات. ولا ننسى أن هناك ممن ابتلاهم الله بداء الأسئلة القانونية يوجهونها إلى كل محام يلتقون به مصادفة او إتفاقاً. (وهات على أسئلة).

البعض من هؤلاء يرى توجيه السؤال إلى المحامي في أوقات استجمامه وفترات راحته أو من خلال لقاء عابر أو في التكسي أو في السوق نوعاً من المجاملة والتسلية ولا يدري هذا البعض أن ما يفعله (غلاظة) منه وارهاقاً للمحامي.

في هذه الحالة على المحامي أن يتحاشى إعطاء الجواب موجزاً أو مختصراً وأن يطلب من السائل زيارته في المكتب ليسمعه الجواب حتى ولو كان في حدود كلمة (نعم) أو (لا). والسبب أن الاستشارة لها مركزها القانوني وهي جزء من أعمال المحاماة فلا تجوز إهانتها بهدرها في الطريق العام أو المقهى أو في سيارة تكسي.

ثم على السائل أن يعرف حقاً أن الاستشارة مصدر رزق فلا يجوز أن يبيحها لنفسه بلا مقابل أو أتعاب.

وبالنسبة للعقود فليس من السهل تنظيم العقود فأغلب الدعاوى تقوم على العقود. وسببها العقد. والعقد هو حجرالأساس في كيان الدعوى.

إن العقد فن خاص من فنون المحاماة يحتاج لمهارة خاصة في تفهم مراد الطرفين وقدرة الموازنة بين مصلحتيهما حسب القانون. ويجب عندما يهم المحامي بتنظيم عقد من العقود أن يراعي أن العقد طالما كان ارتباطاً ينظم مصلحة طرفين على أساس متوازن فينبغي ملاحظة الحقوق المتقابلة بحيث لا يرهق احد الطرفين، ولا يكون الغنم لأحدهما، والغرم للآخر. وباعتبار العقد غالباً ما يبنى على أحكام ونصوص القانون المدني فيجب الرجوع لأحكام القانون المدني في العقد وتطبيقها تطبيقاً كاملاً، ومراعاة الدقة في مقدمة العقد بحيث يتضح للوهلة الأولى مراد الطرفين دون زيادة أو نقصان. وأن يراعي الايجاز الكامل في القول.

المرافعة

اما بالنسبة للمرافعة ذلك النضال العلمي الذي يستخدم فيه المحامي كل امكانياته بمصارعة الخصم وإقناع القضاة ومناقشة الشهود والخبراء والأدلة ليفوز آخر الامر ويكسب الجولة فما أشقها؟ من أجل ذلك كانت المرافعة بحراً كبحر المحاماة ذاتها بعيد الشاطئ عميق الغور دائم الامواج. فما أحلى المرافعة وكتابة المذكرة عندما يكون المحامي في موقف قوي يصول فيه ويجول ويملك أسحة متنوعة من سلاح العلم والفن إلى سلاح اللسان والبيان. وما أمرها عندما يكون المحامي في موقف ضعيف عندما تخونه سلامة المنطق ودامغ الحجة وشجاعة الرأي.

فيجب على المحامي الرجوع لأمهات الكتب العلمية وأن يتابع القوانين وشروحها واجتهادات القضاء عليها.

عليه أن يعلم أن السلاح الأهم من أسلحة المعركة هو القلم فعليه أن يدرس الأدب وأن يكتب ثم يكتب ثم يكتب، وعليه أن يعلم أن ضبط النفس في المرافعة كضبط النفس في الحرب فليحذر الاستفزاز بأمر تافه أو سخيف.

إن الغرض الأساسي من المرافعة هو الإقناع. إقناع القاضي بصواب الموقف وإبراز الفكرة واضحة الحق والمعالم والقسمات.

الدعاوى التي يقبلها المحامي والدعاوى التي يرفضها

هذا بحث واسع دقيق للغاية لا قواعد له مكتوبة ولا ضوابط مرسومة لكن الضابط الرئيسي له هو الوجدان فمن البديهي القول أن المحامي ليس في مقدوره أن يسبر غور الموكل ويغوص بأعماقه وليس بمقدوره كذلك أن يقرر من دراسة الأوراق والوثائق واستعراض الوقائع أنه قد توصل للحقيقة!! فقد تكون الحقيقة محتجزة وراء ستار كثيف.

وبالتالي فهذا الموضوع دقيق للغاية، والدقة فيه تأتي من ظروف وملابسات قد لا تدع للقانون أو للمنطق أو للقناعة، محلاً. وقد ينهار كل ذلك جملة امام الواقع.

المحامي وعملائه وموكليه

إن المحامين مثلهم مثل أصحاب أي مهنة أخرى فيهم من يقوم بواجبه خير قيام ولا يتعرض لأي مشاكل مع موكليه، وهناك بعض المحامين الذين يفتقرون إلى الخبرة العملية والدراية بهذه المهنة ومجالاتها الدقيقة والفنية فلا يستطيعون القيام بالواجب كما يجب.

والمحامي المتمكن علماً وخبرةً هو من يراعي آداب وسلوكيات وأخلاقيات المهنة فلا يأخذ قضية إلاّ بعد دراستها دراسة وافية، ومعرفة كل المستندات المؤيدة لها، ثم بعد ذلك يصارح عميله بما توصل إليه، وهذا ما يراعيه كل محام ناجح في أداء واجبات المهنة.

ومشاكل المحامين مع عملائهم وموكليهم، ليست مشاكل بالمعنى المفهوم، وإنما هي خلافات يسيرة تسهل معالجتها مثل تدخل الموكل في سير الدعوى ومحاولة البعض المماطلة في سداد باقي الأتعاب المتفق عليها بعد انتهاء القضية، كذلك محاولة الموكل إخفاء بعض وقائع القضية ومستنداتها مما يوقع المحامي في حرج بالغ أمام الجهات القضائية. والمحاماة شأنها شأن كل المهن لها مشاكلها ومتاعبها ولكن بالمقابل لها ميزاتها وحسناتها إذ هي كسائر المهن الشريفة تحتاج إلى وعي كبير واتسام مطلق بالصدق والنزاهة والأخلاق الفاضلة والتحلي بالصبر وجعل مخافة الله نصب عيني كل محام.

يعتقد الناس أن المحامي فقط للمشاكل والصحيح أن مراجعة المحامي والمستشار القانوني في بداية أي عمل يحمي موكله من أي مخاطر مستقبلية.

إن مدى تفهم الناس لحدود المحامين مع القضاء والجهات الرسمية ولحدودهم مع المحامين يختلف باختلاف الناس أنفسهم من حيث الخبرة والإحاطة بدور المحامي، فالناس على مستويات فالشخص العادي غير الممارس لا يمكن أن يدرك دور المحامي بشكل دقيق، وبالتالي لا يأتي إليه إلاّ بناء على نصيحة شخص آخر، ولكن الأشخاص الذين يزاولون الأعمال التجارية والصناعية وبحكم خبرتهم وتعاملاتهم يعرفون دور المحامي وحدوده مع القضاء والجهات الرسمية. بل هناك من يتعاقد مع المحامي والمستشار القانوني لتقديم خدمات استشارية بشكل مستمر وبموجب عقود سنوية، وقد توسع هذا الدور في خضم التضخم الهائل في الأنشطة التجارية والصناعية والمعاملات الدولية.

وهؤلاء هم الذين يعتمدون على المحامين والمستشارين لكونهم يعرفون طبيعة دورهم أما القلة القليلة الذين لا يلجأون إلى المحامي إلاّ في حالات نادرة وفي قضايا بسيطة فقد يجهلون دور المحامي، وبالتالي لا يلجأون إليه إلاّ بناء على نصيحة، وعادة قد لا يوفقون في اختيار المحامي الكفء.

وأغلب فئات مجتمعنا تجهل دور المحامي، ومن الطبيعي جهله بأعماله سواءً مع الجهات الرسمية أو غيرها.

للمحامي حدوداً معينة لا يستطيع تخطيها حتى لو حاول ذلك. وكثير من الناس يخطئ في فهم حدود علاقة المحامي مع القاضي ويتصور أن المحامي هو من يصدر الحكم فإذا كان الحكم لصالحه كان المحامي جيداً وإن لم يكن فالمحامي قد خانه أو أنه غير كفء.

هموم ومشاكل المحاماة

1- عدم إعطاء المحامي والمستشار القانوني حقه كاملاً من قبل المجتمع بعكس باقي المجتمعات المتطورة وغير المتطورة.

2- نفاجأ دائماً بقيام بعض أصحاب المهن الحرة كالمهندسين والسماسرة ومعقبي المعاملات بالقيام ببعض أعمال مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية، وهذا التطفل يؤثر على المحامين من ناحية السمعة الأدبية والمالية.

3- عقدة إفلات المذنب: صيغة السؤال تمثل نوعاً من الإحباط الذي يواجهه عمل المحامي. فالناس يتوهمون أنه بإمكان المحامي أن يساعد المجرم على الإفلات من العقاب. والحقيقة التي يجب أن يعيها كل أفراد المجتمع أنه ليس في مقدور أي محام خداع القاضي مهما أوتيَ من فصاحة لسان وسحر بيان، وليست مهمة المحامي قلب الحقائق أو تزييفها وإنما مهمته تنحصر في بسط وقائع القضية بكل ظروفها وملابساتها أمام القاضي من وجهة نظر موكله، ومحاولة الوصول بالموكل إلى حكم عادل متوازن ومتوافق مع أحكام القانون والأنظمة المعمول بها، والقول الفصل للقاضي الذي يزن الأمور بميزان العدالة، ولا معقب للمحامي إلاّ طبقاً لما تقضي به القوانين من إتباع لطرق الطعن في الأحكام. وبهذا يخطىء خطأً جسيماً من يتصور أن في مقدور المحامي مساعدة الجاني في الإفلات من العقاب. وعلى جميع الناس أن يعوا أن أكبر المجرمين وأخطرهم ومهما كانت ظروف وملابسات القضية له حق شرعي وقانوني كفلته له العهود والمواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، وهو أن يكون له محام كفء يترافع عنه ويدافع عنه ويبحث له في طيات القوانين عن أي شيء يفيده. ولا ننسى كذلك أنه وقبل صدور قرار قطعي عن القضاء يعتبر المتهم بريء حتى تثبت إدانته حتى ولو قبض عليه بالجرم المشهود وحتى لو اعترف بارتكابه الجرم. وتبقى هناك مساحة ودور للمحامي في مساعدة ذلك الشخص لا غنى عنه أبداً. كما أنه في الدعاوى المدنية مثلاً لا يجوز تقديم الدعوى أو الاستئناف إلا من قبل محام فإذا رفض جميع المحامون التوكل عن الشخص أفليس في هذا حرمان للمواطن من اللجوء إلى القضاء وعرض قضيته أمامه مهما كانت ضعيفة ليقول فيها القول الفصل؟

المادة وضمير المحامي

ليس للمادة أي سيطرة على ضمير المحامي وإن كان عمله المهني الحر يتطلب منه السعي وراء المادة إلاّ أنه السعي الشريف الذي هو مقابل جهده واجتهاده لا مقابل خيانته للأمانة التي أؤتمن عليها أو مقابل الإخلال بشرف مهنته، وفي الختام فإن مهنة المحاماة من المهن التي تربي أبناءها على الأمانة والصدق ونصرة المظلوم والدفاع عن الحق في كل زمان ومكان.

دور نقابة المحامين

دور نقابة المحامين الإشراف على أعضاء مهنة المحاماة. وأن تحاسب المسيء وتوقع عليه العقوبات التي يستحقها في حالة ثبوت انحرافه عن الطريق القويم. وقبل كل شيء الدفاع عن شرف المهنة والزود عنها، والسعي لأن تنال مكانتها التي تستحقها في المجتمع. والدفاع عن المحامين وحقوقهم وكرامتهم، ومساعدتهم على أداء واجبهم بكل شرف وأمانة.

وأخيراً

المهنة في ذاتها ليس لها ضمير وهي ليست شخصاً عادياً (طبيعياً) أو اعتبارياً بل هي مثل أي مهنة أخرى، نشاط وعمل يزاوله أشخاص. وهؤلاء هم الذين يكونون محل الإشكال في مدى سيطرة المادة، أوعدم سيطرتها عليهم. وإن مهنة المحاماة هي عمل إنساني نبيل تقف جنباً إلى جنب مع المظلوم تعاونه وتؤازره لاسترداد حقوقه ممن اعتدى عليها عن طريق القانون. فالمحامي الذي يدرك هذه المبادىء لا يقدم المادة على حساب أخلاقيات المهنة ذلك أن التوكيل عموماً مبني على الثقة والأمانة فيما بين المحامي والعميل وإذا اهتزت هذه الثقة لأي سبب من الأسباب فلا توجد علاقة بين الطرفين تربطهما بل مصير هذه العلاقة أن تنتهي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وإن نجاح المحامي في الأوساط القضائية وبين أفراد المجتمع يتوقف على نقاء ضميره وصدقه ومدى أمانته. فإن كان صاحب ضمير حي ومخلص في عمله، فالنجاح حليفه حتى وإن كان عدد القضايا والموكلين في مكتبه قليلاً. أما إن كان عكس ذلك فإنه سوف يبوء بالخسران المبين وسينفض الناس من حوله عاجلاً أم آجلاً وتبور سمعته.

 

المحامي

محمد ناهل المصري