![]() |
|
تطوير القضاء العدل أساس الملك. والقضاء والمحاماة جناحا العدالة. ولن يحلق طير العدالة عالياً إلا بجناحين متساويين سليمين.. |
![]()
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||||
|
![]() محكمة النقض الفرنسية 1 من تجارب الآخرين في بناء دولة القانون 1 [align=justify] لا يبني طاغية دولة قانون. ولا يتوقع ذلك منه حصيف. ولا تقوم, طويلا, على ركائز الاستبداد, دولة تحمل "بذور فنائها" بداخلها. ولا تسمو إلى مصاف الدول المتحضرة العصرية تلك التي تقطع مع الفكر الإنساني وتجارب الشعوب, تعصبا أو تميزا أو خوفا, تحت شعار التميز العرقي أو الديني, و تحت وهم الاختيار والاصطفاء من بين الشعوب والأمم. وتلك التي تقتطع حاضرها عن ماضيها, بترا. أو تفهم تاريخها بعكس منطق التاريخ. أو تحنطه كمومياء فرعونية. أو تصوغه كما يحلو لأهواء "مؤرخيها" أو كتبة التاريخ بانتقائية: تقديسا أو تنجيسا. تعظم أبطالها إلى درجة فصلهم عن البشر وإدخالهم الأساطير وعوالمها. تلغي أدوار أجيال بكاملها في صناعة التاريخ, لتجعله وقفا على البطل الأسطورة. وتتقاتل وتتصارع من اجل أن يبقى البطل بطلا وأسطورة. ترمي مفكريها بالكفر والإلحاد والخيانة و الزندقة والتحريف, وترهب من يحاول أن يلج ميادين الفكر الحر. ولا تعيد بأي حال من الأحوال الاعتبار لمن ثبت صواب رأيه بعد رجمه خطأ وظلما بكل أنواع الراجمات, وتستمر في الرجم رغم انتصار الواقع للمرجوم وتسخيف راجميه. مفاهيم وممارسات الأنظمة الدكتاتورية, الشمولية, المستبدة, للدولة وفي الدولة, لا تستقيم مع ما خلقه الله من تعددية وفوارق بين البشر, في الجنس واللون والتفكير والميول والأهواء .. (إذا ما توجه الخطاب للمؤمنين بأنواعهم), أو مع ما أوجدته الطبيعة من تنوع واختلاف فيها وفي مكوناتها (إذا ما توجه الخطاب لأنصار الطبيعة, من غير المؤمنين بأصنافهم, ومن يشار إليهم بالعلمانيين) , أو ما اكتسبه الإنسان من تجارب وخبرات في صراعه مع الطبيعة ومع الآخر من اجل البقاء, ( إذا ما توجه الخطاب معمما للمؤمنين, وأنصار الطبيعة من غير المؤمنين, بما فيهم العلمانيين المتهمين بالضلال وبعدم الإيمان,), وصولا إلى اقتناعه, عبر التاريخ, عن طيب خاطر أو مرغما, بضرورة بناء مجتمعات والعيش الآمن فيها مع الآخر وبمساندة الآخر. وبناء دول تؤطر هذه المجتمعات, وتحمل تناقضاتها القائمة على التعددية والاختلاف والتباين في المكونات, لتجعل منها عناصر ووسائل غنى وتفاعل يقود إلى خلق علاقات منفتحة حضارية ترتكز على حقوق المواطنية citoyenneté . وتنظيم وسائل العيش المشترك والتفاهم والأمن والسلام. وصولا إلى المشاركة والتعددية المعبر عنها في السياسة بحرية الاعتقاد والتفكير وتشكيل الأحزاب المجسدة لها, والتداول على السلطة والاعتراف للآخر بحق ممارساتها بكافة أنواعها ودرجاتها... وبناء الكل على قواعد صلبة من تنظيم قاد إليه الفكر البشري المتنور: القوانين, والأنظمة, والأعراف التي ترقى, لقبولها الدائم, لدرجة القانون. الاستبداد والقمع لإلغاء الآخر و التمايز والتعددية الفكرية أو حتى الفيزيائية (الحروب العنصرية, الحروب الدينية. الاقتتال الطائفي والمذهبي. والقبلي, والاقتتال الحزبي السياسي), وادعاء احتكار الحقيقة, وما يترتب عليه من إقامة أنظمة دكتاتورية استبدادية شمولية, ظلامية, يذهب ضد مفاهيم المؤمنين بخلق البشر أجناسا وشعوبا .. وضد مفاهيم "العلمانيين" وأنصار الطبيعة من غير المؤمنين على مذاهبهم المتنوعة .. وضد الإنسان أينما كان. على أنقاض الشمولية قامت مفاهيم الدولة الديمقراطية, دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان. بناء مثل هذه الدولة فيه كل شقاء ومتاعب بناء الدولة ــ كما فيه كل آمال شعوبها ــ ويحتاج جهود كل مكونات المجتمعات التي تقع ضمن إطارها, دون استثناء أو إقصاء. وليس هنا مجال ذكر كل ما يتطلبه هذا البناء, حيث لا يمكن إلا لدعي الإحاطة بما هو ضروري لكل ذلك. ولكن يمكن الإشارة إلى بعض الركائز الأساسية التي يحب أن يقوم عليها البناء السليم الصلب ونخص منها هنا ركيزة أساسية:القضاء. مشيرين للقضاء في تجارب الآخرين للمقارنة والاستفادة. وفي هذا الاتجاه, وضمن هذا الهدف, حاولنا الحديث بإمكانياتنا المتواضعة عن القضاء في مقالات عديدة سابقة. وستكون السطور القادمة لمؤسسة قضائية عتيدة ودورها في بناء الدولة, كمثال : محكمة النقض الفرنسية. العمر الرسمي لمحكمة النقض هذه زاد على القرنيين و 19 عاما. ولأننا اشرنا إلى التاريخ, ولان لاشيء دون تاريخ, نرى أن لا بد من العودة إليه في لمحة سريعة لاستشفاف أصول وتطور هذه المحكمة, في مقالة أولى. على أن نعود إلى دورها وتركيبها, وتكوين قضاتها في يومنا هذا في مقالة ثانية. معتمدين على كتابات قضاة شغلوا مراكز أساسية فيها: رؤساء. ومحامون عامون. ومستشارون. وحقوقيون بارزون. ابتداء من القرن السادس عشر بدأت تظهر كلمة نقض cassation وتتكرر مع تراجع الأعراف وترسخ القانون المكتوب الصادر عن المراسيم الملكية. وقد وضح الحقوقيون الحالات التي كان يمكن فيها الطعن بالنقض. وميزوه عن الاستئناف العادي في موضوع القضايا العائد البت فيها للبرلمانات. ( وهي المحاكم المعادلة لمحاكم الاستئناف حاليا). فمرسوم Colbert لعام 1667 الذي استمر إلى آخر عهد النظام القديم عين الإجراءات المدنية التي تعتبر خرق المراسيم الملكية سبب في رفع دعوى الطعن بالنقض. وقد ذكر مستشار الدولة Gilbert de Voisins , 6 حالات لرفع دعوى الطعن بالنقض: العيب في المواد الإجرائية. تجاوز السلطة. مخالفة القرارات ordonnances . مخالفة القوانين الأساسية. مخالفة الأعراف. والتعسف أو الظلم. ( J.-F. Weber. La Cour de Cassation. 2006) . رئيس غرفة في محكمة النقض وعضو في المجلس الأعلى للقضاء). ويعتبر, فيبر, صعود آلية الطعن بالنقض بقوة في ظل النظام القديم على إنها ترجمة قضائية للعلاقات المتوترة غالبا بين الملك ومجلسه من جهة, وبين المحاكم من جهة أخرى. وقد علق المستشار جولي دي فلور على إن إجراءات الطعن كانت بالدرجة الأولى لحفظ المراسيم الملكية قبل أن تكون لمصلحة المتقاضين. وكان الطعن بالنقض استثنائيا يبت فيه مجلس الملك, وبالتحديد مجلس الأطراف Conseil des parties المكون عام 1578. لم تكن الملكية الفرنسية تعرف مبدأ فصل السلطات قبل مجيء منتسكيو في القرن 18 . فالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, كانت مجتمعة بشخص الملك. وكان القضاء محجوز له. فهو مصدره. و يتبعه مباشرة كل القضاة وكل المحاكم. وبما انه لا يستطيع إقامة العدالة كاملة بنفسه, فقد فوض جزءا منها لهيئات, بينها المحاكم المحلية. Parlements régionaux. وبذلك اُدخل فارق رئيسي بين القضاء المحجوز والقضاء المفوض. القضاء المفوض هو القضاء الذي يمنحه لمحاكمه. و يستطيع دائما سحب أية قضية منها ليبت فيها بنفسه, أو من قبل مجلسه. وقد بقي مجلس الملك هيئة أساسية في السلطة. فهو هيئة حكومية وإدارية, وكذلك قضائية. و يضم مجلس الدولة الخاص, أو مجلس الأطراف الذي يمارس اختصاصات قضائية. ويملك اختصاص رقابة على القرارات القضائية. ويسهر على احترام القوانين. وكان على آلية الطعن بالنقض أن تساهم في وحدة الإمبراطورية وترسيخ الملكية الفرنسية. بمرسوم 27 نوفمبر 1790الغت الثورة الفرنسية مجلس الأطراف: " يلغى مجلس الأطراف ويوقف عن ممارسة مهامه لحظة قيام محكمة النقض". ومنه يمكن القول, حسب جورج بيكا المحامي العام في محكمة النقض, أن محكمة النقض انبثقت من مجلس الأطراف, وان المرسوم المذكور يعتبر شهادة ميلاد محكمة النقض الحالية. فقضاء مجلس الملك لم يعد مقبولا عند الثوار بأي شكل من الأشكال, لأنه يمثل قضاء غير مستقل ويحمل ذكريات أليمة. ورغم إعادتهم بناء النظام القضائي كاملا فان آلية الطعن بالنقض لم تلق الرفض من احد, باعتبار إنها تؤمن تطبيقا موحدا للقانون في كل البلاد. (فيبر). بمرسوم قنصلي بتاريخ 4 أوت /آب 1802 احكم نابليون قبضته على المؤسسة القضائية. وبني هيكلتها التدرجية, ووضع في قمتها محكمة النقض برئاسة القاضي الأعلى "وزير العدل". وأعطي لها حق رقابة المحاكم وسلطة تأديبية عليها. مستأثرا بتسمية الرئيس الأول للمحكمة, ورؤسائها الآخرون معينون مدى الحياة. مع إمكانية اختيار هؤلاء من خارج المحكمة. ضمت المحكمة حينها كبار مشاهير الحقوقيين, وبشكل خاص أولئك الذين ساهموا في صياغة القانون المدني. وبقيت الثياب الخاصة بالقضاة في الجلسات كما كانت عليه في النظام القديم. بموجب مرسوم 18 ماي 1804 أخذت المحكمة المذكورة اسم (Cour . ( في النظام القضائي الفرنسي كلمة تريبينال tribunal تعني محاكم الدرجة الأولى. في حين أن كلمة (كور cour) تعني المحاكم الأعلى درجة, كمحكمة الاستئناف, ومحكمة النقض, والتي تبت في القضايا الخطيرة, كمحكمة الجنايات .. ونظرا لان المعمول به في البلدان العربية هو تسمية المحاكم مهما كانت درجتها, محكمة, فإننا سوف لا نخالف ما جرى عليه العمل عند الحديث عن المؤسسات القضائية الفرنسية). كان نابليون يعتبر محكمة النقض المؤسسة التي تُؤمٌن استقرار الدولة. ومنح مرسوم 19 مارس آذار 1810 قضاة المحكمة لقب" مستشارون Conseiller " ووكلاء النائب العام الإمبراطوري لقب "محامون عامون" ألقاب مازال معمولا بها إلى يومنا هذا. كان النقاش, منذ النشأة, يدور على أشده بين رجال الثورة فيما يتعلق بتعريف النقض, وكانوا حذرين من ظهور سلطة قضائية على غرار محكمة باريس في ظل النظام القديم. ومن بين الأطروحات محل الجدل الشديد كانت أطروحة إعطاء السلطة التشريعية وحدها تفسير القانون. وكان للوزن الكبير للحقوقيين في الجمعية التأسيسية مثل ميرلان Merlin و ترونشه Tronchet (اللذان ساهما لاحقا في صياغة القانون المدني), الفضل في إقرار إنشاء محكمة النقض وتعريفها وموقعها . فتم على سبيل المثال رفض عرض روبسبير بجعل المحكمة في حضن السلطة التشريعية. ورفض جعل تعيين قضاتها بيد السلطة التنفيذية. في تفكير أعضاء الجمعية التأسيسية عام 1790 أن يكون إلى جانب القانون محكمة تضمن تنفيذه, وإلا لا معنى لإقامة مثل هذه المحكمة. الهم الأساسي لدى الجمعية التأسيسية في ذلك الوقت هو تجنب تمكين محكمة النقض من الاعتداء على سلطات السلطة التشريعية والتدخل في أعمالها, كما كان يجري في ظل العهد القديم قبل الثورة. زيادة على حذر السلطة السياسة من القضاة. وهذا ما يرى فيه بيكا أصل التحديد والتضييق على السلطة القضائية في المؤسسات الفرنسية إلى اليوم. ومنذ قانون 18 مارس 1800 اقر لمحكمة النقض استقلالها في مقابل السلطة التشريعية . طوال القرن 19 حسنت محكمة النقض طرق عملها وعززت سلطتها بفضل التفسير الجاد والدقيق لكل النصوص المتحدرة بشكل خاص من المجموعات القانونية النابليونية les codes . في القرن 20 وحتى الحرب العالمية الثانية أمنت المحكمة استمرارية التطور الذي حصل في القرون الماضية رغم تنوع طبيعة المنازعات , وقاد بعضها إلى إنشاء غرف كالغرفة الاجتماعية عام 1938. ونعتقد أن الجدل الذي عرفته الجمعية التأسيسية للثورة حول محكمة النقض, ومنه تعريفها, لم ينته بعد, على الأقل فيما يتعلق بدرجة هذه المحكمة. فتسميتها من قبل البعض بالمحكمة العليا, وهي لا تملك في الواقع إلا سلطة ضيقة ومحددة, لا يلقى إجماعا في قبوله. وكونها تملك سلطة فرض تفسيرها للقانون لا يعني أنها المحكمة العليا cour suprême, وهذا ما تذهب إليه, على سبيل المثال, ملاحظات ايف شارتييه Yves Chartier المستشار في محكمة النقض والبروفسور المبرز في كليات الحقوق في كتابه "محكمة النقض la Cour de cassation, Dalloz 1999" ,حين يقدم المحكمة على أنها في النظام القضائي العادي الفرنسي في قمة التنظيم الهرمي. أما وصفها بأنها المحكمة العليا فهو غير دقيق, لان النظام القضائي الفرنسي يقوم على الثنائية, حيث يقوم على رأس النظام القضائي الإداري مجلس الدولة الذي له مكانة محكمة النقض في القضاء العادي judiciaire, كما يوجد المجلس الدستوري الذي له مكانة خاصة. لتكون المحكمة جديرة بلقب المحكمة العليا, كما يرى شارتييه, عليها أن تملك, وبدرجة عليا, السلطات نفسها التي تملكها المحاكم الأخرى. في حين أن محكمة النقض الفرنسية بطبيعة دورها هي محكمة من طبيعة خاصة Spécifique . وهذه الخصوصية تحمل مضامين متنوعة. فهي غير قادرة, على سبيل المثال, اختيار النظر, وكما تريد, في الطعون التي تعتبرها أكثر أهمية من غيرها, وكما تراه مناسبا. فهي ملزمة بالنطق بالحكم في كل الطعون المرفوعة أمامها. وعلوها يعود إلى دورها كحام للقانون, بشكل خاص . كما عبر بالو بوبريه Pallot – Beaupré الرئيس الأول لمحكمة النقض, عن مهمتها بقوله: الذي صنع عظمة مؤسستنا, إننا لا نحاكم المترافعين, وإنما فقط ودون استثناء, القرارات المتخذة بمواجهتهم, بهدف توحيد تطبيق القانون على مستوى الإقليم الفرنسي. وحول تطور محكمة النقض يرى غي كانيفيه Guy Caniviet , الرئيس الأول لمحكمة النقض, بأنه في حين أن مهام محكمة النقض منذ نشأتها عام 1790 بقيت من حيث المبدأ على ما كانت عليه, فان هذه المحكمة تطورت بشكل كبير. وقد صاغت طرق عملها وأتقنتها, واستطاعت التكيف مع الحقائق القانونية والاقتصادية والاجتماعية. وتحولت هيكليتها. كان عليها أن تبت في مئات من الطعون سنويا. لتواجهها حاليا مئات الآلاف منها. (في القرن 19 عرفت الطعون بالنقض نوعا من الاستقرار في عددها بين 1500 و 2000 في العام. لتصل في القرن 20 من 5000 عام 1900 إلى 17000 عام 1980. والى ما يزيد على 30000 عام 2000 . وليقفز عدد القضايا المكدسة التي تنتظر النظر فيها من 17069 إلى 40000 قضية. فيبر. المصدر المذكور أعلاه). وأصبح على المحكمة الذهاب في اتجاهات التخصص المتعدد لمعالجة المنازعات التجارية, والبناء, والتأمينات, والميادين الاجتماعية.. ومجاراة للتطور التكنولوجي عملت على إدخال كل ما هو ملائم في الإجراءات الإعلامية والاتصالات. وطورت بإتقان مراجعها العادية, وبنوك المعلومات . آفاق محكمة النقض أصبحت اليوم مفتوحة, كما يراها كانيفييه, بعد أن كانت في الأصل مركزة بشكل أساسي على القانون الداخلي, فقد توسعت مصادرها لتدخل فيها الاتفاقات الدولية, وبشكل خاص الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان, والحريات الأساسية, وقانون الاتحاد الأوروبي. كما أن أحكامها أصبحت من مصادر القانون. و تعدلت ممارساتها بشكل كامل للوصول للضمانات الأكيدة للدعوى المنصفة équitable . حتى أنه يمكن القول بأنها أصبحت اليوم دعامة أساسية في دولة القانون. (مقدمة لكتاب فيبر المشار إليه أعلاه). يتبع. د.هايل نصر [/align]
|
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||||
|
![]() تحية الحق والعروبة حقيقةٌ لا بد لي أن أُعلنها .... فللوهلة الأولى وعندما قرأت ما قرأته ، تنطحت أمامي رغبتي ، دافعةً بيّ للردِ على ما جاء في هذا الحديث ، ولكن كيديَ أوقفني لِمَا رأيتُ فيما أسلفه الراوي من حماسةٍ ديمقراطيةٍ غريبةٍ في شكلٍ أثار بوجداني محركَ الكتابة والتحليل ، فعزمت بنات أفكاري ، متمنيا عليهم الاقتصار على الفكرةِ المُرتابِ منها ، ولو أنني لمْ أتبين فكرةً واضحةً في هذا النص بسببِ التناقض المتكرر والضبابية المُيئِسة التي كانت سمته الغالبة . أقول وبكل صدق أن حقيقة الباطل باطل ، وباطل الحقيقة باطل ، ولهذا فمن الحق أن أُقِرَ ، بأنه لا يمكن أن يصبح حقيقة ما كان أساسه باطل ، فالباطل وفي أحسن حالاته لا يعدوا عن كونه هباء منثورا لا يمكن لأي طاغية أن يبني دولة قانون ، وهذا يحتم على المتلقي لهذا الكلام أن يسلم بأن حمورابي كان راهباً متنسكاً في كهوفِ العبادة ، وبأن مؤســسي دولة اللاهوت الإسلامية في عهد النبي محمد ( ص ) وخلفائه الراشدين سفاحون قتله ، ويا لخجلنا وحيائنا من حُماةِ الحرية الفرنسية في عصور النهضة المزعومة وورثتهم وأحفادهم ومحبيهم ومناصريهم في القرن الواحد والعشرين عندما يعلمون أن نابليون العظيم باني دولة الحق و القانون في أوروبا العصرية ما هو إلا سفاح قاتل مهووس. للذين يتبجحون بالدولة الديمقراطية التي أبت إلا أن تفيض بقدسيتها وحبها للحرية على العرب الجزائريين فأكرمتهم إكباراً لحقوقهم في التحرر ، بمليون قتيل ، بَخِلَ عليهم تاريخ المعاصرة الحاضرة بقليل من الاحترام ، أولئك لم يكونوا شهداء وليس بينهم شهيدٌ شاهدَ هولَ ما صنعته الديمقراطية الفرنسية بالعالم في زمنٍ كانت لها فيه اليد العليا ، أولئك كانوا ضريبة لا بد منها في رحلة الديمقراطية السمحاء أما ثوار الخير من فرسان الهيكل و رجالات فرنسا الخاضعين لله بما تفضل به عليهم يوم نصرهم النصر الأكبر على جلاديهم بوقت الثورة الصناعية الجليلة ، فقد استمتعوا بالرد على الإجرام بالإجرام ، هؤلاء ليس عليهم مأخذٌ ، ولا بد أن ندعوا لهم على ما أتحفونا به من دروسٍ ديمقراطيةٍ في كيفية قطع الرؤوس و تطوير آليات التعذيب والاستنطاق وأخذ الصالح بالطالح ، ليوروا العالم بأسره جمال الرد الهادئ. هل سجل التاريخ أنهم ليسوا بأحسن حال من أمة أُشغِلتْ بفكِ الطوق الآسر المفصل على مقاسها بالتوافق والتراضي بين الراغبين في ديمقراطيتها ، لا أذيع سراً ، إنني من أكثر المتأثرين إعجاباً وتعجباً من مناصري الفلسفات السياسية العلمانية و الوجودية و الدينية والعقائدية و الحزبية الديمقراطية المعاصرة الحديثة ، التي تُرفَعُ لها المآذن بالتبجيل ، وتعقد لها مجالس الرقص الشرقي وغير الشرقي في مدارسٍ هي أولى بعمليةٍ إرهابية وفق المعتقد الغربي لمفهوم الإرهاب ، لا تبقي ولا تذر ، فتلك أولى بالزوال هي ومن أدرجها من آلهة حكام صهيون وأذنابهم من عصابات القتل والسرقة مافيا الظلام أعضاء المحافل الماسونية الوهم . ( لا تقوم طويلا دولة على ركائز الاستبداد ) ، تلك الدول التي ( تحمل بذور فنائها ) وطبعا وبلا شك ويقينا أن المتابع الواعي لسلسلة التحف الفكرية الديمقراطية الحديثة لا يسهى عن جمال وسحر الانحلال الرأسمالي في تلك الدول وأهمها وبلا منازع دولة بلاد العم سام ، تماشيا مع معتقدات مارك توين أكثر المخبولين عشقاً لديمقراطيتهم النيرةِ التي تذوقها عند تلاوته للمشهد الديمقراطي في كوخ العم توم ، فلو كان المقصود بذلك تلك الديمقراطيات ، فهذا بشارة خير وأمل إلى فناء دولة الاستبداد الأعظم تاريخياً ، وليسجل ذلك – التاريخ - الذي أنكر على الناشطين الإرهابيين في حماس والجهاد الإسلامي سبعة ألاف سنة قضوها على الأرض الفلسطينية . التاريخُ ذاته الذي أعلن هتلر إرهابياً من الطراز الرفيع ، لا لشيء إلا لاحتلاله في مسيرة طموحه الخطير لمناطق الألزس واللورين من بلاد السيد شارل ديغول . هل علم الديمقراطيون ممتهني الاستعمار ماذا فعل هتلر العصر الحديث بالالزس الغربية وقطاع اللورين على ارض فلسطين المقدسة . هل سجل التاريخ دعم شيوخ ومؤمني الاليزيه ، للمخاض المرتب بمعرفة ورعاية المقرفة ، صاحبة أقذر ابتسامة عرفتها مزابل واشنطن ، المسعورة رايس من أجل ولادة شرق أوسط قبيح . التاريخ ذاته الذي أنكر على عصابات المقاومة الوطنية و الإسلامية ، وعلى من يدعهم من الدول المارقة في المنطقة الإسلامية والعربية وفق المعتقد الانكلوا صهيوني ، و على من يتجرأ بذكر حقوقهم من أمثال شافيز اللاتيني ، ولي سونغ سيد العذرية النووية في تلك الدول ، وسلطان الفتح التركي رجب طيب أردوغان ، حقهم في أنجاز استحقاق الدولة الحرة المتطورة المتحضرة الديمقراطية كما يشاؤون هم ، لا كما يشاء بلهاء العقل المتحضر العصري في مدن الضباب . بكل تأكيد الدول غير العصرية من دول المغرب والمشرق العربي وغير العربي في العالم الخامس والسادس والسابع ومن تم تصنيفهم على قاعدة البيانات الديمقراطية بدول العالم الثالث مسلوبي الإرادة ومستحقي الإدارة الواعية الساعية لنفطهم وألماسهم وباقي ثرواتهم الطبيعية هي أكثر الدول الراغبة في الديمقراطية المنسوجة بأيديهم لا بأيدي أكاسرة وأباطرة العصر الحديث . الاسكندر الأعظم فاتح العالم هو في رؤية الأوربيين الديكتاتور الأشرس ، وما دولته غير المعاصرة إلا بُقْيا من بقايا نظام جورج واشنطن و القديس أيزنهاور. في إيران ثورة إسلامية ابعد ما تكون عن التحضر العصري ، في وقت الحضارة المصحوبة بنعيق غربان البيت الأسود الأمريكي الواقع - ويا لسخرية القدر - في الجهة الشرقية من أماكن هبوب زوابع الدول العلمية المتحضرة في صحراء نيفادا ، حيث الديمقراطيون الأوربيون هم شركاء الحرية الحقيقية عند إجراء التجارب المباحة على كل سلاح جرثومي أو ذري ، لربما وفي يوم من الأيام لعبت القدرة الخفية وفق المفهوم الوجودي دورها في قلب العصا على من عصى لتفني تلك الحضارة ، مقتطعةً كل الوقت الذي قضاه أولئك الديمقراطيون في تنغيص حياة البشرية . وقتها فقط سيكون لدينا الجلد أن ندعم القول المطروح والاتهام الملزم بتجريم كل ما يمت إلى الأصالة والأسطورة والرمز والقادر بصلة ، مرفقين بها ما اقتطعته تلك الوحوش في هيروشيما ونكازاكي من فكر إنساني حق عليه العقاب بدون تعصب أو تمييز. إن الدول الشمولية الظلامية محبة الموت حسب مزاعم المفهوم الغربي ، لن تكون قادرة على التحرر من همجيتها وأحزابها الشمولية ، إلا إذا تابت إلى موجدها وانصاعت للحذاء الديمقراطي الأبيض ، ولكن ولأنها ذات فكر متحجر ، لن تنصاع لما أؤتي إليها من رسالة ، لذلك لابد من فرض الحرية عليها بالاحتلال ، حتى ولو خلفت تلك الحرية خمسة ملايين قتيل وملايين المشردين وبلاد بادت وانتهكت حرماتها و سرق تاريخها وثرواتها ، لايهم كله كرمى عيون الديمقراطية . كنا نظن أن أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية المزعومة هو حرية الاختيار، وإعطاء الأولوية للأفضل في عملية اصطفاء يقوم بها من يقوم بها، لنحصل على نسبة 51 % من الأصوات في الانتخابات النزيهة، منكرين نسبة 99 % إذا ما حدثت في انتخابات الحاكم الجائر. ما هذا الاستهزاء بعقول البشر ومن سيصدق بعدْ تلك الأكاذيب، وما تلك الأسطورة غير واجبة التقديس ، وإن كان البطل في دول البطولة منسي فمن هو الجدير بالثناء ، هل يعقل أن نقوم ونقعد على حكاية الجيش الذي لا يقهر بعد أن مرغت عصابات الحق المرعبة - من محبي فلسفة الشهادة أو الموت كما يحلو لمشيئة من يستعذب تلك التسمية من أبناء الفقراء في المقاومات المُدرسةِ في عقر جامعات ومعاهد الديمقراطيين الغربيين - بكراماتهم غير الموجودة تراب جنوب لبنان وغزة والضفة الغربية والعراق ، أم أن قدسية البراعة الروحانية لمستخدمي بلاك ووتر و وكالة الاستخبارات المركزية العاجزين أبدا هم ولاعبي الحنكة الغيبية عن الإيقاع بفيدل كاسترو بعد أكثر من ستمائة محاولة اغتيال فاشلة ، والنائمون في القطران عن ثورة العزة والإيمان في إيران المسلمة التي وجهت اكبر صفعة لعقل الديمقراطية الشيطاني بامتياز ، والفاشلون وبكل فخر في قلب نظام الممانعة الشافيزي النفطي في فنزويلا ، والزاحفون برغم ديمقراطيتهم من كراسيهم وحتى أعتاب عرين الأسد في دولة العرب الأخيرة ليطلبوا الود الذي ضيعوه في صيف تموز. الديمقراطية هي الكذبة الكبرى التي أستخدمها أستاذ أبله ليبرر طرده لتلميذ مشاغب خالف كلامه وأظهره بمظهر الغبي ، بعد أن ادعى عليه بالخروج عن القانون و الأصول المتبعة في مدرسة وقف مديرها لمناصرة الباطل مرغما التلميذ غير الديمقراطي على مغادرة مدرسته دون أن يمنحه الحق في الدفاع عن نفسه ليكتشف العالم بعد مقاومة عنيفة خاضها ذلك التلميذ ضد مصاعب الحياة وانتصر فيها بأنه عالمٌ مبدعٌ لا غاية له إلا أن يعطي الناس من فيض عقله الراجح . تجارب الديمقراطية المزعومة هي لعنة مؤكدة . وحيث أنني قد عرفت الآن من كان سبب ظهور بدعة التدرج القضائي في التاريخ فإنني وبلا حرج سأسمح لنفسي بلعنه ، لعنة لا تحول ولا تزول . قبل أن تبحث لنا الديمقراطية عن ثغراتٍ وأبوابٍ لنقض حكم أو إعادة محاكمة ، ليتركوا عذرية قضاتنا على حالها . وان كان القاضي الناقض مخالف لرأي القضاة الأدنى فمن سوف نصدق . تريدون الاستفادة من التجارب ، عليكم بتقوى الله أولا وبعد ذلك ، ستكتشفون أنكم الأميز ، و أنكم الأجدر بأن يستفاد من تجاربكم لا العكس . دمتم عاش بعث العرب
|
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||||
|
![]() الاخ الدكتور هايل نصر
|
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||||
|
![]() [align=justify]
|
|||||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مجموعة منوعة من اجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض لعام 2007 - 2008 جزائي - مدني | المحامي منير صافي | أهم الاجتهادات القضائية السورية | 0 | 04-04-2011 01:43 PM |
اجتهادات قضائية في الاختصاص | المحامي مهند اسماعيل | أهم الاجتهادات القضائية السورية | 0 | 17-02-2011 03:13 PM |
قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني | أحمد الزرابيلي | قوانين الجمهورية اللبنانية | 0 | 08-11-2009 08:33 PM |
القيود الاحتياطية في السجل العقاري | المحامي نضال الفشتكي | رسائل المحامين المتمرنين | 1 | 05-10-2009 12:30 AM |
القانون المدني السوري - الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام | المحامي محمد صخر بعث | موسوعة التشريع السوري | 10 | 03-12-2006 08:25 PM |
![]() |