أجاب : أن الرعي كان مقصوراً على الفقراء والعبيد من الأخبار التاريخية التي قراتها , لا سيما "سيرة غبن هشام " و " حياة محمد " للدكتور محمد حسين هيكل الذي كان يقول : إن الرسول كان يرعى غنم أهل مكة , ويقول كذلك : إن مهنة الرعي لم تكن تدر على صاحبها المال الوفير , ويقول أيضاً وأيضاً أن أبا طالب قد سعى لدى خديجة ( رض ) لاستجار الرسول بأربعة جمال , ومن هذا يستنتج استنتاجاً منطقياً أن هذه المهنة , الرعي , كانت بسيطة جداً , وبالطبع لا يمتهن هذه المهنة إلاّ أبناء الطبقات الكادحة من الفقراء والعبيد .
وأضاف أبو شلباية قائلاً : أما قصة سيدنا عمر بن الخطاب وحديثه عن الرعي , فهي حجة لي وليست علي , فهناك فارق عظيم بين اشتغال محمد (ص) بالرعي وبين اشتغال عمر بن الخطاب بالرعي , فقد كان عمر بن الخطاب يرعى غنم أبيه , بينما كان محمد (ص) يرعى غنم أهل مكة ولم يكن عمر يتقاضى أجراً , بينما كان الرسول يتقاضى أجراً , وإذن فالرعي لم يكن مهنة يستفيد منها عمر بن الخطاب , وإنما كانت كذلك بالنسبة للرسول , ومعروف أن الذي يقود سيارته الخاصة لا يعتبر سائقاً محترفاً , بل يعتبر كذلك من يقود سيارات الغير .
وجواباً على سؤال يتعلق بمعجزة القرآن , التي يقول أنها الوحيدة , لم يتعرض إلى تفصيلها , بل ضرب كشحاً عنها , أجاب : ليس في مقالي أي لفظ ناب , كما ذكر ذلك سعادة النائب العام , أما عدم ذكري لمعجزة الرسول الكبرى , الوحيدة في رأيي , وهي القرآن , فلسبب بسيط , وهي أنني تحدثت عن الرسول قبل البعث , ومعروف أن القرآن أنزل بعد البعثة . وجواباً على سؤال النيابة الثالث , المتعلق بتقسيم الطبقات في عهد الرسول عليه السلام وما هي حجته في فساد الطبقة الأرستقراطية بمجموعها قال : إن حججي في ذلك تستند على كتب التاريخ وإلى القرآن الكريم , ومعروف , بل وبديهي أن الذي ناصر الرسول هم أبناء الطبقات الكادحة .. أي الفقراء والعبيد , وأن الذين قاوموا الرسول هم أبناء الطبقة الأرستقراطية .. وأعتقد أن القرآن فيه كثير من الآيات التي تثبت فساد الطبقة الأرستقراطية كسورة ( تبت يدا ) .وسئل من أين استقى قوله بأن البحث عن الرغيف أخّر محمداً عن البحث في الحقيقة ؟
أجاب: إنني استقيت قولي هذا من مصدر طبيعي بأن الإنسان العادي يهتم أول ما يهتم بالأمور التي توفر له النمو الجسماني الصحيح , والخبز يوفر لكل إنسان عادي النمو الجسماني .
وإذاً كشيء بديهي أن يكون ما ذكرت .ومعروف أن الرسول (ص) كان رجلاً عادياً من البشر , وليس من الملائكة .
أما قولي بأن زواج محمد بخديجة , قد حقق له المهمة الأولى , وهي البحث عن الرغيف في غار حرّاء , بينما كان قبل زواجه لا يستطيع أن يتفرغ لانتقاله من الرعي إلى التجارة ( جريدة الشاطئ السوري , العدد 173 , تاريخ 15 نيسان /ابريل 1951 ) .
و في جلسة يوم السبت 14 نيسان/أبريل 1951، تلا النائب العام مطالعته التي استهلها بعرض موجز للمقالات التي نشرها أبو شلباية في جريدة ((صوت التقدم)) ، و أشار إلى المواد القانونية التي أحيل بموجبها إلى المحاكمة ثم تعرض إلى ما قد تسببه هذه المقالات من إساءة إلى العلاقات بين الحكومة السورية و البلاد العربية ، و اعتبره طعنا موجهاً إلى الحكومات الشقيقة ، و تحريض شعوبها على العصيان المدني الذي من شأنه خلق القلاقل والفوضى في البلاد .
ثم أشار إلى المقال الذي طعن فيه بالرسول الأعظم ، و أثار نقمة الرأي العام . و ختم مطالعته بقوله :
((... و أخيراً إني أضع أمام محكمتكم الموقرة تمحيص هذه المقالات كلها خاصة ما جاء في المقال الأخير منها ، و فيه الجملة الخطرة على مجتمعنا و هي (( أن علماء النفس أثبتوا أن الفقر يبعث في النفوس النقمة و الحقد و الاحتقار للأنظمة السائدة)) ، و هو قول إذا أضيف إلى ما جاء في مقالاته السابقة عن البلاد العربية لظهر جليا أن المتهم كان يقصد في ما يكتب إثارة الثورات والقلاقل في البلاد العربية الهادئة الآمنة ، السائرة في مضمار التقدم ، و من كان هذه حاله فهو خطر على المجتمع و على البلاد السورية أجمع ، لذلك فالنيابة العامة تطلب .
يتبع إنشاء الله.....
المصدر :
هاشم عثمان : المحاكمات السياسية في سوريا دار الريس للكتب و النشر الطبعة الأولى : تشرين الثاني /2004 .