منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى الفقهي > أبحاث قانونية مختارة > أبحاث في الفقه الإسلامي

إضافة رد
المشاهدات 13560 التعليقات 8
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-04-2006, 05:41 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المحامي ناهل المصري
عضو أساسي ركن

الصورة الرمزية المحامي ناهل المصري

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي ناهل المصري غير متواجد حالياً


افتراضي البصمة الوراثية و مدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية

[align=center]هذا بحث قيم مختصر ألفه امام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بجامعة ام القرى سابقا عمر بن محمد السبيل رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته.[/align]

اقتباس:
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم

اقتباس:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى الله وصحبه وسلم أما بعد:

فهرس الموضوعات
المقدمة :في الباعث على اعداد البحث
المبحث الاول :في ماهية البصمة الوراثية
اولا :التعريف اللغوي للفظ البصمة
ثانيا :ماهية البصمة الوراثية
طريقة معرفة الابوة او البنوة من خلال اجراءات الفحص الوراثي
ثالثا :مجالات العمل بالبصمة الوراثية :
1-المجال الجنائي
2- مجال النسب
البحث الثاني :في استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب
ويشتمل على ثلاثة مطالب :
المطلب الاول :في تعريف النسب وعناية الاسلام به
اولا :تعريف النسب :في اللغة والاصطلاح
ثانيا :عناية الاسلام بالنسب
المطلب الثاني :الطرق الشرعية لاثبات ونفي النسب
ويشتمل على فرعين :
الفرع الاول :الطرق الشرعية لاثبات النسب
اولا :الفراش
ثانيا :الاستلحاق
ثالثا :البينة
رابعا :القيافة
اختلاف العلماء في حكم اثبات النسب بالقيافة على قولين
القول الاول :عدم صحة الحكم بالقيافة في اثبات النسب وبه قال الحنفية
القول الثاني :اتبار الحكم بالقيافة في اثبات النسب وبه قال الجمهور
ترجيح قول الجمهور وادلة ذلك
الشروط المعتبرة في القائف
الخلاف في حكم الاكتفاء بقول قائف واحد في اثبات النسب ومبنى الخلاف في ذلك
الحكم عند تعارض اقوال القافة واختلافها فيما بينها .
خامسا :القرعة
-القائلون بمشروعية الاخذ بها .
-دليل الحكم بالقرعة في اثبات النسب .
-كلام نفيس للعلامة ابن القيم في مشروعية العمل بالقرعة عند تعذر سواها .
الفرع الثاني الطريق الشرعي انفي النسب (وهو اللعان )
-تعريف اللعان .
-ادلة مشروعيته .
-شروط صحته .
-صفته .
-اثاره .
المطلب الثالث :في حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب .
-تمهيد .
-ويشتمل هذا المطلب على ثلاثة فروع :
-الفرع الاول :حكم استخدام البصمة الوراثية في نفي النسب .
-قول بعض الفقهاء المعاصرين بجواز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان وبيان صعفه والرد عليه .
-جواز الاستعانة بالبصمة الوراثية عند طلب اللعان كقرينة من القرائن .
-الفع الثاني :حكم استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب .
-جواز استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب قياسا على القيافة .
-امكانية الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب في ثلاث حالات :
-الحالة الاولى :حالات التنازع في مجهول النسب .
-الحالة الثانية :حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات .
-الحالة الثالثة :حالات ضياع الاطفال واختلاطهم .
-شروط خبير البصمة الوراثية
-راي الباحث في الشروط الاتية :
1-اشتراط الاسلام 2-اشتراط الحرية 3-اشتراط كون القائف من بني مدلج 4-اشتراط العدد 5-اشتراط المعرفة والاصابة بالتجزبة .
-ضوابط اجراءات تحليل البصمة الوراثية .
--مسائل لا يجوز اثبات النسب فيها بالبصمة الوراثية .
-تنبيه على مسائل هامة :
-المسألة الاولى :الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب لا يوجب بطلان العمل بالقافة .
-المسألة الثانية :اذا تعارض قول القافة وخبراء البصمة الوراثية في الحاق مجهول النسب .
-المسألة الرابعة :اذا الحق مجهول النسب بأحد المتنازعين بحكم الحاكم ثم الحقه خبير اخر بشخص آخر .
-المسألة الخامسة :اذا لم يؤخذ بقول خبراء البصمة الورثية لاختلاف اقوالهم او لاشكال الامر عليهم فان النسب يضيع .
-المسألة السادسة :يصارالى القرعة اذا تعارضت اقوال خبراء البصمة الوراثية ولم يمكن ترجيح قول بعضها على بعض .
-شبهة والاجابة عنها .
-كلام نفيس للعلامة ابن القيم .
الفرع الثالث :حكم استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة النسب الثابت .
-عدم جاز محاولة التأكد من صحة النسب عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها من الوسائل والادلة على ذلك .
-وجوب منع الجهات المسؤولة في البلاد الاسلامية استخدام اي وسيلة بغرض التأكد من صحة النسب الثابت .
البحث الثالث :في استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي
-كيفية استخدام البصمة الوراثية في الاستدلال على مرتكبي الجرائم .
-نتيجة البصمة الوراثية قطعية او شبه قطعية على وجود المتهم في محل الجريمة وظنية في كونه هو الفاعل حقيقة .
-جواز الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في غير قضايا الحدود والقصاص .
-مشروع قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي في ذلك .
-دليل عدم ثبوت الحدود والقصاص بموجب البصمة الوراثية .
-مستند الحكم الشرعي للاخذ بالبصمة الوراثية في العمل الجنائي .
-مشروعية العمل بالقرائن والحكم بمقتضاها في التعرف على الجناة .
-الادلة على مشروعية العمل بالقرائن .
-اولا :من الكتاب .
ثانيا:من السنة .
ثالثا :ورود اثار كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم في العمل بالقرائن .
رابعا :ان الحكم بالقرائن من عمل الشرائع السابقة .
-كلام نفيس للعلامة ابن القيم في اعتبار العمل بالقرائن وبناء بعض الاحكام عليها .
ذكر امثلة اعتمد الفقهاء فيها على قرائن الاحوال .
-امكانية الاخذ بالبصمة الوراثية في قضايا الحدود والقصاص .
-امكانية قياس البصمة الوراثية على المسائل المذكورة فب اثبات الحدود والقصاص .
-نقل ما يؤيد ذلك من كلام ابن القيم رحمه الله .
-للحاكم ان يحكم بأي القولين ان صح القياس بحسب ما يحف بالقضية من قرئن .
-كلام نفيس للعلامة ابن القيم حول العمل بالقرائن والادلة على ذلك .
-الخاتمة :وفيها اهم نتائج البحث
-ملحق بقرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي يشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها.

المبحث الاول
في ماهية البصمة الوراثية
اولا :التعريف اللغوي للفظ (البصمة)
البصمة مشتقة من البصم وهو: وهو فوت ما بين طرف الخنصر الى طرف البنصر، يقال: ما فارقتك شبرا، ولا فترا، ولا عتبا، ولا رتبا، ولا بصما. ورجل ذو بصم:اي غليظ البصم. والبصمة اثر الختم بالاصبع.

فالبصمة عند الاطلاق ينصرف مدلولها الى بصمات الاصابع ،وهي :الانطباعات التي تتركها الاصابع عند ملامستها سطحا مصقولا ،وهي طبق الاصل لاشكال الخطوط الحلمية التي تكسو جلد الاصابع وهي لا تتشابه اطلاقا حتى في اصابع الشخص الواحد .

ثانيا :ماهية الصمة الوراثية :
مما تقدم في بيان التعريف اللغوي للفظ البصمة يتضح ان من اهم فوائد معرفة بصمات الاصابع الاستدلال بها على مرتكبي الجرائم من خلال ما ينطبع من بصماتهم على الاجسام المصقولة في محل الجريمة ،فهي قرينة قوية في التعرف على الجناة ،ولقد تجاوزت الاكتشافات الطبية الحديثة معرفة هذه الخاصية من جسم الانسان الى اكتشاف خواص كثيرة فيه وادراك مدى تأثير تلك الخواص في الوراثة عن طريق اجزاء كثيرة من جسم الانسان من دم او شعر او مني او بول او غير ذلك.

وقد دلت الاكتشافات الطبية انه يوجد في داخل النواة التي تستقر في خلية الانسان (46)من الصبغيات (الكرموسومات )وهذه الكرموسومات تتكون من المادة الورثية - -الحمض النووي الريبوري اللاأكسجيني -والذي يرمز اليه ب(دنا)اي الجينات الوراثية وكل واحد من الكروموسومات يحتوي على عدد كبير من الجينات الوراثية قد تبلغ في الخلية البشرية الواحدة الى مائة الف موروثة جينية تقريبا ،وهذه الموروثات الجينية هي التي تتحكم في صفات الانسان والطرقة التي يعمل بها بالاضافة الى وظائف اخرى تنظيمية للجينات .

وقد اثبتت التجارب الطبية الحديثة بواسطة وسائل تقنية في غاية التطور والدقة :ان لكل انسان جينوما بشريا يختص به دون سواه ،لا يمكن ان يتشابه فيه مع غيره ،اشبه مايكون ببصمة الاصابع في خصائصها ،بحيث لا يمكن تطابق الصفات الجينية بين شخص واخر حتى وان كانا توأمين .

ولهذا جرى اطلاق عبارة (بصمة وراثية )للدلالة على تثبيت هوية الشخص اخذا من عينة الحمض النووي المعروف ب(دنا)الذي يحمله الانسان بالوراثة عن ابيه وامه اذ ان كل شخص يحمل في خليته الجينية (46)من صبغيات الكروموسومات ،يرث نصفها وهي(23)كروموسوما غن ابيه بواسطة الحيون المنوي ،والنصف الاخر وهي(23)كرموسوما يرثها عن امه بواسطة البويضة ،وكل واحدة من هذه الكروموسومات والتي هي عبارة عن جينات الاحماض النووية المعروف باسم (دنا)ذات شقين ،يرث الشخص شقا منها عن ابيه ،والشق الاخر عن امه فينتج ذلك كروموسومات خاصة به ،لا تتطابق مع كروموسومات ابيه من كل وجه ولا مع كروموسومات امه من كل وجه وانما جاءت خليطا منهما وبهذا الاختلاط اكتسب صفة الاستقلالية عن كروموسومات اي من والديه مع بقاء التشابه معهما في بعض الوجوه لكنه مع ذلك لا يتطابق مع اي من كروموسومات الدبه فضلا عن غيرهما .

قال الدكتور محمد باخطمة (وتتكون كل بصمة من وحدات كيماوية ذات شقين محمولة في الموروثات وموزعة بطريقة مميزة ،تفرق بدقة بارعة كل فرد من الناس عن الاخر ،وتتكون البصمة منذ فترة الانقسام في البويضة الملقحة ،وتبقى كما هي حتى بعد الموت ،ويرث كل فرد احد شقي البصمة من الاب والاخر من الام ،بحيث يكون الشقان بصمة جديدة ،ينقل الفرد احد شقيها الى ابنائه وهكذا ...)

وقال الدكتور عبدالهادي مصباح :(الحامض النووي عبارة عن بصمة جينية لا تتكررمن انسان الى اخر بنفس التطابق ،وهي تحمل كل ما سوف يكون عليه هذا الانسان من صفات وخصائص وأمراض وشيخوخة وعمر منذ التقاء الحيوان المنوي للاب ببويضة الام وحدوث الحمل )
وعلماء الطب الحديث يرون انهم يستطيعون اثبات الابوة او البنوة لشخص ما او نفيه عنه من خلال اجراءات الفحص على جيناته الوراثية حيث قد دلت الابحاث الطبية التجريبية على ان نسبة النجاح في اثبات النسب او نفيه عن طريق البصمات الوراثية يصل في حالة النفي الى حد القطع اي بنسبة 100%اما في حالة الاثبات فانه يصل الى قريب من القطع وذلك بنسبة 99% تقريبا .

وطريقة معرفة ذلك ان يؤخذ عينة من أجزاء الانسان بمقدار راس الدبوس من البول او الدم او المني او العظم او اللعاب او خلايا الكلية او غير ذلك من اجزاء الانسان وبعد اخذ هذه العينة يتم تحليلها ،وفحص ماتحتوي ىعليه من كروموسومات -اي صبغيات -تحمل الصفات الوراثية ،وهي الجينات ،فبعد معرفة هذه الصفات الوراثية الخاصة بالابن وبوالديه يمكن بعد ذلك ان يثبت ان بعض هذه الصفات الوراثية في الابن موروثة له عن ابيه لاتفاقهما في بعض هذه الجينات الوراثية فيحكم عندئذبأبوته له ،او يقطع بنفي ابوته عنه لعدم تشابههما في شئ من هذه الجينات الوراثية، فيحكم عندئذ بنفي ابوته له وكذلك الحال بالنسبة للام وذلك لان الابن -كما تقدم-يرث عن ابيه نصف موروثاته الجينية ،بينما يرث عن امه النصف الاخر فاذا اثبتت التجارب الطبية والفحوصات المخبرية وجود التشابه في الجينات بين الابن وابويه ثبت طبيا بنوته لهما وان لم يوجد بينهما اي تشابه في الجينات الوراثية انتفى طبيا بنوته لهما .

وقد تثبت بنوته لاحد والديه بناء على التشابه الحاصل بينهما في المووثات الجينية ،بينما ينفى عن الاخر منهما ،بناء على انتفاء التشابه بينهما في شئ من الموروثات الجينية .

ثالثا :مجالات العمل بالبصمة الوراثية :
يرى المختصون في المجال الطبي وخبراء البصمات انه يمكن استخدام البصمات الوراثية في مجالات كثيرة ترجع في مجملها الى مجالين رئيسين هما :
1-المجال الجنائي :وهو مجال واسع يدخل ضمنه :
الكشف عن هوية المجرمين في حالة ارتكاب جناية قتل ،او اعتداء ،وفي حالات الاختطاف بأنواعها وفي حالة انتحال شخصيات الاخرين ونحوهذه المجالات الجنائية .
2-مجال النسب :وذلك في حالة الحاجة الى اثبات البنوة او الابوة لشخص او نفيه عنه ،وفي حالة اتهام المرأة بالحمل من وطء شبهة ،او زنا .

البحث الثاني
في استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب
المطلب الاول :في تعريف النسب وعناية الاسلام به
اولا:تعريف النسب :
التعريف اللغوي :
النسب في اللغة :القرابة ،وسميت القرابة نسبا لما بينهما من صلة واتصال ،وأصله من قولهم :نسبته الى ابيه نسبا ،من باب طلب ،بمعنى عزوته اليه ،ونتسب اليه :اعتزى .
والاسم :النسبة بالكسر ،وتجمع على :نسب ،قال ابن السكيت :يكون من قبل الاب ومن قبل الام وقال بعض اهل اللغة :هو في الاباء خاصة على اعتبار ان المرء انما ينسب الى ابيه فقط ،ولا ينسب لامه الا في حالات استثنائية .

وقد استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة ،فيقال: بينهما نسب اي قرابة ،وجمعه انساب .

قال الراغب الاصفهاني :النسب والنسبة :اشتراك من جهة احد الابوين ،وذلك ضربان :نسب بالطول كالاشتراك من الاباء والابناء ،ونسب بالعرض ،كالنسبة بين بني الاخوة ،وبني الاعمام .
التعريف الاصطلاحي :
قال المؤلف رحمه الله :مع البحث المستفيض في كثير من المصنفات في المذاهب الفقهية الاربعة لم اقف على تعريف شرعي للنسب جامع مانع ،اذ يكتفي الفقهاء بتعريف النسب بمعناه العام ،المستفاد من معناه في اللغة وهو مطلق القر ابة بين شخصين ،دون ان يعرفوه بالمعنى الاصطلاحي الشرعي ،وهوالذي يفيد صحة ثبوت النسب لشخص ما ،اوعدم ثبوته له ومن تلك التعريفات العامة تعريف العلامة البقري يقوله :(وهو القرابة ،والمراد بها الرحم ،وهي لفظ يشمل كل من بينك وبينه قرابة قربت او بعدت كانت من جهة الاب او من جهة الام )

وعرفه صاحب العذب الفائض بالقرابة ايضا ثم قال :(وهي الاتصال بين انسانين بالاشتراك في ولادة قريبة او بعيدة )

وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين تعريف النسب بمعناه الاصطلاحي الخاص وهو القرابة من جهة الاب باعتبار ان الانسان انما ينسب لابيه فقط فقال في تعريفه :(حالة حكمية اضافية بين شخص واخر ،من حيث ان الشخص انفصل عن رحم امرأة هي في عصمة زوج شرعي او ملك صحيح ،ثابتين ،او مشبهين الثابت للذي يكون الحمل من مائه )

ثانيا :عناية الاسلام بالنسب :
اولت الشريعة الاسلامية النسب مزيد من العناية ،وأحاطته ببالغ الرعاية ،ولا أدل على ذلك مكن جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على وجوب حفظها ورعايته .
وان من أجلى مظاهر العناية بالنسب في الاسلام ان الله تعالى امتن على عباده بأن جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا فقال عز وجل (ياأيها الناس ان خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم )ولا يتحقق معرفة الشعوب والقبائل ،وما يترتب على ذلك من تعارف وتآلف الا يمعرفة الانساب وحفظها عن الاشتباه والاختلاط .

ومن اجل ذلك عني الاسلام ايما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ضمانا لسلامة الانساب ،فحرم الاسلام كل اتصال جنسي لا يتم على اصول شرعية يحفظ لكل من الرجل والمراة ما يترتب على هذا الاتصال من أثار وما ينتج عنه من اولاد ،وابطل جميع انواع العلاقات التي تعارفت عليها بغض الامم والشعوب التي انحرفت عن شرائع الله السوية،ولم يبح الاسلام سوى العلاقة القائمة على النكاح الشرعي بشروطه المعتبرة ،أوبملك اليمين الثابت ،ولذلكقال الله عزوجل (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين ،فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )

ومن مظاهر عناية الاسلام بالنسب أنه شدد النكير ،وبالغ في التهديد للاباء والامهات حين يقدمون على انكار نسب اولادهم الثابت ،ويتبرؤون منهم ،او حين ينسبون لانفسهم اولادا ليسوا منهم وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام (ايما امرأة د\خلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ ،وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الاولين والاخرين )

وحرم الاسلام الانتساب الى غير الاباء حيث قال عليه الصلاة والسلام في معرض التحذير من ذلك وبيان الوعيد الشديد على فاعله :(من ادعى الى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة عليه حرام ).

وابطل الاسلام التبني وحرمه بعد ان كان مألوفا وشائعا عند اهل الجاهلية وفي صدر الاسلام يقول الله عز وجل (ادعوهم الى أبائهم هو أقسط عند الله فان لم تعلموا آبائهم فاخوانكم في الدين ومواليكم ).

وانما حرم الاسلام التبني لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة ،لكون المتبنى ابنا مزورا في الحقيقة والواقع وعنصرا غريبا عن الاسرة التي انضم اليها ،لا يحل له ان يطلع على محارمها او يشاركها في حقوقها ،اضافة الى انه قد لا ينسجم مع اخلاخقها ولا يتلائم مع طباعها لاحساسه واحساس الاسرة بأنه اجنبي عنها ،وسواء أكان المتبنى معروف النسب او مجهوله الا ان الاسلام مع هذا يلحق المجهول بمن ادعاه بمجرد الدعوى ،مع امكان كونه منه عادة ،وكل هذا من عناية الشريعة الاسلامية بالنسب ومزيد رعايتها له تحقيقا لمقاصد وحكم جليلة .
* * *

المطلب الثاني
الطرق الشرعية لاثبات ونفي النسب
الفرع الاول :الطرق الشرعية لاثبات النسب :
والمقصود هنا هو بيان اثبات طرق اثبات النسب بيانا مجملا دون الدخول في تفاصيل اراء العلماء في بعض الشروط والصور المعتبرة في كل طريق من طرق اثبات النسب .
وطرق اثبات النسب خمسة وهي :الفراش ،والاستلحاق ،والبينة ،والقافة ،والقرعة .فالثلاثة الاول محل اتفاق بين العلماء واما الرابع فقال به لجمهور ،واما الخامس فقال به بعض اهل العلم .ودونك الكلام على كل واحد من هذه الطرق بشئ من الايضاح على النحو التالي :

اولا :الفراش :
اجمع العلماء رحمهم الله تعالى على اثبات النسب به ،بل هو اقوى الطرق كلها ،قال العلامة ابن القيم :(فأما ثبوت النسب بالفراش فأجمعت عليه الامة )
والمراد بالفراش :فراشة الزوجة الصحيح ،او ما يشبه الصحيح ،فالصحيح هو عقد النكاح المعتبر شرعا ،حيث توافرت اركانه وشروطه وانتفت موانعه ،واما ما يشبه الصحيح فهوعقد النكاح الفاسد وهو المختلف في صحته ،وكذا الوطء بشبهة على اختلاف انواعها فان حكمه حكم الوطء بنكاح صحيح فيما يتعلق بثبوت نسب المولود الناتج عن ذلك الوطء .

فاذا اتت المرأة بولد ممن يمكن ان يولد لمثله لستة اشهر منذ الوطء ،فان النسب يثبت لصاحب الفراش ،اذا ولد حال الزوجية حقيقة ،او حكما كما في المعتدات ،لقوله عليه الصلاة والسلام (الولد للفراش وللعاهر الحجر )

ويدخل في الفراش عند جمهور العلماء الوطء بملك اليمين ،وهو ما يعبر عنه بعض الفقهاء بالاستيلاد،فاذا كان للرجل سرية يطؤها بملك اليمين فانها تعد فراشا عند الجمهور ام الحنفية فيرون ان فراش الامة ضعيف لا يلتحق الولد بصاحب الفراش الا باستلحاقه له ،على تفصيل عندهم في هذا .

ثانيا الاستلحاق :
ويعبر عنه ايضا ب(الاقرار بالنسب )وغالبا ما يكون في اولاد الاماء ،والاقرار بالنسبى على نوعين :
الاول :اقرار يحمله على نفسه فقط كالاقرار بالبنوة او الابوة .
الثاني :اقرار يحمله المقر على غيره وهو ما عدا الاقرار بالبنوة والابوة كالاقرار بالاخوة والعمومة .
وقد اشرط الفقهاء لصحة الاقرار بالنسب في كلا النوعين شروطا لا بد من تحققها لصحة الاقرار وثبوت النسب بمقتضاه ،فاشترطوا لصحة الاقرار بالنسب على النفس الشروط التالية :
1-ان يكون المقر بالنسب عاقلا بالغا فلا يصح اقرار الصغير ولا المجنون لعدم الاعتداد بقولهما لقصورهما عن حد التكليف .
2-ان يكون المقرله بالنسب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقر وذلك بأن يولد مثله لمثله ،فلو اقر من عمره عشون بنوة من عمره من خمسة عشر لم يقبل اقراره لاستحالة ذلك عادة .
3- ان يكون المقر له مجهول النسب ،لان معلوم النسب لا يصح ابطال نسبه الثابت بحال من الاحوال .
4-ان لايكذب المقرله المقر ،ان كان اهلا لقبول قوله فان كذبه فانه لا يصح الاقرار عندئذ ولا يثبت به النسب .
5-ان لا يصرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا ،فان صرح بذلك لا يقبل اقراره ،لان الزنا لا يكون سببا في ثبوت النسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر )
6-ان لا ينازع المقر بالنسب احد ،لانه اذا نازعه غيره ،فليس احدهما اولى من الاخر بمجرد الدعوى ،فلابد من مرجح لاحدهما ،فان لم يكن فانه يعرض على القافة ،فيكون ثبوت النسب لاحدهما بالقيافة لا بالاقرار .
فاذا توفرت هذه الشروط ثبت نسب المقرله من المقر ،وثبت بمقتضى ذلك جميع الاحكام المتعلقة بالنسب .

*فان كان الاقرار بالنسب فيه تحميل للنسب على الغير كالاقرار بأخ ونحوه فأنه يشرط لصحة ثبوت النسب اضافة الى الشروط المتقدمة ما يأتي :
1-اتفاق جميع الورثة على الاقرار بالنسب المذكور .
2-ان يكون الملحق به النسب ميتا ،لانه اذا كان حيا فلا بد من اقراره بنفسه .
3- ان لا يكون الملحق به النسب قد انتفى من المقر له في حياته باللعان .

ثالثا :البينة
والمراد بها الشهادة ،فان النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه ،وقد اجمع العلماء ان النسب يثبت لمدعيه بشهادة رجلين عدلين واختلفوا في اثباته بغير ذلك ،كشهادة رجل وامرأتين او شهادة اربع نساء عدلات ،او شهادة رجل ويمين المدعي حيث قال بكل حالة من هذه الحالات طائفة من العلماء ،غير ان مذهب جماهير اهل العلم وهم :المالكية والشافعية والحنابلة انه لا يقبل في اثبات النسب بالشهادة الا شهادة رجلين عدلين .

فاذا ثبت المدعى بالبينة لحق نسبه بالمدعي وترتب عليه ثبوت جميع الاحكام المتعلقة بالنسب .

رابعا القيافة
وهي لغة :تتبع الاثار لمعرفة اصحابها ،والقائف من يتبع الاثر ويعرف صاحبه وجمعه قافة .
والقاءف في الاصطلاح الشرعي هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره الى اعضاء المولود .
والقيافة عند القائلين بالحكم بها في اثبات النسب انما تستعمل عند عدم الفراش والبينة وحال الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه ،فيعرض على القافة ،فمن الحقته به القافة من المتنازعين نسبه ،الحق به .

وقداختلف العلماء في حكم اثبات النسب بها على قولين مشهورين :

القول الاول :انه لا يصح الحكم بالقيافة في اثبات النسب ،وبه قال الحنفية .

القول الثاني :اعتبار الحكم بالقيافة في اثبات النسب عند الاشتباه والتنازع .وبه قال جمهور العلماء ،حيث قال به الشافعية والحنابلة والظاهرية والمالكية في اولاد الاماء في المشهور من مذهبهم ،وقيل في اولاد الحرائر ايضا .

ومما لاشك فيه ان ماذهب اليه الجمهور من الحكم بالقيافة واعتبارها طريقا شرعيا في اثبات النسب هو الراجح لدلالة السنة المطهرة على ذلك وثبوت العمل بها من عدد من الصحابة رضي الله عنهم ولم يعرف لهم مخالف فكان كالاجماع منهم على الحكم بها ،قال العلامة ابن القيم رحمه الله في بيان حجية العمل بالقيافة في اثبات النسب :(وقد دل عيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل خلفائه الراشدين والصحابة من بعدهم ،منهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وابو موسى الاشعري وانس بن مالك رضي الله عنهم ولا مخالف لهم في الصحابة ،وقال بها من التابعين :سعيد بن المسيب وعطاء بن ابي رباح والزهري واياس بن معاوية وقتادة وكعب بن سورومن تابعي التابعين :الليث بن سعد ومالك بن انس واصحايه وممن بعدهم الشافعي واصحابه واحمد واصحابه واسحاق وابو ثور واهل الظاهر كلهم ،وبالجملة فهذا قول جمهور الامة وخالفهم في ذلك ابو حنيفة واصحابه وقالوا :العمل بها تعويل على مجرد الشبهة وقد يقع بين الاجانب وينتفي بين الاقارب .

هذا وقد اشترط الجمهور لاعتبار قول القائف والحكم به في اثبات النسب شروطا من اهمها :ان يكون القائف مسلما مكلفا عدلا ذكرا سميعا بصيرا عارفا بالقيافة مجربا في الاصابة .

وقد ذهب اكثر القائلين بالقيافة الى جواز الاكتفاء بقول قائف واحد والحكم باثبات النسب بناء على قوله ،بينما ذهب اخرون الى انه لا يقبل في ذلك اقل من اثنين .

ومبنى الخلاف في ذلك على اعتبار القائف هل هو شاهد او مخبر فمن قال بالاول اشترط اثنين ومن قال بالثاني اكتفى بواحد ،وقيل مبنى الخلاف على ان القائف هل هو شاهد او حاكم ؟قال الباجي :وجه القول الاول :ان هذه طريقة الخبر عن علم يختص به القليل من الناس كالطبيب والمفتي ،ووجه القول الثاني انه يختص بسماعه ،والحكم به ،الحكام فلم يجز في ذلك اقل من اثنين )

وقال في الانصاف :(وهذا الخلاف مبني عند كثير من الاصحاب على انه هل هو شاهد او حاكم ؟فان قلنا هو شاهد اعتبرنا العدد وان قلنا هو حاكم فلا ...وقالت طائفة من الاصحاب هذا الخلاف مبني على انه شاهد او مخبر فان جعلناه شاهدا اعتبرنا العدد وان جعلناه مخبرا لم نعتبر العدد كالخبر في الامور الدنيوية )ورجح العلامة ابن القيم الاكتفاء بقول قائف واحد محتجا لذلك بقوله :(ومن حجة هذا القول وهو قول القاضي وصاحب المستوعب والصيحيح من مذهب الشافعي وقول اهل الظاهر ان النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول مجززالمدلجي وحده ،وصح عن عمر انه استقاف المصطلقي وحده كما تقدم واستقاف ابن عباس ابن كلدة وحده واستلحقه بقوله .وقد نص احمد على انه يكتفى بالطبيب والبيطار الواحد اذا لم يوجد سواه والقائف مثله ......بل هذا اولى من الطبيب والبيطار لانهما اكثر وجودا منه ،فاذا اكتفي بالواحد منهما مع غيره فالقائف اولى )

هذا وان لم تتفق القافة على الحاق المجهول نسبه بأحد المدعين ،بل تباينت اقوالهما وتعارضت ،فن قولها يسط لتعارضهما ،كالبينتين اذا تعارضتا تساقطتا ،الا في حالة واحدة وهي ان يتفق اثنان من القافة على الحاقه بشخص ويخالفهما قائف واحد فانه لا يلتفت الى قوله ويؤخذ بقول الاثنين ،لانهما كالشاهدين فقولهما اقوى من قول الواحد .

اما ما عدا ذلك من حالات الاختلاف كأن يعارض قول اثنين قول اثنين اخرين او قول ثلاثة فان قول القافة يسقط في هذه الحالات كلها وبهذا قال الحنابلة .

اما لو اخذ بقول القافة وحكم به حاكم ثم جاءت قافة اخرى فألحقته بشخص اخر فأنه لا يلتفت الى قول التأخرة منهما ،لان حكم الحاكم يرفع الخلاف ومثل هذا ايضا لو رجعت القافة عن قولها بعد الحكم يه والحقته بشخص اخر فانه لا يلتفت الى رجوعها عن قولها الاول لثبوت نسب المجهول بمن الحق به اولا ،وبهذا قال الشافعية والحنابلة .

واذا لم يؤخذ بقول القافة لتاختلاف اقوالها او اشكل الامر عيها فلم تلحقه بواحد من المدعين او لم توجد قافة فان نسب المجهول يضيع على الصحيح من مذهب الحنابلة .

والقول الاخر للحنابلة وهو مذهب الشافعية :ان الامر يترك حتى يبلغ المجهول ثم يؤمر بالانتساب الى احد المدعين لانه روي عن عمر رضي الله عنه انه قال للغلام الذي الحقته القافة بالمدعيين :(وال أيهما شئت )ولانه اذا تعذر العمل بقول القافة رجع الى اختيار الولد الجبلي ،لان الانسان يميل بطبعه الى قريبه دون غيره ،ولانه اذا بلغ صار اهلا للاقرار ،فاذا صدقه المقرله فيثبت نسبه حينئذ بالاقرار .

وفي قول في كلا المذهبين :انه يؤمر بالاختيار والانتساب الى احد المدعين اذا بلغ سن التمييز .
والمفهوم من مذهب المالكية :ان الحكم كذلك ،حيث نصوا على ان القافة اذا الحقت بالمجهول بأكثر من اب لحق بهم حتى يبلغ ثم يؤمر باختيار واحد منهم .
* * *

خامسا القرعة
وهي اضعف طرق اثبات انسب الشرعي ولذا لم يقل بها جمهور العلماء ،وانما ذهب القول بها واعتبارها طريقا من طرق اثبات النسب :الظاهرية والمالكية في اولاد الاماء وهو نص الشافعي في القديم وبها قال بعض الشافعية عند تعارض البينتين وقال بها الامام احمد في رواية وابن ابي ليلى واسحاق بن راهويه .

واحتج القائلون بها بما رواه ابو داود والنسائي عن زيد بن ارقم رضي الله ىعنه قال :(كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من اليمن فقال :ان ثلاثة نفر من اليمن اتوا عليا يختصمون اليه في ولد،وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد فقال لاثنين :طيبا بالولد لهذا ،فغليا ،فقال :انتم شركاء متشاكسون ،اني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت اضراسه او نواجذه )

قال الامام ابن حزم تعلقا على هذا الحديث:(لا يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ان ينكر ما يرى او يسمع مالا يجوز البتة الا ان يكون سرورا به وهو عليه الصلاو والسلام لا يسر الابالحق،ولا يجوز ان يسمع باطلا فيقره وهذا خبر مستقيم نقلته كلهم ثقات والحجة به قائمة ولا يصح خلافه البتة )

وقال الامام الخطابي :(وفيه اثبات القرعة فب امر الولد واحقاق القارع )
واقرعة عند القائلين بها لا يصار الى الكم بها الا عند تعذر غيرها من طوق ابات النسب من فراش او بينة او قيافة او في حالة تساوي البينتين اوتعرض قول القافة ،فبصار حينئذ الى القرعة حفاظا للنسب من الضياع وقطعا للنزاع والخصومة فالحكم بها غاية ما يقدر عليه وهي اولى من ضياع نسب المولود لما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله :(اذا تعذرت القافة او اشكل الامر عليها كان المصير الى القرعة اولى من ضياع النسب وتركه هملا لا نسب له وهو ينظر الى ناكح امه وواطئها ،فالقرعة ها هنا اقرب الطرق الشرعية الى اثبات النسب فانها طريق شرعي ،وقدسدت الطرق سواها ،واذا كانت صالحة لتعيين الاملاك المطلقة وتعيين الرقيق من الحر وتعيين الزوجة من الاجنبية ،فكيف لا تصلح لتعيين صاحب النسب من غيره ،ومعلوم أن طرق حفظ الانساب اوسع من طرق حفظ الاموال ،والشارع الى ذلك اعظم تشوفا ،فالقرعة شرعت لاخراج المستحق تارة ولتعيينه تارة وها هنا احد المتداعيين هو ابوه حقيقة فعملت القرعة في تعيينه كماى عملت في تعيين الزوجة عند اشتباهها بالاجنبية ،فالقرعة تخرج المستحق شرعا كما تخرجه قدرا ....فلا اسبعاد في الالحاق بها عند تعينها طريقا،بل خلاف ذلك هو المسبعد )
* * *

الفرع الثاني :الطريق الشرعي انفي النسب
من اجل محاسن السريعة الاسلامية المباركة رعايتها للانساب وعنايتها بالفاظ عليها ومن مظاهر ذلك تشرفها الى ثبوت النسب ودوامه ،وتسهيلها في اثباته بأدنى الاسباب وأيسرها ،وتشديدها في نفيه وابطاله متى ما ثبت باحدى الطرق المشروعة ،حيث لا تقبل الشريعة الاسلامية نفي النسب بعد ثبوته مهما كان الحامل عليه ،او الداعي اليه الا عن طريق واحد وهو اللعان .

لذا فانه يحسن اعطاء نبذة موجزة عن اللعان وصفته والاثار المترتبة عليه على النحو التالي :

تعريف اللعان :
اللعان في اللغة :مشتق من اللعن ،وهو الطرد والابعاد من الخير ،وسمي بذلك لان الزوج يلعن نفسه في الشهادة الخامسة ،او لان احد الزوجين عرضة للطرد والابعاد من رحمة الله بسبب كذبه وافترائه .

وهو في الشرع :شهادات مؤكدة بأيمان من زوجين مقرونة بلعن او غضب .

دليل مشروعيته :
دل على مشروعيته الكتاب والسنة والاجماع .
اما الكتاب ففي قول الله عزوجل (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ،والخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ،ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع بالله انه لمن الكاذبين ،والخامسة أن غضب الله عليها ان كان من الصادقين )

واما السنة:فللاحاديث الكثيرة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك ،ومنها ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما :(ان رجلا لاعن امرأته ،وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة )

واما الاجماع على مشروعية اللعان ففي الجملة فقد حكاه عدد من العلماء .

واللعان لا يشرع الا حين يعلم الزوج بزنا زوجته اما برؤية او اخبار ثقة ،او مشاهدة رجل فاجر يدخل عليها او يخرج منها ،او باستفاضة زناها عند الناس ونحو ذلك ،فاذا ما حصل شئ من ذلك ولم يكن ثمة ولد يحتاج الزوج الى نفيه ،فالاولى به في هذه الحالة ان يكتفي بطلاقها لتحريم بقائها معه ،مع حفظ لسانه عن رميها بالفاحشة سترا عليها وصيانة لحرمة فراشه ،فن كان هناك ولد يحتاج الى نفيه سواء كان حملا او مولودا فانه لا ينتفي منه لولادته على فراشه الا بان يلاعن زوجته ولا يصح اللعان الا بعد توفر الشروط الاتية :
1-ان يكون الزوجان مكلفان .
2-ان يكون الزوج مختارا للعان غير مكر عليه .
3-ان يقذف الزوج زوجته بالزنا فتكذبه .
4-ان يكون اللعان بأمر من الامام او نائبه .
فهذهجملة الشروط التي اشترطها الفقهاء لصحة اللعان ولهم في ذلك تفاصيل واسعة ليس هذا محل بيانها .

صفة اللعان :
وصفته ان يأمر الامام او نائبه الزوج ان يلاعن زوجته فيقول :اشهد بالله ان زوجتي هذه قد زنت ،فيسميها باسمها ،او يشير اليها ،يكرر ذلك اربع مرات ،ثم يقول في الخامسة وان لعنة الله عيه ان كان من الكاذبين .

واذا اراد نفي الولد قال :وان هذا الولد من زنا وليس مني .
فاذا فرغ الزوج من لعانه لاعنت الزوجة قائلة :أشهد بالله انه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا تكرر ذلك اربع مرات ،ثم تقول في الخامسة :وأن غضب الله عيها ان كان من الصادقين .
وان كان الزوج قد نفى ولدها قالت :وان هذا الولد منه وليس من زنى .

ويجب على المتلاعنين التقيد بهذه الصفة والالفاظ في اللعان ،اتباعا للكتاب والسنة ،فن حصل شئ من الاخلال بذلك لم يصح اللعان ،كما يجب ان يبدا الزوج باللعان قبل المراة ،فان بدات قبله لم يصح ،لان الله تعالى بدا بالزوج ،وامر به رسوله صلى الله عليه وسلم ،ولان لعانها مبني على لعانه لا العكس .

آثار اللعان :
فذا تم اللعان على الصفة المشرعة ترتب عليه الاحكام التالية :
1-انتفاء الولد من الزوج اذا صرح بنفيه ولحوق نسب الولد بأمه للحديث السابق .
2-سقوط حد القذف عن الزوج ان كانت زوجته محصنة .وسقوط التعزير عنه ان لم تكن محصنة ،وشقوط حد الزن عن المراة بنص القران على ذلك .
3-وقوع الفرقة المؤبدة بين الزوجين وتحريم نكاحها عليه على التأبيد لقوله صلى الله عليه وسلم (لا سبيل لك عليها)
فهذه اهم احكام اللعان ومسائله وللعلماء تفاصيل موسعة في كثير من احكامه ليس هذا محل بيانها ،حيث المقصود اعطاء نبذة موجزة يتضح بها معالم هذا الحكم الشرعي .
فهذا هو السبيل الوحيد انفي النسب ،اما غير ذلك من الطرق التي كانت شائعة قبل الاسلام ،كالتبني ،وتحويل النسب ،او التنازل عنه للغير ،فقد ابطلها الاسلام وحرمها واجمعت الامة على تحريمه لقوله تعالى (ادعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله )وقوله صلى الله عليه وسلم (من ادعى الى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة عليه حرام وقوله صلى الله عليه وسلم (لا ترغبوا عن أبائكم فمن رغب عن ابيه فهو كفر ) ولقوله صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب )
* * *

المطلب الثالث
حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال
تمهيد :بعد بيان ماهية البصمة الوراثية وايضاح طرق اثبات النسب الشرعي ،وطريق نفيه ،فان مقتضى النظر الفقهي لعرفة حكم استخدام البصمة الوراثيةفي مجال النسب ،يفرض على الباحث الشرعي النظر في امكانية اعتبار البصمة الوراثية قرينة يستعان بها على اثبات النسب او نفيه فحسب ،او اعتبارها طريقا من طرق اثبات النسب قياسا على احدى الطرق الثابتة شرعا .

غير أني وقبل بيان ذلك اود القول بان النظريات العلمية الحديثة من طبية او غيرها مهما بلغت من الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين الا انها تظل محل شك ونظر ،لما علم بالاستقراء للواقع ان بعض النظريات العلمية المختلفة من طب وغيره يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن ابطال بعض ما يقطع بصحته علميا ،او على الاقل اصبح مجال شك ،ومحل نظر،فكم من النظريات الطبية -على وجه الخصوص -كان الاطباء يجزمون بصحتها وقطعيتها ،ثم اصبحت تلك النظريات مع التقدم العلمي الطبي المتطور ضربا من الخيال ،وهذا امر معلوم وثابت مم يحتم على الفقهاء والباحثين الشرعيينالتروي في النظر ،وعدم الاندفاع الى الاخذبالنظريات العلمية كأدلة اثبات توازي الادلة الشرعية او تقاربها ،فضلا عن احلال تلك النظريات محل الادلة الشرعية الثابتة ،ومع هذا فانه يحسن الاستفادة من هذه الاكتشافات العلمية التي هيأها الله تعالى لعباده ،وهداهم اليها ،والاستانة بها في تحقيق ما ترمي اليه هذه الشريعة المباركة من مقاصد على ضوء قاعدة الشرع الكبرى (في تحقيق المصالح ودرء المفاشد )لا سيما وأن من اعظم سمات هذه الشريعة الخالدة ما تميزت به من سماحة ومرونة تحمل على الاخذ بكل ما يستجد مما يحقق المصالح ويدرأالمفاسد ولا يخالف الشرع .وبالنظر في هذا كله فنه يمكطن الانتهاء الى بيان حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب على النحو الاتي :

الفرع الاول :حكم استخدام البصمة الوراثية في نفي النسب :
النسب الثابت باحدى الطرق الشرعية المعتبرة وهي :الفراش ،او الاقرار او البينة او القافة ،لا يجوز نفيه وابطاله مهما ظهر من أمارات قد تحمل عليه ،او قرائن قد تدل عليه ،لان الشارع يحتاط للانساب ،ويتشوف الى ثبوتها ،ويكتفي في اثباتها بأدنى سبب ،فاذا ما ثبت النسب فانه يشدد في نفيه ،ولا يحكم به الا بأقوى الادلة .قال ابن قدامة :(فان النسب يحتاط لاثباته ،ويثبت بأدنى دليل ،وبلزم من ذلك التشديد في نفيه .وانه لا ينتفى الا بأقوى دليل )وقال العلامة ابن القيم :(وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب ،فانما اذا لم يقاومه سبب اقوى منه ،ولهذا لا يعتبر مع الفراش ،بل يحكم للولد للفراش ،وان كان الشبه لغير صاحبه ،كما حكم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد بن زمعة بالولد المتنازع فيه لصاحب الفراش ولم يعتبر الشبه المخالف له فأعمل صلى الله عليه وسلم السبه في حجب سودة حيث انتفى المانع من اعماله في هذا الحكم بالنسبة اليها ولم يعمله في النسب لوجود الفراش )

ومن تشديد الشارع في نفي النسب بعد ثبوته انه حصر نفيه بطريق واحد وهو اللعان ،واشترط لاقامته شروطا كثيرة تحد من حصوله -وقد سبق بيانها -وبناء على ذلك فانه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية في نفي نسب ثابت ،كما لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان في نفي النسب بقتضى نتائجها الدالة على اتفاء النسب بين الزوج والمولود على فراشه ،وذلك لان اللعان حكم شرعي ثابت بالكتاب والسنة والاجماع وله صفة تعبدية في اقامته ،فلا يجوز الغائه ،واحلال غيره محله ،او قياس اي وسيلة عليه مهما بلغت من الدقة والصحة في نظر المختصين بها .

وان كان بعض الفقهاء المعاصرين قد ذهبوا الى جواز الاخذ بالبصمة الوراثية والاكتفاء بها عن اللعان اذا دلت نتائجها على انتفاء النسب بين الزوج والمولودعلى فراشه ،معللين لذلك :بأن الزوج انما يلجأالى اللعان لنفي النسب عند فقد من يشهد له بما رمى به زوجته ،وحيث ان الفحص من خلال البصمة الوراثية قد يدل على صحة قول الزوج ،فانها تكون بمثابة الشهود التي تدل على صدق الزوج فيما يدعيه على زوجته في حال ثبوت انتفاء النسب بين الزوج والمولود على فراشه من خلال نتائج البصمة الوراثية .

ومع تقديري للقائلين بهذا القول من الفقهاء فان فيه من المصادمة للنصوص الشرعية ،والجرأة على ابطالها ،والغاء العمل بها ما يحمل على رد هذا القول وعدم اعتباره وذلك لان الاحكام الشرعية الثابتة لايجوز الغائها ،وابطال العمل بها الا بنص شرعي يدل على نسخها ،وهو امر مستحيل ،ولانه لو اقرت الزوجة بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فان النسب يلحق الزوج لقوله صلى اله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر )ولا ينتفي عنه الا باللعان ،ولان اللعا يشرع لدرأ الحد عن الزوج ،وان لم يكن هنال ولد يراد نفيه ،او قد تكون الزوجة حاملا ،ويعلم الزوج ان الحمل منه ،لكنها زنت بعد الحمل ،فيريد ان يدرأ الحد عن نفسه باللعان ،فلا يجوز منعه من هذا الحق الثابت له شرعا ،فكيف يجوز الغاء حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة ،والله عز وجل يقول (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ).

وقد جاء في مشروع توصية المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي في دورته الخامسة :(انه لا يجوز استعمال البصمة الوراثية في نفي النسب استقلالا ،اكتفاء باللعان ،ولا استعمالها في نفي نسب من ثبت نسبه بأي دليل شرعي )

وقال الشيخ محمد الاشقر :(انه لن يكون مقبولا شرعا استخدام الهندسة الوراثية ،والبصمة الوراثية لابطال الابوة التي ثبتت بطريق شرعي صحيح من الطرق التي تقدم بيانها ،ولكن مجال العمل بالبصمة الوراثية سيكون في اثبات او نفي ابوة لم تثبت بطريق شرعي صحيح ....)
هذا ومع انه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان ،فانه يحسن الاستعانة بها على اعتبار
انها قرينة قد تحمل الزوج على العدول عن اللعان فيما اذا ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية ان المولود على فراشه هو ابنه قد تخلق من مائه ،وهذه مصلحة شرعية يدعو اليها الشرع المطهر ويتشوف اليها لما فيها من تأكيد للاصل الشرعي وهو (ان افلولد للفراش )ولما فيها من درأ مفسدة اللعان وضرره ،فان أصر الزوج على طلب اللعان للانتفاء من نسب المولود على فراشه فذلك حق له لا يجوز منعه منه بناء على ماظهر من نتائج البصمة الوراثية من كون المولود المراد نفيه هو ابنه .

ولو ان اللعان تم بين الزوجين ،وانتفى الزوج من الولد ،ثم اكذب نفسه ،وعاد واستلحق الولد بنسبه ،فانه يلحق به سواء أكان استلحاقه بسبب ما ظهر من نتائج البصمة الوراثية قبل اللعان او حتى بعده ،والتي تدل على انه ولده ،او لم يكن استلحاقه بعد اللعان بسبب ،لان الفقها اجمعوا على ان الملاعن اذا اكذب نفسه ،واستلحق الولد بعد نفيه فانه يقبل منه ويلحقه نسبه ،لتشوف الشارع الى ذلك ،لكن يقام عليه حد القذف ان كانت الزوجة محصنة ،ويعزر ان لم تكن محصنة )
واما اذا تبين من خلال البصمة الوراثية صحة ما يدعيه الزوج من كون المولود على فراشه ليس ابنه ،فذلك قرينة تقوي جانب الزوج ،وتؤكد حقه في اللعن .

فالخلاصة انه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان على اعتبار ان نتائجها عند ذوي الاختصاص بها قطعية او قريبة من القطعية ،وذلك لان الحكم الشرعي لا يجوز ابطاله وترك العمل به الا بدليل نصي ،وهو غير ممكن ،غير ان الحاكم الشرعي يجدر به ان يستفيد من هذه التقنية الحديثة المتطورة واجراء الفحوصات المخبرية للبصمة الوراثية للاستعانة بها كقرينة من القرائن التي يستعان بها على التحقق من صحة دعوى الزوج او عدمها ،بغرض الحيلولة دون وقوع اللعان قدر المستطاع لحض الشارع على درء ذلك ومنعه ،وتشوفه لاتصال الانساب وبقاء الحياة الزوجية .والعلم عند الله تعالى .
* * *
الفرع الثاني
حكم استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب
نظرا لتشوف الشارع الى ثبوت النسب ،والحاقه بأدنى سبب ،فان الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال الثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم يثبوت النسب بناء على قول القافة ،امر ظاهر الصحة والجواز ،وذلك لانه اذا جاز الحكم بثبوت النسب بناء على قول القافة ،لاستنادها على علامات ظاهرة ،أوخفية مبنية على الفراسة والمعرفة والخبرة في ادراك الشبه الحاصل بين الاباء والابناء ،فان الاخذ بنتائج الفحصبالبصمة الوراثية ،والحكم بثبوت النسب بناء على قول خبراء البصمة الوراثية اقل احواله ان يكون مساويا للحكم بقول القافة ان لم تكن البصمة اولى بالاخذ بها ،والحكم بمقتضى نتائجها من باب قياس الاولى ،لان البصمة الوراثية يعتمد فيها على أدلة خفية محسوسة من خلال الفحوصات المخبرية ،التي علم بالتجارب العلمية صحة نتائجها الدالة على وجود الشبه والعلاقة النّسبيةبين اثنين او نفيه عنهما كما قال الاطباء المختصين (أن كل ما يمكن ان تفعله القافة يمكن للبصمة الوراثية أن تقوم به ،وبدقة متناهية ).

وقد نص الفقهاء على ترجيح قول القائف المستند في قوله الى شبه خفي على قول القائف المستند في قوله الى شبه ظاهر ،معللين لذلك :بأن الذي يستند في قوله الى شبه خفي معه زيادة علم تدل على حذقه وبصيرته .

ومما لا شك فيه ان البصمة الوراثية فيها من زيادة العلم والحذق واكتشافات الموروثات الجينية الدالة على العلاقة النّسبية مالايجد مثله في القافة ،ومع ذلك فان (القياس وأصول الشريعة تشهد للقافة ،لان القول بها حكم يستند الى درك امور خفية وظاهرة توجب للنفس سكوناً ،فوجب اعتباره كنقد الناقد وتقويم الموقم )وولان قول القائف (كحكم بظن غالب ،ورأي راجح مكمن هو من اهل الخبرة فجاز كقول المقومين )فكذلك الحال بالنسبة للبصمة الوراثية لما فيها من زيادة العلم ،والمعرفة الحسية بوجود الشبه ،والعلاقة النّسبية مالا يوجد مثله في القافة ،مما يحمل على الحكم بمشروعية الاخذ بها في مجال اثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بناء على قول القافة ،قياسا عليها ،ولان الاصل في الاشياء -غير العبادات -الاذن والاباحة ،وأخذاً من أدلة الشرع العامة ،وقواعده الكلية في تحقيق المصالح ،ودرء المفاسد ،لما في الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب من تحقيقٍ لمصالح ظاهرة ،ودرء لماسد كثيرة .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله :(واصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب والشارع متشوف الى اتصال الانساب ،وعدم انقطاعها،ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الاسباب من شهادة المرأة الواحدة على الولادة والدعوى المجردة مع الامكان ،وظاهر الفراش ،فلا يسبعد ان يكون السبه الخالي عن سبب مقام له كافيا في ثبوته ....) وقال ايضا :(بل الشبه نفسه بيّنة من أقوى البينات ،فانها اسم لما يبين الحق ويظهره ،وظهور الحق هاهنا بالشبه أقوى من ظهوره بشهادة من عيه الهم والغلط والكذب ،وأقوى بكثير من فراش يقطع بعدم اجتماع الزوجين فيه )

وقال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله :(ان الاساس في هذا كله مراعاة الشبه الذي يراه المختصون ،فاذا كان ولد تنازعت فيه امرأتان او تنازع فيه ابوان او ثلاثة ،او أمان ،او اكثر فهذا محل البحث ...فيمكن للثقات الذين يعرفون الشبه سواء بالبصمة او غيرها ان يشهدوا ان هذا ولد فلانة ،وهذا ولد فلانة عند الاشتباه )

فالبصمة الوراثية ،والاستدلال بها على ثبوت النسب يمكن ان يقال :بأنها نوع من علم القيافة ،وقد تميزت بالبحث عن خفايا وأسرار النمط الوراثي للحامض النووي بدقة كبيرة ،وعمق ومهارة علمية بالغة ،مما يجعلها تأخذ حكم القيافة مع وجوب توفر الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء في ىالقافة عند ارادة الحكم باثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية .

وجاء في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه :(البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية ،والتحقق من الشخصية ،ولاسما في مجال الطب الشرعي ،وهي ترقى الى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ،وتمثل تطورا عصريا عظبما في مجال القيافة الذي يذهب اليها جمهور الفقهاء في اثبات النسب المتنازع فيه ،ولذلك ترى الندوة ان يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب اولى )

وبناء على ذلك فانه يمكن الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب في الحالات التالية :
1- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ،سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الادلة او تساويها ،او كان بسبب اشتراك في وطء شيهة ونحوه .
2- حالات الاشتباه في المواليد في المسشفيات ومراكز رعاية المواليد والاطفال ونحوها ،وكذا الاشتباه في اطفال الانابيب.
3- حالات ضياع الاطفال وختلاطهم ،بسبب الحوادث والكوارث ،وتعذر معرفة اهليهم ،وكذا عند وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها بسبب الحروب او غيرها .
* * *

شروط خبير البصمة الوراثية
اشترط الفقهاء في القائف شروطا لابد من تحققها كي يقبل قوله ،ويحكم بثبوت النسب بناء عليه ،وذلك لان قول القائف اما خبر ،او شهاده وكلاهما لابد فيه من الاهلية لذلك ،حتى يقبل قوله ،ويحكم يثبوت النسب بناء عليه ،وخبير البصمة الوراثية كالقائف فيما يشترط فيه من الشروط ،ومجمل ما ذكره الفقهاء من شروط في القائف ان يكون :1- مسلما 2-عدلا 3- ذكرا 4- حرا 5-مكلفا 6- سميعا 7-بصيرا 8- ناطقا 9- معرافا بالقيافة مجربا في الاصابة 10- ان لا يجر لنفسه بذلك نفعا او يدفع ضررا فلا بقبل قوله لاصوله وفروعه ،ولا يقبل على من بينه وبينه عداوة ،لئلا يحمله الهوى نحو ايٍ منهما فيجر له نفعا ،او يوقع به ضررا .11- ان يشهد باثبات النسب قائفان فأكثر 12-ان يكون من بني مدلج .

فهذه مجمل ما اشترط الفقهاء من شروط في القائف كي يقبل قوله ،ويحكم بثبوت انسب بناء عليه ،على خلاف بينهم في كثير من هذه الشروط ،ولست هنا بصدد مناقشة كل شرط ،وبيان ماأراه راجحا ،اذ ان الخلاف في مثل هذا بحمد الله امر سهل ،والمرجع في رفعه الى الحاكم الشرعي عند الحكم ،لان حكم الحاكم يرفع الخلاف ،والحاكم قد يرى الاخذ ببعض هذه الشروط ،او لا يرى الاخذ بها في قضية من القضايا حسب ما يحف بالقضية او الحال من قرائن ،غير اني اود هنا ان ابدي رأيي في بغض هذه الشروط لما أرى من فرق بين القائف ،وخبير البصمة الوراثية نحو اعتبار هذه الشروط فيه ام لا ،ومن هذه الشروط ما يأتي :
1- اشتراط الاسلام :
وهذا الشرط انما يكون في حالة اثبات النسب لمسلم ،اما في حالة اثبات النيب لكافر ،فان قول الكافر يقبل فيحق كافر اخر عند بعض اهل العلم كما في الشهادة .
2- اشتراط الحرية :
وهذا الشرط مع ضعف القول به في حق القائف ،فانه لايحتاج الى اشتراطه في خبير البصمة الوراثية ايضا ،لا سيما وانه لا يوجد رق في هذا الزمان .
3- اشتراط كون القائق من بني مدلج :
وقد قال باشتراط هذا الشرط بعض الشافعية ،وهو قول ضعيف لمخالفة ما ثبت عن الصحابة من انهم استقافوا من غير بني مدلج ،وذا فانه لا يلتفت لهذا الشرط ، في خبير البصمة الوراثية ،لانه لا اثر للوراثة في البصمة ،بخلاف القيافة ،فضلا عن ضعف القول به في القيافة .
4- اشتراط العدد :
ذهب بعض الفقهاء الى اشتراط العدد في القيافة ،بمعنى انه لابد ان يتفق قائفان فأكثر على الحاق االمدعى نسبه بأحد المتداعيين ،بينما ذهب آخرون الى جواز الاكتفاء بقول قائف واحد ،وهو الراجح من حيث الدليل .

والخلاف هنا ينسحب تبعا الى البصمة الوراثية ،ولذا ذهب بعض الفقهاء المعاصرين الى اشتراط التعدد في خبراء البصمة الوراثية احتياطا للنسب ،بينما ذهب اخرون الى الاكتفاء بقول خبير واحد .

والذي أراه أن الامر راجع الى الحاكم الشرعي ،فعليه ان يجتهد في اختيار ما يراه راجحا -كسائر المسائل الخلافية -ومحققا للمصلحة ،لانه قد يرى من قرائن الاحوال في قضية من القضايا من صدق وأمانة وكفاءة عالية وخبرة ودقة متناهية في خبير لبصمة الوراثية ما يحمله على الاكتفاء بقوله ،بينما قد يظهر له في قضية اخرى من الشكوك ما يدعوه الى التثبت والاحتياط ،فيحتاج الى قول خبير آخر .

5- اشتراط المعرفة والاصابة بالتجربة :
اشترط الفقها في القائف ان يكون معرفا بالقيافة ،مشهورا بالاصابة ،فان لم تعرف اصابته فانه يجرب في حال الحاجة اليه ،وقد ذكروا عدة طرق لتجربته واختبار اصابته .
ونظير ذلك في خبراء البصمة الوراثية :ان يعطى الخبير عينات من خلايا وأبناء قد علم صحة نسبهم ،وعينات من خلايا اشخاص ليس بينهم نسب ،فان الحق الخبير بالبصمة كلا بابيه ،ونفى النسب عمن لا نسب بينهم ،علم بذلك خبرته واصايته ،وبالتالي امكن قبول قوله .
* * *

ضابط تحليل البصمة الوراثية
ضوابط اجراء تحليل البصمة الوراثية
من اجل ضمان صحة نتائج البصمة الوراثية ،فقد ذكر بعض الفقهاء والاطباء المختصين باليصمة الوراثية ضوايط لابد من تحققها كي يمكن الاخذ بنتائج البصمة الوراثية وهذه الضوابط تتعلق بخبراء البصمة الوراثية ،وبطريقة اجراء التحاليل ،والمختبرات والمعامل الخاصة بالبصمة الوراثية واهم هذه الضابط مايأتي :
1-ان تكون مختبرات الفحص للبصمة الوراثية تابعة للدولة ،او تشرف عليها اشافا مباشرا ،مع توفر جميع الضوابط العلمية والمعملية المعتبرة محليا وعالميا في هذا المجال .
2-ان يكون جميع القائمين على العمل في المختبرات الخاصة بتحليل البصمة الوراثية سواء كانوا من خبراء البصمة الوراثية ،او من المساندين لهم في اعمالهم المخبرية ممن تتوفر فيهم اهلية قبول الشهادة كما في القائف ،اضافة الى معرفته وخبرته في مجال تخصصه الدقيق في المختبر .
3- توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية بدءا من نقل العينات الى ظهور النتائج النهائية ،حرصا على سلامة تلك العينات ،وضمانا لصحة نتائجها ،مع حفظ هذه الوثائق للرجوع اليها عند الحاجة .
4-عمل التاليل الخاصة بالبصمة الوراثية بطرق متعددة ،وبعدد اكبر من الاحماض الامينية ،ضمانا لصحة النتائج قدر الامكان .
فاذا توفرت هذه الشروط والضوابط في خبراء البصمة الوراثية وفي المعامل ومختبرات تحاليل اليصمة ،فانه لا مجال للتردد فيما يظهر في مشروعية العمل بالبصمة الوراثية واعتبارها طريقا من الطرق المعتبرة لاثبات النسب كالقيافة ان لم تكن اولى ،كما تقدم بيانه .والعلم عند الله تعالى .

مسائل لا يجوز اثبات النسب فيها بالبصمة الوراثية:
نص بعض الفقهاء على مسائل لامجال للقيافة في اثبات النسب بها ،ومن هذه المسائل ما يأتي :
الاولى :اذا اقر رجل بنسب مجهول النسب ،وتوفرت شروط الاقرار بالنسب فانه يلتحق به ،للاجماع عل ى ثبوت النسب بالاستلحاق مع الامكان ،فلا يجوز عندئذ عرضه على القافة لعدم النازع ،فكذا البصمة الوراثية كالقيافة في الحكم هنا .
الثانية :اقرار بعض الاخوة بأخوة النسب لا يكون حجة على باقي الاخوة ،ولا يثبت به نسب ،وانما تقتصر آثاره على المقر في خصوص نصيبه من الميراث ،ولا يعتد بالبصمة الوراثية هنا ،لاته لا مجال للقيافة فيها .
الثالثة :اذا ألحق مجهول النسب بأحد الدعيين بناء على قول القافة ،ثم اقام الاخر بينة على انه ولده ،فاته يحكم له به ويسقط قول القافة ،لانه بدل عن البينة ،فيسقط بوجودها ،لانها الاصل كالتيمم مع الماء فكذلك البصمة الوراثية في الحكم هنا .
تنبيه على مسائل هامة :
وأود هنا ذكر عدد من المسائل المتعلقة بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب ،لا يوجب بطلان العمل بالقيافة ،لانها طريق شرعي لاثبات النسب عند التنازع ،ثابت بالنص ،فلا يجوز الغاؤه وابطاله بأي حال من الاحوال ،لكن يظل الطريقان -اعني القيافة والبصمة -محلا للعمل بهما في مجال اثبات النسب في الاحوال المنصوص عليها ،اما القيافة فالبنص ،واما البصمة فبقياس الاولى على القيافة .

وأرى ان الحاكم الشرعي يحكم بأي الطريقين ترجح عنده أنه الحق ،وأن المصلحة تتحقق بالأخذ به حب مايظهر له من قرائن واحوال ،فقد يترجح لديه في بعض القضايا والحالات الاخذ بأحد الطريقين دون الاخر ،او العكس ،اما لتيسره وامكانيته ،واما لزيد حذق واتقان فيه دون الاخر .

الثانية :لو تعارض قول القافة ،وخبراء البصمة الوراثية في حالة عرض مجهول النسب عليهما فأيهما أولى بالاخذ به ؟

ارى ان الامر في هذه الحالة راجع الى اجتهاد الحاكم الشرعي ،فيأخذ بما يرى أنه أولى بالاخذ به ،والحكم بمقتضاه حسب ما يظهر له من قرائن واحوال تستدعي ترجيح احد القولين على الاخر .

الثالثة :اذا اختلفت اقوال خبراء البصمة الوراثية في الحاق مجهول النسب بين المتنازعين له ،في حالة عرضه على أكثر من خبير ،فالحكم في هذه الحالة كاحكم في اختلاف القافة على ما سبق بيانه.

الرابعة :اذا الحق مجهول النسب بأحد المتنازعين بناء على قول خبير البصمة الوراثية ،وحكم بثبوت ذلك حاكم ،ثم الحقه خبير آخر بشخص اخر ،فانه لا يلتفت الى قول المتأخر منهما ،لان حكم الحاكم يرفع الخلاف .

ومثل هذا ايضا ،لو رجع خبير البصمة الوراثية ،او خبراء البصمة الوراثية عن قولهم بالحاق نسب المجهول بأحد المتنازعين بعد حكم الحاكم بثبوته والحقوه بغيره ،فانه لا يلتفت الى رجوعهم ،لثبوت نسب المجهول بمن الحق به اولا ،لحكم الحاكم به ،كالقافة في هذا .

الخامسة :اذا لم يؤخذ بقول خبراء البصمة الوراثية لاختلاف اقوالهم ،او لاشكال الامر عليهم ،وعدم تمكنهم من الحاق مجهول النسب بأحد المدعين نسبه او لم يوجد خبراء البصمة الوراثية ،ولم توجد قافة ايضا فان نسبه يضيع .

فالحكم في هذه المسائل الثلاثة الاخيرة كالحكم في القيافة على ما سبق بيانه .

السادسة اذا تعارضت اقوال خبراء البصمة الوراثية ،ولم يمكن ترجيح قول بعضها على بعض بكثرة عدد ونحو ذلك ،فأنه يصار الى القرعة عند من يقول بالحكم بها في اثبات النسب من اهل العلم ،فمن خرجت له القرعة من المتداعين ألحق به النسب ،حفاظا على النسب من الضياع ،وقطعا للخصومة والنزاع كما سبق بيانه .

شبهة والاجابة عنها
ربما اعترض معترض على مشروعية الاخذ بالبصمة الوراثية في مجال اثبات النسب بأن نتائج البصمة قد لاتكون دقيقة ،لما قد يحصل أثناء اجراءات الفحص من أخطاء بشرية ،ومعملية ،كاختلاط العينات المأخوذة من شخص بعينات لشخص آخر ،أو بسبب خطأ خبير البصمة الوراثية أو غيره من العاملين في مختبرات الفحص الوراثي في اي اجراء من الاجراءات ،أو بسبب عدم العناية التامة بتعقيم ونظافة آلات الفحص ،وغير ذلك من أخطاء بشرية ومعملية ،قد تؤثر على نتيجة البصمة ،وقد أكد حصول ذلك بعض الاطباء المختصين بقوله :(فان هناك كثيرا من الاخطاء المعملية ،سواء كانت في الاضافات ،أو في طريقة الفحص ،أو في طريقة العمل أو في الشخص نفسه ،أو في السلوكيات التي يسلكها الباحث ،أو مساعد الباحث ،فهناك محاذير يجب أن تؤخذ في الاعتبار ...) وقال آخر :(ولو حصل نقطة صغيرة ولو غبار في المعمل أتى على هذا الدم لخبط التيجة كلها ،ولذلك فان مكمن خطورة البصمة في دقتها ،فأي تلوث بسيط يعطي نتيجة معاكسة )
فهذه الاحتمالات الواردة وأمثالها تستوجب تطرق الشك الى نتائج الفحص الوراثي ،وبالتالي فان ذلك قد يجعل الحكم بمسرعية الاخذ بلبصمة الوراثية محل نظر ،درءاًلهذه الاخطاء ،والمخاطر النجمة عنها ،اذ من الممكن أن يحصل بسبب ذلك قلي للحقائق ،فيثبت النسب للاجنبي ،وينفى عن القريب .

فالجواب عن هذه الشبهة :أنه تلافيا لحصول هذه الاخطاء المحتملة فان مشوعية الاخذ بالبصمة الوراثية مقيد بالشروط والاحتياطات السابق ذكرها درءاًعن هذه الاخطاء المحتملة ،هذا من جهة .ومن جهة أخرى ،فانه ما من طريق من طرق اثبات النسب الا وهو مظنة لحصول الخطأ،لان الحكم بثبوت النسب في جميع الطرق المشروعة مبني على الظن الغالب ،واحتمال الخطأفب أي منهما وارد ،ومع ذلك فقد دلت الادلة الشرعية على اثبات النسب بالطرق المشرعة حتى مع وجود قرائن وعلامات قد تشكك في صحة تلك الطرق المشروعة في حالة من الحالات ،كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت :(اختصم سعد بن ابي وقاص ،وعبد بن زمعة في غلام ،فقال سعد :يارسول الله هذا ابن اخي عتبة بن ابي وقاص عهد الي انه ابنه ،انظر الى شبهه .وقال عبد بن زمعة :هذا اخي يارسول الله ،ولد على فراش ابي من وليدته ،فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى شبها بيّناً بعتبة ،فقال :هو لك ياعبد بن زمعة ،الولد للفراش وللعاهر الحجر ،واحتجبي منه ياسودة .فلم ير سودة قط )

فقد دل هذا الحديث بمنطوقه الصريح على اثبات النسب بالفراش مع وجود ما يخالف ذلك ،وهو شيه الغلام بغير صاحب الفراش لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتد بذلك ،بل اثبت النسب لصاحي الفراش اعمالا للاصل .

كما اشار القران الكريم الى ذلك في قوله عز وجل (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) فقد نسب الله عز وجل الاولاد للامهات للقطع بوالديتهن لهم ،بخلاف الاباء فقد عبر عنهم بقوله (المولود له )لان المولود له قد لا يكون هو الاب الحقيقي ،لكنه لما ولد على فراشه نسب اليه اعمالا للاصل ،واطراحا لما سواه .
وللعلامة ابن القيم كلام نفيس في ايضاح هذا المعنى والتأكيد عليه حيث يقول رحمه الله :(وجواز التخلف عن الدليل والعلامة الظاهرة في النادر لا يخرجه عن أن يكون دليلا عند عدم معارضة ما يقاومه.الا ترى أن الفراش دليل على النسب والولادة ،وأنه ابنه ،ويجوز،-بل يقع كثيرا -تخلف دلالته ،وتخلق الولد من غير ماء صاحب الفراش ،ولا يبطل ذلك كون الفراش دليلا ،وكذلك أمارات الخرص والقسمة والتقويم وغيرها قد تتخلف عنها أحكامها ومدلولاتها ،ولا يمنع ذلك اعتبارها ،وكذلك شهادة الشاهدين وغيرهما ،وكذلك الاقراء ،والقرء الواحد في الدلالة على براءة الرحم ،فانها دليل ظاهر مع جواز تخلف دلالته ،ووقوع ذلك ،وأمثال ذلك كثير ) .
* * *

الفرع الثالث
حكم استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة النسب الثابت
سبقت الاشارة الى ان النسب اذا ثبت باحدى الطرق الشرعية ،فنه لا يجوز نفيه البتة ،الا عن طريق اللعان للادلة الدالة على ذلك ،فقد دلت قواعد الشرع ايضا على أنه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب بعد ثبوته شرعا ،وذلك لاتفاق الشرائع السماوية على حفظ الضروريات للحياة الانسانية ،ومنها حفظ النسب والعرض ،ولما جاءت به هذه الشريعة الباركة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد ،وحيث ان محاولة التأكد من صحة الانساب الثابتة فيه قدح في أعراض الناس ،وأنسابهم ،وبؤدي الى مفاسد كثيرة ،ويلحق أنواعا من الاضرار النفسية والاجتماعية بالافراد والاسر والمجتمع ،وبفسد العلاقات الزوجية ،ويقوض بنيان الاسر ،ويزرع العداء ولبغضاء بين الاقارب والارحام ،لهذا كله فانه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها من الوسائل ،كما أنه لو تم اجراء الفحص بالبصمة الوراثية للتأكد من نسب شخص من الاشخاص ،وأظهرت النتائج خلاف المحكوم به شرعا من ثبوت النسب ،فانه لا يجوز الغاؤه وابطاله الا عن طريق واحد زهو اللعان -كما سبق بيانه -ويدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ،قال (جاء رجل من بني فزاره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :ولدت امرأتي غلاما اسود ،وهو حينئذ يعرض بنفيه ،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من الابل ؟قال نعم ،قال :فما ألونها ،قال :حمر ،قال :هل فيها من أورق ؟قال :ان فيها لورقا ،قال :فأنى أتاها ذلك ؟قال :عسى أن يكون نزعه عرق .قال فهذا عسى أن يكون نزعه عرق ولم يرخص له صلى الله عليه وسلم في الانتفاء منه ) فقد دل هذا الحديث انه لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته مهما ظهر من أمارات وعلامات قد تدل عليه .قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعليقا على هذا الحديث :(انما لم يعتبر الشبه ههنا لوجود الفراش الذي هو أقوى منه ،كما في حديث ابن أمة زمعة )فاذا كان لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته -بغير اللعان - فانه لا يجوز ايضا استخدام اي وسيلة قد تدل على انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه ،فما كان وسيلة اغلية محومة ،فان للوسيلة حكم الغاية ,

ونظرا لحرمة ذلك ،فانه يجب على الجهات المسؤولة في البلاد الاسلامية منع ذلك ،والحيلولة دون حصوله ،وايقاع العقوبات الرادعة على المخالفين حماية لانساب الناس وصيانة لاعراضهم ،ودرءا للمفاسد والاضرارعنهم .
* * *[/align]







التوقيع


يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون
آخر تعديل المحامي ناهل المصري يوم 29-03-2012 في 01:21 PM.
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2006, 05:54 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المحامي ناهل المصري
عضو أساسي ركن

الصورة الرمزية المحامي ناهل المصري

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي ناهل المصري غير متواجد حالياً


افتراضي تابع

تتمة

اقتباس:
البحث الثالث :حكم استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي



اقتباس:
المبحث الثالث :حكم استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي
حيث ان البصمة الوراثية تدل على هوية كل انسان بعينه ،وأنها أفضل وسيلة علمية للتحقق من الشخصية ،ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عن غيره ،عن طريق الاخذ من أي خلية من خلايا جسم الانسان :من الدم ،أو اللعاب ،أو المني ،أو البول ،أو غير ذلك والاستدلال من خلال نتيجة البصمة الوراثية على مرتكبي الجرائم ،ومعرفة الجناة عند الاشتباه ،سواء كانت جريمة زنا ،أو قتل ،أو اعتداء على ما دون النفس ،أو سرقة ،أو حرابة ،أو قضية اختطاف ،أو انتحال لشخصيات الاخرين ،أو غير ذلك من أنواع الجرائم والجنايات على النفس او العرض او المال .فانه -كما يرى المختصون - يمكن الاستدلال عن طريق البصمة الوراثية على مرتكب الجريمة ،والتعرف على الجاني الحقيقي من بين المتهمين من خلال أخذ ما يسقط من جسم الجاني في محل الجريمة وما حوله ،واجراء تحاليل البصمة الوراثية على تلك العينات المأخوذة ،ومن ثم مطابقتها على البصمات الوراثية للمتهمين بعد اجراء الفحوصات المخبرية على بصماتهم الوراثية .

فعند تطابق نتيجة البصمة الوراثية للعينة المأخوذة من محل الجريمة ،مع نتيجة البصمة الوراثية لاحد المتهمين ،فانه يكاد يجزم بأنه مرتكب الجريمة دون غيره من المتهمين ،في حالة كون الجاني واحدا ، وقد يتعدد الجناة ويعرف ذلك من خلال تعدد العينات الموجودة في مسرح الجريمة ،ويتم التعرف عليهم من بين المتهمين من خلال مطابقة البصمات الوراثية مع بصمات العينات الموجودة في محل الجريمة .

ويرى المختصون ان التيجة في هذه الحالات قطعية أو شبه قطعية ،ولاسيما عند تكرار التجارب ،ودقة المعامل المخبرية ،ومهارة خبراء البصمة الوراثية ،فالنتائج مع توفر هذه الضمانات قد تكون قطعية أو شبه قطعية الدلالة على ان المتهم على ان المتهم كان موجودا في محل الجريمة .لكنها ظنية في كونه هو الفاعل حقيقة .

يقول أحد الاطباء :(لقد ثبت ان استعمال الاسلوب العلمي الحديث بأعداد كثيرة من الصفات الوراثية كدلالات للبصمة الوراثية يسهل اتخاذ القرار بالاثبات أو النفي للابوة والنسب والقرابة بالاضافة الى مختلف القضايا الجنائية ،مثل التعرف على وجود القاتل ،أو السارق ،أو الزاني من عقب السيجارة ،حيث ان اثر وجود اللعاب ،او وجود بقابا من بشرة الجاني ،أو شعرة من جسمه ،او مسحات من المني مأخوذة من جسد المرأة تشكل مادة خصبة لاكتشاف صاحب البصمة الوراثية من هذه الاجزاء .ونسب النجاح في الوصول الى القرار الصحيح مطمئنة،لانه في حالة الشك يتم زيادة عدد الاحماض الامينية ،ومن ثم زبادة عدد البصمات الوراثية )

وبناء على ما ذكر عن حقيقة البصمة الوراثية ،فان استخدامها في الوصول الى معرفة الجاني ،والاستدلال بها كقرينة من القرائن المعينة على اكتشاف المجرمين ،وايقاع العقوبات المشروعة عليهم في غير قضايا الحدود والقصاص ،أمر ظاهر الصحة والجواز ،لدلالة الادلة الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة على الاخذ بالقرائن ،والحكم بموجبها ومشرعية استعمال الوسائل المتنوعة لاستخراج الحق ومعرفته ،كما سيأتي تفصيل ذلك .

والقول بجواز الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في غير قضايا الحدود والقصاص هو ما ذهب اليه الفقهاء في المجامع والندوات العلمية الشرعية التي تم بحث هذه المسألة فيها ،ولم أقف على خلاف لاحد في حكم هذه المسألة ،حتى في البحوث المفردة لبض الفقهاء ،فقد جاء في مشروع قار المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي في دورته (15)المنعقدة في مكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 9/7/1419ه الموافق 31/10/1998م قد نظر في موضوع البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ....وبعد التدارس والمناقشة قرر المجلس ما يلي :
اولا :البصمة الوراثية بمثابة دليل يمكت الاعتماد عليها في المجالات الاتية :
1-في اثبات الجرائم التي لا يترتب عليها حد شرعي ....الخ
وجاء في توصية الندوة الفقهية حول الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه :(البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكا تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية ،والتحقق من الشخصية ،ولاسيما في مجال الطب السرعي ،وهي ترقى الى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ....)

وانما بمشروعية الاخذ بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي يستدل بها على المتهم في قضايا الجرائم المختلفة ،لكن لا يثبت بموجبها حد ولا قصاص لامرين :

اما الاول :فلان الحد والقصاص لا يثبت الا يشهادة أو اقرار ،دون غيرهما من وسائل الاثبات عند كثير من الفقهاء .

وأما الثاني :فلان الشارع يتشوف الى درء الحد والقصاص ،لأنهما يدرءان بأدنى شبهة أو احتمال .

والشبهة في البصمة الوراثية ظاهرة ،لانها انما تثبت بيقين هوية صاحب الاثر في محل الجريمة ،او ما حوله ،كنها مع ذلك تظل ظنية عند تعدد اصحاب البصمات على الشئ الواحد ،او وجود صاحب البصمة قدرا في مكان الجريمة قبل او بعد وقوعها ،او غير ذلك من اوجه الظن المحتملة .
مستند الحكم الشرعي للاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي :
والمستند الشرعي لجواز الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي أنها وسيلة لغاية مشروعة ،وللوسائل حكم الغايات ،ولمت في الاخذ بها في هذا المجال من تحقيق لمصالح كثيرة ،ودرء لمفاسد ظاهرة،ومبنى الشريعة كلها على قاعدة الشرع الكبرى ،وهي (جلب المصالح ودرء المفاسد )وأخذ بما ذهب اليه جمهور الفقهاء من مشروعية العمل بالقرائن ،والحكم بمقتضاها ،والحاجة الى الاستعانة بها على اظهار الحق ،ةبيانه بأي وسيلة قد تدل عليه ،او قرينة قد تبينه ،استنادا للادلة الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على ذلك ،وعملا بما درج عليه الولاة والقصضاة متذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم ،ومن بعدهم في عصور الاسلام المختلفة الى يويومنا هذا من استظهار الحق بالقرائن ،والحكم بموجبها ،كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :(ولم يزل حذاق الحكمام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والامارات ،فاذا ظهرت لم يقدموا شهادة تخالفها ولا اقرارا ،وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم اذا ارتاب بالشهود فرقهم ،وسألهم كيف تحملوا الشهادة واين تحملوها ؟وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ،وكذلك اذا ارتاب بالدعوى سأل عن سبب الحق وأين كان ونظر في الحال هل يقتضي صحة ذلك ؟وكذلك اذا ارتاب بمن القول قوله ،والمدعى عليه ،وجب عليه ان يستكشف الحال ،ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال ،وقل حاكم أو وال اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة الا وعرف المحق من المبطل ،وأوصل الحقوق الى أهلها ...)

وقال ابن العربي :(على الناظر أن يلحظ الامارات والعلامات اذا تعارضت ،فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ،وهو قوة التهمة ،ولا خلاف في الحكم بها وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الاربعة وبعضها قال بها المالكية خاصة )

وقد كان القضاة قديما يستعينون بالقافة لمعرفة آثار أقدام المجرمين ،ثم مع التقدم العلمي اصبح الاخذ ببصمات الاصابع قرينة من اشهر القرائن في التعرف على الجناة ،واكتشاف المجرمين ،وأضحى العمل بها شائعا في بلاد الاسلام وغيرها .

ولعله يحسن ان أسوق بعض الادلة من الكتاب والسنة وغيرها في الدلالة على مشروعية العمل بالقرائن ،والحكم بمقتضاها ،فمن ذلك :
اولا من الكتاب :
قوله عز وجل (وشهد شاهد من أهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ،وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ،فلما رأى قميصه قد من دبر قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم )
فاعتبر موضع قد القميص دليلا على صدق أحدهما ،وقد ذكر الله هذه القصة مقررا لها .
ثانيا :من السنة :
وقد ورد في ذلك احاديث كثيرة منها :
عن ابن عمر رضي الله عنهما :(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى الجأهم الى قصرهم ،فغلب على الزرع والارض والنخل ،فصالحوه على أن يجعلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ،ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء وشرط عليهم أن لا يمكتموا ولا يغيبوا شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ،فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن اخطب ،وكان احتمله معه الى خيبر حين أجليت بنو النضير ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟قال أذهبته النفقات والحروب ،قال :العهد قريب والمال اكثر من ذلك ،فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الزبير ،فمسه بعذاب ،فقال :قد رأيت حييا يطوف في خربة ها هنا ،فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة )
فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم قرينة كثرة المال ،وقصر المدة دليلا على كذبه في دعواه نفاد المال ،فعزره بناء على هذه القرينة ،فدل على اعتبار القرائن في اثبات الحقوق اذ لو لم تكن دليلا شرعيا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ،لانه ظلم ،وهو صلى الله عليه وسلم منزه عنه .
2- عن جابر رضي الله عنه اللع عنه قال :(اردت الخروج الى خيبر ،فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فسلمت عليه ،وقلت له :اني اردت الخروج الى خيبر ،فقال :(اذا اتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ،فاذا ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته )
فقد بين عليه الصلاة والسلام جواز الاعتماد على القرينة في الدفع للطالب ،واعتبارها دليلا على صدقه ،كشهادة الشهدود .
ثالثا :وردت اثار كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ولاة ووقضاة تدل على أخذهم بالقرائن وحكمهم بمقتضاها ،وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (الطرق الحكمية )وبن فرحون في (تبصرة الحكام )آثارا كثيرة عن عدد من الصحابة واتابعين :كعمر ،وعلي وكعب بن سور ،وشريح ،واياس ،وغيرهم من مشاهير الولاة والقضاة .
رابعا :أن الاعتماد على القرينة في الحكم امر متقرر في الشرائع السابقة ،يدل على ذلك ما روى ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :_بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب ،فذهب بابن احداهما ،فقالت هذه لصاحبتها :انما ذهب بابنك انت وقالت الاخرى :انما ذهب بابنك ،فتحاكما الى داود ،فقضى به للكبرى ،فخرجتا على سليمان بن داود ،فأخبرتاه ،فقال :ائتوني بالسكين أشقه بينكما ،فقالت الصغرى :لا ،يرحمك الله هو ابنها ،فقضى به للصغرى ) فقد استدل سليمان عليه ا لسلام بعدم موافقة الصغرى على شقه على أنها أمه ،وأن اعترافها بالولد للكبرى راجع الى شدة شفقتها عليه ،فآثرت ان يحكم به لغيرها على أن يصبه سوء ،فحكم عليه السلام بالولد للصغرى بناء على هذه القرينة الظاهرة ،وقدم تلك القرينة على اقرارها ببنوته للكبرى لعلمه أنه اقرار غير صحيح ،فلو لم يكن الحكم بالقرائن مشروعا لما حكم سليمان بذلك .وشرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه .

فهذه بعض الادلة الدالة على جواز العمل بالقرائن وبناء الاحكمام عليها ،وان عدم الاخذ بالقر ائن جملة يؤدي الى اضاعة كثيير من الحقوق ،وبالاستقراء يعلم ان بعض القرائن لا تقل قوة في الدلالة على الحق عن الشهادة والاقرار ،ان لم تكن اقوى منها .

واذا كان العمل بالقرائن امر مشروعا ،كما تدل عليه تلك الادلة ،فان التوسع في ذلك والاعتماد على كل قرينة قد يؤدي الى مجانبة الصواب ،فيجب ألا يتعجل في الاخذ بالقرينة الا بعد امعن النظر وتقليبب الامر على مختلف الوجوه ،اذ قد تبدو القرائن قاطعة الدلالة لا يتطرق اليها احتمال ،فلا تلبث أن يتبن ضعفها ،ويتضح أنها بعيدة عما يراد الاستدلال بها عليه .

على ان الحتياط في الاخذ بالقرائن ليس معناه انها لا تعتبر الا اذا كانت دلالتها قطعية ،لان ذلك أمر يصعب تحققه ،فما من دليل الا ويتطرق اليه الاحتمال ،وانما مبنى الامر على الظن الغالب .

فان أقوى الادلة الشرعيه الاقرار والشهادة ،وقد دلت بعض الحوادث على أن بعضاًمن الاقرارات لا يكون مطابقا للواقع ؛لأنه صادر تحت تأثير الرغبة أو الرهبة ،أو عدم التصور الكامل للشئ المقر به .وان بعضا من الشهود قد يبدو صدقهم فيما شهدوا به لاتصافهم بالعدالة الظاهرة ،ثم تسفر القيقة عن خلاف ذلك ،فليس مايعتري القرينه من احتمال الضعف بأكثر ولابأقوى مما يعتري الشهادة أوالاقرار ،ومن يتتبع المأثور عن قضاة السلف في مختلف العصور، لا يساوره شك في أن الاخذ بالقرائن والعمل بمقتضاها في اثبات كثير من الحقوق أمر تدعو الية الشريعة ،ويتفق مع غرض الشارع من اقامة العدل بين ،وايصال الحقوق الى أربابها .

وقد اوضح العلامة ابن اقيم القول باعتبار القرائن وبناء الاحكمام عليها اتم ايضاح ،وأسهب في الاستدلال لذلك بكثير من الايات والاحاديث والاثار التي تدل على اعتبار القرائن دليلا من الادلة الشرعية ،ثم قال :(وبالجملة فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين او الاربعة او الشاهد لم يوف حقه .ولم تأت البينة في القران مرادا بها الشاهدان ،وانما اتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان ،مفردة ومجموعة .وكذلك قول النبي صلى الله عليهة وسلم (البينة على المدعي )المراد به :ان عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له ،والشاهدان من البينة ،ولا ريب ان غيرها من أنواع البينة ،والدلالة ، والحجة ،والبرهان ،والاية ،والتبصرة ،والعلامة ،والامارة متقاربة في المعنى .... فالشارع لم يلغ القرائن والامارات ودلائل الاحوال ،بل من استقرأ الشرع في مصادرة وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار ،مرتبا عليها الاحكام )

والواقع ان العمل بالقرائن امر لا محيد عنه ،وقل أن تجد عالما من العلماء استطاع أن يتجنب الاخذ بالقرائن كلية ،وحتى الذين صرحوا بعدم قبولها كدليل صالح لبناء الاحكام عليها عملوا بها في كثير من المواضع ،ومن يستقري كتب الفقه الاسلامي يجد مسائل لا حصر لها اعتمد الفقهاء فيها على قرائن الاحوال ،وهي قرينة ظاهرة .

فهذه امثلة على بعض المسائل المسائل التي حكم الفقهاء فيها بالقرائن المجردة عن أي دليل آخر ،اوردتها للدلالة على ما ذكر من أن جمهور الفقهاء قد ذهبوا الى القول بمشروعية الحكم بالقرائن .

ولعله بهذا يتجلى مشروعية الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في مختلف صوره وانواعه كقرينة من أقوى القرائن التي يستدل بها على معرفة الجناة ،ومرتكبي الجرائم ،لما ثبت بالتجارب العلمية المتكررة من ذوي الخبرة والاختصاص في أنحاء العالم من صحة نتائجها وثبوتها .مما يجعل القول بشروعية الاخذ بها ،والحكم بمقتضى نتائجها -في غير قضايا الحدود والقصاص عند توفر الشروط والضوابط السابقة الذكر ،امر في غاية الظهور والوجاهة .

غير انه يمكن القول الاخذ بالصمة الوراثية ايضا ى في قضايا الحدود والقصاص بناء على ما ذهب اليه بعض الفقهاء من اثبات بعض الحدود والقصاص بالقرائ والامارات الدالة على موجبها وان لم يثبت ذلك بالشهادة أو الاقرار ومن ذلك ما يأتي .

1- اثبات حد الزنا على المرأة الحامل اذا لم تكن ذات زوج ولا سيد .
2- اثبات حد الزنا على المرأة الملاعنة عند نكولها عن اللعان .
3 - اثبات حد الخمر على من وجد فيه رائحته ،او تقيأه أو في حالة سكره .
4- اثبات حد السرقة على من وجد عنده المسروق .
5- ثبوت القصاص على من وجد وحده قائما وفي يده سكين عند قتيل يتشحط في دمه .
فلو قيست البصمة الوراثية على هذه المسائل التي اثبت بعض العلماء فيها الحد والقصاص من غير شهود ولا اقرا ر وانما اخذا بالقرينة وحكما بها ،لم يكن الاخذ عندئذ بالبصمة الوراثية والحكم بمقتضاها في قضايا الحدود والقصاص بعيدا عن الحق ولا مجانبا للصواب فيما يظهر قياسا على تلك المسائل ،لا سيما اذا حف بالقضية او الحال من قرائن الاحوال ما يؤكد صحة النتائج قطعا لدى الحاكم ،كمعرفته بأمانة ومهرة خبراء البصمة ،ودقة المعامل المخبرية ،وتطورها ،وتكرار التجارب سيما في أكثر من مختبر ،وعلى أيدي خبراء آخرين يطمئن الحاكم الى أمانتهم ،وخبرتهم المميزة ،وغير ذلك من القرائن والاحوال التي تحمل الحاكم الشرعي الى الاطمئنان الى صحة النتائج ،وترجح ظهور الحق وبيانه عنده بالبصمة الوراثية ،اذ البينة ما اسفرت عن وجه الحق وأبانته بأي وسيلة .

قال العلامة ابن القيم :(فاذا ظهرت امارات العدل ،واسفر وجهه بأي طريق كان ،فثم شرع الله ودينه ،والله سبحانه أعلم واحكم ،وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشئ ،ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها ،ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ،بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق ان مقصوده اقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسطفأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له .

واذا صح قياس البصمة الوراثية على تلك المسائل ،وانسحب عليها الخلاف الحاصل ىفي تلك المسائل ،وسوغ للحاكم عندئذ ان يحكم بأي القولين ترجح عنده بحسب ما يحف بالقضية من قرائن قد تدعوه الى اثبات الحد او القصاص بها ،او ضعف القرائن ،وتطرق الشك اليه في قضية أخرى فيحمله ذلك على الاحتياط والاخذ بما ذهب البه الجمهور من عدم اثبات الحد والقصاص بثل هذه القرائن ، فحكم الحاكم بأي من القولين يرفع الخلاف الحاصل ،كما هو اجماع العلماء ،ولا لوم على القاضي في الحكم بأحد القولين اذا تحرى واجتهد في معرفة الحق ،ونظر في جميع القرائن والاحوال ،ثم حكم به بعد التأمل والنظر ،بل هذا هو الواجب والمتعين على الحاكم .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله :(والحاكم اذا لم يكن فقيه النفس في الامارات ،ودلائل الحال ،ومعرفة شواهده ،وفي القرائن الحالية والمقالية ،كفقهه في جزئيات وكليات الاحكام ،اضاع حقوقا كثيرة على لأصحابها ،وحكم بما يعلم الناس بطلانه ،ولا يشكون فيه اعتمادا منه على ظاهر لم يلتفت الى باطنه وقرائن احواله ،فها هنا نوعان من الفقه لابد للحاكم منهما :فقه في احكام الحوادث الكلية ،وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس ،يميز به بين الصادق والكاذب ،والمحق مكن المبطل ،ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ،ولا يجعل الواجب مخافا للواقع .

ثم ذكر رحمه الله جملة من الادلة الدالة على الاخذ بالقرائن والحكم بمقتضاها ومن ذلك قوله :( وقد حكم امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة معه برجم المرأة التي ظهر بها حمل ولا زوج لها ولا سيد .وذهب اليه مالك وأحمد في أصح الروايتين اعتمادا على القرينة الظاهره ،وحكم عمر وابن مسعود رضي ىالله عنهاولا يعرف لهما مخالف من الصحابة - بوجوب الحد يرائحة الخمر في فيّ الرجل ،او قيئه خمرا ،اعتمادا على القرينة الظاهرة . ولم يزل الائمة والخلفاء يحكمون بالقطع اذا وجد المال المسروق مع التهم ،وهذه القرينة اقوى من البينه والاقرار ،فانهما خبران يتطرق اليهما الصدق والكذب ،ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق اليه شبهة ،وهل يشك احد رأى قتيلا يتشحط في دمه ،وآخر قئم على رأسه بالسكين ،أنه قتله ،ولاسيما اذا عرف بعداوته .

ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل ان يحلف خمسين يميناً:ان ذلك الرجل قتله ،ثم قال مالك واحمد :يقتل به وقال الشافعي :يقضي عليه بديته ،وكذالك اذا رأينا رجلا مكشوف الرأس _وليس ذلك عاداته _وآخر هارب قدامه بيده عمامه وعلى رأسه عمامه ،حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعاً،ولانحكم بها لصاحب اليد التي قد قطعنا وجزمنا بأنه يد ظلمة غاصبة بالقرينه الظاهره التي هي اقوى بكثير من البينه والاعتراف ،وهل القضاء بالنكول الا رجوع الى مجرد القرينة الظاهرة التي عامنا بها ظاهراًأنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين ،فلما نكل عنها كان نكوله قرينه ظاهرة داله على صدق المدعي ،فَقُدمت على أصل برءة الذمة ،وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول ،والحس شاهد بذلك ،فكيف يسوغ تعطيل شهاداتها .. ) وانما اكثرت من نقل كلام ابن القيم رحمه الله لنفاسته،وقوة حجته ،وظهور استدلالاته .

الخاتمة
قال الشيخ رحمه الله :(توصلت بفضل الله وتوفيقه من خلال هذا البحث الى نتائج واحكام فقهية كثيرة من اهمها ما يأتي :
اولا :أن البصمة الوراثية هي البنية الجينية التفصيلية التي تدل عند ذوي الاختصاص على هوية كل فرد بعينه ،وهي من الناحية العلمية لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية ،والتحقق من الشخصية .
ثانيا :ان الطرق الشرعية لاثبات النسب خمسة ،اتفق العلماء على ثلاثة منها وهي :الفراش ،والبينة ،والاستلحاق .أما الطريق الرابع وهو القيافة فقال بها جمهور العلماء ما عدا الحنفية ،أما الطريق الخامس وهي القرعة فبها قال بعض العلماء من مختلف المذاهب حسما للنزاع عند تعدد المدعين للنسب .
ثالثا :أن الطريق الشرعي لنفي النسب هو اللعان فقط بشروطه المعتبرة .
رابعا :أنه لا يجوز نفي النسب الثابت شرعا عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها بأي وسيلة من الوسائل ،لكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي قد تؤيد الزوج في طلبه اللعان ،او قد تدل على خلاف قوله ،فربما كان مدعاة لعدوله عن اللعان .
خامسا : أن القول بجواز احلال البصمة الوراثية محل اللعان في نفي النسب قول باطل ومردود ،لما فيه من المصادمو للنصوص الشرعية الثابتة ،ومخالفة ما اجمعت عليه الامة .
سادسا :أن البصمة الوراثية تعتبر طريقا من طرق اثبات النسب الشرعي قياسا اوليا على القيافة ،فيؤخذ بها في جميع الحالات التي يجوز الحكم فيها بالقيافة ،بعد توفر الشروط والضوابط المعتبرة في خبير البصمة ،وفي معامل الفحص الوراثي .
سابعا :أنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية لغرض التأكد من صحة الانساب الثابتة ،لما قد يترتب عليه من سوء العشرة الزوجية ،وسوء العلاقات الاجتماعية ،وغير ذلك من مفاسد كثيرة .
ثامنا :أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في المجال الجنائي كقرينة من القرائن التي يستدل بها على معرفة الجناة وايقاع العقوبات المشروعة عليهم ،لكن في غير قضايا الحدود والقصاص .
تاسعا :؟أنه قد يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في قضايا الحدود والقصاص قياسا على ما ذهب اليه بعض العلماء من جواز اثبات ذلك بالقرائن الدالة عليها عندما يحف بالقضية ما يجعل القرينة شبه دليل ثابت لدى الحاكم الشرعي .
عاشرا :يجب على الدول الاسلامية منع استخدام البصمة الوراثية الا بطلب من الجهات القضائية لاغراض مشروعة ،ومنع ما عدا ذلك وايقاع العقوبات الرادعة على المخالفين ،حماية لاغراض الناس وانسابهم ودرءا للمفاسد الترتبة على ذلك .
وبهذا انتهى ما قصدت جمعه ،وما أردت بيانه من حكم هذه النازلة الهامة ،فما كان فيه من حق وصواب فذلك من فضل الله وتوفيقه ،وكان سوى ذلك فمني ،وأستغفر الله وأتوب اليه من زلة قلم او نبو فهم ،وحسبي أني لم أدخر وسعا في الوصول الى الحق وبيانه ،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .
* * *[/align]

اقتباس:
[align=justify] ملحق

اقتباس:
قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي بشأن البصمة الوراثية وجالات الاستفادة منها
اصدر مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة قرارا بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منةها فرأيت الحاقه بهذا البحث اتماما للفائدة ،ونص القرار :
القرار السابع
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده اما بعد :
فان مجلس المجمع الفقهي الاسلامي في دورتة السادسة عشرة المنعقدة بمكه المكرمة في المدة من 21-26/10/1422ه الذي يوافقه من 5-10/1/2002م ،وبعد النظر الى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورتة الخامسة عشرة ،ونصه (البصمة الوراثية هي البنية الجينية (نسبة الى الجينات ،أي المورثات )التي تدل على هوية كل انسان بعينه ،وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ،ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية )من الدم ،أو اللعاب ،او المني ،أو البول ،او غيره )
وبعد الاطلاع على مااشتمل عليه تقرير اللجنة التي كافها المجمع في الدورة الخامسة عشرة باعداده من خلال اجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية ،والاطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والاطباء والخبراء ،والاستماع الى المناقشات التي دارت حوله ،تبين من ذلك كله ان البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في اثبات نسبة الاولاد الى الوالدين او نفيهم عنهما ،وفي اسناد العينة (من الدم او المني او اللعاب )التي توجد في مسرح الحادث الىصاحبها ،فهي اقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي اثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الاصل والفرع ) وان الخطأ البصمة لوراثية ليس واردا من حيث هي ،وانما الخطأفي الجهد البشري او عوامل التلوث ونحو ذلك ،وبناء على ما سبق قرر ما يأتي :
اولا :
لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة اثبات في الجرائم التي ليس فيها حد ولا قصاص لخبر ة(ادرؤوا الحدود بالشبهات )وذلك يحقق العدالة والامن للمجتمع ،ويؤدي الى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم ،وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة .
ثانيا :ان استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد ان يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ،ولذلك لابد ان تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
ثالثا :لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ،ولا يجوز تقديمها على اللعان .
رابعا :لا يجوز استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة الانساب الثابتة شرعا ،ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة ،لان في ذلك المنع حماية لاعراض الناس وصونا لانسابهم .
خامسا : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال اثبات النسب في الحالات الاتية :
أ- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ،سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الادلة او تساويها ،ام كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه .
ب- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الاطفال ونحوها ،وكذا الاشتباه في اطفال الانابيب .
ج- حالات ضياع الاطفال واختلاطهم ،بسبب الحوادث أو الكوارث أوالحروب ،او تعذر معرفة اهلهم ،او وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ،او بقصد التحقق من هويات اسرى الحروب والمفقودين .
سادسا :لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس ،او لشعب ،او لفرد ،لاي غرض ،كما لا تجوز هبتها لاي جهة ،لما يترتب على بيعها او هبتها من مفاسد .
سابعا : يوصي المجمع بما يأتي :
أ- ان تمنع الدولة اجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية الا بطلب من القضاء ،وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة ،وان تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص ،لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى .
ب- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة ،يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والاطباء ،والاداريون ،وتكون مهمتها الاشراف على نتائج البصمة الوراثية ،واعتمادى نتائجها .
ج- ان توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ،ومنع التلوث وكل مايتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية ،حتى تكون النتائج مطابقة للواقع ،وأن يتم التأكد من دقة المختبرات ،وأن يكون عدد الموروثات (الجينات المستعملة للفحص )بالقدر الذي يراه المختصون ضروؤريا دفعا للشك .
والله ولي الوفيق ،وصلى الله على نبينا محمد .
* * *







التوقيع


يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون
آخر تعديل dbarmaster يوم 14-01-2010 في 01:23 PM.
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2006, 05:29 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
السفير
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

بحث قيم ومفيد لكن الأجمل نسبته لموقعه الرئيس المنشور به ولناقله ولكم كل الشكر :

http://www.mohamoon.com/montada/Default ... 3&Keyword=البصمة
منتدى المحامون العرب
الكاتب الحرف الذهبي
تاريخ النشر 21 / 2 / 2006

ليس لشيئ بل لاحترام الحقوق
مع كل التحية







رد مع اقتباس
قديم 29-04-2006, 09:41 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المحامي ناهل المصري
عضو أساسي ركن

الصورة الرمزية المحامي ناهل المصري

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي ناهل المصري غير متواجد حالياً


افتراضي شكراً على الملاحظة

أشكرك أخي سعادة السفير على حرصك على الحقوق الذي نشاركك به جميعاً وقد أثلجت صدري بملاحظتك هذه....

ولكن أقول لك يا سعادة السفير أن صاحب الحق الوحيد لهذا الموضوع أو غيره هو لكاتبه ومؤلفه فقط وقد تمت الإشارة إليه ها هنا وليس لناقله ولا للناقل عن الناقل ولا لمن سمى نفسه الحرف الذهبي أو الفضي أو سواه.

وليس للموقع الذي ذكرته أي حقوق فيما يتعلق بهذا البحث والموضوع منشور في أكثر من موقع وما عليك إلا الدخول لأي محرك بحث وكتابة عنوان الموضوع لتجده في عدة مواقع

وحتى الموقع الذي ذكرته يحتوي على مواضيع كثيرة منقولة ومنشورة بمواقع أخرى وقد سبق لأحد أعضاء المنتدى وقد أخبرني بذلك شخصياً أن اعترض على إدارة ذلك الموقع بسبب نشر بحث له بعد أن كان قد نشره في منتدانا وكان رد الإدارة سلبياً جداً لا بل أنها حذفت الاعتراض وحذفت عنوان موقعنا المنشور فيه الموضوع.. وحذفت توقيعه الذي يحتوي على عنوان موقع نقابتنا بحجة عدم السماح بالدعاية والإعلان !!!!! مما دعا صاحبنا لعدم الدخول للمنتدى من حينها كما قال لي وحذف اشتراكه.

بكل الأحوال أشكرك على ملاحظتك ولا ضير بالنسبة لنا من الإشارة إلى أماكن أخرى تنشر فيها الأبحاث لتعم الفائدة. فنحن لا هم لنا إلا أن تعم الفائدة وأن يستفيد زملاءنا المحامون بأكبر قدر ممكن مع حفظ الحقوق والاحترام والتقدير للجميع بلا استثناء.

ولكن لي عندك رجاء صغير أن يكون حرصكم على موقعنا ومنتدانا وحقوقنا وحقوقكم كمحامين زملاء سوريين بقدر حرصكم على حقوق ومواقع الآخرين... والبقية عندكم...

وتقبل تحياتي وشكراً







التوقيع


يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون
آخر تعديل dbarmaster يوم 14-01-2010 في 01:18 PM.
رد مع اقتباس
قديم 30-04-2006, 02:25 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محمود يسري
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

موضوع قوى ودسم وادهشنى ما قاله السفير مجرد نقل ينسب البحث لمن قام بنقله ام ينسب لكاتبه الاصلي فقد رايت ما تصدره البحث من ان مؤلفه امام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بجامعة ام القرى سابقا عمر بن محمد السبيل رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته.
ونشر فعلا في منتديات اخرى اينسب للناقل ملكية
اشكرك استاذ ناهل المصري على تقديمك لهذا البحث واشكرك ايضا لدفاعك عن حق المؤلف الاصلى.







رد مع اقتباس
قديم 30-04-2006, 06:01 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ابو طلال
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي Re: شكراً على الملاحظة

اقتباس:
أشكرك أخي سعادة السفير على حرصك على الحقوق الذي نشاركك به جميعاً وقد أثلجت صدري بملاحظتك هذه....



اقتباس:
ولكن أقول لك يا سعادة السفير أن صاحب الحق الوحيد لهذا الموضوع أو غيره هو لكاتبه ومؤلفه فقط وقد تمت الإشارة إليه ها هانا وليس لناقله والناقل والناقل عن الناقل ولا للحرف الذهبي أو الفضي أو سواه.

وليس للموقع الذي ذكرته أي حقوق فيما يتعلق بهذا البحث والموضوع منشور في أكثر من موقع وما عليك إلا الدخول لأي محرك بحث وكتابة عنوان الموضوع لتجده في عدة مواقع

وحتى الموقع الذي ذكرته يحتوي على مواضيع كثيرة منقولة ومنشورة بمواقع أخرى وقد سبق لأحد أعضاء المنتدى وقد أخبرني بذلك شخصياً أن اعترض على إدارة ذلك الموقع بسبب نشر بحث له بعد أن كان قد نشره في منتدانا وكان رد الإدارة سلبياً جداً لا بل أنها حذفت الاعتراض وحذفت عنوان موقعنا المنشور فيه الموضوع.. وحذف توقيعه الذي يحتوي على عنوان موقع نقابتنا بحجة عدم السماح بالدعاية والإعلان !!!!! مما دعا صاحبنا لعدم الدخول للمنتدى من حينها كما قال لي وحذف اشتراكه.

بكل الأحوال أشكرك على ملاحظتك ولا ضير بالنسبة لنا من الإشارة إلى أماكن أخرى تنشر فيها الأبحاث لتعم الفائدة. فنحن لا هم لنا إلا أن تعم الفائدة وأن يستفيد زملاءنا المحامون بأكبر قدر ممكن مع حفظ الحقوق والاحترام والتقدير للجميع بلا استثناء.

ولكن لي عندك رجاء صغير أن يكون حرصكم على موقعنا ومنتدانا وحقوقنا وحقوقكم كمحامين زملاء سوريين بقدر حرصكم على حقوق ومواقع الآخرين... والبقية عندكم...

وتقبل تحياتي وشكراً

المحامي ناهل المصري
تحية واحتراما لكم

بالرد على السفير حسن النوايا الذي يحافظ على حقوق لم نعلمها من قبل لا في نظام ولا في عرف ولا في شرع بل يريد نسبة حق لتابعيه وكأنهم أصحاب الحق فيه بحسب قانونه وقانون تابعيه العذر منك عن تعبيراتى هذه ولكن تعامل هؤلاء مع كل من يختلف معهم كما ذكرت عن صديقك حدث معى وأرسلت لراعيهم رسالة شرحت له عن موقف مشرفيه ولكنه ارسلها للمشرف الذي اختلفت معه في الرأي
خلاف في الرأي أدى الى حذف مشاركتى وعضويتى بعد ان طلبت عدم الحذف
لا صدق لهم ولا مصداقية يديرونه لمصالح خاصة حتى صار كجريده معارضه تمثل راى لكل من يخالفهم فيه وصدقا لما ذكرته!

اقتباس:
وحتى الموقع الذي ذكرته يحتوي على مواضيع كثيرة منقولة ومنشورة بمواقع أخرى وقد سبق لأحد أعضاء المنتدى وقد أخبرني بذلك شخصياً أن اعترض على إدارة ذلك الموقع بسبب نشر بحث له بعد أن كان قد نشره في منتدانا وكان رد الإدارة سلبياً جداً لا بل أنها حذفت الاعتراض وحذفت عنوان موقعنا المنشور فيه الموضوع.. وحذف توقيعه الذي يحتوي على عنوان موقع نقابتنا بحجة عدم السماح بالدعاية والإعلان !!!!! مما دعا صاحبنا لعدم الدخول للمنتدى من حينها كما قال لي وحذف اشتراكه.



حديثك عن صديقك وزميلك ذكرنى بهذا السفير المرسل من تابعيه لينسب حق لا حق له فيه واسمح لى في تقبل اعتراض الاستاذه مجد وان كان هجومها عنيف ولكن لها العذر مع خالص احترامى







آخر تعديل dbarmaster يوم 14-01-2010 في 01:16 PM.
رد مع اقتباس
قديم 30-04-2006, 02:35 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
المحامي ناهل المصري
عضو أساسي ركن

الصورة الرمزية المحامي ناهل المصري

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي ناهل المصري غير متواجد حالياً


افتراضي بسيطة عادي

شكراً لك أستاذ يسري

شكراً لك أبو طلال

وأرحب بكم في منتداكم الذي نتمنى أن يكون دائماً عند حسن ظنكم.

بالنسبة للأستاذة مجد نحن نحترمها جداً وسبق لنا أن تقبلنا ونتقبل اعتراضاتها وانتقاداتها وتجريحها دائماً بكل صدر رحب وخصوصاً هذا الاعتراض الأخير المتعلق بحقوقها الادبية على البحث الذي معها كل الحق بإثارته ولا نجادلها فيه أبداً طالما أقر لها الأستاذ عمر بكل أمانة وشجاعة ومودة. وإن كنا نعتب عليها بأسلوبها الحاد والجارح ضد المنتدى والمنتسبين إليه دائماً.

على كل حال ولأننا تقبلنا اعتراضها بكل احترام فقد تم حذف الموضوع بناء على طلبها ومن خلال ما قرأناه في ردها.

بالنسبة لذاك الموقع لنا عتب كبير على إدارته ولكنها غصة في القلب لا نبوح بها وخليها بالقلب تجرح ولا تطلع لبرى وتفضح.


أكرر شكري وترحيبي بكم







التوقيع


يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون
آخر تعديل dbarmaster يوم 14-01-2010 في 01:13 PM.
رد مع اقتباس
قديم 14-01-2010, 01:12 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
أحمد الزرابيلي
عضو أساسي ركن
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


أحمد الزرابيلي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: البصمة الوراثية و مدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية

نظراً لأهمية الموضوع من الناحية الشرعية و القانونية فقد وددت نقل هذه الدراسة عن البصمة الوراثية للدكتور عبد الرشيد محمد أمين بن قاسم و التي قرأتها مؤخراً بقصد النفع العام اغناءً لما أفادنا به الأستاذ الكريم ناهل


البصمة الوراثية وإثبات النسب




البصمة الوراثية
د. عبد الرشيد محمد أمين بن قاسم
أهمية البصمة الوراثية :
تعتبر مسألة البصمة الوراثية ومدى الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر, وتنازعوا في المجالات التي يستفاد منها وتعتبر فيها حجة يعتمد عليها كليا أو جزئيا، وقد شاع استعمال البصمة الوراثية في الدول الغربية وقبلت بها عدد من المحاكم الأوربية وبدأ الاعتماد عليها مؤخرا في البلدان الإسلامية ونسبة أعمال الإجرام لأصحابها من خلالها، لذا كان من الأمور المهمة للقضاة معرفة حقيقة البصمة الوراثية ومدى حجيتها في إثبات الأنساب وتمييز المجرمين وإقامة الحدود .
فالبصمة مشتقة من البُصم وهو فوت ما بين طرف الخنصر إلى طرف البنصر وبَصَمَ بصماً إذا ختم بطرف إصبعه ، والبصمة أثر الختم بالإصبع (1).
والبصمة عند الإطلاق ينصرف إلى بصمات الأصابع وهي الأثر التي تتركها الأصابع عند ملامستها الأشياء وتكون أكثر وضوحاً في الأسطح الناعمة وهي اليوم تفيد كثيرا في معرفة الجناة عند أخذ البصمات من مسرح الحادث حيث لا يكاد يوجد بصمة تشبه الأخرى .
وقد تطورت الأبحاث في مجال الطب وتم اكتشاف محتويات النواة والصفات الوراثية التي تحملها الكروموسومات والتي يتعذر تشابه شخصين في الصفات الوراثية – عدا التوائم المتشابهة – وهي أكثر دقة وأكثر توفراً من بصمات الأصابع حيث يمكن أخذ المادة الحيوية الأساسية لنستخرج منها البصمة الوراثية من الأجزاء التالية :
1 – الدم 2 – المني 3 – جذر الشعر 4 – العظم
5 – اللعاب 6 – البول 7 – السائل الأمينوسي (للجنين)
8 – خلية البيضة المخصبة (بعد انقسامها 4 – 8) 9 – خلية من الجسم .
والكمية المطلوبة بقدر حجم الدبوس تكفي لمعرفة البصمة الوراثية (2).
وقد ارتضى المجمع الفقهي بمكة التعريف التالي للبصمة الوراثية:"البصمة الوراثية هي البنية الجينية نسبة إلى الجنيات أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه"(3).
إن مصادر البصمة الوراثية موجودة في النواة من كل خلية في جسم الإنسان والجسم يحتوي على ترليونات من الخلايا ، وكل خلية تحتضن نواة هي المسئولة عن حياة الخلية ووظيفتها وكل نواة تحتضن المادة الوراثية بداية من الخواص المشتركة بين البشر جميعهم أو بين سلالات متقاربة وانتهاء بالتفصيلات التي تختص بالفرد وتميزه بذاته بحيث لا يطابق فرداً آخر من الناس ومصدر البصمة موجود على شكل أحماض أمينية (DNA) وتسمى الصبغيات لأن من خواصها أنها تلون عند الصبغ ويطلق عليها أيضاً " الحمض النووي " لأنها تسكن في نواة الخلية وهي موجودة في الكروموسومات، وهذه الكروموسومات منها ما هو مورث من الأب والأم ومنها ما هو مستجد بسبب الطفرة الجديدة NEO MUTATION
والصفات الوراثية تنتقل من الجينات وهذه الجينات تتواجد في الكروموسومات وهناك حوالي مئة ألف جين مورث في كل كروموسوم واحد ، لذلك لو تم دراسة كروموسومين فقط بطريقة عشوائية لأمكن متابعة عدد كبير من هذه الصفات الوراثية في هذين الكرموسومين ولأصبح الجواب الصحيح في معرفة البصمة الوراثية للأبوة والبنوة بنسبة نجاح تصل لـ 99.9% نظراً لعدم تطابق اثنين من البشر في جميع هذه الصفات الوراثية (4).
مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية :
إن اكتشاف القوانين المتعلقة بالوراثة ومعرفة ترتيب عناصرها المشتركة والخاصة ومعرفة كيفية الاستفادة منها مما هيأه الله للبشر من العلم في هذا الزمان كما قـال تعالى:"ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء"(5).
ويمكن تطبيق هذه التقنية والاستفادة منها في المجالات التالية :
1- إثبات النسب أو نفيه وما يتعلق بذلك مثل تمييز المواليد المختلطين في المستشفيات أو في حال الاشتباه في أطفال الأنابيب أو عند الاختلاف أو التنازع في طفل مفقود بسبب الكوارث والحوادث أو طفل لقيط أو حال الاشتراك في وطء شبهة وحصول الحمل أو عند وجود احتمال حمل المرأة من رجلين من خلال بييضتين مختلفتين في وقت متقارب كما لو تم اغتصاب المرأة بأكثر من رجل في وقت واحد ، أو عند ادعاء شخص عنده بينة ( شهود ) بنسب طفل عند آخر قد نسب إليه من قبل بلا بينة .
2- تحديد الشخصية أو نفيها مثل عودة الأسرى والمفقودين بعد غيبة طويلة والتحقق من شخصيات المتهربين من عقوبات الجرائم وتحديد شخصية الأفراد في حالة الجثث المشوهة من الحروب والحوادث والتحقق من دعوى الانتساب بقبيلة معينة بسبب الهجرة وطلب الكلأ أو تحديد القرابة للعائلة .
3- إثبات أو نفي الجرائم وذلك بالاستدلال بما خلفه الجاني في مسرح الجريمة من أي خلية تدل على هويته كما هو الحال في دعاوى الاغتصاب والزنى والقتل والسرقة وخطف الأولاد وغير ذلك(6).
ويكفي أخذ عينة من المني أو العثور على شعرة أو وجود أثر اللعاب عقب شرب السيجارة أو

أثر الدم أو بقايا من بشرة الجاني أو أي خلية تدل على هويته :
ونسبة النجاح في الوصول إلى القرار الصحيح مطمئنة لأنه في حال الشك يتم زيادة عدد الأحماض الأمينية ومن ثم زيادة عدد الصفات الوراثية .

ومن أشهر القضايا التي استعملت فيها هذه التقنية فضيحة بيل كلنتون الرئيس الأمريكي في قضيته المشهورة مع ليونيسكي ، حيث لم يعترف ويعتذر للجمهور الأمريكي إلا بعد أن أظهرت الأدلة الجنائية وجود بصمته الوراثية المأخوذة من المني الموجود على فستان ليونيسكي .
وحادثة أخرى وقعت بالسعودية ذكرها ممثل معمل الأدلة الجنائية للعلماء في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة أثناء مناقشة موضوع البصمة الوراثية وحاصل القضية أن امرأة ادعت أن أباها وقع عليها ونتج عن ذلك حصول حمل ، وكان احتمال تصديقها ضعيف لأن الأب في الستينات من العمر ولقوة العلاقة التي تجمعه بالمتهمة فأجلوا موضوع التحليل حتى وضع الحمل لئلا يتضرر الجنين وعندما تم الوضع ومن خلال التحاليل وجد أن الطفل لا علاقة له بالمتهم ( الأب ) ، والأغرب وجد أنه لا علاقة له بالمرأة المدعية ، فاتضح أن القضية فيها تلاعب وأن أيدي خفية وراءها ، فالنفي عن المتهم لا إشكال فيه أما النفي عن المرأة الحامل فيه تصادم مع الواقع ، وبالرجوع لأسماء المواليد الذين ولدوا في نفس اليوم بالمستشفى اتضح أنهم بلغوا (30) طفلاً وعند حصر الصفات المطلوبة انحصرت في (12) طفلاً تم الاتصال بذويهم واحداً واحداً حتى تم الوصول للطفل المطلوب واتضح أن بصمته الوراثية دلت على ارتباطه بالمتهم ( الأب ) وأن هناك طفلاً لقيطاً أدخل المستشفى في نفس اليوم وعند التسليم تم التبديل لإخفاء الحقيقة والله المستعان .
طرق إثبات النسب في الشريعة الإسلامية :
لا خلاف بين الفقهاء أن النسب الشرعي لا يثبت في حال تصادم النسب مع الواقع الحسي كما لو ادعت المرأة نسب طفل لزوجها الصغير الذي لا يولد لمثله وكذا لو أتت به قبل مضي ستة أ شهر من الزواج .
ويثبت النسب في الشريعة الإسلامية بالطرق التالية :
1- الفراش :
وهو تعبير مهذب عن حالة اجتماع الرجل بالمرأة حيث تكون المرأة كالفراش لزوجها ، ولما كان التحقق من حالة ( الجماع ) بين الزوجين شبه متعذر لكونها مبنية على الستر اكتفى الجمهور بمظنة الدخول خلافاً للحنفية الذين اكتفوا بعقد النكاح واعتبروا المرأة فراشاً لزوجها يثبت به النسب وذهب بعض المتأخرين كابن تيمية وابن القيم إلى اشتراط الدخول المحقق وعدم الاكتفاء بمظنة الدخول .
ولا شك أن الأول أولى فعامة أحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن وإثبات الدخول المحقق في كل حالة متعذر .
وإثبات النسب عن طريق الفراش مجمع عليه بين الفقهاء لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "الولد للفراش" (7).
2- الاستلحاق :
وذلك بأن يقر المسـتلحق بأن هذا الولد ولده أو أن هذا أخوه أو أبوه وغير ذلك ، وقد اشترط العلماء للاستلحاق شروطاً أبرزها أن المُقر له بالنسـب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقِرِّ ، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره لاستحالة ذلك عادة وعقلاً (8).
فهل هذا الشرط يمكن تنزيله على البصمة الوراثية ؟ هذا ما سيأتي الإجابة عليه في الصفحات التالية .
3 – البينة :
وقد أجمع الفقهاء على أن النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه ويكفي في ذلك الاستفاضة بمعنى الشهادة بالسماع بأن يشتهر الأمر بين الناس حتى يصير معروفاً بينهم ويقول جمع كبير من الناس سمعنا أن فلانا ابن فلان … (9) .
4 – القيافة :
وهي مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه ، يقال : فلان يقوف الأثر ويقتافه والقائف هو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه (10) ، والمراد بها هنا / الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود(11).
وقد ذهب الحنفية إلى أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها ضرب من الظن والتخمين بينما ذهب جمهور العلماء بالأخذ بها لدلالة السنة والآثار عليها، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسروراً تَبْرُقُ أسارير وجهه ، فقال : "ألم تريْ أن مجزَّزاً المُدْلِجي نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض "(12).
وجه الدلالة :
أن سرور النبي – صلى الله عليه وسلم - دال على إقراره بالقيافة وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يسمع باطلاً فيقره أو يسكت عنه(13).
5 – القرعة :
وذلك عند التنازع على طفل ولا بينة لأحدهم فيجرى القرعة وهذه أضعف الطرق ولم يأخذ بها جمهور العلماء وهو مذهب الظاهرية وإسحاق ورواية عند الحنابلة وكذا المالكية في أولاد الإماء (14).
وهذه الطريقة غير معمول بها في هذا الزمان بفضل الله ثم التقدم العلمي في مجال تحليل الدم والبصمة الوراثية إذ شاعت واستقر العمل بها في محل التنازع في النسب , ولا ريب أن القرعة لا يصار إليها لوجود الدليل المرجح .
هل البصمة يثبت بها النسب ؟
ذهب العلماء المعاصرون إلى اعتبار " البصمة الوراثية " طريقاً من طرق إثبات النسب من حيث الجملة واختلفوا في بعض القضايا الفرعية وقد جاء في قرار المجمع الفقهي بالرابطة " خامساً : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :
أ – حالات التنازع على مجهول النسـب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه .
ب – حالات الاشتباه في المواليد في المسـتشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب .
ج – حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم ، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحرب والمفقودين "(15).
وقد رأى عدد كبير من الباحثين قياس البصمة الوراثية على القيافة من باب أولى أو اعتبارها قرينة قوية والتي يأخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود وقد جاء في توصية ندوة الوراثة والهندسـة الوراثية المنـبثقة عن المنظمة الإسـلامية للعلوم الطبية : " البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية ، ولا سيما في مجال الطب الشرعي ،وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ، وتمثل تطوراً عصرياً عظيما في مجال القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه ، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى "(16).
ومن خلال التوصية السابقة والبحوث المقدمة في هذا المجال نجد أن فريقاً من الفقهاء يرى قياس البصمة الوراثية على القيافة وأن الأحكام التي تثبت بالقيافة تثبت في البصمة الوراثية ، ويظهر لي أن هذا القياس بعيد للأمور التالي :
1 – أن البصمة الوراثية قائمة على أساس علمي محسوس فيه دقة متناهية والخطأ فيه مستبعد جداً ، بخلاف القيافة والتي تقوم على الاجتهاد والفراسة وهي مبنية على غلبة الظن والخطأ فيها وارد ففرق بين ما هو قطعي محسوس وبين ما بني على الظن والاجتهاد .
2 – أن القيافة يعمل بها في مجال الأنساب فقط بخلاف البصمة الوراثية فهي تتعداها لمجالات أخرى كتحديد الجاني وتحديد شخصية المفقود .
3 – أن القيافة تعتمد على الشبه الظاهر في الأعضاء كالأرجل وفيها قدر من الظن الغالب ، أما البصمة الوراثية فهي تعتمد اعتماداً كلياً على بنية الخلية الجسمية الخفية وهي تكون من أي خلية في الجسم ونتائجها تكون قطعية لكونها مبنية على الحس والواقع .
4 – أن القافة يمكن أن يختلفوا، بل العجيب أنهم يمكن أن يلحقوا الطفل بأبوين لوجود الشبه فيهما(17)، أما البصمة فلا يمكن أن تلحق الطفل بأبوين بتاتاً ويستبعد تماماً اختلاف نتائج البصمة الوراثية ولو قام بها أكثر من خبير فالقياس بعيد فهذا باب وهذا باب .
وبناء على ما تقدم فالقيافة باب والبصمة الوراثية باب آخر وهو يعتبر بينة مستقلة أو قرينة قوية يؤخذ بها في الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً وذلك للأمور التالية :
1 – أن البينة لم تأت في الكتاب والسنة محصورة في الشهادة والإقرار فقط بل كل ما أظهر الحق وكشفه فهو بينة قال تعالى في قصة موسى مع فرعون : " قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل * قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين"(17).
وجه الدلالة :
قال ابن القيم : " فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد والمرأتين لم يوف مسماها حقه ، ولم تأت البينة قط في القرآن مراداً بها الشاهدان ، وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة ، وكذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي" المراد به : أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له ،والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد ، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة متقاربة في المعنى … فالشرع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل الأحوال ، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهداً لها بالاعتبار ، مرتباً عليها الأحكام "(18).
2 – قوله تعالى : "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين* فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم" (19).
وجه الدلالة :
أن موضع قد القميص اعتبر دليلاً على صدق أحدهما وتبرئة الآخر وسمى الله ذلك شهادة(20).
3 – في قصة فتح خيبر قال النبي – صلى الله عليه وسلم - لعم حيي بن أخطب: " ما فعل مسك بن حيي الذي جاء به من النضير ؟ قال أذهبته النفقات والحروب ، قال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك ، فدفعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى الزبير فمسه بعذاب فقال : قد رأيت حيياً يطوف في خربة هاهنا ، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة "(21).
وجه الدلالة :
أن النبي – صلى الله عليه وسلم - عمل بالقرينة العقلية واعتد بها فكثرة المال وقصر المدة فيه دلالة على الكذب ، وقد اعتد بهذا الدليل وأمر بضربه وحاشاه أن يأمر بضربه بلا حجة لأنه نوع من الظلم وهذا مستبعد في حقه – صلى الله عليه وسلم - فدل ذلك على اعتبار القرينة والعمل بموجبها .
فهذه الأدلة وغيرها دالة على أن الحق إذا تبين بأي وجه كان الأخذ به هو المتعين ، ولا شك أن بعض القرائن أقوى بكثير من الشهادة ، فالشهادة يمكن أن يتطرق إليها الوهم والكذب وكذا الإقرار يمكن أن يكون باطلاً ويقع لغرض من الأغراض ومع هذا تعتبر الشهادة والإقرار بينة شرعية يؤخذ بهما لكونهما مبنيتان على غلبة الظن .
وإذا علمنا أن نتائج البصمة الوراثية قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهم(22)، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها بشهادة مختصين تعين الأخذ بها واعتبارها بينة مستقلة يثبت بها الحكم نفياً أو إثباتاً ولو نظرنا إلى واقع ثبوت النسب بالشهادة وكونها تبنى على غلبة الظن ويكفي فيها الاستفاضة والشهرة مع وجود الاحتمال بالخطأ مع واقع البصمة التي لا تكاد نتائجها تخطئ في ذاتها ، والخطأ الوارد فيها يرجع إلى الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك نستطيع أن نجزم بأن البصمة الوراثية حجة شرعية يوجب العمل بمضمونها إذا توفرت شروطها ومن تأمل مقاصد الشريعة والعدل والحكمة التي قامت عليها الأحكام ظهر جلياً رجحان هذا الأمر قال ابن القيم : " فإذا ظهرت أمارات العدل ، وأسفر وجهه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه ، والله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة ، فلا يجعله منها ، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له "(23).
ضوابط إجراء تحليل البصمة الوراثية :
اشترط الفقهاء الباحثين والأطباء المختصين في البصمة الوراثية شروطاً عديدة حتى تقبل ، والذين رأوا أنها تقاس على القيافة اشترطوا شروط القيافة مع بعض الزيادات (24).
والشروط الواجب توفرها ما يلي :
1 – أن لا يتم التحليل إلا بإذن من الجهة المختصة .
2 – يفضل أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة وإذا لم يتوفر ذلك يمكن الاستعانة بالمختبرات الخاصة الخاضعة لإشراف الدولة ، ويشترط على كل حال أن تتوافر فيها الشروط والضوابط العلمية المعتبرة محلياً وعالمياً في هذا المجال .
3 – يشترط أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوطة بإجراء تحاليل البصمة الوراثية ممن يوثق بهم علماً وخلقاً وألا يكون أي منهم ذا صلة قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتداعيين أو حكم عليه بحكم مخل بالشرف أو الأمانة (25).
4 – أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل معترف بهما ، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرات التي تقوم بإجراء الاختبار بنتيجة المختبر الآخر(26).
5 – توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية بدءاً من نقل العينات إلى ظهور النتائج النهائية حرصاً على سلامة تلك العينات ، وضماناً لصحة نتائجها ، مع حفظ هذه الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة.
6 – عمل البصمة الوراثية بعدد أكبر من الطرق وبعدد أكبر من الأحماض الأمينية لضمان صحة النتائج (27).
7 – أن يجري اختبار البصمة الوراثية مسلم عدل ، لأن قوله شهادة ، وشهادة غير المسلم لا تقبل على المسلم إلا الوصية في السفر ونحوه(28).
والخلاصة :
أن البصمة الوراثية تكون بينة مستقلة يجب العمل بمقتضاها إذا توفرت الشروط اللازمة ، وأنها لا تقاس على القيافة فهي باب آخر ، وأن عامة المعاصرين يرون صحة الاعتماد عليها في حالات التنازع وحالات الاشتباه وحالات الاختلاط سواء في الأطفال أو الجثث أو الحروب والكوارث .
هل ينتفي النسب بالبصمة الوراثية دون اللعان؟
اللعان : شهادات تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة .
وقد شرع اللعان لدرء الحد عن الزوج إذا قذف زوجته بلا شهود أو أراد قطع نسب الحمل أو الطفل المولود عنه ، وهي أيضا حماية وصيانة لعرض الزوجة ودفعاً للحد عنها .
والطريقة التي جاءت به النصوص الشرعية لنفي النسب هو اللعان .
فهل يصح نفي النسب بالبصمة الوراثية إذا جاءت النتائج تؤكد ذلك ويكتفي بها أم لابد من اللعان أيضاً ؟
اختلف الفقهاء المعاصرون في صحة نفي النسب بالبصمة الوراثية فقط دون اللعان ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي :
1 – لا ينتفي النسب الشرعي الثابت بالفراش (الزوجية) إلا باللعان فقط ، ولا يجوز تقديم البصمة الوراثية على اللعان .
وهذا القول عليه عامة الفقهاء المعاصرين ومنهم علي محي الدين القرة داغي وعبد الستار فتح الله سعيد (29)، ومحمد الأشقر (30).
وعليه قرار مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة وجاء فيه " لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها على اللعان "(31).
القول الثاني : يمكن الاستغناء عن اللعان والاكتفاء بنتيجة البصمة الوراثية إذا تيقن الزوج أن الحمل ليس منه
وهذا الرأي ذهب إليه محمد المختار السلامي(32)، ويوسف القرضاوي (33)، وعبد الله محمد عبد الله(34).
القول الثالث : إن الطفل لا ينفى نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبة للزوج ولو لاعن ،وينفى النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلاً تكميلاً .
وهذا الرأي ذهب إليه نصر فريد واصل ،وعليه الفتوى بدور الإفتاء المصرية (35).
القول الرابع : إذا ثبت يقيناً بالبصمة الوراثية أن الحمل أو الولد ليس من الزوج فلا وجه لإجراء اللعان وينفى النسب بذلك .
إلا أنه يكون للزوجة الحق في طلب اللعان لنفي الحد عنها لاحتمال أن يكون حملها بسبب وطء شبهة ، وإذا ثبت عن طريق البصمة الوراثية أن الولد من الزوج وجب عليه حد القذف .
وهذا الرأي ذهب إليه سعد الدين هلالي (36).
الأدلة :
أولاً : استدل القائلون بأن النسب لا ينفى إلا باللعان فقط بما يلي :
1 – قوله تعالى : "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين *"(37).
وجه الدلالة :
أن الآية ذكرت أن الزوج إذا لم يملك الشـهادة إلا نفسه فيلجأ للعان ، وإحداث البصمة بعد الآية تزّيد على كتاب الله " ومن أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد "(38) .
2 – عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فأقبضه إليك ، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي عهد إلى فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا (تدافعا) إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه ، فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله(39) .
وجه الدلالة :
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - أهدر الشبه البين وهو الذي يعتمد على الصفات الوراثية وأبقى الحكم ا لأصلي وهو " الولد للفراش " فلا ينفى النسب إلا باللعان فحسب(40) .
3 – حديث ابن عباس في قصة الملاعنة وفيه : " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين ، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء … فجاءت به كذلك فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : لولا ما قضي من كتاب الله لكان لي ولها شأن "(41).
وجه الدلالة :
قال عبد الستار فتح الله : " إذا نفى الزوج ولداً من زوجته ولد على فراشه فلا يلتفت إلى قول القافة ولا تحليل البصمة الوراثية لأن ذلك يعارض حكماً شرعياً مقرراً وهو إجراء اللعان بين الزوجين ،ولذلك ألغى رسول الله – صلى الله عليه وسلم (دليل الشبه) بين الزاني والولد الملاعن عليه … ودليل (الشبه) الذي أهدره رسول الله – صلى الله عليه وسلم - هنا يعتمد على الصفات الوراثية فهو أشبه بالبصمة الوراثية ومع ذلك لم يقو على معارضة الأصل الذي نزل به القرآن في إجراء اللعان"(42).
وقال ابن القيم تعليقاً على الحديث السابق أن فيه " إرشاد منه – صلى الله عليه وسلم - إلى اعتبار الحكم بالقافة ، وأن للشبه مدخلاً في معرفة النسب ،وإلحاق الولد بمنزلة الشبه ،وإنما لم يُلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له ، لمعارضة اللعان الذي هو أقوى منه الشبه له "(43).
4 – إن الطريق الشرعي الوحيد لنفي النسب هو اللعان ولو أن الزوجة أقرت بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله – صلى الله عليه وسلم- الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا ينتفي عنه إلا باللعان ، ثم كيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة(44) .
5 – إننا لا نستطيع أن نعتمد على البصمة فحسب ونقيم حد الزنا على الزوجة، بل لابد من البينة ، فكيف تقدم البصمة على اللعان ولا نقدمها على الحد .
ثانياً : أدلة القائلين باعتبار البصمة الوراثية :
1 – قوله تعالى : "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم.. "(45).
وجه الدلالة :
أن اللعان يكون عندما ينعدم الشهود وليس ثمة شاهد إلا الزوج فقط حينئذ يكون اللعان .
أما إذا كان مع الزوج بينة كالبصمة الوراثية تشهد لقوله أو تنفيه فليس هناك موجب للعان أصلا لاختلال الشرط في الآية .
2 – أن الآية ذكرت درء العذاب ، ولم تذكر نفي النسب ولا تلازم بين اللعان ونفي النسب ، فيمكن أن يلاعن الرجل ويدرأ عن نفسه العذاب ولا يمنع أن ينسب الطفل إليه إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية (46).
3 – قوله تعالى : "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم" (47).
وجه الدلالة :
أن شق القميص من جهة معينة اعتبرت نوعاً من الشهادة والبصمة الوراثية تقوم مقام الشهادة (48).
4 – إن نتائج البصمة يقينية قطعية لكونها مبنية على الحس ، وإذا أجرينا تحليل البصمة الوراثية وثبت أن الطفل من الزوج وأراد أن ينفيه ، فكيف نقطع النسب ونكذب الحس والواقع ونخالف العقل ، ولا يمكن البتة أن يتعارض الشرع الحكيم مع العقل السليم في مثل هذه المسائل المعقولة المعنى وهي ليست تعبدية . فإنكار الزوج وطلب اللعان بعد ظهور النتيجة نوع من المكابرة والشرع يتنزه أن يثبت حكماً بني على المكابرة .
5 – أن الشارع يتشوف إلى إثبات النسب رعاية لحق الصغير ومخالفة البصمة لقول الزوج في النفي يتنافى مع أصل من أصول الشريعة في حفظ الأنساب ، وإنفاذ اللعان مع مخالفة البصمة لقول الزوج مع خراب الذمم عند بعض الناس في هذا الزمان وتعدد حالات باعث الكيد للزوجة يوجب عدم نفي نسب الطفل إحقاقاً للحق وباعثاً لاستقرار الأوضاع الصحيحة في المجتمع (49).
الترجيح :
قبل ذكر القول الراجح يجدر بي أن أشير إلى النقاط التالية :
1 – لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوج إذا لاعن ونفى نسب الطفل وجاءت النتيجة تؤكد قوله . فإن النسب ينتفي ويفرق بينهما لكن الزوجة لا تحد لوجود شبهة اللعان و" الحدود تدرأ بالشبهات "(50).
2 – لا خلاف بين الباحثين في المسألة لو أن الزوجين رضيا بإجراء البصمة قبل اللعان للتأكد وإزالة الشبهة فإن ذلك يجوز في حقهما ، بل استحسن بعض الفقهاء عرض ذلك على الزوجين قبل اللعان(51).
ويظهر لي أن البصمة الوراثية إذا جاءت مخالفة لقول الزوج فلا يلتفت لدعواه بنفي النسب وإن لاعن أو طلب اللعان ، وأن نسب الطفل يثبت للزوج ويجري عليه أحكام الولد وإن جاءت موافقة لقول الزوج فله أن يلاعن وذلك للأمور التالية :
1 – أن الشريعة أعظم من أن تبني أحكامها على مخالفة الحس والواقع ، فإن الشرع أرفع قدراً من ذلك والميزان الذي أنزله الله للحكم بين الناس بالحق يأبى كل الإباء ذلك .
فلو استلحق رجلاً من يساويه في السن وادعى أنه أبوه فإننا نرفض ذلك لمخالفته للعقل والحس فلا يمكن أن يتساوى أب وابن في السن مع أن الاستلحاق في الأصل مشروع .
وقد رد جماهير العلماء دعوى امرأة مشـرقية تزوجت بمغربي ولم يلتقيا وأتت بولد ، فإن الولد لا يكون لزوجها المغربي البتة لمخالفة ذلك للحس والعقل وهذا النفي
ليس تقديماً لقوله – صلى الله عليه وسلم -: " الولد للفراش " إنما لمخالفة ذلك لصريح العقل والحس .
قال ابن تيمية : " فلا تتناقض الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية ، ولا تتناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة ، ودلالة الخطاب إذا كانت صحيحة فإن القياس الصحيح حقيقته التسوية بين المتماثلين وهذا هو العدل الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل والرسول لا يأمر بخلاف العدل " (52) .
2 – أن آية اللعان قيدت إجراءه بما إذا لم يكن ثمة شاهد إلا الزوج ، ومفهومه أنه لو كان هناك بينة من شـهود فإنه لا يجرى اللعان بل يثبت ما رمى به الزوج زوجته .
ومن البدهي لو كانت هناك بينة أخرى غير الشهادة فلا وجه لإجراء اللعان كما لو أقرت الزوجة زوجها فيما رماها به من الزنا . فإذا منعنا وقوع اللعان لوجود سبب مانع له ، فما وجه إجرائه مع وجود بينة قطعية ( البصمة الوراثية ) تخالف دعوى الزوج . فإننا إذا قمنا بذلك كان ضرباً من المكابرة ومخالفة للحس والعقل ، واللعان معقول المعنى معروف السبب وليس تعبدياً محضاً .
قال ابن القيم:"والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد…"(53) .
فإذا علمنا أن الشهادة أقوى من قول الزوج في اللعان لأن الشهادة مبنية على غلبة الظن أما قول الزوج في اللعان فهو متساوي الطرفين في الصدق أو الكذب أي بنسبة (50 %) لأنه إما أن يكون صادقاً أو تكون الزوجة صادقة ، فهل من الفقه أن ندع بينة قطعية تصل لـ 99.9 % تؤكد كـذب الزوج ونأخذ ما هو محتمل للصدق بنسبة 50% وننسب ذلك للشريعة ؟؟!!
قال ابن القيم : " والله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة ، فلا يجعله منها ، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له " (54).
3 – قوله تعالى : "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" (55)
فإلحاق نسب الطفل بأبيه مقصد عظيم من مقاصد الشريعة ، فإذا أثبتت البصمة الوراثية نسب طفل وأراد الأب لأوهام وشكوك أو للتهرب من النفقة أو لأي غرض آخر – مع ضعف الذمم في هذا الزمان – فإن العدل يقتضي أن نلحق الطفل بأبيه ولا نمكن الأب من اللعان لئلا يكون سبباً في ضياع الطفل . (56).
4 - إن الاحتجاج بقصة اختصام عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص وإلحاق الرسول – صلى الله عليه وسلم - الولد بالفراش وأمره لسودة بالاحتجاب منه مع أنه أخوها ،فقد قال ابن القيم : " وأما أمره سودة بالاحتجاب منه ، فإما أنه يكون على طريق الاحتياط والورع لمكان الشبهة التي أورثها الشَّبَهُ البيِّن بعُتبة ، وأما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالاً للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب ، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدّعي لقوته ، وأعمل الشَّبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة ، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها ، وأوضحها ، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه …وقال : وقد يتخلف بعض أحكام النسب مع ثبوته لمانع ، وهذا كثير في الشريعة ، فلا ينكر مِن تخلُّف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة ، وهل هذا إلا محض الفقه "(57).
فدعوى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - لم يلتفت لأمر الشبه (البصمة الوراثية) واستدلالهم بالحديث هذا هو استدلال بعيد ، بل الحديث حجة عليهم حيث اعتبر الرسول – صلى الله عليه وسلم- أمر الشبه لذا أمر بالاحتجاب .
ففي حال التنازع على طفل ولد على فراش صحيح ، ما المانع أن نعمل دليل الشبه ونثبت مقتضاه نفياً وإثباتاً ويكون درء الحد عن الزوج لوجود شبهة اللعان وبهذا نعمل بالأدلة كلها لا سيما وأن الطفل ولد على الفراش فيتقوى إثبات النسب للطفل من جهة " الولد للفراش " ، ومن جهة البصمة الوراثية ، هذا في حال نفي النسب وثبوت خلاف ذلك من جهة البصمة ، أما إذا جاءت البصمة تؤكد قول الزوج فيجتمع دليل اللعان مع البصمة فينتفي النسب وندرأ الحد عن الزوجة لوجود شبهة اللعان .
أما في حال الملاعنة فالأصل أن الطفل منسوب للزوج لأن الزوجة فراش له وجاء أمر الشبه ( البصمة الوراثية ) تؤكد ذلك الأصل فإننا نعمل بالأصل ونلحق الطفل بأبيه لدلالة الفراش والشبه ونكون أعملنا الشطر الأول من الحديث " الولد للفراش " وندرأ الحد عن الزوج إذا لاعن لوجود شبهة الملاعنة والحدود تدرأ بالشبهات ونكون أعملنا الشطر الثاني من الحديث " واحتجبي عنه يا سودة " .
ويجاب عن حديث الملاعنة بنحو ما تقدم فقد جاء في الحديث " إن جاءت به أصيهب أريضخ أثيبج حمش الساقين فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو الذي رميت به – وهو شريك بن سمحاء كما في رواية البخاري – فجاءت به أورق جعداً خدلج الساقين سابغ الإليتين ، أي شبيهاً لشريك بن سمحاء الذي رميت به – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " فقد أفاد الحديث أنه حتى لو تمت الملاعنة بين الزوجين وولد الطفل شبيهاً بالزوج صاحب الفراش فإنه ينسب له ولا ينفى عنه – ؛ لأن النص جاء بنسبته إليه لأنه أقوى بكثير من مجرد التشابه الظاهري الذي أخذ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في إثبات النسب ويدرأ الحد عن الزوج لوقوع الأيمان وبهذا عملنا بالأدلة كلها وهذا من دقائق المسائل التي يحظى بها من رزقه الله حظاً وافراً من الفقه (58).
4 – أن اعتراضهم على عدم إقامة الحد على الزوجة اعتماداً على البصمة الوراثية واكتفاءً بها دليل على أنها ليست حجة بذاتها يجاب عنها من وجهين :
1 – أن هناك فرقاً بين إثبات النسب أو نفيه وبين إقامة الحد القائم على المبالغة في الاحتياط فالحدود تدرأ بالشبهات بخلاف النسب فهو يثبت مع وجود الشبهة كما في قصة عبد بن زمعة ، فلو ادعت المرأة أنها كانت مكرهة أو أنها سقيت شراباً به مادة منومة وزنا بها آخر فحملت منه كان ذلك كافياً في إسقاط الحد عنها ، وكذا الرجل لو ادعى أنه أودع منية في ( بنك المني ) وأن امرأة أخذت منيه بطريقة أو بأخرى واستدخلته وحملت بطفل وجاءت البصمة الوراثية تؤكد لحقوق الطفل وراثياً بذلك الرجل لم يحد لوجود شبهة ، لا لأن البصمة ليست حجة .
2 – إن من العلماء المعاصرين من يقول بإقامة الحد إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية ولم يدع المتهم شبهة اعتماداً على هذه البينة وأخذاً بما أخذ به بعض الفقهاء المتقدمين كما قال ابن القيم : " والرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء ، بل بين المسلمين كلهم ، وقد اعتمد الصحابة على القرائن فرجموا بالحبل وجلدوا في الخمر بالقيء والرائحة وأمر النبي r باستنكاه المقر بالسكر وهو اعتماد على الرائحة … فالعمل بالقرائن ضروري في الشرع والعقل والعرف " (59).
3 – إن الفقهاء نصوا على أن الملاعن لو بدا له أن يعود في قوله ويلحق ابنه الذي نفاه باللعان جاز له ذلك لزوال الشبهة التي لاعن من أجلها ، فهل من الحكمة ومن العدل أن يتجاسر الناس للتعرض للعنة الله أو غضبه وندع البينة (البصمة الوراثية) ولا نحكمها بينهم ، ثم بعد اللعان يعود ويلحق ما نفاه !! فإن هذا من الفقه البارد .
الخلاصة :
أن البصمة الوراثية يجوز الاعتماد عليها في نفي النسب ما دامت نتيجتها قطعية كما يرد دعوى الزوج في نفي النسب إذا أثبتت نتائج البصمة الوراثية القطعية لحوق الطفل به ، لأن قول الزوج حينئذ مخالف للحس والعقل وليس ذلك تقديماً للعان ، وينبغي للقضاة أن يحيلوا الزوجين قبل إجراء اللعان لفحوص البصمة الوراثية لأن إيقاع اللعان مشروط بعدم وجود الشهود ، فإذا كان لأحد الزوجين بينة تشهد له فلا وجه لإجراء اللعان .
والأخذ بهذه التقنية يحقق مقصود الشرع في حفظ الأنساب من الضياع ويصد ضعفاء الضمائر من التجاسر على الحلف بالله كاذبين ، والله اعلم .
(1) انظر : مادة ( بصم ) لسان العرب لابن منظور 12 / 50 ، القاموس المحيط للفيروزآبادي 974 ، المعجم الوسيط ص 60 .
(2) انظر : البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم عبد الله عبد الواحد ص 5 .
(3) انظر : قرارات مجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة .
(4) انظر : البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم عبد الله ص 5 ، البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية لسعد الدين هلالي ص 27 .
(5) سورة البقرة : 254 .
(6)انظر : ثبت علمياً حقائق طبية جديدة لموسى المعطي ص 105 ، مذكرة البصمة الوراثية في ضوء الإسلام لعبد الستار فتح الله سعيد ص 9 ، البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم الدين عبد الله عبد الواحد ص 1 8 .
(7) انظر : بدائع الصنائع للكاساني 4 / 125 ، بداية المجتهد لابن رشد 2 / 87 ، مغني المحتاج 2 / 261 ، كشاف القناع للبهوتي 4 / 235 ، زاد المعاد لابن القيم 5 / 410 ، فتح الباري لابن حجر 12 / 38 والحديث رواه الشيخان .
(8) انظر : المبسوط للسرخسي 17 / 102 ، حاشية الدسوقي 3 / 412 ، إعانة الطالبين للبكري 3 / 283 ، المغني لابن قدامة 8 / 61 .
(9) انظر : سبل السلام للصنعاني 4 / 137 ، زاد المعاد لابن القيم 5 / 417 ، بداية المجتهد لابن رشد 2 / 348 ، المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 12 / 123 .
(10) انظر مادة ( قوف ) لسان العرب لابن منظور 9 / 293 ، زاد المسير لابن الجوزي 5 / 34 ، تفسير الطبري 15 / 87 .
(11) انظر : التعريفات للجرجاني ص 171 .
(12) رواه البخاري .
(13) انظر : مواهب الجليل للخطاب 5 / 247 ، الشرح الكبير للدردير 3 / 416 ، حاشية البيجيرمي 4 / 411، روضة الطالبين للنووي 12 / 107 ، الفروع لابن مفلح 5 / 27 ، منار السبيل لابن ضويان 1 / 434 ، المحلى لابن حزم 10 / 149 .
(14) انظر : التاج والإكليل للعبدري 6 / 340 ، شرح الزرقاني 5 / 109 ، المحلى 10 / 150 ، المبدع لابن مفلح 5 / 307 ، الفروع لابن مفلح 5 / 409 ، إعلام الموقعين لابن القيم 2 / 63 ، نيل الأوطار للشوكاني 7 / 78 .
(15) انظر : قرارات مجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة .
(16) انظر : ملخص أعمال الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب ص 46 ، موقع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية islamset.com والقرينة : كل إمارة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه .
(17) انظر : كشاف القناع للبهوتي 5 / 426 / المبدع لابن مفلح 5 / 309 . سورة الأعراف : 105- 108 .
(18) انظر : الطرق الحكمية ص 16 ، أيضاً : إعلام الموقعين 10 / 34 .
(19) سورة يوسف : 26 – 28 .
(20) انظر : تبصرة الحكام لابن فرحون 2 / 95 ، معين الحكام للطرابلسي ص 166 .
(21) أخرجه أبو داود ( 14 ) كتاب الخراج والإمارة والفيء ( 24 ) باب ما جاء في حكم أرض خيبر برقم 3006 وإسناده صحيح كما قاله بشير محمد عيون في تحقيقه للسياسة الشرعية ص 51 .
(22) انظر : البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لوهبة الزحيلي ص 6 .
(23) انظر : الطرق الحكمية لابن القيم ص 19 وقد ذكر ابن القيم صوراً كثيرة دلت القرينة على الحكم الشرعي ، بل كانت أقوى من الشهادة والإقرار .
(24) انظر : بحث البصمة الوراثية وأثرها في إثبات النسب لحسن الشاذلي ص 478 ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – الوراثة والهندسة الوراثية - .
(25) انظر : توصيات الحلقة النقاشية بموقع المنظمة islamset.com ، جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 27 / 10 / 1422هـ الموافق 11 يناير 2002م توصية مجمع الفقه الإسلامي السادس عشر .
(26) قياس البصمة الوراثية على الشهادة قياس مع الفارق لأن درجة صدق المخبر به مختلفة ، والشهادة تجرى بموجبها الحدود بخلاف البصمة، والأولى أن يرجع فيه لأهل الاختصاص فهم أعرف بالمفارقات والاختلافات وربما قرروا تكرار البصمة مرات ولو كان إجراؤها في مختبرين احتياطاً لا على سبيل الإلزام فهو حسن .
(27) انظر : البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم عبد الواحد ص 22 ويظهر لي أن هذا الشرط غير لازم بل يرجع فيه إلى أهل الاختصاص فمتى احتاج الأمر للتكرار وجب ذلك وإلا فلا .
(28) انظر : إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد الأشقر ص 441 – 460 ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – الوراثة والهندسة الوراثية - ويرى الشافعية والحنابلة والظاهرية أن القائف مخبر وليس شاهد = وبناء على ذلك لا يشترط العدد بل يكفي قول خبير واحد وهذا ما اختاره وهبة الزحيلي في بحثه البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ص 10 وهو الظاهر .
(29) انظر : البصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي ص 25 ، البصمة الوراثية في ضوء الإسلام ص 18 – بحث مصور مقدم للمجمع الفقهي بالرابطة 1422هـ .
(30) انظر : إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد الأشقر ص 441 – 460 ، ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – الوراثة والهندسة الوراثية -
(31) انظر : ملاحق البحث ، جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 27 / 10 / 1422هـ الموافق 11 يناير 2002م . وجاء هذا القرار بالأغلبية .
(32) انظر : إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد المختار السلامي ص 405 – ضمن البحوث المقدمة للندوة الفقهية الحادية عشرة من أعمال المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية 1413هـ .
(33) من خلال سماعي لرأيه ضمن مناقشات موضوع البصمة الوراثية بالمجمع الفقهي السادس عشر بمكة في 25 / شوال / 1422هـ الموافق 9 / يناير 2002م .
(34) انظر : الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري 1 / 506 ، 510 ضمن المناقشات الفقهية للبصمة الوراثية في الندوة الحادية عشرة من أعمال المنظمة الطبية الإسلامية للعلوم الطبية .
(35) انظر : بحثه البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ص 30 – بحث مقدم للمجمع الفقهي الحادي عشر بالرابطة 1422هـ - .
(36) انظر : البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لسعد الدين مسعد الهلالي ص 21 – بحث مقدم للمجمع الفقهي الحادي عشر بالرابطة 1422هـ -.
(37) سورة النور : 6 – 9 .
(38) انظر : مناقشات البصمة الوراثية بالمجمع الفقهي بالرابطة في الدورة السادسة عشرة 1422هـ – 2001م والاستدلال لصالح الفوزان .
(39) أخرجه البخاري (85 ) كتاب الفرائض (18 ) باب الولد للفراش برقم 6749 ، ومسلم (17 ) كتاب الرضاع ( 10) باب الولد للفراش وتوقي الشبهات برقم 1457وفيه لفظ " فرأى شبهاً بيناً بعتبة " .
(40) انظر : البصمة الوراثية في ضوء الإسلام لعبد الستار فتح الله ص 19 ، البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها لعمر السبيل ص 43 – 44 .
(41) رواه البخاري ومسلم .
(42) انظر : بحثه البصمة الوراثية في ضوء الإسلام ص 18 .
(43) انظر : زاد المعاد لابن القيم 5 / 362 .
(44) انظر : البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها لعمر السبيل ص 29 – 30 وقوله إنها مظنونة فيها نظر فالذي عليه قول أهل الاختصاص أنها قطعية والمتعين الرجوع إلى أقوالهم في المسائل التي تخصهم . انظر بحث دور البصمة الوراثية في اختبارات الأبوة للطبيبة صديقة العوضي ص 350 ، بحث البصمة الوراثية ومدى حجيتها في إثبات البنوة للطبيب سفيان العسولي ص 387 ، البصمة الوراثية ومدى حجيتها لسعد العنزي ص 432 ، إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد الأشقر ص 455 ضمن البحوث المقدمة للندوة الفقهية الحادية عشرة من أعمال المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية 1419هـ .
(45) سورة النور : 4 .
(46) من خلال سماعي لمناقشات البصمة الوراثية بالمجمع الفقهي بالرابطة في الدورة السادسة عشرة بمكة شوال 1422هـ ، وهذا التوجيه للصديق الضرير .
(47) سورة يوسف 26 – 28 .
(48) اختلف المفسرون في معنى ) وشهد شاهد من أهلها ( فقال مجاهد :" قميص مشقوق من دبر فتلك الشهادة، وقال سعيد بن جبير : كان صبياً في مهده ، وقال عكرمة : رجل حكيم ، ورجح ابن جرير أنه صبي في المهد لورود الخبر عن رسول الله e في ذلك انظر تفسير الطبري 7 / 194 ، تفسير القرطبي 9 / 172 ، تفسير ابن كثير 2 / 476 .
(49) انظر : البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لنصر فريد ص 30 .
(50) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 15 / 351 ، القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية في الجنايات والعقوبات لعبد الرشيد قاسم – رسالة ماجستير – ص 212 ، 218 .
(51) وقد حكى عمر السبيل – رحمه الله - عن عبد العزيز القاسم القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض أنه تقدم إليه شخص بطلب اللعان من زوجته للانتفاء من بنت ولدت على فراشه ، فأحال القاضي الزوجين مع البنت إلى الجهة المختصة بإجراء اختبارات الفحص الوراثي ، فجاءت نتائج الفحص بإثبات أبوة الرجل للبنت إثباتاً قطعياً ، فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن اللعان وزال ما كان في نفسه من شكوك في زوجته ، كما زال أيضاً بهذا الفحص الحرج الذي أصاب الزوجة وأهلها جراء سوء ظن الزوج ، فتحقق بهذا الفحص مصلحة عظمى يتشوف إليها الشرع ويدعو إليها ، انظر بحثه : البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها ص31 .
(52) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 22 / 332 ، جامع المسائل لابن تيمية المجموعة الثانية ص 239
(53) انظر : الطرق الحكمية لابن القيم ص 19 .
(54) انظر : الطرق الحكمية لابن القيم ص 19 وقد ذكر ابن القيم صوراً كثيرة دلت القرينة على الحكم الشرعي ، بل كانت أقوى من الشهادة والإقرار .
(55) سورة الأحزاب : 5 .
(56) انظر : زاد المعاد لابن القيم 5 / 371 أيضاً حاشية ابن القيم 6 / 262 ، مجموع الفتاوى لابن تيميـة 7 / 420 .
(57) انظر : مذكرة البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لنصر فريد ص 40 .






التوقيع

الدموع لا تسترد المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات !!
كل دموع الارض
لا تستطيع ان تحمل زورقا صغيرا يتسع لابوين يبحثان عن طفلهما المفقود
رد مع اقتباس
قديم 14-01-2010, 05:05 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
المحامي عماد غزال
محامي بفرع دمشق

الصورة الرمزية المحامي عماد غزال

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي عماد غزال غير متواجد حالياً


افتراضي رد: البصمة الوراثية و مدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية

هذا الموضوع من المواضيع الهامة جدا والذي أفرزه التطور العلمي والتكنلوجي ويجب على المشرعين في البلدان العربية التنبه له لتقنين موضوعاته وحالاته ...
وهو يشبه الموضوعات التي أفرزتها التطور الإلكتروني والشبكة الألكترونية والتي لا نزال بالدول العربية قاصرين فيها وبحاجة لتقنينات جديدة فيها تواكب التطور لحماية الحقوق ... ( مع بعض الاستثناءات القليلة )
أشكر الأساتذة اللذين أوردو مشاركات في هذا الموضوع ....







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اجتهادات هامة أحوال ردين حسن جنود أهم الاجتهادات القضائية السورية 3 12-11-2018 09:31 AM
مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة سامر تركاوي مقالات قانونية منوعة 0 27-02-2011 08:17 PM
البصمة الوراثية المحامي سعد حسين أبحاث في الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة 0 19-09-2010 12:21 PM
قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني أحمد الزرابيلي قوانين الجمهورية اللبنانية 0 08-11-2009 08:33 PM
قانون الاحوال الشخصية المحامي حيدر سلامة موسوعة التشريع السوري 4 24-01-2007 01:53 AM


الساعة الآن 05:03 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع