وزير العدل هو المشكلة ...
فلا يمكن أن يكون هو الحل !!
من يأمل أن يتم إصلاح القضاء من قبل وزير العدل – بغض النظر عن الشخص الذي يشغل هذا المنصب – هو في الحقيقة كمن يأمل أن يأتيه النسيم من الباب المسدود . ذلك أن علاقة القضاء والقضاة بوزير العدل هي الأصل الحقيقي لكل المشكلات التي تعاني منها السلطة القضائية . فالمفترض قانونياً ودستورياً أن القضاء سلطة مستقلة ، والاستقلال يجب أن يكون بمواجهة أي جهة أخرى خاصة السلطة التنفيذية ممثلة بوزير العدل . واستقلال القضاء عن وزير العدل يعني عدم إمكانية وزير العدل التدخل في الشؤون القضائية وعدم قدرته على إملاء الأوامر والقرارات على السلطة القضائية وأعضائها .
لكن ومنذ صدور المرسوم التشريعي رقم /24/ تاريخ 14/2/1966 والقاضي باعتبار وزير العدل نائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى ، والعلاقة بين القضاء ووزير العدل تتسم بالتبعية وعدم الاستقلال ، الأمر الذي خلَّف الكثير من السلبيات والمساوئ التي يعاني منها القضاء حالياً . وقد أدى المرسوم السابق إلى تكريس هيمنة وزير العدل على مجلس القضاء الأعلى الذي لم يعد قادراً إلا على إصدار القرارات التي يوافق عليها وزير العدل . بالإضافة إلى هيمنة وزير العدل على إدارة التفتيش القضائي وغيرها من مؤسسات السلطة القضائية ، وأخيراً هيمنته على المعهد القضائي ، مما أعطى وزير العدل القدرة على التدخل في تكوين القضاة وزرع بذور التبعية في نفوسهم منذ نشأتهم الأولى .
وهكذا أصبح القضاء منطقة النفوذ التي يجول ويصول فيها وزير العدل ، ومن يعتقد أن وزير العدل أي وزير عدل قد يتنازل عن جزء صغير من منطقة نفوذه يكون إما واهماً أو متوهماً .
قد يتحدث وزير العدل عن إصلاح القضاء وعن مكافحة الفساد فيه وعن تعزيز استقلاله ، لكن علينا ، قبل أن نسمح للأمل بمداعبة مخيلاتنا ، أن نتساءل ما الذي يقصده وزير العدل بهذه المفاهيم والمبادئ ؟؟ وهل يتوافق مفهومه لها مع أحكام القانون والدستور ؟؟ وهل يعني استقلال القضاء لديه أن يسعى إلى إلغاء المرسوم التشريعي السابق الذي يعتبر أكبر انتهاك لاستقلال القضاء في تاريخ سوريا ؟؟
من خلال الجولة التي قام بها وزير العدل السيد محمد الغفري والأحاديث التي أدلى بها إلى وسائل الإعلام يمكنني الجزم بأن لديه مفاهيم مختلفة تماماً عن إصلاح القضاء واستقلاله . فهو عند حديثه عن إصلاح القضاء يحاول – عامداً أو غير عامد – لفت الانتباه إلى المشكلات الفرعية والعارضة التي يعاني منها القضاء والقضاة دون الرجوع إلى الأصل الحقيقي لهذه المشكلات ، فهو يتحدث عن حل أزمة النقل لدى القضاة أو عن مشكلة تراكم الدعاوى أو عن مشكلة مقرات المحاكم دون الحديث عن أن سبب هذه المشكلات ليس القضاة وإنما وزارة العدل نفسها ومن ورائها السلطة التنفيذية التي يتبع لها . وهو عند حديثه عن استقلال السلطة القضائية يستشهد بنصوص الدستور التي تكفل استقلال السلطة القضائية وأعضاءها من القضاة ، دون أن يقول أن السبب الرئيسي لعدم استقلال القضاء هو تبعيته لوزارة العدل التي تتدخل في أدق تفاصيل الشأن القضائي .
إن أول خطوة على درب إصلاح القضاء يجب أن تكون خطوة تشريعية تتمثل بإلغاء تبعية القضاء والقضاة لوزير العدل من خلال إلغاء المرسوم التشريعي رقم 24 لعام 1966 وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى من كبار رجال القانون من قضاة ومحامين وأساتذة جامعة . وقبل ذلك يكون أي حديث عن إصلاح القضاء من باب التسويف والمماطلة .
هل تصدقون أن النسيم يأتي من الباب المسدود !؟!؟
خاص سوريا للقضاء والمحاماة
12/9/2005