من البداهة بمكان القول: إن أساس سن القانون هو تحقيق المصلحة العامة.
ومفهوم المصلحة العامة يعني تحقيق أكبر قدرٍ من المنافع للناس انطلاقاً من فكرة الحق.
لكن من ذا الذي يقرر أن قانوناً ما يجب أن يسن تحقيقاً للمصلحة العامة؟
من المنطقي أن يكون المجتمع ـ صاحب المصلحة العامة ـ هو الذي يقرر ذلك.
ولأن المجتمع هو صاحب القول في سن قوانين تضمن مصالح أفراده أنتج ما نسميه بالسلطة التشريعية المنتخبة والتي تمثل المجتمع، فتعبر عن مصالح الكل.
إذا كان الأمر كذلك، فمن أين تنشأ حالةٌ تُسَنَّ فيها القوانين في غير صالح المجتمع؟
ولا يسألن أحدٌ من العرب ما إذا كانت حالة سن القوانين في غير صالح الناس واقعة أم لا؟ لأن الوقائع تفقأ العين..
بل قل إن عالم العرب الراهن من أغرب عوالم القرن الحادي والعشرين من حيث سن القوانين المناقضة للمصلحة العامة.
أعود للسؤال: ما الشروط التي تجعل سَنَّ القوانين المناقضة للمجتمع أمراً واقعاً وممكناً.
إنها ولا شك السلطة، فالسلطة قوة إكراه وإلزام تحمل الناس على الخضوع.
فإذا كانت السلطة سلطة قهرية ذات عصبية ضيقة فإنها لا تنظر إلا إلى ما يحقّق لها قوتها القهرية ويديمها. ولهذا فهي تَسُنُّ القوانين المعبرة عن مصالحها هي وليس عن مصالح الكل.
وعندها نحصل على إكراه وإلزام قهري عبر قوانين قهرية وأساليب قهرية.
ونحن هنا لسنا أمام سلطات ثلاث وفصلٍ بين السلطات، بل أمام سلطة واحدة تشرع وتقضي وتنفذ. تتساوى هنا حال الممالك والجمهوريات في الوطن العربي.
ولما كانت الحرية هي الخصم الأخطر للسلطة في الوطن العربي فإن جلّ القوانين القهرية المناقضة للمصلحة العامة ذات ارتباط بالحريات العامة للناس.
فمن قوانين الحدّ من حرية التنقّل والسفر مروراً بالقوانين المانعة لحرية التفكير والتعبير، وقوانين مراقبة المكتوب إلى قوانين منع الاحتجاج والتظاهر والتعبير، وقوانين منع ظهور الشخصية السياسية والمدنية للمجتمع.
ولكن أخطر من هذا وذاك وجود القوانين القهرية التي تمنع التواصل بين أبناء الوطن العربي، كقوانين الحدود الجمركية وقوانين الدخول والخروج، وقوانين العمالة والعمل وقوانين الجنسية المصطنعة التي تتشبّث بها السلطات القهرية. وكل ما سبق من قوانين هي قوانين سلب الحق.
وإذا ما خيرنا بين الشريعة السائدة، شريعة السلطة العربية الراهنة وشريعة الغاب لاخترنا شريعة الغاب، لأن قوانين الغابة أكثر تقدماً من قوانين السلط العربية.