لا يمكن الحديث عن تجربة سنة من تطبيق مدونة الأسرة والنظام القضائي الذي أحدث للسهر على تطبيقها والعمل القضائي الذي أنجز خلال سنة ومجهودات وزارة العدل والحكومة ككل لإنجاح التجربة دون استحضار مجموعة حقائق بالغة الأهمية والدلالة :
أولا: إن التوجهات والاختيارات التي على مقتضاها صيغت قواعد مدونة الأسرة في الجوهر والشكل وعلى المستوى الإجرائي، تعتبر وليدة التراكمات والتحولات العامة التي عرفتها بلادنا في السنوات الأخيرة في المجالات الدستورية والمؤسسية والديمقراطية ومن صلبها وصلب المسار الذي أخذه ملف حقوق الإنسان، وأساسا الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، ببلادنا. وبذلك فهي حصيلة للمردودية السياسية للانتقال الديمقراطي الذي يعتبر العدل والقضاء عموده الفقري. ومن هذا المنطلق يبدو مرة أخرى أن الخيار الديمقراطي الحداثي خيار لا رجعة فيه في التوجه الملكي والحكومي والمجتمعي، لأنه الوسيلة المثلى لبلوغ المجد والتقدم
ثانيا: إن المنهجية التي على مقتضاها حضرت وشرعت مدونة الأسرة، منهجية معقلنة ومحكمة الدرس وغير مسبوقة. أعطت الدليل على الحكمة والتبصر إزاء التعددية الفكرية والسياسية للمجتمع المغربي واعتبارا لواجب الالتزام بالمرجعية الدينية السمحة لمجتمعنا ووحدة المذهب المالكي ومتطلبات التقنيات الديمقراطية للعملية التشريعية والشمولية التي على أساسها صيغت القواعد القانونية ذات الأساس الشرعي ثالثا: إن التزام القواعد التي تضمنتها مدونة الأسرة بالثوابت الشرعية وأساسا أصول الفقه المالكي مع تفتح على المذاهب السنية الأخرى بما يتناسب مع المستجدات والأحوال السائدة في المجتمع المغربي السائر في التطور، لم يحل دون تحقيق الانسجام مع مضامين الاتفاقيات الدولية المتعلقة بموضوع الأسرة وحقوقها قناعة ووفاء للالتزام الدستوري لبلدنا بالأخذ بمبادئ وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، خاصة منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية المتعلقة بالقضاء على العنف ضد المرأة واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والاتفاقيات الدولية الأخرى ذات الصلة. ولست في حاجة للإحالة على مواد المدونة بهذا الخصوص، للتدليل على هذه الحقائق فالفقهاء والقضاة والبرلمان والمجتمع المدني وأوساط الجامعة واكبوا وساهموا في صنع هذا الإنجاز الذي حقق إشعاعه الوطني والإعلامي والدولي وأصبح نموذجا ومرجعا لإصلاح قوانين الأسرة في كثير من الدول العربية والإسلامية. بل تسارعت مجموعة دول ومؤسسات أوروبية إلى طلب ترجمة المدونة إلى لغاتها.
في إطار سياسة الإصلاح التي تنهجها وزارة العدل ومن منطلق الخطاب الملكي ليوم 29 يناير 2003 بمناسبة افتتاح السنة القضائية وتوخيا لتبسيط الإجراءات والسرعة في تصريف القضايا بما
يتلاءم مع ما توخاه المشرع من مدونة الأسرة أقدمت الوزارة على تقديم مشاريع تعديلات تتعلق ببعض المواد من قانون المسطرة المدنية استهدفت بالخصوص إقرار المسطرة الشفوية لا سيما في قضايا النفقة والطلاق والتطليق بدل المسطرة الكتابية التي تتسم ببطئها وتعقيدها وتقليص آجال البت مع إعطاء الأوامر والأحكام في هذه القضايا الطابع التنفيذي بقوة القانون، وتعزيز مركز النيابة العامة ليتأتى لها القيام بدورها الرقابي و كطرف رئيسي وفق ما جاءت به المدونة.
كما تم تحيين مقتضيات من المسطرة المدنية لتتطابق مع مقتضيات المدونة.
وموازاة مع ذلك ساهمت الوزارة في إعداد مشروع الدليل العملي لشرح وتوضيح مضامين المقتضيات الجديدة التي أتت بها مدونة الأسرة واستجلاء الدلالات والمقاصد الكبرى لأهم بنودها.
فأتت بحلول أنارت السبيل لتطبيق سليم لمقتضيات المدونة، ولقد كانت الأيام الدراسية والندوات التي عقدتها الوزارة بإشراك الفاعلين رافدا مهما أثرى النقاش الذي ساد الأجواء التي طبعت التحضير لهذه المدونة، وهذا ما جعل الدليل يتضمن معالجة شاملة وبشكل مبسط ارتاح له كل الممارسين.
وبحثا عن توفير فضاء لائق بأقسام الأسرة بادرت الوزارة رغم الحيز الزمني المحدود، إلى إعداد مقار نعتبر البعض منها في المستوى المشرف والآخر في مستوى مريح ولائق نحرص على تحسينه وتوسعته في انتظار الانتهاء من بناء أماكن في المستوى المنشود
فأتت بحلول أنارت السبيل لتطبيق سليم لمقتضيات المدونة، ولقد كانت الأيام الدراسية والندوات التي عقدتها الوزارة بإشراك الفاعلين رافدا مهما أثرى النقاش الذي ساد الأجواء التي طبعت التحضير لهذه المدونة، وهذا ما جعل الدليل يتضمن معالجة شاملة وبشكل مبسط ارتاح له كل الممارسين.
وبحثا عن توفير فضاء لائق بأقسام الأسرة بادرت الوزارة رغم الحيز الزمني المحدود، إلى إعداد مقار نعتبر البعض منها في المستوى المشرف والآخر في مستوى مريح ولائق نحرص على تحسينه وتوسعته في انتظار الانتهاء من بناء أماكن في المستوى المنشود
إذا كانت الإحصائيات مرآة تعكس مدى جدوى التغيير الذي راهنا عليه من خلال هذه المدونة فإن الأرقام الأولية تبعث كلها على التفاؤل، فبالمقارنة بين عدد عقود الزواج التي أبرمت في هذه السنة مع العدد المبرم خلال السنة المنصرمة فإن هاجس التخوف من أن تكون مقتضيات المدونة تساعد على العزوف عن الزواج، لا محل له.
وإذا كانت المدونة قد علقت التعدد على الإذن به متى كانت هناك ظروف استثنائية تبرر السماح به، فإن الشروط التي وضعها المشرع وكيفية تعامل السادة القضاة معها أدى إلى انخفاض هذه الظاهرة. إذ لوحظ أن هناك تراجعا ملموسا؛ حيث لم تتعد حالات التعدد بعد سنة من تطبيق المدونة 904 حالة أي بنسبة 0.38% من مجموع رسوم الزواج المسجلة.
وإذا كانت المدونة قد أباحت للراشدة أن تعقد زواجها بنفسها فإن نسبة 14.5% من الزوجات هي التي عقدت بنفسها، مما يؤكد أن المرأة المغربية رغم ما خول لها من حق فهي لازالت متمسكة بالتقاليد المتجدرة التي تحكم الأسرة المغربية ومن حقها ذلك.
أما بالنسبة للتوافق على استثمار الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج فلم يسجل بالمحاكم بواسطة العدول سوى 312 رسما، وهو رقم بسيط إذا ما قورن بعدد عقود الزواج المبرمة كل سنة والمتراوحة ما بين 250 و300 ألف عقد زواج. ويتعذر في الوقت الراهن التعليق على هذا الرقم.
أما بالنسبة للطلاق فقد سجلت مختلف المحاكم خلال الفترة الممتدة بين تاريخ صدور المدونة و31/1/2005 ما مجموعه 26914 وإذا ما قورن هذا الرقم بعدد حالات الطلاق التي سجلت بنفس الفترة سنة 2003 يتبين أن نسبة الانخفاض تراوحت حسب المناطق ما بين 27% إلى 72% علما أن نسبة الطلاق الذي يوقعه الزوج تراجع بنسبة 42.7% وهذا الانخفاض يؤكد وجاهة الاختيار الذي سارت فيه المدونة، نتيجة تفعيل مسطرة الصلح بين الزوجين والعمل على تذويب الخلافات التي كانت تعكر أجواء استقرار الأسرة.
ومن جهة أخرى لابد من الإشارة إلى أن نسبة الطلاق الخلعي انخفض بما معدله 43.1% . فبعدما كان يحتل صدارة أنواع الطلاق تراجع ليشكل فقط ما نسبته 26.6% من مجموع أنواع الطلاق وهذا يدل على أن ما ابتدعته العبقرية المغربية من طلاق للشقاق، قد حل إشكالية الصعوبات التي كانت تضطر معها الزوجة إلى الخلع بشروط وقد تكون جد مكلفة، وهذا يعطي الدليل كذلك أن المساواة والتوازن الذي كانت تسعى إليه المدونة تحقق على أرض الواقع.
أما بالنسبة لقضايا الحضانة والنفقة والتطليق فإن عدد القضايا المسجلة عرفت ارتفاعا ملحوظا بنسبة 58.57% فيما يخص التطليق و16.3% بالنسبة للحضانة. وهو ما يوضح ما ساد من أجواء شعرت فيها المرأة بتحرر بعث فيها روح الثقة في مقتضيات المدونة ودفعها إلى طرق باب القضاء بحثا عن إنصافها. والجدير بالملاحظة أن عدد قضايا النفقة عرف انخفاضا بنسبة 3.7% وإن كانت هذه النسبة يتعذر معها القراءة الصحيحة فإن ما يتبادر إلى الذهن بقراءة أولوية هو مبادرة الملتزمين بالنفقة إلى الوفاء بالتزاماتهم.
إن تخليد الذكرى الأولى صدور قانون المتعلق لمدونة الأسرة لا نعتبره فقط مناسبة للوقوف على المنجزات والاعتزاز بالمكتسبات. ولكن نريد أن يكون كذلك لحظة تقييم ولحظة انطلاقة أخرى غايتها البحث عن الأحسن والأفضل لإسعاد الأسرة، هذه الخلية التي نراهن على سكينتها وتوازنها باعتبارها اللبنة الأولى في بناء صرح مجتمع متماسك، مؤمن بالقيم. فرغم ان هذه الإحصائيات تدعو إلى التفاؤل، فإننا نبقى على درب البحث عن الأمثل وأن المسيرة متواصلة ولن تنقطع. وأن كل مكونات المجتمع والدولة تنتظر من القضاء الشيء الكثير، ولدينا شعور بالمسؤولية وجسامة الرسالة الملقاة على عاتقنا. إذ بقدر ما هناك ارتياح لمضمون المدونة بقدر ما هناك انتظار من عطاء القضاء، الذي نعلم أنه على موعد مع التاريخ وأن رجالاته في مستوى الأمانة المطوقين بها من طرف أمير المؤمنين في النيابة عنه في إصدار الأحكام هذه الأمانة التي نعتقد أنهم يقدرونها حق قدرها وأنهم يعانون ويتحملون الكثير برا ووفاء بها.
وكلنا يقين أن السادة القضاة لن يدخروا جهدا في بلورة الاختيارات الصحيحة للمدونة في إبعادها الإنسانية والاجتماعية أثناء ممارستهم لمهامهم القضائية آخذين بعين الاعتبار تجربة سنة من التطبيق وخلاصات هذا اليوم الدراسي.
خطاب وزير العدل بمناسبة مرور سنة على اخراج مدونة الاسرة بالمغرب لحيز الوجود