العيوب الشكلية والعيوب الموضوعية في الشيك
والحالات التي تنتفي فيها المسئولية الجنائية عن ساحب الشيك (شيك الاتمان)
دراسة موجزة مقدمة من المحامي جمال عبد الناصر المسالمة
فرع نقابة المحامين بدرعا
المقدمة:
يعتبر الشيك في القانون أداة وفاء بالدرجة الأولى تجري مجرى النقود في التعامل وقد نص على ذلك قانون العقوبات و القانون التجاري السوري، كما أن الفقه الجزائي قد عالج موضوع الشيك بصفة عامة باعتباره صكاً جزائياً بحتاً ومن ثم لم يتوسع في التفسير والبحث والتأصيل والخوض في أعماق سبب تحرير هذا الشك من جهة واستغلال البعض للطبيعة الجزائية للشيك في تعاملاتهم التجارية أو المدنية من جهة أخرى إضافة إلى أن عقود الإذعان التي تبرمها البنوك الخاصة في بعض الدول مع الدائنين تجبرهم بموجبها على تحرير شيكات بقيمة تفوق قيمة القرض المستجر للتمكن من الضغط على المتعامل جزائيا في حال امتناعه أو تقصيره في التسديد دون النظر إلى وسائل الضمان الأخرى التي حددها القانون وفي أغلب الأحيان دون أخذ ضمانات كافية، وقد استقر الفقه على أنه لا يعتد بالسبب المؤدي إلى ارتكاب الجريمة لأنه من قبيل البواعث التي لا تؤثر في قيام الجريمة والعقاب وعاقب على مجرد تحريره بسوء نية وقد نص على ذلك في الباب الحادي عشر من قانون العقوبات (الجرائم التي تقع على الأموال) المواد 652 و 653 كما بين قانون التجارية في المواد 514 إلى 567 ماهية الشيك موضحاً مشتملاته وجوانبه القانونية.
اجتهاد:
الشيك أداة وفاء وليس أداة ائتمان ويتحقق جرم الشيك بدون رصيد بمجرد إصدار الشيك والتحقق من عدم وجود مئونة عند عرضه على المصرف المسحوب عليه.
(هيئة عامة قرار 263 أساس 412 تاريخ 19/6/2000 – مجموعة القواعد القانونية الجزء الثاني ص633)
الشيك وفق نص قانون التجارة السوري
تشترط المادة /514/ من قانون التجارية لكي يتوافر أركان الشيك أن يشتمل على البيانات الآتية:
آ ـ كلمة "شيك" مكتوبة في متن السند وباللغة التي كتب بها.
ب ـ أمر غير معلق على شرط بأداء قدر معين من النقود.
ج ـ اسم من يلزمه الأداء (المسحوب عليه).
د ـ مكان الأداء.
هـ ـ تاريخ إنشاء الشيك ومكان إنشائه.
و ـ توقيع من أنشأ الشيك (الساحب).
وقد اعتبر المشرع خلو السند من أحد البيانات المذكورة خروجه عن ما هيته وعدم اعتباره الورقة أو المحرر شيكاً إلا في الحالات معينة حددتها المادة /515/ من قانون التجارة وهي:
1- إذا لم يذكر مكان الوفاء، فالمكان الذي يذكر بجانب اسم المسحوب عليه يعد مكاناً للدفع، فإن ذكرت عدة أمكنة بجانب اسم المسحوب عليه، يكون الشيك مستحق الأداء في أول محل مبين فيه.
2- إذا خلا الشيك من هذه البيانات أو من أي بيان آخر كان واجب الوفاء في المكان الذي يقع فيه المحل الرئيسي للمسحوب عليه.
3- إذا خلا من بيان محل الإنشاء عد منشأ في المكان المبين بجانب اسم الساحب.
اجتهاد:
إن عدم ذكر مكان إنشاء الشيك وعدم ذكر أي مكان مسجل بجانب اسم صاحبه يجعل هذا الشيك فاقداً أحد بياناته ولا يعتبر شيكاً وهو أمر من متعلقات النظام العام وإن عدم وجود مؤونة له بتاريخ إصداره لا يشكل عدم إصدار شيك بدون رصيد.
(نقض – هيئة عامة قرار 30 أساس 96 تاريخ 18/3/1996 – مجموعة القواعد القانونية الجزء الثاني ص627)
يظل الشيك محتفظاً بكيانه القانوني متى توفرت فيه البيانات الإلزامية المنصوص عنها في المادة 514 قانون التجارة وأن تضمن بيانات أخرى غير إلزامية.
(نقض سوري ـ جنحة 4893 قرار 991 تاريخ 22 / 5 / 1982)
عيوب الشيك
تنقصم عيوب الشيك إلى قسمين:
1- العيوب الشكلية.
2- العيوب الموضوعية.
أولاً: العيوب الشكلية التي تصيب الشيك:
وهي عديدة وأساسها الفاصل هو أن يكون العيب شاملاً الصك أو الورقة في ذاتها وتشمل تلك العيوب:
1- الشيك الذي يحمل تاريخيين.
2- خلو الشيك من توقيع الساحب.
3- خلو الشيك من الأمر بالدفع.
4- عدم كفاية الصك بذاته لأن يكون شيكاً.
5- تزوير الشيك في أي من بياناته وخاصة التوقيع.
6- صورية التاريخ في الشيك.
7- الخلو من بيان مكان سحب الشيك.
8- خلو الشيك من اسم المستفيد أو المبلغ أو التوقيع على بياض.
اجتهاد:
استقر الاجتهاد القضائي على إن فقدان الشيك لمحل إنشائه يؤدي إلى فقدانه لصفته لجهة تطبيق نصوص قانون العقوبات من حيث العقاب على إصداره بلا مؤونة.
- إذا لم يحمل الشيك مكان إنشائه فلا يعتبر شيكاً بالمعنى القانون وبالتالي تفقد جريمة إصدار شيك بلا رصيد عناصرها المكونة لها.
- عدم ذكر مكان إنشاء الشيك وعدم ذكر أي مكان مسجل بجانب اسم الساحب يجعل من هذا الشيك فاقداً لأحد بياناته ولا يعتبر شيكاً وهذا أمر من متعلقات النظام العام وأن عدم وجود مؤونة للشيك بتاريخ إصداره لا يشكل إصداره جريمة شيك بلا رصيد.
(نقض – هيئة عامة قرار 342 أساس 185 تاريخ 27/8/2003 – مجموعة القواعد القانونية الجزء الرابع 759)
ثانياً: العيوب الموضوعية التي تصيب الشيك:
وهي تلك التي تستند أساساً إلى أوجه العيب غير الشكلية السابق ذكرها ولذلك فهي عديدة ومتنوعة مثل:
1. انقضاء الدعوى الجزائية في الشيك سواء بالتقادم أو الوفاة.
2. عدم جواز النظر في الدعوى لسبق الفصل فيها.
3. الأحكام المتعلقة بالوكالة في الشيك.
4. الأحكام المتعلقة بعدم توافر الارتباط في الشيكات عند المحاكمة عن عدة شيكات.
5. أحكام عدم الاختصاص في الشيك.
6. جميع الأحكام المخالفة لقواعد البطلان في الأحكام.
7. حالات السداد اللاحق أو السابق لقيمة الشيك.
8. حالات علم المستفيد بعدم وجود رصيد من عدمه.
9. الأحكام المتصلة بالاشتراك في الجريمة عند إصدار الشيك من أكثر من ساحب.
10. تحرير الشيك بالإكراه.
11. تحصل الشيك عن جريمة سواء بالضياع أو السرقة أو الإفلاس.
12. انتفاء القصد الجرمي.
13. تحرير الشيك لسبب مشروع أو غير مشروع.
اجتهاد:
- إن عدم تقديم الشيك في الموعد المحدد في المادة 532 تجارة هو ثمانية أيام لا يترتب عليه زوال صفته ما دام مقابل الوفاء لم يكن موجوداً بتاريخ السحب ولم يثبت الساحب أنه كان للشيك مقابل وفاء بتاريخ السحب.
(نقض – هيئة عامة قرار 162 أساس 303 تاريخ 23/9/1996 – مجموعة القواعد القانونية الجزء الثاني 629)
- إن العبرة في احتساب التقادم الثلاثي على جرم إصدار شيك بلا رصيد إنما هو لتاريخ تحريره وليس لتاريخ عرض الشيك على المصرف ولأنه يفترض أن يكون للشيك مؤونة منذ تاريخ إصداره وحتى الوفاء به أو انقضاء مدة التقادم المسقط للعقوبة.
(نقض – هيئة عامة قرار 345 أساس 169 تاريخ 19/8/2002 – مجموعة القواعد القانونية الجزء الرابع 739)
القصد الجرمي المطلوب في جرائم الشيك
إن القصد الجرمي المطلوب لقيام تلك الجريمة هو القصد العام ويتم بمجرد توافر عنصري العلم والإرادة من الفاعل والعبء في إثباته يقع على عاتق النيابة العامة ويكفي في ذلك إثبات قيام الدليل على وجود إحدى الصور المنصوص عليها قانوناً ولكن هذا لا ينفي أنه بمقدور الساحب أن يقيم الدليل على انتفاء القصد الجرمي لديه أي حسن نيته إعمالاً للقواعد العامة في الإثبات متبعاً أي دليل يراه موصلاً إلى تلك الغاية دون التقييد بقاعدة معينة ويترتب على إثبات حسن النية انتفاء المسئولية الجزائية حيث نصت المادة /652/ من قانون العقوبات على:
كل من أقدم عن سوء نية على سحب شك بدون مقابل سابق ومعد للدفع أو بمقابل غير كاف أو على استرجاع كل المقابل أو بعضه بعد سحب الشك أو على إصدار منع عن الدفع للمسحوب عليه يقضى عليه بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 641 .
اجتهاد:
حسن نية الساحب يتحقق بإعلام المستفيد بعدم وجود الرصيد وطلبه إبقاء الشيك كأداة ائتمان ريثما يتم الدفع وهذا مما يدل على حسن نية الطاعن التي اشترطتها المادة 653 من قانون العقوبات.
(نقض سوري ـ جنحة 323 قرار 1016 تاريخ 3 / 5 / 1966)
حسن نية الساحب يتحقق إذا كان مقابل الوفاء غير مستحق الأداء.
لئن كانت أحكام المادة 652 من قانون العقوبات قد نصت على فرض العقوبة الواردة في المادة 641 منه على كل من أقدم على سوء نية على سحب الشيك بدون مقابل أو على استرجاع مقابله بعد سحبه وكانت هذه المادة واردة في الفصل الثاني من الباب الحادي عشر المتضمن بحث الاحتيال وسائر ضروب الغش وإن عطفها على المادة 641 المشار إليها والمتعلقة بالاحتيال دليل على الارتباط الوثيق بينهما إلا أنه لما كانت المادة 11 من القرار 188 الصادر في 15 / 3 / 1926 قد جعلت العقود العقارية غير نافذة حتى بين العاقدين إلا من تاريخ تسجيلها. وقد ظهر أن العقارات المبيعة مثقلة بقيود لم يتمكن المدعي من رفعها حتى الآن وهو عاجز عن إنجاز معاملة الفراغ قبل إزالة هذه العقبات وشطب هذه القيود من دوائر السجل العقاري. وكان الطاعن على حق في تأخره عن دفع الثمن حتى يتم البيع والتسجيل لأن للمشتري أن يحبس الثمن إلى أن يستلم المبيع كما وأن البائع لا يستطيع قبض الثمن قبل ذلك وفقاً للمادة 425 من القانون المدني وكان المدعى عليه حسن النية حينما أظهر استعداده لدفع الثمن عند الفراغ الذي أصبح غير ممكن بسبب وجود إشارة الدعوى والحجز وقد أيده القانون بإظهار نيته الحسنة فلا يجوز بعد ذلك استنتاج سوء النية بلا دليل. وكان فقدان العناصر المكونة للجرم يجعل تطبيق العقوبة وفرضها في غير محله وسابقاً لأوانه ويؤدي إلى اعتبار الحكم مختلاً وجديراً بالنقض.
(نقض سوري ـ جنحة 1662 قرار 631 تاريخ 31 / 10 / 1959)
يمكننا أن نميز من خلال التطبيق العملي وطبيعة هذا الجرم بين نوعين من الشيكات درج العمل على تسميتها /بشيكات الضمان وشيكات الوديعة/.
إن شيكات الضمان لا تثار إلا بصدد موضوع سبب إصدار الشيك أو الباعث على إصداره.
إما شيكات الوديعة فتختلف اختلافاً تاماً عن شيكات الضمان وأساس ذلك أنها ترتد إلى طائفة
أخرى من الشيكات التي تعتمد أساساً على محاولات نفي الإرادة هذه الإرادة المقصود بها إرادة أطلاق الشيك في التداول على أساس انتفاء الركن المادي في جريمة إصدار شيك بدون رصيد الذي يعتمد في الأصل على أساس جوهري هو إرادة التخلي على حيازة الشيك للمستفيد وإطلاقه في التداول.
من هنا ظهر في التعامل ما سمي شيك الوديعة الذي يعني أن الساحب قد قام بتسليم الشيك إلى شخص آخر سواء أكان غير المستفيد وفي بعض الحالات المستفيد – كما لو كان مصرفاً على سبيل المثال - ليس بهدف صرفه وإطلاقه في التداول بل بهدف أن يودع على سبيل الأمانة لديه وبالتالي فإنه إذا تصرف المودع لديه في الشيك دون إذن من الساحب يكون قد ارتكب جريمة إساءة الأمانة.
من هنا نجد أن شيكات الوديعة ترتد أساساً إلى عيب يمتد إلى الركن المادي للجريمة حيث أن نية إطلاق الشيك في التداول لم تكن متوفرة ومن ثم فإن إرادة التخلي عن الحيازة النهائية للشيك – وإن تخلى بإرادته- لم تكن متوفرة ومن ثم يرتبط بالإرادة وأيضاً بالقصد الجرمي وهذا يختلف عن شيكات الضمان التي تعتمد أساساً على العيوب التي تنجم عن سبب إصدار الشيك ولا شك أنه يوجد اختلاف كبير بين سبب إصدار الشيك والقصد الجرمي لتحرير الشيك والإرادة لتحريره.
إن شيك الوديعة قد يجتمع بشيك الضمان في الحالة التي يكون أحد البنوك طرفاً فيها ومستفيداً عندما يصدر البنك شيكاً مسحوباً على البنك من احد العملاء فهنا قد يدفع العميل بأن الشيك قد تم تسليمه للبنك على سبيل الأمانة كوديعة وأنه إنما حرر هذا الشيك كأداة ضمان وليس أداة وفاء.
ومفاد شيك الوديعة أن المتهم عندما يصدر الشيك تكون إرادته معيبة وإذا كان المتهم قد تخلى عن حيازته لذلك الشيك فإن هذا التخلي عن الشيك لم يكن نهائياً ولا بنية إطلاقه في التداول ومن ثم لا تنعطف على هذا الشيك الحماية القانونية المقررة في قانون العقوبات وذلك لانهيار فعل الإعطاء للشيك الذي هو الأساس وجوهر الركن المادي في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.
ويثبت فعل الإعطاء بوجود الشيك في حيازة المستفيد ولكن هذا الوجود يعد قرينة نسبية على المناولة أو التسليم ويستطيع الساحب أن يثبت عكسها بكافة طرق الإثبات كأن يثبت مثلاً أن الشيك قد سرق منه أو كان تحت يد المستفيد بصفة أمانة وأن نيته لم تتجه إلى التخلي نهائياً عن حيازته له وأساس ذلك أن إعطاء الشيك وتسليمه للمستفيد على سبيل الأمانة إنما قصد به حفظ الشيك وعدم التنازل عن حيازته حيازة كاملة.
حالات تحول الشيك من أداة وفاء إلى أداة ائتمان وانتفاء الصفة الجرمية عنه
إن الشيك ومن الواقع القانوني يمكن أن يتحول إلى ورقة معيبة من الناحية الجزائية ويفقد تبعاً لذلك صفته التجريمية ويكون الساحب بمنأى عن العقاب لأن تلك العيوب التي تصيب الشيك تحوله إلى ورقة معيبة وتنحصر مسائلة الساحب فقط من الناحية المدنية أو التجارية ولكنه ينجو من المساءلة الجزائية وينقلب بذلك الشيك إلى شيك ائتمان ويمكن أن نلخص تلك الحالات كالتالي:
1- إذا حمل الشيك تاريخيين.
2- عدم كفاية المحرر بذاته لأن يكون شيكاً.
3- خلو الشيك من الأمر بالدفع لدى الإطلاع.
4- خلو الشيك من توقيع الساحب.
5- خلو الشيك من المبلغ أو عدم تحديد المبلغ أو تحديده تحدياً غير كاف.
6- الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه.
7- الجمع بين صفتي المستفيد والساحب.
8- الجمع بين صفتي الساحب والمسحوب عليه.
ومن ناحية أخرى فإن شيك الائتمان يعتمد أساساً على توافر أحد العيوب الشكلية التي تصيب الصك بالعور ولكن شيك الضمان يختلف عما سبق تماماً حيث أنه يعتمد أساساً على سبب إصدار الشيك والباعث على إصداره حيث أن السبب في إصدار شيك الضمان أن الساحب أصدره لسبب أحد العمليات التجارية على سبيل الضمان.
الحالة الأولى: الشيك الذي يحمل تاريخيين:
إن الشيك الذي يحمل تاريخيين هو من أبرز حالات تحول شيك الوفاء إلى شيك ائتمان وذلك لأن الأصل هو أن الشيك لا يحمل ألا تاريخ واحد فقط وبالتالي يكون أداة وفاء يجري مجرى النقود في المعاملات أما إذا حمل تاريخيين فأنه يتحول بذلك إلى أداة ائتمان ويفقد الناحية الجزائية والمسؤولية الجزائية عنه لأن الشيك قد أصبح ذا صفة تجاريه أو مدنيه.
وأنه من المقرر أن الدفع بأن الشيك يحمل تاريخيين هو من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.
الحالة الثانية: عدم كفاية المحرر بذاته لأن يكون شيكاً:
إن تدوين الشيك يعتبر صلب المحرر وأساسه وذلك لأن القانون لا يعرف شيكاً شفوياً لذلك فأن الشيك المدون هو أساس الالتزام بما يحتويه ولا يشترط أن يكون التوقيع على الشك باللغة التي دون بها الشيك ويجوز أن يتخذ الشيك صورة برقية ولا يشترط أن يحرر الشيك على النموذج الذي أعده البنك لذلك.
الحالة الثالثة: خلو الشيك من الأمر بالدفع:
إن جوهر الشيك انه أمر بالدفع صادر من الساحب إلى المسحوب عليه لمصلحة المستفيد فإذا لم يتضمن هذا الأمر فلا التزام يحمله المسحوب عليه تجاه المستفيد إذ لا علاقة بينهما سابقة على الشيك تصلح سببا لمثل هذا الالتزام ولذلك فإن خلو الشيك من الأمر بالدفع لدى الإطلاع يبطله ويجعله يفقد صفته الجزائية ولا يعد شيكاً ويصبح بالتالي أداة ائتمان لا أداة وفاء.
وإن الدفع بخلو الشيك من الأمر بالدفع هو من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحتى يحقق الشيك الغاية منه يجب أن يكون الأمر بالدفع منجزاً أي غير معلق على شرط سواء أكان واقفاً أو فاسخاً لأن هذا التعليق من شأنه عدم الوفاء بقيمة الشيك إلا عند تحقق الشرط وهو ما ينافي طبيعة هذا الصك.
الحالة الرابعة: خلو الشيك من توقيع الساحب:
إذا خلا الشيك من توقيع الساحب يعتبر ورقة لا قيمة لها ولا يؤبه بها في التعامل على الإطلاق وذلك لأن توقيع الساحب يعتبر من البيانات اللازمة في الشيك فعدم توقيع الساحب على الشيك يترتب عليه بطلانه وهو بذلك لا يصلح أن يكون أداة وفاء أو أداة ائتمان وأنه من المستقر فقهاً وقضاءً أنه إذا خلا السند من توقيع الساحب بطل الالتزام الوارد فيه لتخلف ركن الرضا.
ولكن إذا ثبت أن الشيك مكتوب بخط الساحب جاز اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يكمل بالبينة والقرائن كما هو مبين في قانون البينات مادة /56/ التي نصت على:
1- يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية، حتى ولو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسمائة ليرة سورية، إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة.
2- ومبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود العقد المدعى به قريب الاحتمال.
اجتهاد:
إن مبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل العقد المدعى به قريب الاحتمال. وإن تقدير ما إذا كانت الورقة تشكل أو لا تشكل مبدأ ثبوت بالكتابة يعود لمحكمة الموضوع ولا رقابة عليها بذلك من قبل محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً.
(نقض رقم 459 أساس 569 لعام 1995 سجلات النقض)
الحالة الخامسة: خلو الشيك من المبلغ أو عدم تحديد المبلغ أو تحديده تحدياً غير كاف:
إن خلو الشيك من المبلغ المراد صرفه يجعله ورقة غير قابلة للصرف وبالتالي فإنها تنقلب ليس فقط من أداة وفاء إلى أداة ائتمان بل أنها تنحدر إلى ورقة لا أساس لها في التعامل إلا إذا قام المستفيد بملء المبلغ المدون على بياض بعد ذلك.
فإذا قام المتهم بالدفع بأنه إنما قام بالتوقيع على الشيك خالياً من المبلغ وأن المبلغ المدون به يفوق المبلغ المتفق عليه لا يقبل هذا الدفع لأن المتهم إنما فوض المستفيد في وضع المبلغ الذي يريده من خلال تركه للشيك على بياض.
الحالة السادسة: الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه:
يجب أن يتم تحدي اسم المسحوب عليه تحديداً كاملاً نافياً للجهالة فإذا لم يتم هذا التحديد فإن الصك يفقد صفته كشيك.
وأن الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه في صك واحد قد يترتب عليه فقد الشيك صفته واعتباره مجرد تأمين تجاري ويكون الشيك بذلك قد فقد الشكل الثلاثي اللازم فيه وتنتفي عنه الصفة الجزائية.
لما كان الأصل أن فعل الإعطاء يتحقق بطرح الشيك في التداول أي بوصول الشيك إلى المستفيد فأنه تطبيقاً لذلك وفي هذه الصورة إذا لم يتم إطلاق الشيك في التداول ثم لا تقوم الجريمة أي أن الجمع بين صفتي الساحب والمستفيد تفقد الورقة صفتها الجزائية وتتحول إلى أداة ائتمان فقط.
ومثال ذلك قيام البنك بإلزام العميل أو المقترض على تحرير شيك لصالحة بمبلغ يفوق قيمة القرض وهذه الشيكات وفق ما نرى لا تعد شيكا بالمعنى القانوني لكونها لا تتضمن أشخاص الشيك وهم الساحب والمسحوب عليه والمستفيد ولا يعد إصدارها بدون رصيد جريمة وفقا لنص قانون العقوبات هذا بالإضافة إلى علم البنك بعدم وجود رصيد لهذه الشيكات وسوء النية في قبول مثل هذه الشيكات. وقد تعد مثل هذه الأوراق التي يستكتب البنوك بها عملائها من قبيل أوراق الضمان حيث لا يعد الصك أداة وفاء وهي الوظيفة الوحيدة للشيك إذا اثبت ذلك صاحب المصلحة بكافة طرق الإثبات.
الحالة السابعة: الجمع بين صفتي المستفيد والساحب:
المستفيد هو الشخص الذي يحرر الشيك لمصلحته وقد يكون شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً وقد جرى العرف على أن يصدر الشيك بإحدى الصور الثلاث (شخص معين – لأمر شخص معين – لحامله) وقد أجازت المادة /520/ من القانون التجاري أن يسحب الشيك لأمر الساحب نفسه.
الحالة الثامنة: الجمع بين صفتي الساحب و المسحوب عليه:
لا يجوز سحب الشيك على الساحب نفسه ذلك أن من شروط الشيك أن يتضمن أمراً بالدفع مما يتعذر أن يكون الساحب شخصاً غير المسحوب عليه فإذا كان الشيك مسحوباً على ذات الساحب فقد صفته وأصبح سنداً أذنياً يتعهد فيه محرر الصك بالوفاء ولا ينطوي على أمر بالوفاء وبالتالي تنتفي فكرة الشيك لأنه لم يعد ثمة أمر بالدفع وإنما صارت الورقة تحمل تعهداً بالدفع استثنى المشرع حالة واحدة هي عندما يكون مسحوباً من مؤسسة على مؤسسة أخرى كلتاهما للساحب نفسه وبشرط أن لا يكون مستحق الوفاء لحامله مادة /520/ قانون تجاري.
عقوبة إصدار شيك بدون رصيد وفق نص قانون العقوبات السوري:
الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.
لحامل الشيك المستفيد مطالبة من له حق الرجوع عليه بما يلي:
1- مبلغ الشيك غير المدفوع.
2- الفوائد ابتداء من يوم التقديم محسوبة بسعرها القانوني بالنسبة للشيكات المسحوبة في سورية والمستحقة الوفاء فيها، وبسعر 6% بالنسبة للشيكات الأخرى.
3- مصاريف الاحتجاج والإشعارات وغيرها من المصاريف.
خاتمة:
من خلال هذه العجالة أتمنى أن أكون قد أوضحت بأن الشيك كغيره من وسائل الوفاء يمكن وفي حالات معينة أن ينقلب لوسيلة ائتمان تخرجه من نطاقه الجزائي البحت وأن هذه الحالات متعددة وقد أغمض المشرع عينية عنها تاركاً للمحاكم الحرية المطلقة في تطبيق العقاب والجزاء على المخل حتى لو كان هذا الشيك قد حرر ابتداء بهدف الائتمان مغفلاُ النية والقصد الجرمي والاتفاقات التي قد تكون خافية أو مخفية ومفروضة من قبل المستفيد بقصد الضغط على الساحب لجعلها وسيلة تهديد تجبره على الوفاء قصراً وفي الوقت الذي يرغب به مما يدفعنا إلى القول بضرورة أعادة النظر في تلك النصوص القانونية للوقوف على ماهيتها ومعالجتها بشكل دقيق وعملي يتفق مع واقع التعامل ومع المبادئ القانونية والنظام العام.
الكاتب المحامي
جمال عبد الناصر المسالمة
مراجع البحث:
- قانون العقوبات السوري.
- قانون البينات.
- قانون التجارة.
- مجموعة القواعد القانونية التي أقرتها محكمة النقض.
- الدفوع بالشيك أمام القضاء الجزائي د. حامد الشريف.
- الموسوعة الجنائية جندي عبد المالك.