الى كل مهتم بمتابعة الحراك القانوني في مجال التحكيم أهدي الطعن في أحكام التحكيم :
احدث المشرع السوري في قانون التحكيم الجديد تغييراً جذرياً في طرق الطعن التي يمكن ولوجها ضد أحكام التحكيم , فألغى النصوص التي كانت تسمح بالطعن في الحكم التحكيمي بالاستئناف أو بإعادة المحاكمة , ونص بشكل صريح على صدور أحكام المحكمين طبقاً للقانون الجديد مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن (م 49) , متبعاً في ذلك منهج القانون المصري (م 52) وقانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم (م34) , وقصر إمكانية مراجعة الحكم التحكيمي على دعوى البطلان التي أجاز رفعها في حالات محددة وحصرية نصت عليها (م 50) من قانون التحكيم الجديد والنظر فيها والطعن في الأحكام الصادرة فيها من خلال المادتين (51 , 52 تحكيم سوري) .
وتعتبر أحكام المواد (49) ومايليها من القانون الجديد أحكاماً مستحدثة كلياً . كان المشرع السوري سائراً على نهج مغاير لها تماماً في ظل النصوص الملغاة من قانون أصول المحاكمات , واستقر القضاء السوري في جميع أحكامه على خلافها طوال نصف قرن من الزمان تقريباً [1] .
وقد تبنى المشرع السوري نفس الأحكام والقواعد الخاصة بدعوى البطلان والتي اعتمدها القانون المصري عام 1994 وتعديلاته , وقانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم, إلا انه تضمن أحكاماً مغايرة للقانونين المذكورين بالنسبة لبعض الإجراءات والمهل الخاصة بدعوى البطلان . فنصت المادة (51) على وجوب رفع دعوى البطلان خلال مدة ثلاثين يوماً فقط تلي تاريخ تبليغ الحكم للمحكوم عليه , في حين جعلها القانون المصري تسعين يوماً (م 54/1 مصري) . وخصّ المشرع السوري المحكمة المعرفة في المادة (3) من قانون التحكيم –وهي حتماً محكمة الاستئناف- وحدها بنظر دعوى البطلان سواء أكان التحكيم وطنياً أم تجارياً دولياً وذلك على عكس المشرع المصري الذي ميز بهذا الخصوص بين التحكيم الوطني والدولي (م 54/2 معطوفة على المادة /9/ تحكيم مصري) .
من ناحية أخرى , أوجب المشرع السوري على محكمة الاستئناف أن تفصل بدعوى البطلان خلال مدة /90/ يوماً تبدأ من تاريخ اكتمال الخصومة ورغم عدم وجود جزاء إجرائي معين على مخالفة هذه المدة , إلا أننا نرى أن المشرع كان موفقاً في اشتراطه الفصل بالدعوى خلال مهلة معينة وذلك لحث المحكمة على سرعة الفصل في دعوى البطلان وهذا ما يساير منطق التحكيم ويحقق إحدى غاياته وميزاته الكبرى .
كما نص المشرع السوري على انه إذا قررت المحكمة ردّ دعوى البطلان فان قرارها يقوم مقام اكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ , وهو منهج يحقق الاقتصاد في النفقات والوقت والجهد ويساير منطق التحكيم أيضاً من خلال عدم فرض رقابة قضائية أخرى من خلال دعوى الاكساء طالما بسط القضاء رقابته على الحكم التحكيمي من خلال دعوى البطلان (م 51/4) .
من ناحية أخرى , نص المشرع السوري في المادة (52) على إمكانية الطعن في قرار محكمة الاستئناف الصادر بإبطال حكم التحكيم أمام محكمة النقض خلال ثلاثين يوماً التالية لتبليغ الحكم , ووجوب البتّ في هذا الطعن من قبل محكمة النقض خلال مدة /90/ يوماً من تاريخ وصول ملف الدعوى إليها .
ورغم أن إتاحة الفرصة للطعن بالنقض فيه إطالة لأمد النزاع فإننا نرى انه يحقق فائدة كبيرة من خلال وصول أحكام التحكيم إلى محكمة النقض وتوحيد التفسير وإتاحة المجال للاجتهاد القضائي لتلافي أي نقص أو غموض في قانون التحكيم الجديد .
أخيراً : فان القانون الجديد لم يتضمن أية أحكام خاصة بإعادة المحاكمة , واعتراض الغير , واكتفى في المادة (49) بالنص على عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن بأي طريق , تاركاً المجال مفتوحاً أمام القضاء والفقه لحسم الجدل الدائر حول إمكانية الطعن في أحكام التحكيم بهذين الطريقين حسب القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات السوري .
[1] - انظر الأحكام الكثيرة لمحكمة النقض السورية غرفة المخاصمة والهيئة العامة – المنشورة في تقنين أصول المحاكمات السوري – طعمة واستانبولي – الجزء السادس – دمشق .