[align=justify]( لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محامياً )
هذه الأمنية ملكية أعلنها ملك فرنسا لويس الثاني عشر حينما كان يعتلي عرش مملكته .. فكيف و نحن الآن محامين، هل نتمنى أن نكون محامين لو لم نكن كذلك ؟؟
أي مهنة أكثر عراقة من مهنتنا ( المحاماة ) بظهورها وبتقاليدها وأعرافها وهيبتها.. هذه المهنة التي بدأت جذوتها عام 2778 قبل الميلاد ، حين ظهرت الخصومة و تمثلت ابتداءً عند المصريين القدامى والسومريين في جماعة من ذوي العلم والصدق والثقة والأمانة يقومون بتقديم وإسداء المشورة للمتخاصمين .. أما في عهد حمورابي عام 1750 قبل الميلاد شهدت تطوراً ظهرت فيه فكرة هي أن لكل متخاصم الحق أن يولي أمره في المطالبة بحقه لأحد غيره وذلك في سبيل نيله أو تحقيق براءته .. وقد أطلق على هؤلاء ( من يستنجد به الناس ) وهي كلمة ( أدفوكات ) ، ثم ظهرت بمظهرها الذي هو ( صديق يساعد ويعضد المتهم بحضور محاكمته ).
وفي عصر الامبراطورية الإغريقية الأولى شهدت هذه المهنة تطوراً نوعياً ظهر معه اصطلاح (المحامي) وكان أول تنظيم أو رابطة للمحاماة قد نشأ في عهد جوستينيان .. تمايز فيه (الوكيل المدني والوكيل بالعمولة) عن الصناع والتجار ، وكانوا وهؤلاء لا يؤدون القسم الخاص بالمهنة .
أما في عهد الدولة العثمانية ظهر أول تنظيم للمحاماة عام 1876 ميلادي ، وفي بلادنا كانت أول نقابة في النشوء هي نقابة محامو حلب في عام 1912 ثم نقابة دمشق في عام 1921 .. وكان يعمل آنذاك بنظام وكلاء الدعاوى لدى هاتين النقابتين .. إلى أن أصدرت نقابة دمشق في عامها ذاك أول لائحة لتنظيم مهنة المحاماة ، ثم تلتها في ذلك نقابة حلب في عام 1922 ، وذاك العام شهد نشوء نقابة محامو اللاذقية..
وفي عام 1930 صدر القرار 2117 الخاص بتنظيم النقابات الثلاث في سورية، إلى أن صدر قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 51 لعام 1951..
وكانت لسورية بذلك الأسبقية في تنظيم مهنة المحاماة، وفي تأسيس هذه النقابة التي امتدت بعراقتها إلى آلاف السنين قبلاً، والتي كونت جملة أعرافها وتقاليدها التي أسست عليها وأورثت لها العناية والاهتمام الخاص والبالغ بها وبأشخاصها ... تبعث الفعالية الحقيقية فيها و لها، مما يدفع المحامي أولاً أن يحترمها ويعتبرها من أهم ذخائره الشخصية.. لا سيما وأنها السبب الأول في فك عزلته اجتماعياً وبشكل محترم ومرموق، وهو بذلك يشعر بها أنه ينتمي لأسرة متماسكة وقوية.
هذه التقاليد والأعراف حقيقة ، ليست هي ولعاً بالماضي أو تقليداً أعمى للقديم بل هي هيبة مهنتنا و هويتنا نحن المحامون .. و أن في إحيائها و في المحافظة عليها قوة مهنتنا وسموها وقوتنا نحن .
المحاماة .. ذات أمانة ومسؤولية .. وهي لاشك معاونة للقضاء تكمله وتشاطره مهمة إقامة العدل ، لابد لها أن تكون ذات اهتمام خاص واستقلال يعتبر جزءً من استقلال القضاء .. والمحامون قاطبة أينما كانوا ووجدوا على هذه اليابسة هم على ارتباط واحد يتمثل بوحدة هدفهم ومسؤوليتهم ورسالتهم .. وهي المعقل الحصين لاستقلال القضاء وللدفاع المشروع الذي هو حق مقدس، والذين هما يعكسان في مظهرهما الصورة الرئيسة لمعرفة مدى صلاح المجتمع.
وبذلك لابد لها انطلاقاً مما ذكر أن تشترط توافر خصال النبل من صدق وأمانة ونزاهة واستقامة وشرف تضمن له الثقة والاحترام .. هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى فيما يجب توافره من خصال الفروسية من جرأة وذكاء وفطنة وسرعة بديهة وحضور وإلمام علمي وقدرة على الجدال وعلى الإقناع في شخص الذي يريد الإلتحاق بركبها.. وأن توافر ذلك ليس مطلوباً في مزاولته لمهنته فحسب بل في كل نواحي حياته الاجتماعية ، هذا الالتزام الأخلاقي الرفيع يعتبر مقوماً له يضعه بانسجام مع دوره في أداء الرسالة التي يحملها.
ذلك لأن عمل المحامي لا يتمثل فقط في استقبال موكليه و تمثيلهم في الدعاوى التي هي لهم أو عليهم فحسب .. بل إن المحامي مجتمع كامل ومتكامل ، فهو يعيش آلام أفراد مجتمعه وآماله ، وهو مسؤول عن الدفاع عن حقوقهم وعن كرامتهم ، ودفع الباطل والجور .. ومراقبة التشريع ومناقشته وانتقاده واقتراح البدائل والمساهمة في تطوير المجتمع ومحاربة فساده والعمل على إصلاحه بما يأتي على استقراره وأمنه وتقدمه ... وهذا غيض من فيض مهمته .
ففي كل دول العالم أتت في قوانينها على الاهتمام بالمحامي اهتماماً خاصاً بما يليق بمنزلته وموقعه المهني والعلمي في مجتمعه ، وكان التأكيد على الناحية النظرية أولاً وقبل كل شيء.. حتى أحاطته بهالة من التحصينات، سعيها بذلك لتأمين المناخ الأمثل والملائم له في الأمن والطمأنينة الذي يجب أن يكون فيه لأداء رسالته السامية التي حمل أمانتها ومسؤوليتها دونما تردد أو وجل.. وبما يحقق له الاستمرار.
مَن سبقنا من المحامين الأوائل في نقابتنا الجليلة كانت لهم مآثرهم و كانوا قد حققوا نهضة كبيرة في مهنتهم بما التزموا به من هذه الأعراف والتقاليد وبما سعوا إليه بالمحافظة عليها ، الأمر الذي حقق الخدمات والمكاسب للمحامي وضمن له كل ما يصون كرامته ويحصنه من كل سوء واقع أو محتمل الوقوع.. و بذلك كانت مهنة المحاماة قد سمت برفعة بما انتصرت به من هذه التحقيقات، بل كان سموها حقيقياً خلص إلى اعتلائها مكانتها التي تستحقها من على قمة الهرم الاجتماعي والمهني والعلمي.. [/align]