لقد أحدثت الحاويات ثورة جذرية في تركيب الميناء الهيكلي حيث أخذت موانئ جديدة بالظهور تسمى محطات الحاويات.وكان ظهور نظام الحاويات وليد الحاجة الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أجور العمال من جهة، وزيادة تكاليف السفن أثناء وجودها في الميناء عاطلة عن العمل.ولتحقيق الأغراض الاقتصادية التي كانت وراء ظهور هذا النظام استخدمت روافع ضخمة تفرغ ما معدله 20 حاوية في الساعة، فإذا عملت رافعتان في نفس الوقت كان معدل تنزيل الحاويات من السفينة هو 40 حاوية في الساعة، الأمر الذي يجعل إيجاد مكان في الميناء يتسع لجميع الحاويات التي يتم تفريغها من السفينة أمرا ًفي غاية الصعوبة، لذا جرى العمل على إنشاء محطات الحاويات (container terminals)نتيجة لقلة الفراغ في الميناء، بحيث يتم تحريك الحاويات إلى هذه المحطات بمجرد تنزيلها من السفينة.
وتقام هذه المحطات إما في الميناء نفسه أو في منطقة الميناء أو في منطقة صناعية أو تجارية وتخدم الطرق البرية محطات الحاويات ويتوافر في الكثير منها طرق حديدية تصل المحطة بالموانئ البحرية.
ويمتلك المحطة إما شركة مساهمة يشترك في ملكية أسهمها منظمات نقل حكومية وخاصة أو تجمعات ملاحية كبرى (كونسورتيوم) يضم وسطاء شحن وناقلين بريين وآخرين مشتركين في مثل هذا العمل أو سلطة الميناء المحلية.
وتكون المحطة مزودة بجميع المعدات اللازمة لعمل الموانئ من روافع لمناولة الحاويات من وإلى السفينة (روافع "جسرية، موبيل كرين، كانتري") وروافع شوكية وسبيدرات لمناولة الحاويات من الرصيف إلى الناقلة وبالعكس و وناقلات وغيرها.
وتعمل المحطة على شحن وتفريغ الحاويات و تجميع بضائع صغار المصدرين في حاوية واحدة مرسلة إلى بلد واحد (LCL)كما تعمل على تجزئة حمولة الحاوية التي تشمل على بضائع مستوردة لأكثر من شخص، كما يجري تعبئة الحاوية المرسلة إلى شخص واحد (FCL)، وإجراء معاملة التخليص الجمركي في المحطة في كلتا الحالتين ثم نقلها بالشاحنات أو السكك الحديدية إلى الميناء البحري المطلوب للتحميل .
ولأهمية محطات الحاويات في تسهيل حركة الحاويات بأقل قدر ممكن من العوائق أخذت الدول، وخاصة الصناعية منها، في إنشائها وتجلى هذا الاهتمام في أنّ مؤتمر وزراء النقل الأوربيين أمر في كانون الأول لعام 1970 بطبع خارطة توضح محطات الحاويات في أوربا، فالمملكة المتحدة(بريطانيا) كان فيها ست قواعد للحاويات حتى عام 1975 منشأة في نقاط تجارية وصناعية لخدمة الشحن المباشر ومجهزة ومطقمة لتقديم خدمات تجميع البضائع تحت الرقابة الجمركية.
في سورية، كان النقل البحري من أولويات العمل الوطني لدى المسؤولين المختصين في الشأن البحري، فكان الإعلان نهائيا ًعن بدء عمل محطة حاويات اللاذقية الدولية بتاريخ 01/10/2009، إلا ّ أنّ ذلك قد تم وسط حالة من الارتباك والفوضى تجلت بادئ الأمر حين تمً استقبال السفن التابعة لخطوط النقل البحرية دون تنظيم عقد بين الناقل والمحطة المشغل يحدد الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق كل فريق من الفريقين وذلك على غرار ما هو متبع في محطة طرطوس الدولية للحاويات وغيرها من المحطات الدولية، ومن ثم إعلام الوكلاء البحريين بأنّ سفن الحاويات سوف ترسو على أحد الأرصفة الأربعة المحدد من المحطة وفق أسلوب"من يصل أولا ً يُخدَّم أولا ً" وبوجوب إخبار مديرية الإرشاد في شركة مرفأ اللاذقية عن الوقت المتوقع لوصول السفينة قبل الساعة 12 ظهرا ً من اليوم السابق للحصول على خدمة الرسو في أول رصيف متوفر خلال الــ 24 ساعة اللاحقة، في حين أنّ المسافة الفاصلة بين مرفأ بيروت واللاذقية أو بين ليماسول واللاذقية أو مرسين واللاذقية لا تتجاوز في أصعب الظروف المناخية أو غير المألوفة (6-7 ساعات) و بين الإسكندرية واللاذقية أو أزمير واللاذقية (19-20) ساعة، إضافة إلى التضارب الواضح في التعليمات المرسلة من قبلها بحيث تضمنت وجوب التصريح لمحطة الحاويات عن الوقت المتوقع للوصول أيضا ً، فكان التساؤل عن الجهة التي يجب إعلامها بالوقت المقدر للوصول؟؟ خاصة وأنه من الناحية القانونية، لا علاقة مباشرة لشركة المرفأ بالناقلين والوكلاء البحريين في الأمور المتعلقة بالتشــغيل، هذا عوضا ً عن التأخير الذي سببته للشركات الناقلة بحيث تعين على السفن التابعة لها الانتظار حتى يحين دورها في ظل وجود أربعة أرصفة فقط للرسو، فإذا ما رست وبوشر العمل في تشغيلها تبيّن أن ّ السفينة بحاجة إلى عدة أيام لتسفيرها بدلا ًمن يوم إلى يومان على أبعد تقدير وذلك لأنّ روافع الـ موبيل كرين و الكانتري المستخدمة من قبل المحطة تتناول من 7-12 حاويات في الساعة، في حين أنّ معدّل تناول الحاويات في محطات الحاويات العربية والدولية ومنها محطة طرطوس والتي تمتلك ذات الروافع الموجودة حاليا ً في ميناء اللاذقية هو من 25-35حاوية في الساعة، مخالفة بذلك أهم المبادئ التي نشأت على أثرها محطات الحاويات في العالم وهو تخفيف تكاليف السفن أثناء وجودها في الميناء وليس زيادتها بإطالة مدة بقائها فيه،هذا من جهة، فإذا بالحاويات تتزاحم في الأرصفة الأربعة بسبب قلة الآليات العاملة من جهة وعدم إدخال آليات جديدة سواء تلك المتعلقة بمناولة الحاوية من الرصيف إلى الناقلات وبالعكس أو تلك المتعلقة بنقل الحاويات من الأرصفة إلى الساحات المخصصة للمحطة أو تلك المتعلقة بتنظيم و تستيف و رص الحاويات، من جهة ثانية، الأمر الذي سبب استياء ً عاما ً لدى الأوساط التجارية بسبب الغرامات وبدلات الخزن التي ترتبت عليهم نتيجة التأخير في استلام بضائعهم والتي ما كانت لتترتب في الأحوال العادية قبل استلام المحطة للعمل، أما النقص في الآليات فيعود إلى اعتماد المحطة على آليات المرفأ دون إدخال آليات جديدة ذات فعالية لغاية تاريخه بالرغم من تضمن العقد لبنود تشير إلى وجوب إدخال آليات جديدة لرفع مستوى العمل والرقي بميناء اللاذقية ليكون من الموانئ المنافسة شرق المتوسط، كل ذلك أدى بالنتيجة إلى تفكير بعض الناقلين إلى الانتقال إلى مرفأ طرطوس ذو السمعة الحسنة حيث توجد محطة حاويات طرطوس الدولية، والتي أثبتت جدارتها بالرغم من صعوبة العمل وفق المقومات التي كانت متاحة أمامها بداية عملها.
أخيرا ً، نتمنى تصحيح الأخطاء الموجودة حاليا ًوالتي لم نذكر منها إلا القليل، ودعوة إدارة المحطة إلى تقويم الوضع الراهن ووضع الخطط لتحسينه و المباشرة بتنفيذها فورا ً دون إبطاء، حتى لا تكون فوضى ترمي بعبئها على كاهل أبناء وطننا الغالي.
المحامي
ســـــــليم الســـــــابق
s.s_legal@yahoo.com