حول حصانة المحامي
تعليق على حكم لمحكمة النقض
محمود الهنداوى
المصدر : http://www.mohamoon.com/montada/Default ... ticalTopic
في 25 نوفمبر سنة 1940 أصدرت محكمة النقض حكمًا ذهبت فيه إلى أن حصانة المحامي الوارد ذكرها في المادة (52) من قانون المحاماة رقم (135) لسنة 1939 لم تقرر لحمايته في كل ما يقع منه بالجلسة على الإطلاق وإنما الغرض من تقرير تلك الحصانة على سبيل الاستثناء إنما هو حماية المحامي أثناء تأدية واجبه كمحامٍ حتى لا يشعر أثناء قيامه بهذا الواجب أنه محدود الحرية وانتهت محكمة النقض من ذلك إلى أن هذه هي الحالة التي لا يكون للقاضي أن يحكم فيها على المحامي بالجلسة لما يقع منه وأنه إذا كان المحامي لم يكن يؤدي واجبه فلا تكون ثمة حصانة بل يكون للمحكمة أن تعامله بمقتضى الأحكام العامة فتحكم عليه فورًا بالجلسة أو تحيله إلى النيابة لتجري شؤونها نحوه.
ونرى قبل أن نناقش هذا المبدأ أن نشير إلى الموضوع الذي من أجله حوكم المحامي الذي صدر بشأنه هذا الحكم وهو يتلخص في أن محاميًا آخر طلب نظر قضاياه قبل دورها بسبب عذر لديه فأجابه القاضي إلى طلبه غير أنه قبل إجابة هذا الطلب دخل المحامي موضوع المحاكمة إلى غرفة الجلسة طالبًا البدء بنظر قضاياه هو أولاً فأفهمه القاضي بأن زميلاً له سبقه في ذلك وأنه أجابه إلى طلبه واستمهله حتى ينتهي النظر في قضاياه فصمم المحامي مقدم الطعن على أن يطلب قضاياه هو فاضطر حضرة القاضي إلى نظر القضايا بحسب دورها غير أن من كان موجودًا من حضرات المحامين بالجلسة طلبوا إلى حضرة القاضي البدء بنظر قضاياهم وحرروا بها كشفًا وبدأت المحكمة في نظرها طبقًا لهذا الكشف وفي أثناء نظر بعضها دخل المحامي مقدم الطعن إلى الجلسة منفعلاً بعد أن كان قد خرج منها وسأل حضرة القاضي عن السبب في نظر هذه القضية قبل دورها بعد رفضه طلب قضاياه ثم بدأت بعد ذلك الوقائع موضوع المحاكمة على الوجه المبين في أسباب حكم النقض سالف الذكر.
ويهمنا بعد ذلك أن نلمح بإيجاز إلى أصل التشريع الخاص بالحصانة، فقد تضمن المشروع المقدم من حضرة الأستاذ كامل صدقي بك نقيب المحامين السابق والذي كان ثمرة بحثه وبحث مجلس النقابة زمنًا طويلاً والذي تشرفت بعد ذلك بتقديمه إلى مجلس النواب في مستهل سنة 1938 تضمن هذا المشروع نصًا مؤداه كالآتي: (ليس للمحاكم أو لأية هيئة قضائية أن تحاكم المحامي فيما يقع منه بالجلسة أمامها أو تتخذ ضده إجراءات مقيدة للحرية أو من شأنها أن تمنعه من القيام بواجبه وإنما لها إثبات ما يقع منه بمحضر الجلسة ليكون تحت تصرف السلطة المختصة).
وفي الوقت الذي تقدم فيه هذا المشروع تقدم مشروع آخر من حضرة الأستاذ عمر عمر تعديلاً للمادتين (85) و(89) من قانون المرافعات الأهلي تضمن نصًا مؤداه (أنه إذا وقع تشويش من أحد المحامين وجب إثبات ما وقع في محضر الجلسة ثم تبلغ صورة منه إلى الجهة المختصة لإجراء شؤونها).ولما عرض موضوع حصانة المحامي على لجنة العدل بمجلس النواب سنتي 1936 و1937 اتجه رأي اللجنة إلى جعل هذه الحصانة عامة مطلقة بلا قيد وتردد صدى هذا الاتجاه في تقرير لجنة العدل الذي قدم لمجلس النواب في سنة 1937 فثبت فيه بعد أن بين أهمية حصانة المحامي أن أحد أعضاء اللجنة رأى عدم سريان هذه الحصانة على المحامي حال عدم قيامه بواجبه ولكن اللجنة رأت أن تكون الحصانة عامة مطلقة طالما كان المحامي موجودًا بالجلسة.
وبعد أن طويت هذه المشروعات وما صاحبها من تقارير تقدمت الحكومة بمشروع آخر تنكرت فيه لحصانة المحامي ثم بعد ذلك استجد من الظروف ما دعى إلى عدولها عن هذا التنكر وإقرارها لمبدأ الحصانة، ولكن حدث أن اقترحت لجنة العدل عند نظرها مشروع حضرة الأستاذ النقيب كامل صدقي بك الذي تشرفت بتقديمه باسمي كما بينت آنفًا مع مشروع الحكومة وانتهت بالأخذ بموضوع الحصانة الذي تضمنه المشروع الأول معدلاً على الوجه الآتي: (ليس للمحاكم أو لأية هيئة قضائية أن تحاكم المحامي أثناء قيامه بواجبه أو بسببه فيما يقع منه في الجلسة أمامها أو تتخذ ضده إجراءات مقيدة للحرية أو من شأنها أن تمنعه من القيام بواجبه وإنما لها إثبات ما يقع منه بمحضر الجلسة ليكون تحت تصرف السلطة المختصة).ويستبين من ذلك أن اللجنة أضافت على مشروع مجلس النقابة العبارة الآتية: (أثناء قيامه بواجبه أو بسببه). وقد وجهنا ما استطعنا من نقد لهذه العبارة بجلسة مجلس النواب المنعقدة في 15 ديسمبر سنة 1938 وبينا ما فيها من مآخذ طالبين حذفها من المادة بسبب أن محاميًا قد يكون منتظرًا دور قضيته بالجلسة فيحدث بينه وبين أحد زملائه أو بينه وبين شخص آخر بالجلسة ما ينتهي إلى حدوث نزاع بينهما تعتقد المحكمة أن فيه إهانة لها فتستعمل حقها وتحكم على المحامي بالحبس أو الغرامة.
ولم يشأ مجلس النواب أن يأخذ بهذا الرأي فصدر المشروع مقيدًا الحصانة بهذا القيد.وكنا نرجو من محكمة النقض أن ترعى حتى هذا القيد إذ تأثرت بجزء من تلك العبارة المقيدة لمبدأ الحصانة وهو أن يكون المحامي محصنًا أثناء قيامه بواجبه ونسيت باقي هذه العبارة:
(أو بسببه) إذ أن الظاهر من استقراء وقائع النزاع الذي حصل بين المحكمة والمحامي أن ما حدث من المحامي كان على الأقل بسبب أدائه واجبه وإن لم يكن أثناء قيامه بواجبة إذ من أسباب قيام المحامي بواجبة أن يتعجل في نظر قضيته حتى يذهب إلى محكمة أو دائرة أخرى يباشر فيها قضية أخرى.
فيتبين من ذلك أن المبدأ الذي قررته محكمة النقض غير متمشٍ حتى مع القيد الذي قيدت به المادة (52) من قانون المحاماة حصانة المحامي، وليس أدل على ذلك من أن حضرة القاضي المجني عليه نفسه لم يذهب إلى ما ذهب إليه محكمة النقض بل نفذ ما قضت به المادة (52) من قانون المحاماة معتبرًا أن ما وقع من حضرة
المحامي كان بسبب أداء واجبه.
هذا ما أردنا توضيحه حتى يفهم القيد الذي قيدت به الحصانة على وجهه الكامل. كتبه الأستاذ الجليل/ محمود غنام المحامي
محمود الهنداوى
المحامى بالاستئناف - المحلة الكبرى 0123457619