دعوه لحضور حفل تنصيب بيل كلينتون

* تلقيت قبل سنوات خلت بطاقة دعوة من " البيت الابيض " لحضور حفل تنصيب الرئيس كلينتون وظننت لاول وهلة ان الدعوة وصلت الي عن طريق الخطأ فأنا لست شخصا مهما الى الدرجة التي أدعى فيها الى حضور حفل تنصيب الرئيس الامريكي وهو حفل محدود ويحضره في الغالب كبار المسئولين ورجال الكونغرس واسماء محدودة جدا من العاملين في وسائل الاعلام الامريكية هذا فضلا عن أني لست صاحب تجربة في حضور احتفالات من هذا النوع ولا زلت أذكر ان اهم احتفال دعيت اليه في ببلدي كان بمناسبة طهور ابن المختار وقد تم اجلاسي في الصفوف الخلفية مع الشيالين والعربجية أما الصفوف الاولى فتم حجزها لمدير المخابرات في المدينة ومدير الشرطة والعديد من اصحاب الدكاكين الذين يلعبون دور " رجال الاعمال " .

* بعد اجراء عدة اتصالات هاتفية مع واشنطن علمت ان الدعوة حقيقية وانها لم تصل الي عن طريق الخطأ وان الدائرة المختصة بالعلاقات العامة والصحفية في البيت الابيض هي التي اختارتني لحضور الحفل فشكرت السيدة الفاضلة التي اخبرتني بذلك ووعدتها ان اخصها بزيارة خاصة بعد الحفل ان شاء الله .

* هذه ليست المرة الاولى التي اتورط فيها بدعوة خاصة من رئيس دولة رغم اني "لا في العير ولا في النفير" .... ففي مطلع عام 1980 تلقيت دعوة مماثلة من رئيس رومانيا " تشاوشيسكو " لحضور احتفالات العيد الوطني .... كنت يومها اقوم بزيارة سياحية عادية لمدة اسبوع من خلال مكتب سفريات في ابو ظبي وقد نزلت في فندق " بوخارست هوتيل " واتصلت بالصديق " ....." الذي كان يعمل انذاك في سفارة فلسطين بالعاصمة الرومانية فكرمني بزيارة عاجلة عرفني خلالها على مسئول في وزارة الخارجية كان يحرص ان يصادق زياد حتى يتمكن من خلاله شراء الدخان المهرب دون جمرك والذي يباع انذاك لاعضاء السلك الدبلوماسي وكان زياد منهم باعتباره احد موظفي السفارة ... الموظف الروماني " شم " رائحة الدولارات فعرض علي شهادة دكتوراه مقابل جهاز تلفزيون ملون 27 بوصة سيتقاسم ثمنه مع " استاذ " في الجامعة مختص بتوزيع الشهادات على الاثرياء مثلي .... وبعد اخذ ورد وافق المسئول على ان يجمعني بالدكتور وان ينظر في امكانية ان يعطيني خصما لاني" يتيم" او على الاقل ان يقلل من عدد البوصات ليكون التلفزيون 21 بوصة مثلا .

* كانت رومانيا يومها تعد العدة لاقامة احتفال كبير بمناسبة عيدها الوطني وكان المذكور من المسئولين عن تنظيم الاحتفال فحشر اسمي من ضمن المدعوين الذين توجه اليهم بطاقات الدعوة موقعة باسم الامين العام للحزب الحاكم في رومانيا ورئيس الدولة تشاوشيسكو .... وكان التلفظ باسم تشاوشيسكو بين الرومانيين يثير الهلع ... والرعب .... فما بالك والداعي لحضرتي هو شاوشيسكو شخصيا .

* توقفت سيارة سوداء رسمية امام الفندق ونزل منها شخص مهم يضع نظارات سوداء وناول موظف " الريسبشن " في الفندق بطاقة الدعوة حتى يسلمها لي .... قرأ الموظف بطاقة الدعوة فكاد يغمى عليه .... فشاوشيسكو شخصيا يدعو نزيلا في الفندق لحضور الاحتفال .... يا للهول .

* رن جرس الهاتف في الغرفة التي كنت انزل فيها في الفندق .... وبأدب جم اخبرني الموظف ان ادارة الفندق قررت نقلي الى " جناح " في الفندق تقديرا لي وتعبيرا عن شكر الادارة وامتنانها لاني شرفت وباركت فندقهم بالنزول فيه وانا على ما انا عليه من اهمية وخطورة ... وبعث مدير الفندق الي بسلة من الفواكه مع بنت شقراء شبه عارية اخبرتني انها تحت امري في كل ما اطلبه منها وغزتني بعينها فلم أفهم - لاني كنت يومها حمار في لغة الغيون - فزرب عرقي خجلا واتصلت من فوري بزياد ابو الهيجاء لاسئله " شو القصة " .

* بطاقة الدعوة التي انتشر خبرها بين عمال الفندق قلبت كياني .... فموظف الريسبشن ظن ان بامكاني التوسط له عند وزير الخارجية الروماني .... والشقراء " اللي تحت امري " توسمت في خيرا لكي انقلها الى فندق اخر اكثر وجاهة .... وجرسون المطعم شكى لي انه يعمل في وظيفته هذه لاكثر من عشر سنوات وان توصية مني لشاوشيسكو قد ترقيه الى منصب مدير في المطعم .... وحتى الشغالة التي تنظف الغرفة طلبت مني صراحة ان احدث صديقي شاوشيسكو لعله يأمر بتوظيف ابنتها في احدى الوزارات .

* حضرت الاحتفال فعلا وكنت اجلس مع زياد وصاحبه المسئول في وزارة الخارجية والدكتور " بياع الشهادات " في صالة كبار الزواروهي مواجهة للصالة التي يجلس فيها شاوشيسكو وياسر عرفات والنميري وعدد منه رؤساء الدول .... وكان الدكتور " بياع الشهادات " ينكشني كل خمس دقائق حتى اعطيه سيجارة مالبورو ( على الحساب ) ولما " زهقني " اعطيته العلبة كلها وقلت له اني اريد الشهادة بتقدير جيد جدا فابدى امتعاضه واقسم اغلظ الايمان بشرف امه انها " ما بتوفي معي " وبعد اخذ ورد اتفقنا ان يكون التلفزيون 19 بوصة فقط ... وبدون ريموت كونترول مع كروز دخان مالبورو.

* بطاقة كلينتون اعادت الي كل هذه الذكريات السعيدة ... فقررت ان احضر الحفل فعلا وان " اضرب " صحبة مع كلينتون وزوجته هيلاري وابنته " تشيلسي " وبالمرة مع " مونيكا " !!

* بعد عدة اتصالات هاتفية مع واشنطن علمت ان حضور الحفل يجب ان يتم باللباس الرسمي " فورمل " ولاني " غشيم " في هذه المسالة فقد اتصلت بصديق لي " حريف " في " الفورمل " فأخبرني اني احتاج الى بدلة سموكن من نوع خاص والى ربطة عنق من نوع " ببيونه " ونصحني ايضا ان اجدد في كلاسيني وجراباتي قائلا ان الاجراءات الامنية في القاعة قد تدعو حرس الرئيس الى تفتيشي تفتيشا ذاتيا واجباري على خلع البنطلون وربما الكلسون للتأكد من اني لا احمل معي اسلحة .... وبالتالي يتوجب علي ان البس كلاسين تليق بالمناسبة بخاصة وان الكلاسين التي البسها في العادة من النوع الرخيص التي كنت اشتريها بالرطل من محلات "وول مارت" واضاف صديقي الخبير في " الفورمل " انه حتى لو لم يتم اجباري على خلع البنطلون من ضمن اجراءات التفتيش فماذا سأفعل لو تعرفت فعلا خلال الحفل بمونيكا وطلبت مني ان اريها "الكلسون" !!

* ولان صديقي الخبير في " الفورمل " لا يحب ان يقدم اية خدمة لا يكون له فيها " كوميشن " فقد نصحني ان اشتري البدلة ومرفقاتها من محل تجاري يملكه " أخوه " وقادني فعلا الى محل اخيه ليأخذ مقاسي ويحسب الكلفة النهائية للعدة من البدلة السموكن الى الجرابات مرورا بالكلسون والشيال والببيونه والصرماية وازرار القميص والغليون الذي نصحني ان اشتريه وان اضعه بين اسناني طوال الحفلة للدلالة على اهميتي .... وبحسبة سريعة مع اجراء بعض الخصميات لي " كرمال اخوه " اخبرني صاحب المحل ان " العدة " ستكلفني خمسة الاف دولار بلص تاكس .

* طلبت من صديقي الخبير في " الفورمل " مهلة حتى ادرس الامر واوازن بين حسابات الربح والخسارة لأرى هل تستحق الحفلة ان انفق عليها خمسة الاف دولارا بلص تاكس .... وبعد استشارات عديدة مع اصدقاء عدة قررت ان اقبل الدعوة وان اشتري البدلة والكلاسين والجرابات المطلوبة ... وكادت الصفقة تتم لولا ان امرا طارئا دخل على الخط ليخرب كل مشروعاتي .... فقد اخبرني صديق اخر من الخبراء بمثل هذه المناسبات ان الدعوات هنا في امريكا تختلف عن الدعوات هناك في بلداننا العربية .... فهناك لا يطلب من المدعو اكثر من هدية او " نقطة " واحيانا لا يطلبون منه اكثر من مجرد الحضور لاكل المناسف والثريد والاستمتاع مجانا ببرامج الحفل ....أما هنا في أمريكا فعلى المدعو ان يشتري بطاقة لان الدعوات على الطعام ليست مجانية .

* اعدت حساباتي من جديد ... وقلت : يا ولد بسيطة ... خمسة الاف بلص تاكس ثمن البدلة ومرفقاتها .... ومائة دولار ثمن بطاقة الدعوة .... وثلاثمائة دولار ثمن تذكرة السفر الى واشنطن .... ومائة دولار فندق .... اي ان الكلفة العامة تقل عن ستة الاف دولار وهذا ثمن معقول لحضور حفل الرئيس كلينتون والجلوس معه ومع تشلسي ومونيكا .

* وللمزيد من التأكيد اتصلت بالسيدة التي بعثت الينا بالدعوة لاحجز تذكرة وطلبت منها ان تفكس لي الاسعار ففكست .... ومن يومها طلقت " البيت الابيض " طلاقا بائنا بينونة كبرى واقنعت نفسي ان كلاسين "وول مارت" اريح .... وان البدلة الحالية التي البسها والتي اشتريتها بخمسين دولارا من محل للبالات في شارع "هارون" اجمل .... وان صرمايتي الحالية " ماشي حالها " وان كانت تحتاج الى " نص نعل " .... فقد كانت اسعار الطاولات في حفل تنصيب كلينتون تبدا بخمسة وعشرين الف دولار للنفر ... وتنط الى ربع مليون دولار للطاولة وهذا قطعا فوق ميزانيتي ... فاعتذرت عن حضور الحفل وطيرت رسالة الى صديقي كلينتون اخبره فيها اني ولاسباب تتعلق بانشغالي لن اتمكن من حضور حفل تنصيبه رئيسا .... وبطبيعة الحال لم اخبره بحكاية كلاسين وول مارت .... ونص النعل ... وبدلة السموكن التي اراد صديقي الخبير بالفورمل ان يلزقها بي مقابل خمسة الاف دولار .... فهذه مسائل شخصية وسرية " توب سيكرت" لا يجوز الكشف عنها او الكتابة عنها ....الا في " عرب تايمز ".