إعادة التحكيم:
1 - اختلاف الحَكَمين:
جاء في تفسير القرطبي: "فإن اختلف الحكمان، لم ينفذ قولُهما، ولم يلزم من ذلك شيء، إلا ما اجتمعا عليه"[1]، وكذلك كل حَكَمين حُكِّما في أمر; فإن حَكَم أحدهما بالفُرقة ولم يحكم بها الآخر؛ أو حكم أحدهما بمال، والآخر بغير مال، لم يكن شيء؛ لأنه اختلاف محضُ، كالشاهدين، إذا شهدأحدهما ببيع، والآخر بهبة، فإنه لاينفذ اتفاقاً0
وفي المذهب المالكي: إن اختلف الحكمان، ولم يتفقا على شيء، عزلهما القاضي، وعيّن حَكَمين غيرَهما، وهكذا، حتى يتفقا على شيء، فينفذه[2]، وأْْْْنْ طلّق أحدهما ولم يطلّق الآخر، فلا يكون هناك فراق[3]، ولو حكم واحد بطلقة والآخر باثنتين، فهي واحدة، ومازاد فهو خطأ ولايُلزم الزوج إلا بواحدة؛ والأمر نفسه في المذهب الشافعي، فجاء في المغني: "إن اختلف الحكمان في رأيهما، بعث القاضي اثنين غيرهما، حتى يجتمعا على شيء"[4]0
وفي فقه الإمامية للحلي: "ولو اختلف الحكمان، لم يمض لهما حكم"[5]0
وأجمع العلماء، على أن قول الحَكَمين نافذ في الجمع، وإن لم يوكلهما الزوجان؛ واختلفوا: هل ينفذ قولهما في الفُرقة؟ حُكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيهما أيضاً، من غير توكيل[6]0
ويرى سيد سابق: أنه "إن لم يتفق الحكمان على رأي، أمَرَهما القاضي بإعادة التحقيق والبحث، فإن لم يتفقا على رأي، استبدلهما بغيرهما"[7]0
هذا في الشريعة الإسلامية، أما في القانون الوضعي:
فمن المعروف أن الأحكام تصدر إما بالإجماع أو بالأكثرية، وهذا لدى الهيئات التي تتشكل من ثلاثة قضاة[8] أو أكثر[9]، وحيث إن التحكيم الشرعي، قوامه حكمان اثنان، فإن صدور التقرير بالأكثرية هنا – ابتداء – لاوجود له؛ فالتقرير إما أن يصدر بإجماع الحَكَمين، أو بمخالفة أحدهما للآخر[10] ، فيكون لكل حكم رأي؛ وقد استقر الاجتهاد والفقه والقانون على أنه: إذا اختلف الحكمان في الرأي، حَكّم القاضي غيرَهما، أو ضم حكماً ثالثاً مرجِحاً إليهما، له خبرة بالحال، وقدرة على الإصلاح، وهذا مانص عليه قانون الأحوال الشخصية: "إذا اختلف الحكمان، حكّم القاضي غيرهما، أو ضم إليهما حكماً ثالثاً مرجِحاً، وحلفه اليمين"[11]؛ وهذا يعني أن المحكمة بالخيار هنا، بين أن تعيّن حَكَمين جديدين، أو أن تُبقي على الأولين وتعين معهما حكماً مرجِّحاً، ويجب أن يكون منضماً لأحدهما، وغير مستقل في عمله، ويؤكد ذلك اجتهادات محكمة النقض، والتي منها: "إعادة التحكيم، يعود لتقدير المحكمة، فيما إذا رأت أن ذلك مُجدٍ في الإصلاح بين الزوجين، وكانت نتيجة التحكيم غير مقنعة للمحكمة"0[12]
ويبدو أن القاضي يتخذ رأيه، إما بإعادة التحكيم، أو بضم مرجِح، بناء على ما يبينه الحكمان في تقريرهما، من سبب الاختلاف؛ فجاء في حكم لمحكمة النقض: "إذا اختلف الحكمان، وجب أن يبيّن كلٌ منهما رأيه بتقريره، وسبب الاختلاف؛ ليكون القاضي على بيّنة؛ فإما أن يحكّم غيرَهما، أو يضم إليهما حكما مرجِحا"[13]0
وهناك حالة أخرى لإعادة التحكيم، نصت عليها المادة 115، وهي منوطة بقناعة القاضي ورأيه أيضاً، ولكن على أن يكون ذلك لمرة واحدة، فجاء في المادة المذكورة: "على الحَكَمين أن يرفعا تقريرهما إلى القاضي، ولايجب إن يكون معللاً، وللقاضي أن يحكم بمقتضاه، أو يرفض التقرير، ويعين في هذه الحالة، وللمرة الأخيرة، حَكَمين آخرين"[14]0
[1] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 6، 294
[2] وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، الموسوعة الفقهية، 29، 56
[3] الإمام مالك بن أنس الأصبحي، المدونة الكبرى، ج2، 268
[4] الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، 4 ، 409
[5] عبد الرحمن الصابوني، مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الإسلامية، 769
[6] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، 280
[7] سيد سابق، فقه السنة، ج2،290، وأثبتنا العبارة كما وردت، والصواب (استبدل غيرهما بهما)، لأن الباء تدخل على الأمر المتروك، قال تعالى (أتتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، ويرى الأستاذ زياد رزق أنه يمكن أن نقول في هذه الحال: (استبدلهما وأتى بغيرهما)0
[8] أو محَكَمين0
[9] نعني بذلك أعضاء الهيئة العامة لمحكمة النقض0
[10] لايصح أن نقول هنا: تشتت الآراء، لأن التشتت، لايكون إلا إذا كانت الآراء، ثلاثة أو أكثر0
[11] المادة 114، الفقرة4 قانون الأحوال الشخصية السوري0
[12] قرار محكمة النقض السورية، الغرفة الشرعية، رقم 1607، أساس 1335، تاريخ 21/8/2005، منشور في "مجلة المحامون"، نقابة المحامين في سورية، السنة 71، العدد5و6، لعام 2006، القاعدة 243، 121
[13] قرار محكمة النقض السورية، الغرفة الشرعية، رقم 333، أساس 345، تاريخ 20/6/1973، ممدوح عطري، قانون الأحوال الشخصية، 112
[14] والحالة هذه أُضيفت بموجب التعديل الجاري بالمادة 15 من القانون 34 تاريخ 31/12/1975،وكان النص قبل التعديل: "على الحَكَمين: أن يرفعا تقريرهما إلى القاضي، ولايجب أن يكون معللاً، وعليه أن يحكم بمقتضاه، إذا كان موافقاً لأحكام هذا الفصل"0