مصير القانون 3/1976
في ضوء المرسوم التشريعي رقم 82/2010
المحامي الأستاذ بيير عبد الأحد
(من فرع حلب)
كان الهدف من إصدار القانون 3/1976 هو منع الاتجار والمضاربة بالأراضي المعدة للبناء والواقعة ضمن المخطط التنظيمي العام المصدق وذلك بقصد الحفاظ على المستوى المقبول من أسعارها والحيلولة دون ارتفاع أسعار تملك الأراضي نتيجة المضاربة ومن ثم تشجيع أصحابها على بنائها وطرح المقاسم السكنية في السوق العقارية . ونصت المادة الأولى من القانون 3/1976 المذكور :
مادة 1 – آ – يمتنع بعد نفاذ هذا القانون على من يشتري أياً من الأراضي الكائنة ضمن حدود أي مخطط تنظيمي عام مصدق وضمن مناطق الاصطياف بيعها كلاً أو جزءاً أو التوكيل بذلك ويشمل هذا المنع الهبة ما لم تكن لإحدى الجهات العامة أو الجمعيات الخيرية وبدون عوض وكل عقد صوري يخفي بيعاً .
هذه المادة أعلاه من القانون 3/1976 كانت ولا زالت نافذة وملزمة إلى أن صدر المرسوم التشريعي رقم 82/2010 .
وجاء بأسبابه الموجبة :
إن صدور القانون رقم 14 لعام 1974 المعدل بالقانون رقم 59 لعام 1979 كان الهدف منه إيجاد الحلول لمشكلات تأمين السكن والإسكان من خلال استثمار العرصات المعدة للبناء بكامل مساحتها الطابقية ، وإلزام مالكيها بالبناء خلال فترة لا تتجاوز أربع سنوات ، ولم يطبق سوى على مدن دمشق – حلب – حمص ، واقتصر نفاذه على كل أرض معدة للبناء غير جارية بملكية الجهات العامة ضمن حدود العمران للوحدات الإدارية من المقاسم الناتجة عن تطبيق أحكام قانون تقسيم وتنظيم وعمران المدن والمقاسم والعقارات السكنية والتجارية ومناطق الحرف .
وقال :
إن التطورات الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية وخاصة الاستثمار العقاري التي يشهدها القطر ، وارتفاع أسعار العقارات والأبنية ، والزيادة السكانية فرضت إعادة النظر في كثير من التشريعات ومنها القانون 14 لعام 1974 المعدل لتشمل أحكامه مدن مراكز المحافظات والمدن التي يزيد عدد سكانها على مئة الف نسمة ، أو أي وحدة إدارية ذات فعالية اقتصادية أو سياحية .
إن نص القانون قد شمل مشاريع التطوير والاستثمار العقاري السكنية العائدة للقطاعين الخاص والمشترك ومشاريع المجتمعات العمرانية الجديدة ومشاريع الجمعيات التعاونية السكنية وللمقاسم والعقارات ذات الصفات السكنية والتجارية والخدمية والسياحية والصناعية ومناطق الحرف والأبنية المهدمة والأبنية المنفذة جزئياً ولم يستكمل بناؤها وفق نظام البناء النافذ .
هذا القانون سيكون من حيث النتيجة إحدى الوسائل في تأمين السكن من قبل القطاع الخاص والتعاوني وفق ما نصت عليه الخطة الخمسية الحادية عشرة ، إلى جانب تزايد العرض ليتوازى مع الطلب على السكن ، ما سيكون له الأثر أو سيكون وسيلة لتخفيض السعر .
وهكذا ، تبدو الأسباب الموجبة لكلا التشريعين (القانون 3/1976 والمرسوم التشريعي 82/2010) متطابقة ، كما تغدو الأهداف الاقتصادية والاجتماعية مشتركة وقد قصد المشرع بإصدار هذه القوانين إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع في السكن والإسكان .
وفي ضوء الأسباب الموجبة والأهداف المشتركة لكلا التشريعين لا بد من طرح السؤال التالي :
هل المرسوم التشريعي رقم 82/2010 قد ألغى – ضمناً – القانون 3/1976 ؟؟
نعود إلى المرسوم التشريعي 82/2010 فنقرأ نص المادة 20 منه كالتالي :
ينهى العمل بالقانون 14 لعام 1974 والمعدل بالقانون 59 لعام 1979 اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا المرسوم التشريعي .
النص أعلاه ألغى صراحة القانون 14/1974 ... إلا أنه سكت عن القانون 3/1976 مما يدعو إلى طرح السؤال عن مصير القانون /3/ المذكور في ضوء المادة /2/ من القانون المدني ونصها :
لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء ، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم ، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعد ذلك التشريع .
هذا ، وبالعودة إلى أحكام المادة /5/ من المرسوم التشريعي 82/2010 نقرأ النص التالي :
(ج) – يعد كل بيع للعقار المرخص أو لأحد أقسامه عن غير طريق السجل احتيالاً يعاقب عليه البائع أصيلاً أو وكيلاً بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات .
(د) – يستوفى من المشتري رسم تسجيل بنسبة 0.001 واحد بالألف من قيمة كل بيع يسجل لدى الجهة الإدارية إضافة للرسوم الواجبة للخزينة العامة .
(هـ) – يجب على الجهة الإدارية الطلب إلى الدوائر العقارية عدم نقل ملكية العقار المرخص أو وضع أي إشارة عليه إلا بإشعار لاحق منها .
(و) – يشترط لتنازل المرخص له بالبناء عن العقار أو المقسم للغير موافقة الجهة الإدارية على نقل ملكية العقار في السجل العقاري باسم المشتري ويعتبر المرخص له ومن اشترى العقار المرخص ملتزمين بالتكافل والتضامن بكامل الالتزامات المترتبة على المرخص له تجاه الجهة الإدارية ومشتري المقسم .
وهكذا وبموجب الفقرة /و/ أعلاه ... أجاز المشرع لمالك العقار المرخص له بالبناء – أن يبيع العقار ويتنازل عنه إلى الغير – بمعزل عن أحكام القانون /3/ وبمعنى أوضح فإن تاريخ تملك العقار سواء كان قبل عام 1976 أو بعده ... لم يعد موضع بحث بمجرد ترخيص الأرض المعدة للبناء ...
هكذا صراحة النص للمادة /5/ فقرة /و/ من المرسوم التشريعي رقم 82/2010 المناقضة تماماً لنص المادة الأولى من القانون 3/1976 .
وهذا التناقض – وفقاً لمفهوم المادة /2/ من القانون المدني يعني إلغاء النص القديم بنص جديد – إلغاءً ضمنياً – يعبر عنه بنص المادة (5/و) والأسباب الموجبة للمرسوم التشريعي 82/2010 .
وقد أكد السيد وزير الإدارة المحلية هذا الأمر بتصريحه إلى مجلة (الاقتصادية) حين قال حرفياً :
أما عن كيفية تخفيض المرسوم لأسعار العقارات ، فأوضح الوزير أنه « عندما يكون لديك آلاف العقارات في مدن مراكز المحافظات غير مبنية وأصحابها غير مكترثين ببنائها ، وتزداد أسعارها وهي دون إعمار ، ويدغدغ مالكيها فكرة الربح حتى دون إشادة بناء ، وإذا كانت عملية انتقال هذه العقارات غير المبنية تتم بصورة غير نظامية ، فمن المؤكد ألا يقدم أصحاب هذه العقارات على بنائها لأنهم ليسوا بحاجة إلى السكن وفي الوقت نفسه فإنهم يبحثون عن زيادة الأرباح فيها وهي داخل المخطط التنظيمي وفي مناطق مهمة في المدينة ، ومن المؤكد كذلك أن أسعار هذه العقارات سوف ترتفع ، ولكن عندما يجبرون على إعمارها وبأعداد كبيرة فهذا سيكون رفداً للمعروض الاقتصادي من العقارات في السوق » .
وفي حال لم يكن لدى مالك العقار القدرة المالية على إعماره قال الوزير : « فليبعه (المواطن) وليترك الشاري ليعمره ، أو فليشارك أحـداً ما في ذلك ... إذ لا يجوز في أي دولة بالعالم أن تبقى في المدن المهمة قطع أراض بؤرة لتجمع الأوساخ » .
وهكذا ، باستقراء المادة /5/ من المرسوم التشريعي رقم 82/2010 والمادة /2/ من القانون المدني والأسباب الموجبة وتصريحات السيد الوزير نخلص إلى القول بأن المرسوم التشريعي رقم 82/2010 قد ألغى ضمناً القانون 3/1976 .
المحامي بيير عبد الأحد
نقله للمنتدى احمد ابوالزين