يقوم بعض الشبان في سوريا بارتكاب مخالفات أو "جرائم" متعمدة ومدروسة لجهة تحديد و معرفة مدة التوقيف في السجن، يدفعهم لذلك منطق بسيط قوامه تأمين لقمة للعيش من الصعب إيجادها بظروف عمل "تناسبهم"
في الحياة الاجتماعية الطبيعية خارج القضبان حسب زعمهم، وربما يبدو المشهد للوهلة الأولى طريفا وغرائبيا، لكنه حقيقة واقعية دفعت البعض لتكوين شبكة علاقات واسعة و أصدقاء وحتى شركاء في العمل داخل تلك السجون.
العمل داخل السجن متوفر وربما يدر المال الكثير، ففي سجن عدرا المركزي يبدأ العمل من الشغيل العادي الذي يؤدي خدمات "للنزلاء" من شاي وقهوة وطعام وحمام وغسيل ولكل هذه الأنواع شاب متخصص بها، انتقالا إلى "مكلفين" بتأجير السرير أو تأجير التلفزيونات و مؤخرا الموبايل ، دون أن ننسى "البسطات" التي تبيع ما يطلبه المساجين، وكذلك باعة الحبوب المخدرة إلى أعمال أخرى مثل الحلاقة و الخرز و غيرها.
الشبان الذين اعتادوا على دخول السجن بقصد العمل عددهم كبير، وكثيرا يتبادلون الأعمال مع زملاء لهم في سجون أخرى في المحافظات السورية عبر وسطاء لهم في ذات السجن ما يعطي فكرة مذهلة لدورة رأس المال وتأمين المستحقات المادية، ولكن يبقى "سنتر البزنس" حسب المصطلحات المعروفة بين السجناء واضحا بشكل جلي في سجن دمشق المركزي (عدرا) وسجن حلب المركزي.
تكرار هؤلاء الشبان زياراتهم إلى السجن أقامت فيما بينهم وشائج الصداقة و المودة و السؤال بالحد الأدنى عن الأحول و الأهل مع عناصر الأمن الداخلي المكلفين بحراستهم.
أما طبيعة الأعمال التي تمارس في تلك السجون فهي متنوعة ومتغيرة ومتقلبة وتحكمها صيغة رأس المال كما هي الحال في أي مدينة أو قرية نموذجية تعيش حياتها باستقلالية تجارية واقتصادية وحتى اجتماعية و غالبا ما تبدأ من الشغيل العادي المأجور إلى السجين التاجر والمتوسط الدخل إلى الأعمال التجارية المريبة و السريعة الربح إلى المهن الأخرى .
و يمكن أن نشاهد نوعا من البطالة و البطالة المقنعة يمارسها شبان يقتاتون على "القروانه" وهو الطعام المخصص للسجناء من قبل إدارة السجن ويعتبر من الحقوق الطبيعية للموقوفين، وهؤلاء عادة مساجين(مساكين) ارتكبوا خطأ بسيطا و يقضون فترة عقوبتهم من التوقيف.
مصطلحات تجارة المخدرات
قصص سمعناها من سجناء التقيناهم على هامش فترة "الإجازة" التي يقضونها خارج السجن، وشهود عيان على اتصال مباشر مع السجناء يروون تفاصيل داخلية على نمط "المضحك المبكي".
وليد 25 عاما قال لنا: بصراحة لا أريد التحدث إليكم عن أي شيء بخصوص العمل الذي تقصدون معرفته وبطبيعة الحال أنا لا أعمل به بل معارفي، ولكنه عمل يتصف بالربح السريع ويعد تجارة رائجة داخل السجن مهما كانت الظروف.
و عندما كررنا السؤال أجاب: هل تريد أن تخدمنا و "هو مصطلح له دلالات في أوساط المساجين يعني هل تود ابلاغ الشرطة عما نقوم به"، و مع ذلك قال : إن أغنى التجار في السجن والذين يملكون رأسمالا قويا، هم تجار الحبوب المخدرة وتحديدا" الفالتان" و "الروش" و غيرها من الأنواع ، إذ تباع الحبة الواحده في السجن ب 25 ليرة سورية، والثلاث حبات بخمسين ليرة، و قس أنت على ذلك إذا كان الظرف يحوي مائة حبة وثمنه بالصيدليات أقل من مائة ليرة فتخيل حجم الأرباح هذا عدا أيام الزنقة و القطعة، فيمكن أن يصل ثمن الحبة الواحدة إلى خمسين ليرة سورية.
و لكن كيف يتم ادخال تلك الحبوب إلى السجن؟ أوضح وليد بخبث أن معلوماته لن تؤثر على استمرار عمليات تهريبه إلى الداخل ويمكن أن يتم التهريب عن طريق عناصر الحراسات من رجال الشرطة على مبدأ "أفد و استفد". وأضاف هناك طريقتين تتلخص الأولى بوضع الحبوب في كيس نايلون صغير يحكم إغلاقه حتى يصبح بحجم لقمة الطعام ثم يقوم الموقوف ببلعه عن طريق الفم وعند عودته من المحكمة إلى السجن
يستفرغه و يخفيه عند "الخزان" و عندما سألناه ما المقصود بالخزان أجاب، أنه شخص معروف لدى سائر الموقوفين و حتى الشرطة بأخلاقه الحسنة ولا يوجد أي ملاحظات أو شبهات عليه ولا يمكن لأحد أن يتوقعه، أما الطريقة الثانية فهي الخابور عندما لفظ المصطلح نظر إلينا بسخرية كما لو أنه يشفق على معلوماتنا.. حسنا لا تسألني سأشرح لك "توضع الحبوب داخل كيس نايلون و يحكم إغلاقه ونضعه في شرج أحد اللوطيين المعروفين بأمانتهم و نزاهتهم....." و ضحك مرة أخرى، وقال " هذا في حالة التشديد والمراقبة وعند الوصول إلى السجن يسلمنا اللوطي البضاعة ونودعها عند الخزان".
"م ـ م" يعمل بتأجير التلفزيونات منذ أن سمحت إدارة السجن بوجودها عن طريق الشراء ويتقاضى أجرة التلفزيون الملون ألف ليرة في الأسبوع والعادي 300 ليرة في الأسبوع وهناك أيضا تسعيرات حسب الزبون كما أخبرنا، مشيرا إلى أن هذا العمل يؤمن له دخلا لا بأس فيه حيث يعيل من خلاله أسرته خارج السجن و علق قائلا:" الدخل الذي أحققه من هذا العمل داخل سجن عدرا لا أحققه في الخارج على الإطلاق".
تأجير الأسرة في السجن دخل آخر و لغة أخرى أثناء التفاوض على السرير لأنه ثمة أناس يدخلون السجن لأيام معدودة، و مع ذلك لا يتوفر فيه لهم سرير خاص إلا بعد مضي مدة لا بأس بها على وجودهم، مما يضطرهم لاستئجار السرير.
يقول "ن" : " إن من يؤجر السرير عادة يكون من المساجين الفقراء ويتقاضى على السرير الأرضي 1000 ليرة سورية، وعلى السرير العلوي 600 ليرة سورية، وهذا الأمر لا يمنع بأن يأخذ رئيس "المهجع " "الكومسيون" من صاحب السرير و من السجين الجديد أيضا".
و اشار "ن" إلى نزيل معه لا يستطيع أن يعمل خارج السجن و حتى أنه لا يستطيع العيش إلا في الداخل و يبرر ذلك حسب "ن" أن المنامة مؤمنة في السجن و الطعام ايضا، عدا عن دخل مالي مقبول يتعلق بتأجير سريره.
خدمة الموبايل دخلت على خط الأعمال في السجن مؤخرا و خاصة أن تلك الخدمة غير مسموح بها، وغير مرفوضة لعدم وجود شيء واضح متعلق بها، ومع ذلك يقول "ش ـ ع" و الذي غادر السجن مؤخر و دخل نتيجة مخالفة صغيرة أن الموبايل أساسي في السجن.
واوضح:" إذا ما رغبت بالاتصال فيمكن ذلك ولكن عليك أن تدفع 25 ليرة سورية على الدقيقة الواحدة لصاحب الخط، و إذا أعطيت رقمه إلى شخص خارج السجن، واتصل بك ستدفع له أيضا إكرامية ليس أقل من 25 ليرة سورية".
و اضاف "ش ـ ع" أن الأمور لا تنتهي هنا فقد أوجد هذا التطور الطارئ لجهة الاتصالات في السجن، قد أوجد تجارة أخرى تتعلق بتأجير جهاز الموبايل ذاته دون خط ، مشيرا في الوقت ذاته أن كل شيء " ممكن إذا توفرت النقود".
المضحك المبكي في هذا العرض وجود شريحة من الشباب يدورون خارج سياق السيرورة الطبيعية للمجتمع السوري و خارج اطار ما يسمى الإصلاح الاجتماعي لمعالجة تلك الذهنية التي تهرب من رمضاء ظروف الحياة الصعبة برما إلى نار السجون، وهنا المفارقة لا بل ربما هي السوريالية المجتمعية بحد ذاتها، و خاصة أن دوران المال يكون حتى في أكثر الأماكن "إنغلاقا".
نقلا عن سيريانيوز