وقعات التتار !
وهي الحلقة الخامسة من أخبار دمشق
لن أدخل في تفاصيل الوقعات والعذاب الذي قد أوقعه التتار بدمشق وأهلها , خشية على مشاعركم من إيذاء وقع الكلمات عليها .
بل سأكتفي بمشهد تقريري لا تصويري ينقل لنا فكرة بسيطة عن واقع الحال الذي كان يحصل هناك , دون أن أتعرض للجزئيات , ما اسطعت إلى ذلك سبيلاً .
فبعد أن أنهى هولاكو بغداد وفعل فيها الأعاجيب سنة 656 هـ , تحرك إلى حلب , خربها وعاث فيها فساداً , واستحلها خمسة أيام , حتى ما بقي بها أحد .
وحين سمعت دمشق بذاك الجبار , أنفذت مفاتيحها إليه خشية سطوته , ودرءاً لشروره , فقبلها .. إلا أنه أبى أن يترك دمشق دون أن يخبرها عن نفسه !
فخرب سورها , وما تركها حتى وقعت عين جالوت التي دحرت التتار وردتهم خائبين ..
ومرت السنون .. فوصل غازان من حفدة هولاكو دمشق .. بذلت له دمشق مالاً عظيماً , فأخذه .. ولكنه كان أمكر من جده , فبعد أن استولى على المال , خرب البيوت والمساكن بظاهر دمشق , وأشعل بها النار , وأسر الألوف , وقتل المئات .
بقي على ذلك أربعة أشهر ثم غادر ..
لحقه بعد ذلك ببغا أروس الذي فاق تشنيعه في دمشق ما أجراه سلفه غازان , فنهب ضياعها وقطع أشجارها , وعاث عسكره فيها فساداً ..
كل ذلك إنما حدث لضعف دولة المماليك , وسوء سياستها في دمشق , وتولي الهالكين منهم هذه المدينة .. مما جعلها عرضة لأولئك التتار الأوباش .
وعندما وصل تيمورلنك دمشق , أخبرها أنها لم تر من قسوة التتار بعد شيئاً .
مكث جنوده في دمشق تسعة عشر يوماً , هلك فيها آلاف من التعذيب والضرب , سبوا النساء , وساقوا الأطفال والشيوخ ..
أشعلوا النار في البيوت والمساجد والمدارس , فعم الحريق دمشق كلها ..
حرقت المكتبات التي كانت تحوي خزائن الكتب ونوادرها ونفائسها ..
اختبأ ثلاثين ألفاً من الأهالي في مسجد , فاقتنص الجنود تواجدهم فيه ليحرقوهم جميعاً ..
أخذ تيمورلنك من دمشق جميع صناعها وعلمائها وقرائها ومهرتها , ونهب آثارها ونفائسها ..
ثم أحرقها ..
لم تأخذه شفقة ولا رحمة ..
اعذروني فلم أعد أتمالك نفسي !!