نشأة القانون الإداري في ألمانيا
ظهرت شروط قيام القانون الإداري في ألمانيا بالمعنى الحديث خلال سيرورة القرن التاسع عشر حيث نشأت الحاجة إلى تقيد الإدارة بالقانون. وكان الدافع وراء ذلك مبدأ فصل السلطات, الذي تطلب توزيع قواعد الاختصاص والاعتراف بالحقوق الأساسية في الدساتير والتي فرضت بشكل أو بآخر أن تكون التصرفات الحكومية التي من شأنها تقييد هذه الحقوق والاعتداء عليها مغطاة بغطاء قانوني.
وقد انشغل الفقه خلال القرن الثامن عشر بالعلوم الإدارية, أي بالظروف الواقعية للإدارة ومتطلبات الإدارة بأن تكون إدارة هادفة وناشطة, علماً أن الجانب القانوني لم يكن غائباً بشكل تام. بيد أنه ومع توسع حملة قوننة الإدارة ظهرت بذور علم القانون الإداري. وقد حُدِّد هذا العلم بدايةً من خلال أسلوب علم الدولة, الذي انطلق من تنظيم الإدارة العامة.
أما بدايات العروض حول القانون الإداري فقد ظهرت في أعمال كبيرة تحت عنوان رئيس, هو ((قانون الدولة)) الذي جمع القانونين الدستوري والإداري. ومع نهاية القرن التاسع عشر, انحسرت نظرية علم الدولة أمام ظهور النظرية القانونية, أو الطريقة القانونية وتقييمها, ووفق هذا الأسلوب لم يتم الاكتفاء بتجميع المادة القانونية, بل تم أيضاً بناء المفاهيم العامة ووجهات النظر المهمة وبنيان القانون الإداري. وقد كان لكتاب الفقيه "أتوماير " الصادر عام1895-1896م الدور الحاسم في ذلك. حيث يعدّ هذا الكتاب العرض التقليدي للقانون الإداري في دولة القانون الليبرالية. وقد كان الهدف الرئيس لهذا العمل تقييد الإدارة من الناحية القانونية وقد حدث ذلك مع ظهور مفهوم القرار الإداري ومفهوم مبدأ المشروعية.
كما كان لإحداث القضاء الإداري في مقاطعة "بادن" وبعد ذلك في مقاطعة ((بروسيا)) أثرٌ مهمٌ في نشأة القانون الإداري وتطوّره.
وتكمن أهمية القضاء الإداري في تطور القانون الإداري الألماني من خلال قيام هذا القضاء بخلق مجموعة من مبادئ القانون الإداري.
بيد أن هذا التطور المميز للقانون الإداري أصيب بوعكة نتيجة قيام نظام "مبدأ القائد" "Fuhrerprinzip" خلال فترة حكم الرايخ الثالث بقيادة "أدولف هتلر". حيث حلَّت الديكتاتورية مكان الديمقراطية, الأمر الذي انعكس سلباً على وجود القانون الإداري الذي نما وتطور في ظل دولة القانون الليبرالية. إلا أن هذا لم يدم طويلاً, حيث حدث تطور كبير في ألمانية بعد هزيمة النازية مع نهاية الحرب العالمية الثانية, وذلك من خلال إقرار الدستور الألماني (القانون الأساسي) عام 1949.
وقد انعكست أحكام هذا الدستور ومبادؤه الأساسية إيجاباً على بزوغ القانون الإداري الذي أعاد أفكار "أوتوماير" للحياة مجدَّداً. ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تمَّ العمل سواءً في المجال التشريعي أو في المجال القضائي أو حتى في المجال الفقهي "Doktrin" على بناء قانون إداري يضاهي حتى القانون الإداري الفرنسي, بشهرته الواسعة. وأهم المراحل التاريخية التي مرَّ بها القانون الإداري الألماني هي مرحلة ما بعد صدور قانون الإجراءات الإدارية الاتحادي الذي يعدّ دستور الإدارة العامة والضابط الرئيسي لها تنظيماً ونشاطاً ورقابةً. كما يعد هذا القانون الخطوة الرئيسية في طريق تقنين القانون الإداري الألماني العام. حيث ظهرت المؤسسات الحقوقية لهذا الفرع من فروع القانون مطبوعة بطابع دولة القانون ومبدأ المشروعيَّة ومبدأ احترام الحقوق الأساسية ومبدأ الدولة الديمقراطية والدولة الاجتماعية.