عيوب تشريعية
يقول العلامة الدكتور عبد الوهاب حومد في مرجعه القيّم " الحقوق الجزائية العامة " – طبعة 1956 – الصفحة 8 :
(( الحقوق علم ، و كل علم له لغته الخاصة به ، و ما تعابيره و تعاريفه التي اصطلح لفيف من أهل الاختصاص عليها ، و نقلوها إلى من خلفهم فيها ، لينقلوها بدورهم إلى من يرثهم ، إلاّ مفاتيح كنوزه و مخابئه التي عليها يحرصون و على إنمائها يعملون .
و كل كلمة تدل على فكرة ، و الفكرة تدل على حقائق واقعة لها كيانها في النفس الإنسانية أو في خارجها ))
تذكرت هذا القول و أنا أقرأ " قانون شركات خدمات الحماية و الحراسة الخاصة " الصادر اليوم ، حينما نص في المادة الخامسة منه على :
(( يبين { صاحب الشركة } في طلبه حاجتها من الأسلحة و الذخيرة .... ))
إذ أن المصطلح الوارد بالنص ( صاحب الشركة ) خاطئ ، فالشركة لها مدير أو رئيس مجلس إدارة – حسب نوعها – أو يقال شريك أو أحد الشركاء ، أما أن يستعمل المشرع مصطلح ( صاحب الشركة ) ، فيكون قد ارتكب هفوة تشريعية كبيرة لأنه يسبب الجهالة في ماهية صاحب الشركة ، لعدم وجوده أصلاً كما هو معلوم .
كما ورد عيب آخر في المادة 17 من ذات القانون إذ نصت :
(( في حال إلغاء الشركة أو حلها لأي سبب كان تسلم الأسلحة والذخائر ... ))
و من المعلوم أن الشركة لا تلغى ، و إنما يتم حلّها و تصفيتها ، أو شهر إفلاسها إن كانت تجارية أو شهر إعسارها إن كانت مدنية ، أما إلغاء الشركة فهذا ما لا يوجد له أساس في القانون ، و لا في المصطلح التشريعي .
و هناك عيوب أخرى في القانون لا يتسع المجال لحصرها و لكنها لا تخفى على رجل القانون المتمرس .
في الواقع إن التواتر الملحوظ لمثل هذه العيوب في الصياغة التشريعية في الكثير من التشريعات الصادرة مؤخراً ، سواء منها المراسيم التشريعية أو القوانين تجعلنا نتساءل عن كفاءة رجال القانون الذين يتم استشارتهم قبيل صدور التشريع .
ممكن أن نتفهم أن الدائرة القانونية في وزارة الداخلية التي تقف خلف صدور هذا التشريع لا تتمتع بالكفاءة و الخبرة اللازمة للصياغة التشريعية المتقنة ، و لكن لا نستطيع أن نتفهم ألا يتمتع المستشارون القانونيون في رئاسة الجمهورية – على اعتبار أنه مرسوم تشريعي صادر عن رئيس الجمهورية مباشرة – بالكفاءة القانونية التي تجعلهم ينتبهون لمثل هذه العيوب و الثغرات ، و بالأخص أنهم مستشارون كبار في مجلس الدولة ، و منهم رؤساء غرف في المجلس .
لتلافي مثل هذه العيوب من الضروري تفعيل دور إدارة التشريع بوزارة العدل ، إذ من مهامها تحضير مشاريع القوانين ( المادة 8 من قانون السلطة القضائية ) ، و كذلك تفعيل دور القسم الاستشاري بمجلس الدولة فمن مهامه أيضاً صياغة مشروعات القوانين التي تقترحها الحكومة ( المادة 45 من قانون مجلس الدولة ) ، و لا مانع من الاستعانة بنقابة المحامين أيضاً إذ أنها تضم بين أعضائها كفاءات قانونية لا يشق لها غبار .