عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-2006, 05:54 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المحامي ناهل المصري
مدير عام

الصورة الرمزية المحامي ناهل المصري

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي ناهل المصري غير متواجد حالياً


افتراضي تابع

تتمة

اقتباس:
البحث الثالث :حكم استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي



اقتباس:
المبحث الثالث :حكم استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي
حيث ان البصمة الوراثية تدل على هوية كل انسان بعينه ،وأنها أفضل وسيلة علمية للتحقق من الشخصية ،ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عن غيره ،عن طريق الاخذ من أي خلية من خلايا جسم الانسان :من الدم ،أو اللعاب ،أو المني ،أو البول ،أو غير ذلك والاستدلال من خلال نتيجة البصمة الوراثية على مرتكبي الجرائم ،ومعرفة الجناة عند الاشتباه ،سواء كانت جريمة زنا ،أو قتل ،أو اعتداء على ما دون النفس ،أو سرقة ،أو حرابة ،أو قضية اختطاف ،أو انتحال لشخصيات الاخرين ،أو غير ذلك من أنواع الجرائم والجنايات على النفس او العرض او المال .فانه -كما يرى المختصون - يمكن الاستدلال عن طريق البصمة الوراثية على مرتكب الجريمة ،والتعرف على الجاني الحقيقي من بين المتهمين من خلال أخذ ما يسقط من جسم الجاني في محل الجريمة وما حوله ،واجراء تحاليل البصمة الوراثية على تلك العينات المأخوذة ،ومن ثم مطابقتها على البصمات الوراثية للمتهمين بعد اجراء الفحوصات المخبرية على بصماتهم الوراثية .

فعند تطابق نتيجة البصمة الوراثية للعينة المأخوذة من محل الجريمة ،مع نتيجة البصمة الوراثية لاحد المتهمين ،فانه يكاد يجزم بأنه مرتكب الجريمة دون غيره من المتهمين ،في حالة كون الجاني واحدا ، وقد يتعدد الجناة ويعرف ذلك من خلال تعدد العينات الموجودة في مسرح الجريمة ،ويتم التعرف عليهم من بين المتهمين من خلال مطابقة البصمات الوراثية مع بصمات العينات الموجودة في محل الجريمة .

ويرى المختصون ان التيجة في هذه الحالات قطعية أو شبه قطعية ،ولاسيما عند تكرار التجارب ،ودقة المعامل المخبرية ،ومهارة خبراء البصمة الوراثية ،فالنتائج مع توفر هذه الضمانات قد تكون قطعية أو شبه قطعية الدلالة على ان المتهم على ان المتهم كان موجودا في محل الجريمة .لكنها ظنية في كونه هو الفاعل حقيقة .

يقول أحد الاطباء :(لقد ثبت ان استعمال الاسلوب العلمي الحديث بأعداد كثيرة من الصفات الوراثية كدلالات للبصمة الوراثية يسهل اتخاذ القرار بالاثبات أو النفي للابوة والنسب والقرابة بالاضافة الى مختلف القضايا الجنائية ،مثل التعرف على وجود القاتل ،أو السارق ،أو الزاني من عقب السيجارة ،حيث ان اثر وجود اللعاب ،او وجود بقابا من بشرة الجاني ،أو شعرة من جسمه ،او مسحات من المني مأخوذة من جسد المرأة تشكل مادة خصبة لاكتشاف صاحب البصمة الوراثية من هذه الاجزاء .ونسب النجاح في الوصول الى القرار الصحيح مطمئنة،لانه في حالة الشك يتم زيادة عدد الاحماض الامينية ،ومن ثم زبادة عدد البصمات الوراثية )

وبناء على ما ذكر عن حقيقة البصمة الوراثية ،فان استخدامها في الوصول الى معرفة الجاني ،والاستدلال بها كقرينة من القرائن المعينة على اكتشاف المجرمين ،وايقاع العقوبات المشروعة عليهم في غير قضايا الحدود والقصاص ،أمر ظاهر الصحة والجواز ،لدلالة الادلة الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة على الاخذ بالقرائن ،والحكم بموجبها ومشرعية استعمال الوسائل المتنوعة لاستخراج الحق ومعرفته ،كما سيأتي تفصيل ذلك .

والقول بجواز الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في غير قضايا الحدود والقصاص هو ما ذهب اليه الفقهاء في المجامع والندوات العلمية الشرعية التي تم بحث هذه المسألة فيها ،ولم أقف على خلاف لاحد في حكم هذه المسألة ،حتى في البحوث المفردة لبض الفقهاء ،فقد جاء في مشروع قار المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي في دورته (15)المنعقدة في مكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 9/7/1419ه الموافق 31/10/1998م قد نظر في موضوع البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ....وبعد التدارس والمناقشة قرر المجلس ما يلي :
اولا :البصمة الوراثية بمثابة دليل يمكت الاعتماد عليها في المجالات الاتية :
1-في اثبات الجرائم التي لا يترتب عليها حد شرعي ....الخ
وجاء في توصية الندوة الفقهية حول الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه :(البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكا تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية ،والتحقق من الشخصية ،ولاسيما في مجال الطب السرعي ،وهي ترقى الى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ....)

وانما بمشروعية الاخذ بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي يستدل بها على المتهم في قضايا الجرائم المختلفة ،لكن لا يثبت بموجبها حد ولا قصاص لامرين :

اما الاول :فلان الحد والقصاص لا يثبت الا يشهادة أو اقرار ،دون غيرهما من وسائل الاثبات عند كثير من الفقهاء .

وأما الثاني :فلان الشارع يتشوف الى درء الحد والقصاص ،لأنهما يدرءان بأدنى شبهة أو احتمال .

والشبهة في البصمة الوراثية ظاهرة ،لانها انما تثبت بيقين هوية صاحب الاثر في محل الجريمة ،او ما حوله ،كنها مع ذلك تظل ظنية عند تعدد اصحاب البصمات على الشئ الواحد ،او وجود صاحب البصمة قدرا في مكان الجريمة قبل او بعد وقوعها ،او غير ذلك من اوجه الظن المحتملة .
مستند الحكم الشرعي للاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي :
والمستند الشرعي لجواز الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي أنها وسيلة لغاية مشروعة ،وللوسائل حكم الغايات ،ولمت في الاخذ بها في هذا المجال من تحقيق لمصالح كثيرة ،ودرء لمفاسد ظاهرة،ومبنى الشريعة كلها على قاعدة الشرع الكبرى ،وهي (جلب المصالح ودرء المفاسد )وأخذ بما ذهب اليه جمهور الفقهاء من مشروعية العمل بالقرائن ،والحكم بمقتضاها ،والحاجة الى الاستعانة بها على اظهار الحق ،ةبيانه بأي وسيلة قد تدل عليه ،او قرينة قد تبينه ،استنادا للادلة الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على ذلك ،وعملا بما درج عليه الولاة والقصضاة متذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم ،ومن بعدهم في عصور الاسلام المختلفة الى يويومنا هذا من استظهار الحق بالقرائن ،والحكم بموجبها ،كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :(ولم يزل حذاق الحكمام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والامارات ،فاذا ظهرت لم يقدموا شهادة تخالفها ولا اقرارا ،وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم اذا ارتاب بالشهود فرقهم ،وسألهم كيف تحملوا الشهادة واين تحملوها ؟وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ،وكذلك اذا ارتاب بالدعوى سأل عن سبب الحق وأين كان ونظر في الحال هل يقتضي صحة ذلك ؟وكذلك اذا ارتاب بمن القول قوله ،والمدعى عليه ،وجب عليه ان يستكشف الحال ،ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال ،وقل حاكم أو وال اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة الا وعرف المحق من المبطل ،وأوصل الحقوق الى أهلها ...)

وقال ابن العربي :(على الناظر أن يلحظ الامارات والعلامات اذا تعارضت ،فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ،وهو قوة التهمة ،ولا خلاف في الحكم بها وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الاربعة وبعضها قال بها المالكية خاصة )

وقد كان القضاة قديما يستعينون بالقافة لمعرفة آثار أقدام المجرمين ،ثم مع التقدم العلمي اصبح الاخذ ببصمات الاصابع قرينة من اشهر القرائن في التعرف على الجناة ،واكتشاف المجرمين ،وأضحى العمل بها شائعا في بلاد الاسلام وغيرها .

ولعله يحسن ان أسوق بعض الادلة من الكتاب والسنة وغيرها في الدلالة على مشروعية العمل بالقرائن ،والحكم بمقتضاها ،فمن ذلك :
اولا من الكتاب :
قوله عز وجل (وشهد شاهد من أهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ،وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ،فلما رأى قميصه قد من دبر قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم )
فاعتبر موضع قد القميص دليلا على صدق أحدهما ،وقد ذكر الله هذه القصة مقررا لها .
ثانيا :من السنة :
وقد ورد في ذلك احاديث كثيرة منها :
عن ابن عمر رضي الله عنهما :(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى الجأهم الى قصرهم ،فغلب على الزرع والارض والنخل ،فصالحوه على أن يجعلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ،ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء وشرط عليهم أن لا يمكتموا ولا يغيبوا شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ،فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن اخطب ،وكان احتمله معه الى خيبر حين أجليت بنو النضير ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟قال أذهبته النفقات والحروب ،قال :العهد قريب والمال اكثر من ذلك ،فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الزبير ،فمسه بعذاب ،فقال :قد رأيت حييا يطوف في خربة ها هنا ،فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة )
فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم قرينة كثرة المال ،وقصر المدة دليلا على كذبه في دعواه نفاد المال ،فعزره بناء على هذه القرينة ،فدل على اعتبار القرائن في اثبات الحقوق اذ لو لم تكن دليلا شرعيا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ،لانه ظلم ،وهو صلى الله عليه وسلم منزه عنه .
2- عن جابر رضي الله عنه اللع عنه قال :(اردت الخروج الى خيبر ،فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فسلمت عليه ،وقلت له :اني اردت الخروج الى خيبر ،فقال :(اذا اتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ،فاذا ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته )
فقد بين عليه الصلاة والسلام جواز الاعتماد على القرينة في الدفع للطالب ،واعتبارها دليلا على صدقه ،كشهادة الشهدود .
ثالثا :وردت اثار كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ولاة ووقضاة تدل على أخذهم بالقرائن وحكمهم بمقتضاها ،وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (الطرق الحكمية )وبن فرحون في (تبصرة الحكام )آثارا كثيرة عن عدد من الصحابة واتابعين :كعمر ،وعلي وكعب بن سور ،وشريح ،واياس ،وغيرهم من مشاهير الولاة والقضاة .
رابعا :أن الاعتماد على القرينة في الحكم امر متقرر في الشرائع السابقة ،يدل على ذلك ما روى ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :_بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب ،فذهب بابن احداهما ،فقالت هذه لصاحبتها :انما ذهب بابنك انت وقالت الاخرى :انما ذهب بابنك ،فتحاكما الى داود ،فقضى به للكبرى ،فخرجتا على سليمان بن داود ،فأخبرتاه ،فقال :ائتوني بالسكين أشقه بينكما ،فقالت الصغرى :لا ،يرحمك الله هو ابنها ،فقضى به للصغرى ) فقد استدل سليمان عليه ا لسلام بعدم موافقة الصغرى على شقه على أنها أمه ،وأن اعترافها بالولد للكبرى راجع الى شدة شفقتها عليه ،فآثرت ان يحكم به لغيرها على أن يصبه سوء ،فحكم عليه السلام بالولد للصغرى بناء على هذه القرينة الظاهرة ،وقدم تلك القرينة على اقرارها ببنوته للكبرى لعلمه أنه اقرار غير صحيح ،فلو لم يكن الحكم بالقرائن مشروعا لما حكم سليمان بذلك .وشرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه .

فهذه بعض الادلة الدالة على جواز العمل بالقرائن وبناء الاحكمام عليها ،وان عدم الاخذ بالقر ائن جملة يؤدي الى اضاعة كثيير من الحقوق ،وبالاستقراء يعلم ان بعض القرائن لا تقل قوة في الدلالة على الحق عن الشهادة والاقرار ،ان لم تكن اقوى منها .

واذا كان العمل بالقرائن امر مشروعا ،كما تدل عليه تلك الادلة ،فان التوسع في ذلك والاعتماد على كل قرينة قد يؤدي الى مجانبة الصواب ،فيجب ألا يتعجل في الاخذ بالقرينة الا بعد امعن النظر وتقليبب الامر على مختلف الوجوه ،اذ قد تبدو القرائن قاطعة الدلالة لا يتطرق اليها احتمال ،فلا تلبث أن يتبن ضعفها ،ويتضح أنها بعيدة عما يراد الاستدلال بها عليه .

على ان الحتياط في الاخذ بالقرائن ليس معناه انها لا تعتبر الا اذا كانت دلالتها قطعية ،لان ذلك أمر يصعب تحققه ،فما من دليل الا ويتطرق اليه الاحتمال ،وانما مبنى الامر على الظن الغالب .

فان أقوى الادلة الشرعيه الاقرار والشهادة ،وقد دلت بعض الحوادث على أن بعضاًمن الاقرارات لا يكون مطابقا للواقع ؛لأنه صادر تحت تأثير الرغبة أو الرهبة ،أو عدم التصور الكامل للشئ المقر به .وان بعضا من الشهود قد يبدو صدقهم فيما شهدوا به لاتصافهم بالعدالة الظاهرة ،ثم تسفر القيقة عن خلاف ذلك ،فليس مايعتري القرينه من احتمال الضعف بأكثر ولابأقوى مما يعتري الشهادة أوالاقرار ،ومن يتتبع المأثور عن قضاة السلف في مختلف العصور، لا يساوره شك في أن الاخذ بالقرائن والعمل بمقتضاها في اثبات كثير من الحقوق أمر تدعو الية الشريعة ،ويتفق مع غرض الشارع من اقامة العدل بين ،وايصال الحقوق الى أربابها .

وقد اوضح العلامة ابن اقيم القول باعتبار القرائن وبناء الاحكمام عليها اتم ايضاح ،وأسهب في الاستدلال لذلك بكثير من الايات والاحاديث والاثار التي تدل على اعتبار القرائن دليلا من الادلة الشرعية ،ثم قال :(وبالجملة فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين او الاربعة او الشاهد لم يوف حقه .ولم تأت البينة في القران مرادا بها الشاهدان ،وانما اتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان ،مفردة ومجموعة .وكذلك قول النبي صلى الله عليهة وسلم (البينة على المدعي )المراد به :ان عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له ،والشاهدان من البينة ،ولا ريب ان غيرها من أنواع البينة ،والدلالة ، والحجة ،والبرهان ،والاية ،والتبصرة ،والعلامة ،والامارة متقاربة في المعنى .... فالشارع لم يلغ القرائن والامارات ودلائل الاحوال ،بل من استقرأ الشرع في مصادرة وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار ،مرتبا عليها الاحكام )

والواقع ان العمل بالقرائن امر لا محيد عنه ،وقل أن تجد عالما من العلماء استطاع أن يتجنب الاخذ بالقرائن كلية ،وحتى الذين صرحوا بعدم قبولها كدليل صالح لبناء الاحكام عليها عملوا بها في كثير من المواضع ،ومن يستقري كتب الفقه الاسلامي يجد مسائل لا حصر لها اعتمد الفقهاء فيها على قرائن الاحوال ،وهي قرينة ظاهرة .

فهذه امثلة على بعض المسائل المسائل التي حكم الفقهاء فيها بالقرائن المجردة عن أي دليل آخر ،اوردتها للدلالة على ما ذكر من أن جمهور الفقهاء قد ذهبوا الى القول بمشروعية الحكم بالقرائن .

ولعله بهذا يتجلى مشروعية الاخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في مختلف صوره وانواعه كقرينة من أقوى القرائن التي يستدل بها على معرفة الجناة ،ومرتكبي الجرائم ،لما ثبت بالتجارب العلمية المتكررة من ذوي الخبرة والاختصاص في أنحاء العالم من صحة نتائجها وثبوتها .مما يجعل القول بشروعية الاخذ بها ،والحكم بمقتضى نتائجها -في غير قضايا الحدود والقصاص عند توفر الشروط والضوابط السابقة الذكر ،امر في غاية الظهور والوجاهة .

غير انه يمكن القول الاخذ بالصمة الوراثية ايضا ى في قضايا الحدود والقصاص بناء على ما ذهب اليه بعض الفقهاء من اثبات بعض الحدود والقصاص بالقرائ والامارات الدالة على موجبها وان لم يثبت ذلك بالشهادة أو الاقرار ومن ذلك ما يأتي .

1- اثبات حد الزنا على المرأة الحامل اذا لم تكن ذات زوج ولا سيد .
2- اثبات حد الزنا على المرأة الملاعنة عند نكولها عن اللعان .
3 - اثبات حد الخمر على من وجد فيه رائحته ،او تقيأه أو في حالة سكره .
4- اثبات حد السرقة على من وجد عنده المسروق .
5- ثبوت القصاص على من وجد وحده قائما وفي يده سكين عند قتيل يتشحط في دمه .
فلو قيست البصمة الوراثية على هذه المسائل التي اثبت بعض العلماء فيها الحد والقصاص من غير شهود ولا اقرا ر وانما اخذا بالقرينة وحكما بها ،لم يكن الاخذ عندئذ بالبصمة الوراثية والحكم بمقتضاها في قضايا الحدود والقصاص بعيدا عن الحق ولا مجانبا للصواب فيما يظهر قياسا على تلك المسائل ،لا سيما اذا حف بالقضية او الحال من قرائن الاحوال ما يؤكد صحة النتائج قطعا لدى الحاكم ،كمعرفته بأمانة ومهرة خبراء البصمة ،ودقة المعامل المخبرية ،وتطورها ،وتكرار التجارب سيما في أكثر من مختبر ،وعلى أيدي خبراء آخرين يطمئن الحاكم الى أمانتهم ،وخبرتهم المميزة ،وغير ذلك من القرائن والاحوال التي تحمل الحاكم الشرعي الى الاطمئنان الى صحة النتائج ،وترجح ظهور الحق وبيانه عنده بالبصمة الوراثية ،اذ البينة ما اسفرت عن وجه الحق وأبانته بأي وسيلة .

قال العلامة ابن القيم :(فاذا ظهرت امارات العدل ،واسفر وجهه بأي طريق كان ،فثم شرع الله ودينه ،والله سبحانه أعلم واحكم ،وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشئ ،ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها ،ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ،بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق ان مقصوده اقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسطفأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له .

واذا صح قياس البصمة الوراثية على تلك المسائل ،وانسحب عليها الخلاف الحاصل ىفي تلك المسائل ،وسوغ للحاكم عندئذ ان يحكم بأي القولين ترجح عنده بحسب ما يحف بالقضية من قرائن قد تدعوه الى اثبات الحد او القصاص بها ،او ضعف القرائن ،وتطرق الشك اليه في قضية أخرى فيحمله ذلك على الاحتياط والاخذ بما ذهب البه الجمهور من عدم اثبات الحد والقصاص بثل هذه القرائن ، فحكم الحاكم بأي من القولين يرفع الخلاف الحاصل ،كما هو اجماع العلماء ،ولا لوم على القاضي في الحكم بأحد القولين اذا تحرى واجتهد في معرفة الحق ،ونظر في جميع القرائن والاحوال ،ثم حكم به بعد التأمل والنظر ،بل هذا هو الواجب والمتعين على الحاكم .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله :(والحاكم اذا لم يكن فقيه النفس في الامارات ،ودلائل الحال ،ومعرفة شواهده ،وفي القرائن الحالية والمقالية ،كفقهه في جزئيات وكليات الاحكام ،اضاع حقوقا كثيرة على لأصحابها ،وحكم بما يعلم الناس بطلانه ،ولا يشكون فيه اعتمادا منه على ظاهر لم يلتفت الى باطنه وقرائن احواله ،فها هنا نوعان من الفقه لابد للحاكم منهما :فقه في احكام الحوادث الكلية ،وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس ،يميز به بين الصادق والكاذب ،والمحق مكن المبطل ،ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ،ولا يجعل الواجب مخافا للواقع .

ثم ذكر رحمه الله جملة من الادلة الدالة على الاخذ بالقرائن والحكم بمقتضاها ومن ذلك قوله :( وقد حكم امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة معه برجم المرأة التي ظهر بها حمل ولا زوج لها ولا سيد .وذهب اليه مالك وأحمد في أصح الروايتين اعتمادا على القرينة الظاهره ،وحكم عمر وابن مسعود رضي ىالله عنهاولا يعرف لهما مخالف من الصحابة - بوجوب الحد يرائحة الخمر في فيّ الرجل ،او قيئه خمرا ،اعتمادا على القرينة الظاهرة . ولم يزل الائمة والخلفاء يحكمون بالقطع اذا وجد المال المسروق مع التهم ،وهذه القرينة اقوى من البينه والاقرار ،فانهما خبران يتطرق اليهما الصدق والكذب ،ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق اليه شبهة ،وهل يشك احد رأى قتيلا يتشحط في دمه ،وآخر قئم على رأسه بالسكين ،أنه قتله ،ولاسيما اذا عرف بعداوته .

ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل ان يحلف خمسين يميناً:ان ذلك الرجل قتله ،ثم قال مالك واحمد :يقتل به وقال الشافعي :يقضي عليه بديته ،وكذالك اذا رأينا رجلا مكشوف الرأس _وليس ذلك عاداته _وآخر هارب قدامه بيده عمامه وعلى رأسه عمامه ،حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعاً،ولانحكم بها لصاحب اليد التي قد قطعنا وجزمنا بأنه يد ظلمة غاصبة بالقرينه الظاهره التي هي اقوى بكثير من البينه والاعتراف ،وهل القضاء بالنكول الا رجوع الى مجرد القرينة الظاهرة التي عامنا بها ظاهراًأنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين ،فلما نكل عنها كان نكوله قرينه ظاهرة داله على صدق المدعي ،فَقُدمت على أصل برءة الذمة ،وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول ،والحس شاهد بذلك ،فكيف يسوغ تعطيل شهاداتها .. ) وانما اكثرت من نقل كلام ابن القيم رحمه الله لنفاسته،وقوة حجته ،وظهور استدلالاته .

الخاتمة
قال الشيخ رحمه الله :(توصلت بفضل الله وتوفيقه من خلال هذا البحث الى نتائج واحكام فقهية كثيرة من اهمها ما يأتي :
اولا :أن البصمة الوراثية هي البنية الجينية التفصيلية التي تدل عند ذوي الاختصاص على هوية كل فرد بعينه ،وهي من الناحية العلمية لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية ،والتحقق من الشخصية .
ثانيا :ان الطرق الشرعية لاثبات النسب خمسة ،اتفق العلماء على ثلاثة منها وهي :الفراش ،والبينة ،والاستلحاق .أما الطريق الرابع وهو القيافة فقال بها جمهور العلماء ما عدا الحنفية ،أما الطريق الخامس وهي القرعة فبها قال بعض العلماء من مختلف المذاهب حسما للنزاع عند تعدد المدعين للنسب .
ثالثا :أن الطريق الشرعي لنفي النسب هو اللعان فقط بشروطه المعتبرة .
رابعا :أنه لا يجوز نفي النسب الثابت شرعا عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها بأي وسيلة من الوسائل ،لكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي قد تؤيد الزوج في طلبه اللعان ،او قد تدل على خلاف قوله ،فربما كان مدعاة لعدوله عن اللعان .
خامسا : أن القول بجواز احلال البصمة الوراثية محل اللعان في نفي النسب قول باطل ومردود ،لما فيه من المصادمو للنصوص الشرعية الثابتة ،ومخالفة ما اجمعت عليه الامة .
سادسا :أن البصمة الوراثية تعتبر طريقا من طرق اثبات النسب الشرعي قياسا اوليا على القيافة ،فيؤخذ بها في جميع الحالات التي يجوز الحكم فيها بالقيافة ،بعد توفر الشروط والضوابط المعتبرة في خبير البصمة ،وفي معامل الفحص الوراثي .
سابعا :أنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية لغرض التأكد من صحة الانساب الثابتة ،لما قد يترتب عليه من سوء العشرة الزوجية ،وسوء العلاقات الاجتماعية ،وغير ذلك من مفاسد كثيرة .
ثامنا :أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في المجال الجنائي كقرينة من القرائن التي يستدل بها على معرفة الجناة وايقاع العقوبات المشروعة عليهم ،لكن في غير قضايا الحدود والقصاص .
تاسعا :؟أنه قد يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في قضايا الحدود والقصاص قياسا على ما ذهب اليه بعض العلماء من جواز اثبات ذلك بالقرائن الدالة عليها عندما يحف بالقضية ما يجعل القرينة شبه دليل ثابت لدى الحاكم الشرعي .
عاشرا :يجب على الدول الاسلامية منع استخدام البصمة الوراثية الا بطلب من الجهات القضائية لاغراض مشروعة ،ومنع ما عدا ذلك وايقاع العقوبات الرادعة على المخالفين ،حماية لاغراض الناس وانسابهم ودرءا للمفاسد الترتبة على ذلك .
وبهذا انتهى ما قصدت جمعه ،وما أردت بيانه من حكم هذه النازلة الهامة ،فما كان فيه من حق وصواب فذلك من فضل الله وتوفيقه ،وكان سوى ذلك فمني ،وأستغفر الله وأتوب اليه من زلة قلم او نبو فهم ،وحسبي أني لم أدخر وسعا في الوصول الى الحق وبيانه ،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .
* * *[/align]

اقتباس:
[align=justify] ملحق

اقتباس:
قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي بشأن البصمة الوراثية وجالات الاستفادة منها
اصدر مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة قرارا بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منةها فرأيت الحاقه بهذا البحث اتماما للفائدة ،ونص القرار :
القرار السابع
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده اما بعد :
فان مجلس المجمع الفقهي الاسلامي في دورتة السادسة عشرة المنعقدة بمكه المكرمة في المدة من 21-26/10/1422ه الذي يوافقه من 5-10/1/2002م ،وبعد النظر الى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورتة الخامسة عشرة ،ونصه (البصمة الوراثية هي البنية الجينية (نسبة الى الجينات ،أي المورثات )التي تدل على هوية كل انسان بعينه ،وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ،ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية )من الدم ،أو اللعاب ،او المني ،أو البول ،او غيره )
وبعد الاطلاع على مااشتمل عليه تقرير اللجنة التي كافها المجمع في الدورة الخامسة عشرة باعداده من خلال اجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية ،والاطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والاطباء والخبراء ،والاستماع الى المناقشات التي دارت حوله ،تبين من ذلك كله ان البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في اثبات نسبة الاولاد الى الوالدين او نفيهم عنهما ،وفي اسناد العينة (من الدم او المني او اللعاب )التي توجد في مسرح الحادث الىصاحبها ،فهي اقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي اثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الاصل والفرع ) وان الخطأ البصمة لوراثية ليس واردا من حيث هي ،وانما الخطأفي الجهد البشري او عوامل التلوث ونحو ذلك ،وبناء على ما سبق قرر ما يأتي :
اولا :
لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة اثبات في الجرائم التي ليس فيها حد ولا قصاص لخبر ة(ادرؤوا الحدود بالشبهات )وذلك يحقق العدالة والامن للمجتمع ،ويؤدي الى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم ،وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة .
ثانيا :ان استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد ان يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ،ولذلك لابد ان تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
ثالثا :لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ،ولا يجوز تقديمها على اللعان .
رابعا :لا يجوز استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة الانساب الثابتة شرعا ،ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة ،لان في ذلك المنع حماية لاعراض الناس وصونا لانسابهم .
خامسا : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال اثبات النسب في الحالات الاتية :
أ- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ،سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الادلة او تساويها ،ام كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه .
ب- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الاطفال ونحوها ،وكذا الاشتباه في اطفال الانابيب .
ج- حالات ضياع الاطفال واختلاطهم ،بسبب الحوادث أو الكوارث أوالحروب ،او تعذر معرفة اهلهم ،او وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ،او بقصد التحقق من هويات اسرى الحروب والمفقودين .
سادسا :لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس ،او لشعب ،او لفرد ،لاي غرض ،كما لا تجوز هبتها لاي جهة ،لما يترتب على بيعها او هبتها من مفاسد .
سابعا : يوصي المجمع بما يأتي :
أ- ان تمنع الدولة اجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية الا بطلب من القضاء ،وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة ،وان تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص ،لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى .
ب- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة ،يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والاطباء ،والاداريون ،وتكون مهمتها الاشراف على نتائج البصمة الوراثية ،واعتمادى نتائجها .
ج- ان توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ،ومنع التلوث وكل مايتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية ،حتى تكون النتائج مطابقة للواقع ،وأن يتم التأكد من دقة المختبرات ،وأن يكون عدد الموروثات (الجينات المستعملة للفحص )بالقدر الذي يراه المختصون ضروؤريا دفعا للشك .
والله ولي الوفيق ،وصلى الله على نبينا محمد .
* * *







التوقيع


يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون
آخر تعديل dbarmaster يوم 14-01-2010 في 01:23 PM.
رد مع اقتباس