إلى الزميل والأستاذ العزيز باسل مانع المحترم
من قال لك أنني أتعسف في استعمال حق إبداء الرأي كما لي الحق في إبداء رأي دون وجل أو خوف، فإن هذا الحق ممنوح لكم ولجميع الناس سواء اختلفنا أو اتفقنا.
طبعاً أنا لست مع أي حجر أو تضييق على الإنسان سواء في تصرفاته أو في إيمانه، فحرية الفرد منا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. والتضييق والحجر مرفوض سواء أتى من سلطة دينية أو مدنية. كما أنني لست طبعاً مع قرار الكنيسة القبطية.
وبهذه المناسبة استوقفني قول لسماحة المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر حسون أمام وفد بريطاني من "مؤسسة الوعي" الذي زار سوريا أواخر شهر أيار من العام الماضي:
"إن الإنسان أولاً والدين ثانياً ، بينما مشكلة العالم الآن هي في اعتبار الدين أولاً والإنسان ثانياً"
نعم الإنسان أولاً، والدين جاء ثانياً ليكون في خدمة الإنسان، فلولا وجود هذا الإنسان على هذه الأرض، هل كان سيكون دين على هذه الأرض بدون ذلك الإنسان؟ فالدين لم يأت حتى يُكره الإنسان على فعل أمر معين والالتزام به، بل ترك له الحرية في أن يختار" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ "(سورة البقرة 256). والدين لم يأت ليكًفر الإنسان ويجبره على الإيمان بالله ، بل ترك له حرية الاختيار بين الكفر والإيمان" فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" سورة الكهف29 ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" ( يونس 99). ولم يأت الدين ليفرض ديناً أو لوناً واحداً على الناس ، بل جاء ليقول " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم".(سورة الحجرات31 ).ولم يأت الدين ليحطّ من قدر الإنسان، بل جاء ليرفع من قدره ومكانته، ولم يأت ليجعل من المرأة عبده وجارية للرجل، ولم يأت ليشرّع تزويج الطفلات الصغيرات، بل جاء ليدعو إلى الأخلاق والفضيلة.. جاء ليدعو إلى الرحمة والمحبة والسلام والتقوى بين بني البشر..ونبذ الفرقة والبغضاء والرذيلة...الخ
فالقوانين هي تعبير مكثف عن العلاقات والمصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لبلد معين في مرحلة تاريخية معينة ، وهذه العلاقات وتلك المصالح لا تبقى ثابتة ، بل تتطور وتتغير، وتبعاً لذلك يفترض أن تتطور تلك القوانين وتتبدل، وإلا تصبح عائقاً أمام عملية النمو والتطور. وانطلاقاً من هذا المفهوم وعلى أساسه نطمح إلى صياغة مشروع جديد لقانون الأحوال الشخصية لكافة السوريين والسوريات.مشروعاً يليق بسورية الحديثة وشعبها العظيم، مشروعاً يلحظ ما حققته المرأة من انجازات مهمة خلال الخمسين سنة الماضية، حصلت خلالها على الخدمات الأساسية في مجال التعليم والصحة ، واقتحمت سوق العمل ومجالات التعليم الحديث ومواقع صنع القرار، فأصبحت جندية وشرطية ومدرّسة وموظفة ومديرة عامة وسفيرة ووزيرة وعضوة في مجلس الشعب ونائبة لرئيس الجمهورية؟ مشروع يساوي بين السوريات والسوريين بمختلف انتماءاتهم وتلاوينهم، مشروع يرتكز على مبدأ المواطنة الذي يتيح للمواطنين التمتع بحقوق متساوية.. والتمتع خصوصاً بحرية الفكر والعقيدة وسائر الحريات العامة بصرف النظر عن أي انتماء سياسي أو ديني أو مذهبي.
إن أكثرية السوريات والسوريين لا يطلبون الحق في ممارسة الشعائر الدينية وحسب،بل يطلبون أيضاً بحق التمتع بمبدأ المواطنة الذي يساوي بين المواطنين على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية والمذهبية والعرقية..يطلبون مشاركة الجميع في بناء هذا الوطن على أساس الكفاءة وعلى أساس الاعتراف بالآخر وحق الاختلاف معه...وعلى أساس القبول بهذا الآخر دون حدود فقهية أو تشريعية.؟؟ فسورية الحديثة تستحق قانوناً مدنياً حضارياً يليق ببناتها وأبنائها.