[align=justify]تحيّة مرّة أخرى للاساتذة الأفاضل، أمّا بعد:
يراودني شعور بغيض، أن الأساتذة في الطرف الآخر منـّا - وأأسف لهذا الوصف - يوصّفون الأمر وكأنـّه مفاضلة بين قوانين طائفيّة منفصلة، كأن يُقال "فأيضاً هناك لدى قوانين أحوال المسيحيّين كذا وكذا.."
يا سادة، إن عَلمانيّو هذا المجتمع، كما أراهم، لا يُخضِعون آراءهم واقتراحاتهم لتمييز تفاضليّ بين ما هو قائم لدى المسيحيّ أو لدى المسلم؛ إن المقارنات المطروحة على ساحة النقاش هي على درجة كبيرة من الوضوح والتعيين: التفضيل بين قانون مدنيّ عصري، في وجه قانون ذو أسس دينيّة - وإن كانت مقدّسة لدى كل طائفة على نحو منفرد -. وعليه: أظنّ أنّنا - يا سادة - متفقون هنا. إذاً يكون السؤال، بكل بساطة:
أيّهما أصلح للعدل المجتمعاتيّ الذي ينشده القانون: أهو القانون المدنيّ الوضعي الدنيويّ، أم القانون المخصّص لكل طائفة على حدى؟
إن الإجابة على هذا السؤال، تحتاج دراسة معمّقة لكلٍّ من القانونَين، في سبيل اختيار ما هو أنسب للمواطنين السوريّين كمواطنين سوريّين. ولأننا ذوي خبرة طويلة مع قانون الأحوال الشخصيّة للطوائف حاليّاً، نستطيع أن نقول بالفمّ الملآن: إن القانون المعمول به حاليّاً لا يلائم التطوّرات الطارئة على بنيان المجتمع السوريّ، كما أنـّه لا يناسب رؤى الشباب السوريّ. فهو، بالحدّ الأدنى، لا يراعي في مواده جميع فئات التنوّع السوريّ، رغم الأكثريّة الإسلاميّة ربما؛ لكن هل هذا يبرّر الضيم الذي يصيب العَلمانيّين أو اللادينيّين أو الملحدين؟!
إن قوانين الطوائف الحاليّة، تتعاطى مع الفرد المواطن على أساس واحد إفتراضاً: وهو انتماؤه لإحدى الطوائف الشائعة. فتأتي القوانين المعمول بها هاضمة لحقوق الكثير - الكثير من السوريّين والسوريّات. الذين هم/هنّ موجودين/ات شئنا أم أبينا.
على الطرف الآخر: هل ستتأثر العلاقة الشخصيّة بين المؤمن وخالقه في ظلّ القوانين العَلمانيّة؟
البسيطة ملأى بالتجارب التي تؤكـّد على أن القوانين العَلمانيّة لم ،ولا، تؤثـّر في الحياة الخاصة لأي مؤمن داخل منزله، كما أنـها لا تؤثـّر على الطريقة التربويّة - الأخلاقيّة التي يعتمدها ويعتنقها. هاكم "إندونيسيا" مثالاً حيّاً. فبعد إقرار - البانتشاسيلا - في تلك الدولة التي يشكّل فيها المسلمون الغالبيّة العُظمى، لم تتدخل العَلمانيّة بأي شكل بشعائر المؤمنين الخاصة في مساجدهم أو كنائسهم. إن القوانين الوضعيّة - الدنيويّة تهتمّ بتنظيم دنيويّ للدولة، بمراعاة الصالح العام في المجتمعات عامة، يُراعى فيه المساواة بين المواطنين بناء على معيار أوحد: المواطنة، وفقط المواطنة.
ورد في ردّ أحد الأساتذة الأفاضل أعلاه، أنـّه يطالب الآخرين "بعتق" قانون طائفته كما هو، مقابل اعتاقه قوانين الآخرين على حالها، ولكن أستاذي أعلاه يغضّ الطرف - سهواً ربّما - عن الوجود الفعلي لآلاف المواطنين الذين لا يخضعون لأي قانون حتـّى هذه اللحظة في تسيير أمور احوال الشخصيّة؟!
إن سوريا قرن الحادي والعشرين يا سيّدي، تعترف - بحسب الدستور - بحقّ أي مواطن سوريّ بالحياة في ظلّ قوانينها المعمول بها. ولم أقرأ في الدستور، ولو مادة واحدة، تحجب عن المُلحد أو اللاديني حقـّه بالاستفادة من حماية القوانين السوريّة له! كما أنـّني لم أقرأ في الدستور - وهو أب القوانين - أي مادة ترجّح أو تفاضل بين السوريّين على أساس الإيمان الدينيّ!
وأرجو ان ينوّرني أحدهم إن كنتُ مخطِئاً!
ولهذا يكون من الطبيعي - البديهي، وبضمانة الدستور، سنّ قوانين جديدة تسوّي حال الآلاف من السوريّين والسوريّات، من غير المنتمين للطوائف. والحلّ الأجدى، بحسب الدستور والاتفاقيّات الدوليّة التي وقـّعت عليها سوريا وهي مقيّدة بمضمونها بما لا يخالف قوانين سوريا الداخليّة او الدستور - الحلّ يكون بإقرار قانون مدنيّ ينظـّم العلاقات الشخصيّة بين السوريّين، على أساس إنتمائهم لسورية الدولة، لا لدويلة الطوائف!
وليسمح لي الأستاذ مازن إبراهيم أن أتطرق قليلاً، بكلّ محبة، لردّه الأخير:
سيّدي، إن توكيلنا لأنفسنا - تجاوزاً - يعتمد على المبادئ الدستوريّة والاتفاقيّات العالميّة التي وقـّعت عليها سوريا باسم كلّ الشعب السوريّ - متضمة حضرتك مع جميع أفراد عائلتك الصغيرة. كما أنـّه لا يخفى عليك بالتأكيد، أن أحدهم لم يستشرني أنا أو أحد أفراد عائلتي الكبيرة المؤلـّفة من آلاف السوريّين والسوريّات، قبل إقرارهم لقانون الأحوال الشخصيّة المعمول به!
وإن إيراد مفردات "السوريّين والسوريّات" في عباراتنا يعتمد على شعورنا الجمعي بأبناء هذا الوطن. وبكل واقعيّة أقول: إن كان هناك أي سوريّ أو سوريّة، يختلفون معنا - نحن مستخدمي تلك المفردات - على أساس معيارنا السوريّ، فليتفضل وليقل لي جهراً أن سوريّته تختلف عن سوريّتي. بإمكانك يا سيّدي أن تعتبرنا "فضوليّين" نتحدّث نيابة عن سوانا بدون إذنه، فضوليّين على نحوٍ خيّر.
ليقم "سوريّ" ما ويجاهر بقوله: أن سوريّته مطعّمة بإنتمائه الطائفيّ الذي يجعله في مكانة متمايزة عن سوريّتي أنا، أو سوريّتنا نحن.
حتـّى ذلك الحين يا سيّدي.. سنظلّ "فضوليّين" موكـّلين أنفسنا للتحدّث باسم كلّ سوريّ وسوريّة، يعتقدون أن ما يجمعهم في هذا الوطن - وطننا سورية - هو معيار المواطنة فقط.
دمتم بخير، مع جزيل الاحترام..[/align]