أيضاً في النقاش الدائر حول تعديل قانون الأحوال الشخصيّة، وكنت أتمنّى أن يعنون ردّي هذا: "النقاش الدائر حول تغيير قانون الأحوال الشخصيّة!" تحيّة وبعد للأساتذة الأفاضل، أمّا بعد: ليسمح لي أستاذي عارف الشعّال أن أمرّر بعض النقاط، التي أظنـّها على علاقة وثيقة بردّه الأخير، وسأجيز وأختصر قدر الإمكان: 1_ الشكر للأستاذ عارف أولاً، لاعترافه بحقّ الآخر بالمجاهرة برأيه، بغضّ النظر عن غمزه من قناة "شموليّة" رأي الآخر وعدم تخصّصه. ولكن للإيضاح فقط: يقول الأستاذ عارف، في معرض ردّه على مقال الأستاذ بسّام القاضي، يقول الأستاذ عارف أن الأستاذ بسّام أخطأ حينما نَسَبَ وَضع قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ لعام 1953 للرجل العثمانيّ "محمد قدري باشا". رغم أن ما ادّعاه الأستاذ بسّام القاضي لم يجانب الصواب تماماً، فلقانون الأحوال الشخصيّة السوريّ لعام 1953 مصادر محدّدة؛ أهمّها: أ_ قانون حقوق العائلة العثمانيّ، الصادر عام 1917م. ب_ مدوّنة الأحكام الشرعيّة في الأحوال الشخصيّة "لمحمّد قدري باشا". ج_ مشروع قانون الأحوال الشخصيّة لقاضي دمشق على الطنطاوي. د_ القوانين المصريّة مع بعض التعديلات في بعض الاحايين. ه_ يرجع القاضي إلى الراجح من المذهب الحنفيّ فيما لا نصّ فيه (المادة 305). مغزى القول، مصادر قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ المعمول به حاليّاً ملوّنة بلون واحد، لا تراعي التنوّع المجتمعاتي للشعب السوريّ. ويمكن نسبة القانون للمصادر أعلاه رغم غياب الصلة المباشرة، فكانت بنات أفكارهم هي الوعاء الذي استقى منه المشرّع السوريّ قانونه الشرعيّ. فكما أتى "التشريع الإلهي" مسقاً للقوانين البشريّة، دون أن يتكفّل "الله تعالى" بخطّ قوانين سورية! هكذا حال ارتباط مشروعات الطنطاوي وقدري باشا مع قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ لعام 1953م والمعمول به حاليّاً. 2_ إن الاعتراض على بعض الأحكام الجديدة في مشروع القانون الجديد المُنتقد، والتي هي نفسها في القانون المعمول به حاليّاً، هذا الاعتراض لا يحسب على المُعترض، بل له! فإن استغلال فرصة تغيير ما هو قائم نحو ما هو أفضل، هو استغلال ملائم لقاعدة "ثبات التغيّير". فهل يظنّ عاقل أن السكوت عن القوانين المعمول بها هو قبول ضمنيّ بها؟! أستاذ عارف: لا ينسب لساكت قول. والاستفادة من المتغيّرات والتغييرات لتوجيه النقد لمواطن الخلل في القوانين من قِبل الشعب، هو دليل حيويّة وضمانة فعّالة "لحقّ الشعب بالرقابة على القوانين" وسنّ القوانين بالشكل الذي يناسب تطلعاته ورؤاه نحو المستقبل. 3_ سأمرّ مرور الكرام على النقاط المتعلـّقة بما أسماه الأستاذ عارف "بالشريعة المسيحيّة!". يقول الأستاذ عارف: اقتباس: زواج الصغيرات أمر لم تنفرد به الشريعة الإسلامية الغراء و إنما أقرته كافة الشرائع السماوية الكريمة و نصت عليه كافة قوانين الأحوال الشخصية لكافة الطوائف بدءً من الشريعة اليهودية و انتهاءً بالشريعة الإسلامية . وقول الأستاذ عارف هنا، يفترض وجود شريعة مسيحيّة، وهو ليس بالأمر الصحيح حرفيّاً! فالمسيحيّة ليست بشريعة أو بتشريع. بالتأكيد ليس هذا مجال بحثنا، لكن من المهم الإضاءة - توافقاً مع الأستاذ عارف - على النقاط الضروريّة وتسمية الأشياء بأسمائها. المسيحيّة لا تنصّ على "أحكام وتشريعات". وما أتت به القوانين المعمول بها لدى الطوائف المسيحيّة، هي قوانين وليدة رجال دين يراعون خصوصيّة كل طائفة ومعتقداتها. حتـّى أن أغلب القوانين المسيحيّة المعمول بها في بلادنا، حرصت في قوانينها على الموازنة مع الشرع الإسلاميّ السائد، فجاءت المواد القانونيّة في القوانين المسيحيّة، في كثير الأحيان، قريبة من اللغة الشرعيّة الإسلاميّة. ولذلك لم تكن بعض القوانين الوضعيّة ذات الروح المسيحيّة في بعض دول أوروبا - كفرنسا مثلاً - متوافقة مع القوانين المسيحيّة المعمول بها في بلادنا. فممارسة الجنس مع قاصر في فرنسا - ولو كان برضاها - يستوجب عقوبة السجن حتّى ثلاث سنوات! وليس في هذا الحكم ما يتعارض مع "التعاليم المسيحيّة". بالنسبة للسماح للمحامي المسيحيّ بالمرافعة في المحاكم الشرعيّة الإسلاميّة، ومنع المحامي المسلم من نفس الحقّ لدى المحاكم الروحيّة المسيحيّة: بديهيّ القول أن المحامي المسيحيّ ملمّ - بحكم دراسته الحقوقيّة - بجميع الأحكام الإسلامية التي ينصّ عليها القانون السوريّ، مما يجعله مؤهلاً للمرافعة والتوكيل في المحاكم الشرعيّة. بينما تكون الأحكام المتعلّقة بالاحوال الشخصيّة لغير المسلمين "للمطالعة فقط!" في المنهاج الجامعي في كليّة الحقوق. ولهذا يغلب الظنّ بجهل المسلم الحقوقيّ المتخرّج بالقوانين المسيحيّة المعمول بها، اللهم بعض المهتمّين والباحثين على المستوى الشخصيّ، وهم حالات خاصّة، ومن نافل القول: لا يستطيع القانون إحكام حالاته العامة لحالات خاصّة. لهذا جاء السماح للمحامي المسيحيّ فقط بالمرافعة في المحاكم الشرعيّة. أخيراً، فيما يتعلـّق بالنقطة الأخيرة من ردّ الأستاذ عارف الشعال ؛ وبما أنّي من الدعاة "لقانون مدنيّ عصريّ"، ليسمح لي الأستاذ عارف بالإجابة على تساؤله المحقّ: سيّدي، إن القانون المدنيّ العصريّ يعتمد في تسويته للحالات المجتمعاتيّة، على بديهية بشريّة هي الوعي الإنسانيّ السويّ، أي أن يكون الإنسان بشريّاً خالصاً متحكـّماً بغريزته: بشرياً لا تسوّل له نفسه الزواج من أمّه او ابنته! أي أن يكون إنساناً سويّاً، بغير حاجة لمؤيّدات قانونيّة وعقوبات تمنعه من الزواج بأخته! طبعاً ما أسلفتـُه ليس بخيالي أبداً، ولا هو بمثاليّ حالم. بل هو يتعلـّق بالأخلاق البشريّة الغرائزيّة السابقة في وجودها للأديان أو لأي تشريع آخر. الأخلاق التي تلازم في رقيّها التطوّر البشريّ ورقيّه، في سعيه نحو العدالة والإنصاف بين الذكر والأنثى والمواطنين عامّة، بعيداً عن الانتماءات الضيّقة أو الخصوصيّات الخانقة. أخيراً، أتمنـّى أن يعرض الأستاذ عارف، على الملأ، المسائل التي يجب الوقوف عندها فيما يخصّ القانون المدني العصريّ، كي نحاول، سويّاً، إيجاد الحلول لها. كي لا تفشل "أي محاولة" لوضع قانون مدني عصريّ يرضي كافة الناس ويراعي مصالحهم واستقرار المجتمع. مع جزيل الاحترام..