عرض مشاركة واحدة
قديم 15-07-2010, 03:55 PM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
بسام القاضي
عضو جديد مشارك
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


بسام القاضي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: مشروع قانون الأحوال الشخصية (للمناقشة)

يضيق المجال هنا (مع تأخري) على الرد على الكثير من المغالطات التي وردت في هذا النقاش. بدءا من اعتبار هذا الموضوع موضع خاص بالمحامين والشرعيين، واستسخاف الناس حين يبدون رأيهم على أنهم "غير اختصاصيين"! في تناقض واضح مع جمل أخرى مثل أنه موضوع يهم كل الناس من الولادة إلى الممات.... وليس انتهاء باعتبار كل ما لا يقع في مقاس هذا الفكر أو ذاك: عنوانا مستفزا! فيما لم يشعر البعض أن اغتصاب الطفلات تحت مسمى الدين هو أشد استفزاز يجب أن يشعر به محام/ية إذا كان يقصد الإنسان فعلا!
لكن، ومحاولة للتدارك، أود الإشارة إلى بعض النقاط، مع أنني سأطيل قليلا، فاعذروني:
1- يعتقد البعض أن سورية هي دولة إسلامية. وهذا اعتقاد ليس خاطئا فحسب، بل هو خطير أيضا. لأن سورية لم تكن أبدا، وبالطبع نأمل أن لا تكون، دولة إسلامية، كما نأمل أنها لن تكون دولة مسيحية أو يهودية أو... بل فقط دولة سورية. دولة لكل السوريين فيها نفس الحقوق والواجبات. فالدولة هي دولة وليست إمارة ولا خلافة. وحين يريد البعض أن يجعل منها دولة دينية، فالأجدر أن يرفض نظامها كله (نظام الدولة: الجمهورية) ويطالب بعودة الخلافة. فحتى الملكية والسلطنة متعارضة مبدئيا مع تلك التصورات حول سيادة الدين.
ولعل البعض يتناسى أيضا أن مشروع الدول الدينية هو مشروع استعماري بحت، عملت عليه بكل قوتها المريضة قوى الا ستعمار العثماني، ومشت خطوات فيه قوى الاستعمار الفرنسي حين خطط لدول دينية (لا يفرق أن تكون هنا طائفية)، ومن ثم سقط بقوة السوريين الذين قالوا أن سورية هي للسوريين، وليست لأي معتقد فيها أو دين أو مذهب.
والمحاججة بنص الدستور محاججة باطلة. فالبند الثاني من المادة الثالثة من الدستور تقول: "الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع"! وللذين يحبون أن يتجاهلوا اللغة العربية رغم معرفتهم بها، فهذا الجملة تعني "الفقه" وليس الدين، ولا الشريعة... والفقه يعني كل الاجتهادات التي تقع تحت هذا الدين. وهذه الجملة تعني أيضا أنه "مصدر" (نكرة) من مصادر مختلفة. ومن الواضح إذا أن الدولة السورية لا تتبنى دينا بعينه. وليست دولة إسلامية ولا دولة للإسلاميين. بل هي دولة لكل سوري وسورية بغض النظر عن دينه. ولا يختلف في ذلك حديث البعض الصريح أو المبطن عن أقلية وأكثرية.. فهذا حديث لا يستحق الرد.. خاصة في القرن الواحد والعشرين، وقد سالت دماء في محيط بلدنا أكثر مما يحتمله عقل.. بسبب مثل هذه المقولات.
إذا.. القاعدة الأساسية الحقيقية، وليست تلك التي نريد لها أن تكون، هي أن قانون الأحوال الشخصية، الذي وضعه أصلا رجل دولة عثماني حين كانت الدولة العثمانية تستعمرها وتمعن في تحطيمنا بكل المعاني، أو قانون أسرة عصري كما يجب أن يكون، هو قانون لكل سورية وسوري. واعتبار السوريين والسوريات متمايزين بعضهم عن بعض، واعتبار بعضهم فوق بعض... يتناقض كليا مع مبدأ الدولة نفسها. ويدفعه نحو دولة عنصرية. وربما يقول قائم فهي كذلك الآن إذا. بمعنى من المعاني نعم. لكنا لا نأخذ ذلك لأن جملة من الحقوق والمفاهيم لم تكن متوافرة للإنسان أصلا حين وضعت هذه التشريعات.. ولذلك نقول دائما أن من وضع تلك التشريعات التمييزية كان، عموما، حريصا على بلده وفق أفقه ذاك. أما أن نعود نحن لنحبس أنفسنا في ذلك الأفق.. فهذا ما يثير فعلا!!
2- استخدام البعض لعبارات استفزازية وإقصائية، بل وترهيبية بشكل أو بآخر، مثل: "والأهم من تلك الغيرة على حدود الله واحكامه السماوية التي ارتضاها لنا من فوق سبع سماوات هذه الغيرة النابعة من ايمان راسخ بالقيم والمبادئ والاصول الدينية التي لانحيد عنها ولانرتضي التهاون فيها او التجاوز عليها بل ستكون اقلامنا سيوفا تنبري للدفاع عنها لعلنا نكون حاجزا وسدا منيعا امام تلك الافواه التي لاتدري ماتقول ولاتعي ماينطق بها لسانها"!! فهذا ما يستدعي أسئلة حقيقية حول إن كان المحامي/ة في سورية هو وكيل الله على الأرض! أم أنه باحث في كل ما يدفع الإنسان إلى مزيد من إنسانيته؟ فأي معنى لتلك الجملة سوى ان نكون "حاجزا وسدا منيعا أمام تلك الأفواه"؟!
وهل لي بسؤال كيف سيكون ذلك؟ هل بسؤال إن كنت أنا، من قال عن المشروع أنه طالباني، ومن يقاتل ضد كل عنف وتمييز ضد الإنسان، وخاصة ضد المرأة، تلبس لبوس دين أم لا دين، وطنية أو قومية أو عبثية... إن كنت "لا أدري ما أقول"؟
إذا، هؤلاء يضحكون على أنفسهم. نحن نعرف جيدا ما نقول مثلما أنتم تعرفون جيدا ما تقولون. نحن نقول أن الإنسان أولا، وسورية بلد كل السوريين. وهؤلاء يقولون أن الإنسان ليس إلا عبدا لهذا التصور الديني أو ذاك، وأن سورية هي بلد "شعب الله المختار"!!
3- يحتج البعض بأن من وضع هذه المسودات هم من كبار المختصين والجهابذة. لعلهم كذلك. بل أشهد أنهم كذلك. لكنهم ليسوا مختصين وجهابذة في كيف نرقى أكثر بمجتمعنا، كيف نمضي قدما في جعل كل مواطنة ومواطن في سورية على قدم المساواة مع كل مواطنة مواطن آخر بغض النظر عن دينه ومذهبه ولونه وعرقه و... ولا كيف نتخلص من الكثير مما علق بتراثنا وتاريخنا، ولا كيف نتجاوز ما هو في تراثنا وثقافتنا ولكنه بات متعارضا مع حياتنا وتطورنا.... بل هم مختصون وجهابذة في وضع أفضل خطة على الإطلاق لتدمير هذا المجتمع. وليس أدل على ذلك من هربهم بالمطلق من أي نقاش علني، بل بعضهم قام بإلغاء أرقام هواتفهم تهربا من الأسئلة. فيما وضعت العديد من الصفحات، بما فيها مرصد نساء سورية، تحت تصرفهم فيما إذا أرادوا الرد على ما قلناه! فلم يرفضوا فحسب، إنما اختبئوا لعلمهم اليقين بما ترتكب أياديهم. فأي عاقل في القرن الواحد والعشرين يشرع "كتابية وذمية"؟ وأي عاقل يشرع اغتصاب الطفلات في سن 13 سنة بمسمى "الزواج"؟ وأي عاقل يشرع ربط المرأة (أليس في نقابة المحامين من النساء أكثر أو مثل ما فيها من الرجال؟) كليا بقبضة إرادة الرجل؟ و............
المجتمع ليس طبا، وليس اختراع ذرة. المجتمع هو تفاعل لكل إنسان فيه حق إبداء الرأي والنقاش. المحامون القضاة اختصاصيون في الصياغة القانونية، وليس في الأفكار التي تتتضمنها هذه الصياغة. بالطبع لا يمكنني أن أصيغ مادة قانونية واحدة. لكن أكبر و"أجهبذ" الاختصاصيين القانونيين قد يصيغ مادة رائعة في الصياغة القانونية، وتعطي الحق لكل رجل بلغ الخامسة والعشرين أن يمارس الجنس في الشارع! فهل سيكون هو أجدر بالتشريع لأنه "صاحب اختصاص"؟
أما اختصاص الشرع، فقد باتت اللعبة مكشوفة. مئات الفتاوى العجاب أظهرت ما يكفي للقول أن رجل الدين هو رجل دين، وليس عالما. أن الدين بات اليوم سلاحا بأيدي رجال الدين ليستعبدوا فيه الناس وليس لكي يطوروا عبره قيمهم وحياتهم.. فكل رجال الدين الإسلامي في العالم لا يستطيعون أن يثبتوا خطأ صبي صغير يقول بأن من حق كل رجل أن يكون لديه من الإماء وملكات اليمين ما شاء. ولا أن يبيع ويشتري الناس، ولا أن.... فإذا؟!!
4- من الغريب كيف ما زال هناك من يقول بأن القانون إنما ينظم ما هو قائم! ألستم من يقول أن "القانون يولد ميتا" لأنه ثابت والحياة متحركة؟ فبالله عليكم/ن: كيف إذا نشرع ما هو قائم؟ فلماذا إذا لم يذهب المشرع لكي يقبل جامعي الأموال الذين خربوا بيوت عشرات ألوف الأسر السورية؟ ألم يكن أمرا واقعا؟ ولماذا لا نقبل بالإتجار بالبشر؟ أليس أمرا واقعا؟..
القانون ليس لتنظيم ما هو واقع. بل للرقي بالإنسان الخاضع له عبر المزيد والمزيد من التقدم والتطور في صياغة علاقات الأفراد بعضهم ببعضه، وعلاقات نشاطاتههم بعضها ببعض، وعلاقات الناس مع الدولة، وبالعكس،.... ليفتح أفقا إضافية مستغلا كل تراكم إضافي للمعرفة، خاصة في مجالات حقوق الإنسان والعلوم الاجتماعية..
قانون الأسرة العصري الذي لا يأخذ في الحسبان إلا المواطنة معيارا وحيدا للعلاقة بين السوريين، والذي يستثمر كل قيمة إيجابية في كل دين وشرع وثقافة وتجربة.. هو القانون الوحيد الذي سيكون لائقا بالمجتمع السوري. المجتمع أقول، أي المرأة والرجل والطفل والأسرة ككل. هذا القانون هو الوحيد الذي يجعل لكم أنتم (معشر المحامين و القضاء) معنى في وجودكم. وحين سيميز هذا القانون بيني وبين سوري أو سورية أخرى، فلم أعد بحاجة لكم من أساسه. لأنني لن أكون وقتها مواطنا. وحين لا أكون مواطنا، يصير من "حقي الطبيعي" أن أتصور حقي كما أشاء، وآخذه كما أشاء أيضا!! ولا أشك أن هذا لم يكن أبدا، وآمل أنه لن يكون، على جدول أعمال نقابة ما زال الناس في سورية، رغم كل المآسي، يأملون أنها ستكون رافعة حقيقية لحياتهم.

ومن جديد: المعذرة للإطالة...







التوقيع

كيف للرأس المطرق دوماً أن يقول:صباح الخير.. أيتها الحرية؟!
www.nesasy.org

رد مع اقتباس