كتب الزميل المحامي نزيه معلوف مقالة بعنوان "صرف القضاة من الخدمة تم طبقاً للقانون... والخطأ المهني كان في المرسوم" ، نشرت هذه المقالة في موقع سيريا نيوز ، كما أنها نشرت في موقع سوريا للقضاء والمحاماة .
ومضمون هذه المقالة أن تسريح القضاة من الخدمة جاء مطابقاً لحكم القانون ، لكنه مخالف لحكم الدستور وأوصى الأستاذ الكريم بتقديم طعن بهذا المرسوم أمام المحكمة الدستورية العليا لإعلان بطلانه استناداً على نص المادة 145 من الدستور .
ومن يقرأ هذا المقال سيجد أنه لا يمت إلى الفكر القانوني بصلة وأن صاحبه جمع بعض الكلمات من كل جانب وأتبعها ببعضها البعض فظن أنه بقر بطن العلوم والقوانين وهو في الحقيقة لم يغن ولم يحسن ولم يترك لنا مجالاً لنعذره فيه على جهله الفاضح بالقانون والدستور السوري .
نبدأ من العنوان " والخطأ المهني كان في المرسوم " ..... فالأستاذ الكريم يسمي العيب الذي يصم مرسوماً تشريعياً بالخطأ المهني !!! وهذه لعمري من إبداعاته التي لم يسبقه إليها أحد . ولا ندري ما هو الأثر المترتب على توافر الخطأ المهني في المرسوم ... هل هو مخاصمة واضع المرسوم قياساً على مخاصمة القاضي الذي يرتكب خطأ مهنياً ؟؟؟!!!! أم ماذا ؟؟
وقد حاول الزميل الفاضل أن يثبت لنا أن صرف القضاة من الخدمة جاء موافقاً للقانون . واستند في ذلك إلى عدة حجج أهمها
- أن المادة /135/ من دستور الجمهورية العربية السورية قد أوكلت مهمة التنظيم القضائي بجميع فئاته إلى القانون. كما أن المادة /136/ منه أناطت بالقانون شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم وعزلهم. – إن حصانة القضاة ليست مطلقة حيث جاء الفصل السابع ليحدد أنواع العقوبات الممكن فرضها بحق المخالفين منهم. وهي بحسب المادة /105/ منه:
"العقوبات المسلكية التي يمكن فرضها على القاضي هي:
1. اللوم 2. قطع الراتب 3. تأخر الترفيع 4. العزل"
إن ذلك يشير إلى جواز فرض العقوبات بحق القضاة المخالفين ومنها عقوبة العزل. وقد نص القانون على الإجراءات الواجب إتباعها بحق القضاة المخالفين وفق أحكام المادة /107/ وما بعدها، حيث يحالون بموجبها على مجلس القضاء الأعلى بموجب مرسوم, بناءً على اقتراح وزير العدل أو رئيس مجلس القضاء الأعلى, ونصت من بعدها المواد من /108/ وحتى /113/ على إجراءات التقاضي ومنها المادة /110/ التي أباحت للقاضي المحال على المجلس أن يستعين بأحد القضاة للدفاع عنه)
ونحن نقر أن المادة 135 من الدستور السوري قد فوضت إلى المشرع مهمة تنظيم القضاء . لكن لا يجوز لهذا المشرع أن يخرج عن حدود التفويض الممنوح له ، وبالتالي فهو ملزم باحترام النصوص الدستورية ولاسيما تلك التي تتحدث عن استقلال السلطة القضائية عن كل من السلطة التنفيذية والتشريعية . ونتيجة لذلك فإن أي قانون يصدر عن المشرع خارج إطار هذا التفويض يكون مصيره البطلان المطلق لأنه تشريع غير دستوري . وتطبيقاً لذلك فإن المرسوم 95 الذي أعطى صلاحية عزل القضاة إلى مجلس الوزراء (السلطة التنفيذية) ، يكون قد صدر دون احترام لحدود التفويض الممنوح للمشرع في تنظيم شؤون السلطة القضائية لأن المشرع بهذا المرسوم خرق مبدأ دستورياً هاماً وهو مبدأ استقلال القضاء ، مما يوجب القول بعدم دستوريته وضرورة إلغائه مع كافة الآثار المترتبة عليه .
ونحن نتساءل : إذا ثبت أن مرسوماً ما صدر بشكل مخالف لأحكام الدستور ، فما هي الفائدة المجتناة من البحث في قانونيته أو عدم قانونيته ، كما فعل الأستاذ الكريم ؟؟ وهل يمكن أصلاً البحث في قانونية القانون ؟؟ نحن نعرف أن البحث يدور حول قانونية تصرف أو سلوك أو قرار لمعرفة مدى مطابقة هذا التصرف أو السلوك أو القرار لأحكام القانون ، أما البحث في قانونية قانون أو مرسوم بعد ثبوت عدم دستوريته فهو ما لم نسمع به من قبل الأستاذ نزيه .
ثم أن الأستاذ نزيه معلوف يوافق المشرع على تعديله أصول مساءلة القاضي ونقل هذه المساءلة من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى إلى مجلس الوزراء ، دون أن يرى في ذلك عيباً قانونياً !!! أو انتهاكاً لاستقلال القضاء !!!
ومن الغريب عبارته التي تقول : " ولكن يجب أن لا نكتفي بهذا الحد من التحليل لنقف على مشروعية صرف القضاة بموجب المرسوم رقم /95/. حيث أنني أرى بالرغم من أن ذلك الإجراء كان ينسجم وأحكام القانون، إلا أن ذلك المرسوم لم ينسجم مع أحكام ومبادئ الدستور لمخالفته المبادئ الأساسية" ونعود لتساؤلنا كيف يمكن أن نعتبر الإجراء قانونياً إذا كان مخالفاً للدستور ؟؟؟
وأفدح ما صدر عن الأستاذ هو تلك التوصية التي أنهى بها مقالته حيث قال :
" وعليه فإن صرف القضاة دون محاكمة عادلة فيه مخالفة للدستور وإن كان قد تم تنفيذاً للقانون (المرسوم رقم 95). ولما كان ذلك فإنه بات من المستوجب الطعن في دستورية المرسوم رقم /95/ لمخالفتها المبادئ الدستورية, أمام المحكمة الدستورية العليا وفق المادة /145/ من الدستور وما بعدها ولن يجدي نفعاً سيل الكتب والانتقادات والاعتراضات التي نقرأها ونسمع عنها في كل يوم ".
وهذا جهل فاضح بالدستور وأحكامه ومبادئه ، لا نستطيع أن نعذر فيه أياً كان حتى الرجل العادي غير المتخصص بالقانون . لأنه من المعروف أن الدستور السوري لا يجيز الطعن بدستورية القوانين أو المراسيم إلا قبل صدور هذه القوانين أو المراسيم . كما أنه حصر حق الطعن بعدم الدستورية برئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب . ولا يوجد في سوريا أصول لإقامة دعوى طعن بدستورية قانون أمام المحكمة الدستورية العليا .. لا من قبل المواطن ولا من قبل غيره . إنما ينحصر دور المحكمة الدستورية العليا في إعطاء استشارة حول دستورية قانون أو عدم دستورية إذا طلب منها ذلك رئيس الجمهورية أو بعض أعضاء مجلس الشعب قبل صدور القانون .
وللمتضرر من قانون ما في صدد دعوى مقامة أن يدفع بعدم دستورية القانون الضار به أمام المحكمة الناظرة في هذه الدعوى ، وليس أمام المحكمة الدستورية العليا كما اقترح الأستاذ نزيه .
المحامي عبد الله علي