صرف القضاة من الخدمة تم طبقاً للقانون... والخطأ المهني كان في المرسوم الاخبار المحلية
سبق وأن أصدر السيد رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي القاضي بصرف 81 قاضياً من الخدمة, وعلى أثرها تباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومتحفظ ومعارض. وإن ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع التركيز من قبل الزملاء رجال القانون على عدم مشروعية قانون صرف القضاة من الخدمة.
وأرى أن القول بمخالفة ذلك للقانون قد جاء في غير محله القانوني, حيث أن المادة /135/ من دستور الجمهورية العربية السورية قد أوكلت مهمة التنظيم القضائي بجميع فئاته إلى القانون. كما أن المادة /136/ منه أناطت بالقانون شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم وعزلهم.
ومن ذلك فإن القانون هو الذي يحدد شروط العزل وإجراءاته وكان أن صدر قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /98/ لعام 1961 حيث نظم الجهاز القضائي بمختلف درجاته ومراحله, ومن ذلك ما جاء في الباب الثاني:
مجلس القضاء الأعلى، الفصل الثالث تحت عنوان حصانة القضاة. فجاء في المادة رقم /92/ النص على حصانة جميع القضاة من النقل والعزل.
ولكن ذلك لا يسبغ الحماية المطلقة على القضاة من المسائلة والمحاسبة حيث جاء الفصل السابع ليحدد أنواع العقوبات الممكن فرضها بحق المخالفين منهم. وهي بحسب المادة /105/ منه:
"العقوبات المسلكية التي يمكن فرضها على القاضي هي:
1. اللوم
2. قطع الراتب
تأخر الترفيع
4. العزل"
إن ذلك يشير إلى جواز فرض العقوبات بحق القضاة المخالفين ومنها عقوبة العزل. وقد نص القانون على الإجراءات الواجب إتباعها بحق القضاة المخالفين وفق أحكام المادة /107/ وما بعدها، حيث يحالون بموجبها على مجلس القضاء الأعلى بموجب مرسوم, بناءً على اقتراح وزير العدل أو رئيس مجلس القضاء الأعلى, ونصت من بعدها المواد من /108/ وحتى /113/ على إجراءات التقاضي ومنها المادة /110/ التي أباحت للقاضي المحال على المجلس أن يستعين بأحد القضاة للدفاع عنه.
ونخلص من ذلك إلى نتيجة قانونية هامة, مفادها:
أنه من الممكن إحالة القاضي المخالف على مجلس القضاء الأعلى, وإيقاع عقوبة العزل بحقه ضمن شروط وإجراءات حددها قانون السلطة القضائية, والذي كان واجب التطبيق لجهة هذه الإجراءات قبل صدور المرسوم التشريعي رقم /95/ لعام 2005 والذي عدّل من الإجراءات والأصول المتبعة سابقاً. ليستعيض عنها بإجراءات أخرى نص عليها.
ويتضمن المرسوم:
)( بناء على أحكام الدستور يرسم ما يلي:
المادة 1 : آ - خلافاً للأحكام القانونية النافذة ولاسيما المادة /92/ من قانون السلطة القضائية رقم /98/ تاريخ 15/11/1961 وتعديلاته, يجوز لمجلس الوزراء لمدة أربع وعشرين ساعة ولأسباب يعود تقديرها إليه, أن يقرر صرف القضاة من الخدمة, ولا يشترط في هذا القرار أن يكون معللاً أو أن يتضمن الأسباب التي دعت للصرف من الخدمة.
ب - يسرح القاضي المقرر صرفه من الخدمة, بمرسوم غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة أو الطعن, أمام أي مرجع إداري أو قضائي, وتصفى حقوق المسرح وفقاً لأحكام القانون النافذ.
المادة 2 : ينشر هذا المرسوم التشريعي, ويعتبر نافذاً فور صدوره. دمشق في 30/8/1426 هـ و 3/10/2005 م)).
مما يستوجب العمل على تطبيقها بحق المخالفين اعتباراً من تاريخ نفاذه ودون الرجوع إلى الأصول السابقة.
ولكن يجب أن لا نكتفي بهذا الحد من التحليل لنقف على مشروعية صرف القضاة بموجب المرسوم رقم /95/. حيث أنني أرى بالرغم من أن ذلك الإجراء كان ينسجم وأحكام القانون، إلا أن ذلك المرسوم لم ينسجم مع أحكام ومبادئ الدستور لمخالفته المبادئ الأساسية والتي جاءت في المادة /28/ منه والتي نصت:
"1- كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم.
4- حق التقاضي وسلوك سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون"
كما أن المرسوم أغفل مبدأً دستورياً هاماً ويتمثل في نص المادة /30/ من الدستور والتي تنص على:
"لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك."
وعليه فإن صرف القضاة دون محاكمة عادلة فيه مخالفة للدستور وإن كان قد تم تنفيذاً للقانون (المرسوم رقم 95).
ولما كان ذلك فإنه بات من المستوجب الطعن في دستورية المرسوم رقم /95/ لمخالفتها المبادئ الدستورية, أمام المحكمة الدستورية العليا وفق المادة /145/ من الدستور وما بعدها ولن يجدي نفعاً سيل الكتب والانتقادات والاعتراضات التي نقرأها ونسمع عنها في كل يوم.
المحامي نزيه المعلوف
نقلا عن سيريا نيوز