حتى عهد قريب
كانوا في الصف الأول
يقرؤون القانون
أبواباً ومواداً وفقرات
وأحرفاً وكلمات ...
ويغوصون إلى أعماق المشرع
يلامسون نبل الحقيقة
وكنه الغاية والمقصد،
لا كلل ولا ملل
ولا سأم ولا ضجر ...
صاغوا أحدث القوانين
وأوسعوها شرحاً وتفسيراً
امتلأت المكتبات بمؤلفاتهم
وغصّت بطون الكتب بآرائهم
وضجرت القاعات من صخب مرافعاتهم.
صالوا وجالوا ...
حتى ترسخت المحاماة
كتابة وعملاً ونطقاً
ومناقبية وتقاليد
مهنة علمية حرة
وقضاة واقفون
بجانب القضاة الجالسين
كل يصفّق بجناحه
حتى إذا حلّقت العدالة
استجابا لها باطمئنان
أسسوا نقابات للمحامين
ثم دمجوها في نقابة واحدة
وبنوا اتحاداً للمحامين العرب
على أرض دمشق المعطاءة.
وانتسبوا إلى منظمات دولية
أفهموها قضايانا بصوت الحق
المدعّم بالأسانيد ...
حاربوا الظلم والاحتلال
ساهموا بتاريخ سورية المجيد
وضعوا لبنات أساسية في هذا الصرح العظيم
تعلّمنا منهم:
سفراً من التقاليد المهنية.
أن نكسب أنفسنا قبل كل شيء.
وأن نتسلّح بالعفة والتعفف
وأن نقف إلى جانب المظلومين
ولو عزّلاً، إلا من رداء الواجب والرسالة
وبعد رحلة الكفاح ترجل الفارس
وانسحب من الساح لمرض أو شيخوخة أو سفر.
وغابت عنا وجوه مريحة
كنا تعوّدنا فيأها أيام القيظ
ودفأها أيام القر.
وعرفنا فداحة الخسارة
لكننا لا نستطيع استعادتها
وأحسسنا بالواجب تجاههم
ماذا لو خصصنا يوماً من العام احتفاءً بهم
نذهب إليهم، ونطرق أبوابهم،
وننشر بين أيديهم المهابة والوقار
ونطلعهم على حال التلاميذ
ومسيرة المهنة السامية
ونطلع على شؤونهم وأحوالهم وماذا فعلت بهم الحياة بعد التقاعد
ماذا حل بأسرهم وبأسر من مات منهم
ونصغي بخشوع:
لصوت بعيد، يردد الآتي صداه،
يقول معاتباً:
لمثل هؤلاء
لا يكفي الانحناء.
تقبلوا تحياتي