عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2005, 10:20 PM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
المحامي ناصر الماغوط
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي المرسوم 95 لعام 2005 ذكرى أليمة في تاريخ القضاء في سورية

المرسوم رقم 95 لعام 2005
ذكرى أليمة في تاريخ القضاء في سورية


تحت عنوان الإصلاح القضائي صدر مؤخرا المرسوم رقم ( 95 ) تاريخ 3/10/2005 وتم بموجه صرف واحد وثمانين قاضيا من الخدمة ضمن ما أطلق عليه خطة الإصلاح القضائي في سورية، وراحت وسائل الإعلام تسوق المرسوم على أنه خطوة هامة على طريق إصلاح القضاء مع أنه مرسوم مرعب وخطير وإجراء استثنائي غير دستوري على الإطلاق وهو يزيد ليس في تبعية القضاء للسلطة التنفيذية بكل أجهزتها فحسب بل هو يخضع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية خضوعا مذلا ومهينا. وبناء على ذلك يمكننا القول بأنه ذكرى أليمة في تاريخ القضاء في بلادنا.
يوجد في سورية اليوم حوالي ألف ومائتي قاض، سرح منهم واحد وثمانون قاضيا دفعة واحدة، أي ما يعادل نسبة سبعة بالمائة من القضاة الموجودين، وبذلك صارت غرفهم ومكاتبهم فارغة. كيف سيتم تسوية الأمر ومن سوف ينظر في القضايا التي كانت موكلة إليهم؟ حتما سوف يجري توزيع هذه الدعاوى والمهام على القضاة الموجودين ليزيد ذلك في الإطالة والمماطلة والابتزاز أكثر مما هو موجود أصلا.
يتفق معظم العاملين في القضاء والمحاماة، من يعرفون جيدا هؤلاء القضاة المشمولين بالمرسوم المذكور على أن نسبة قليلة من هؤلاء المصروفين من الخدمة هم ممن يستحقون مثل هذا الإجراء فعلا، أما النسبة الأعظم منهم لا يستحقون ذلك أبدا. لا نعرف ما هي المعايير التي على ضوئها تم إجراء تلك الدراسات التي أوصلتهم لاختيار هذه الأسماء دون غيرها. حتى هذه اللحظة ثمة قضاة لا يزالون على قوس العدالة ولم يشملهم هذا المرسوم مع أنهم أخطر بكثير من أولئك المصروفين. لكن ثمة حديث عن لوائح جديدة هي قيد الإعداد ومراسيم قيد الصدور، ومثل هذه الشائعة كافية لتربك وترعب، وبالتالي "تكربج" القضاة الشرفاء قبل الفاسدين وتدفعهم جميعا لمزيد من الانبطاح أمام السلطة التنفيذية بكل فروعها ومسمياتها، مع تأكيدنا بأنها لن تثني الفاسدين عن الفساد، على العكس، قد تزيد من اندفاعهم ومن تهورهم في طريق الفساد والابتزاز والانخراط في شبكات مافيوزية متنفذة لحمايتهم من تضمينهم في قوائم قد تصدر بمراسيم مستقبلية، وذلك استنادا على قاعدة "حك لي لأحك لك" حيث يعمدون لتمرير القرارات التي يريدها هؤلاء المتنفذون مقابل توسط هؤلاء المتنفذين لهم وإبقائهم في مواقعهم.
من البديهي القول أن مسيرة الإصلاح هي كل متكامل. لا يوجد في نظرنا إصلاح قضائي مستقل عن باقي أنواع الإصلاح الأخرى السياسي منها والإداري والاقتصادي والاجتماعي والمالي والأخلاقي.. الإصلاح هو طريق بعدة مسارات يتطلب منا السير عليه على التوازي ولا يجوز أن يكون عبارة عن عملية دعائية وكلام حق يراد به باطل.
ومن المهم أيضا أن نوضح أن الإصلاح لن يرى النور إطلاقا إذا كان من خلال إجراءات استثنائية، الإصلاح يستلزم السير على قواعد ثابتة تكرس دور القانون والمحاسبة وتفعل عمل المؤسسات. من هو صاحب الاختصاص الذي أعد تلك الدراسات عن هؤلاء القضاة وقرر أنهم فاسدون؟ بالأصل صاحب الاختصاص مؤسسة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى. لماذا لم يعط مجلس القضاء الأعلى دوره؟ أما كان من الواجب عرض الموضوع على المجلس ليدرس الأسماء ويصدر قرارا بذلك حسبما هو منصوص عليه في الفقرة (أ ) من المادة 67 من قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961
ثم لماذا إلغاء حق المتضررين من هذا المرسوم باللجوء للقضاء للنظر بقرار صرفهم؟ أليسوا مواطنين سوريين أولا وأخيرا، وحقهم في التقاضي والمحاكمة العادلة هو حق مقرر لهم في الدستور السوري وتحديدا في الفقرة الرابعة من المادة الثامنة والعشرين منه؟ وبالتالي ألا يشكل مثل هذا المرسوم اعتداء سافرا على الدستور؟
من الجدير إثارة هذا الموضوع أمام المحكمة الدستورية العليا لتأخذ دورها في حماية الدستور والقانون بالطريقة المنصوص عنها في المادة 145 من الدستور.
السيد رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو الساهر على حماية الدستور وعلى تطبيق القانون، لذلك نتوجه إليه بكل احترام وتقدير ملتمسين منه التوجيه لوزير العدل وباقي الأجهزة بعدم سلوك هذا الطريق الاستثنائي مستقبلا لأنه يشوه صورة البلد ويسيء إليها أكثر مما يحاولون إعلاميا تسويقه على أنه إصلاح وردع للفاسدين وخطوة إلى الأمام
أخيرا بقي أن نقول بأن مرسوم صرف هؤلاء القضاة هو بمثابة حكم بالإعدام عليهم، فلم يعد من حقهم العمل بالمحاماة لأن نقابة المحامين تعتبر نفسها بأنها ليست مقلب نفايات، عدا أن قانون ممارسة مهنة المحاماة رقم 39 لعام 1981 يشترط في الفقرة الثامنة من المادة التاسعة منه على أن يكون المتقدم لممارسة مهنة المحاماة "غير معزول أو مطرود من وظائف الدولة" إلا إذا اعتبرت النقابة أن الصرف من الخدمة لا يعني العزل أو الطرد وهذا الأمر متروك لنقابة المحامين التي نتوجه إليها باقتراح أن تقبل من يعرفهم السادة الزملاء من المحامين على أنهم كانوا قضاة محترمين أو لنقل كانوا أقل فسادا من غيرهم، ممن كانت لقمتهم صغيرة، ليتم قبولهم في النقابة أما الفاسدين جدا فيتم رفضهم. لكن ما هو المعيار الذي سيتم تبنيه لتعريف من هو الفاسد ومن هو الأقل فسادا؟ خصوصا إذا علمنا أن الفاسدين، بما يتوفر لديهم من إمكانيات مادية قوية، قادرون على إقناع الآخرين بنظافتهم ونزاهتهم أكثر من غيرهم من خلال الرشاوى والضغط.
لاحظوا معي كيف أن الفساد هو أخطر داء يصيب المجتمع، يخربه ويدمر قيمه ويشوه أبناءه.

منقول عن المحامي ناصر الماغوط: ( كلنا شركاء ) 10/10/2005







رد مع اقتباس